بين الحاضر والماضي اختلفت أجواء الاحتفال بالأعياد والمواسم فلم تعد الزيارات العائلية كما كانت في السابق ولم تشهد البيوت المصرية "لمة العيلة" كما عهدتها قديما ولم تحتفظ صلة الأرحام بقيمتها التي أوصي بها الله تعالى في القرآن الكريم وأكدت قيمتها السنة النبوية واقتصرت التهاني بين الأفراد عليى رسالة "فيسبوك" أو "واتساب" لتتحول أجواء العيد من زيارات عائلية إلى رسائل إلكترونية جافة لا تضيف لحامليها سوى تباعد في العلاقات الإنسانية.. و عن "فرحة العيد" وأجواء الاحتفالات كيف اختلفت بين الحاضر والماضي؟ فرحة العيد تقول الدكتورة سامية الخضر أستاذة علم الاجتماع في إن الفن هو المسئول الأول عن تباعد أفراد الأسرة الواحدة لافتة إلى اختلاف أجواء الاحتفال بالأعياد بين الماضي والحاضر حيث كانت الأسرة المصرية قديما تنتظر الأعياد بلهفة وشغف لتجتمع أفراد الأسرة حول الأب الذي يمضي أكثر من نصف يومه في العمل فيجد الأبناء من المناسبات فرصة لتلتف حوله وتغترف من حنانه ودفء وجوده إضافة إلي الزيارات العائلية فكان الأهل والأقارب يجتمعون حرصا لتبادل التهاني عن قرب وهو ما يعزز من الروابط بينهم ويجعل العلاقات العائلية قوية ومتماسكة . لمة العيلة تضيف وهي تلتقط أنفاسها وكأنها تسترجع رائحة الزمن الجميل فتقول إن الأبناء كانوا يستعدون لاستقبال العيد داخل المنزل فكانت الفرحة تكمن في "لمة العائلة" التي يأتي العيد ليحققها ولكن بمذاق خاص ومميز تذوب فيه رائحة الكبار من الأجداد وعطف الآباء ووجود الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة حيث يجد رب الأسرة فرصة للاطلاع علي شئون ابنه او ابنته في حديث دافئ يتدخل فيه الأهل والأقارب ليسود جو عائلي ممتع للجميع. العيدية تشير إلي العيدية فتقول: كان لها مذاق خاص فكنا ننتظرها بفارغ الصبر ونتسابق لالتقاطها ونفرح بها كثيرا ونشعر وكأن قطعة من السماء صارت بين قبضة يدنا ونعبر عن سعادتنا عندما نظل نقفز بلا تعب كما أن هناك فرحة أخري وهي ملابس العيد التي كنا نفرض عليها حصارا لعدم المساس بها وكان بعضنا يقضي ليلة العيد نائما علي الأرض ليضع الملابس الجديدة علي السرير ظنا منه أن ذلك سيحفظ مظهرها وجمالها إلي أن تأتي صلاة العيد فنذهب ونشارك فيها ونشعر وكأن العالم تجمع في هذه البقعة من الأرض من شدة الزحام وتوافد الناس لقضاء صلاة العيد: "كانت فرحة حقيقية". أين ذهبت الفرحة الحقيقية؟ تقول أستاذة علم الاجتماع إن الزحام في الطرقات والشوارع أثر علي فرحة العيد وانتقص من قدر الاستمتاع بالرحلة فعندما تقرر أسرة الآن الخروج للتنزه في المواسم والأعياد يؤذيها شعور الزحام وتكدس المرور وهو ما يجعلها متضررة من النزهة قبل بدءها مضيفة أن الجيل الجديد جيل ضيق الخُلق وعديم الصبر:"معندوش طول البال بتاعنا زمان وعايز كل حاجة بسرعة" وهو ما يجعله سريع التحول من شخص في طريقه إلي التنزه مع العائلة إلى شخص متضرر بسبب سوء الحالة المرورية . أفلام الزمن الجميل تشير إلي الفن فتقول إنه المسئول الأول عن تباعد أفراد الأسرة الواحده فقديما كانت العائلة تلتف حول مسلسل أو فيلم له قيمة ورسالة هادفة أما الآن فإن الشاشات تشهد عنفًا وتحريضًا وتعديا علي المرأة وتشجيع الأبناء على التجرؤ علي الآباء بحجة الحرية الشخصية ولم يعد المحتوى المعروض جاذبًا فكيف تجتمع الأسرة في الأعياد والتلفزيون لا يعرض مادة ثمينة وجاذبة متسائلة عن أفلام الزمن الجميل التي كانت تبعث قديما نوعًا خاصًا من الدفء داخل المنزل وتحقق حالة من الراحة النفسية لهدوء المحتوي المقدم وسلاسة العرض وبساطة التعبير وخفة وقع الألفاظ علي النفس فكانت سببا في تجمع أفراد الأسرة: "زمان كان فيلم حلو بيجمعنا دلوقتي الفن بيأذينا نفسيًا" مطالبة بإعادة الصوتيات والمرئيات وصوت القاهرة من جديد وحسن اختيار برامج الأعمال الفنية التي يتم عرضها خلال أيام العيد مؤكدة أن سوء الاختيار للأعمال المفترض عرضها في المناسبات يتسبب في نفور الأبناء من المنزل. وانتقدت وجود التكنولوجيا إذ تراها أحد أقوى العوامل التي أفسدت الروابط الأسرية وقطعت الصلات بين أفراد العائلة حيث أصبحت الاحتفالات إلكترونية والتهاني عبر رسائل جافة لا تحمل بين حروفها ودًا ولا شعورًا بالمحبة وهو ما قتل لذة التهنئة مؤكدة أنها لا تستمتع برسائل التهنئة التي تأتيها عبر الانترنت وتتذكر حينها كيف كانت التهاني في الماضي وكيف كانت فرحة العيد حينئذ: "التكنولوجيا قتلت فرحة العيد". الاحتفال أصبح ديجيتال يقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي إن أجواء الاحتفال بالمواسم والأعياد اختلفت بسبب التكنولوجيا التي شوهت "فرحة العيد" واغتالت "لمة العائلة". ويضيف أنه آسف علي الجيل الحالي الذي لا يراه مستمتعًا بأجواء العائلة ومكتفيًا برسائل وسائل التواصل الاجتماعي في تبادل التهاني بينه وبين الأهل والأقارب :" كل سنه وانت طيب كلمة فقدت تأثيرها النفسي" لافتا إلي الرسائل الإلكترونية وأنها لا تؤثر كما لو تصافح الأشخاص وسمع كل منهما الآخر وجها لوجه :" أجواء الاحتفال الحقيقية راحت ضحية التكنولوجيا". مشاعر مفقودة ويؤكد استشاري الطب النفسي أن من يقتصرون علي التكنولوجيا في إرسال التهاني لبعضهم البعض لا يستشعرون الفرحة الحقيقية وإنما يعيشون فرحة مزيفة تتمثل في منشور علي فيسبوك أو رسالة علي واتساب :" احتفال العيد أصبح ديجيتال " ويشير إلي ما قبل الألفينيات: "زمان كنا نجري ورا الخروف والجزار ونشتري لبس العيد ونسهر لحد الصلاة أما الآن يحتفل الشباب بالعيد علي الموبايل". وبنبره آسفة علي عادات الزمن الجميل قال استشاري الطب النفسي: أنصح الجيل الحالي باغتنام فرصة الأعياد للتواصل مع الأهل والأصدقاء والأقارب عبر الزيارات والتخلي عن التهنئة الإلكترونية التي دمرت الروابط بينهم وأفقدتهم بهجة العيد وفرحته الحقيقية وأقول لهم تجاهلوا الإنترنت الذي ساعد علي انتشار الانفصال الاجتماعي رغم تقارب الأجساد. تهنئة إلكترونية جافة يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إن هناك عوامل أدت إلي اختفاء المظاهر الوجدانية الحقيقية للمواسم الدينية منها الحياة المادية وتراجع الرضا والقناعة الذي جعل الناس تبحث عن الجانب المادي ولا تعتني بالأمور الوجدانية . ويضيف أن التكنولوجيا المعاصرة في التواصل جعلت الناس يتشبهون بالأجانب في تبادل التهاني برسائل إلكترونية جافة لا طعم لها ولا أثر طيب في النفوس وهو ما تسبب في التفكك الأسري والعائلي بقلة الزيارات وندرة السؤال. صلة الأرحام في خطر ويري معالجة ما تسببت فيه التكنولوجيا من قطع صلة الأرحام وانغلاق الفرد علي نفسه مكتفيًا بهاتفه والانترنت في تفعيل دور التوعية السليمة من خلال تركيز المساجد علي آداب العيد ومظاهره الفقهية والإسلامية بالإضافة إلي تفعيل دور الإعلام الديني بأنواعه المختلفة وتسليط الضوء علي صلة الأرحام لافتًا في ذلك إلي قوله تعالي :" فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم"، وأيضًا ما جاء في السنة النبوية: "من أحب أن يُبسَط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه"، مؤكدا أن تعظيم شعائر الدين وأعلاها صلة الأرحام بمفهومها الواسع سيعيد رونق المواسم الدينية.