أظلم الأوقات في تاريخ الأمم هي الأوقات التي يؤمن فيها الإنسان بأن الشر هو الطريق الوحيد للخير.. تلك الكلمات سطرها الكاتب أحمد مراد في مقدمة روايته »تراب الماس» التي أهداها لرجل الفرصة الأخيرة الرئيس محمد نجيب.. وهي نفس السطور التي سبقت تقديم الفيلم الذي يحمل اسم الرواية ومن إخراج »مروان حامد» في ثالث تعاون بينهما حيث قدما من قبل فيلمين »الفيل الأزرق».. و»الأصليين». في فيلم »تراب الماس» نجح مروان حامد في أن يقدم لنا فيلماً شديد الإمتاع احترم فيه العمل الأدبي ولم يقم بخيانته مع إنها الخيانة الوحيدة المسموحة كما قال لي المخرج الكبير داوود عبدالسيد.. في أن من حق مخرج الفيلم السينمائي أن يخون النص الأدبي طالما ذلك يدخل في إطار الإبداع السينمائي.. وهو ما نجح فيه بامتياز »مروان حامد» الذي استطاع أن يثبت موهبته بجدارة منذ أول أفلامه القصيرة »لي لي» المأخوذة عن قصة قصيرة للأديب الراحل »يوسف إدريس». »تراب الماس» هو حالة رصد للمجتمع والحياة في مصر علي مدي سبعين عاماً تقريباً.. وإن كانت الأحداث تبدأ من ليلة رأس السنة وأول يناير سنة 2018.. عندما يكتشف »طه الزهار» مقتل والده »حسين الزهار» القعيد المصاب بالشلل الذي يتابع كل ما يدور في الشارع من خلال النافذة .. »حسين الزهار» أو الفنان »أحمد كمال» الذي قدم دوراً مميزاً للغاية بعد مقتله وإصابة ابنه الذي يعود ويفتش في أوراق والده الذي عاش معه يخدمه ويرعاه يكتشف أسراراً مروعة لم يكن يتخيلها.. ومن خلال »الفلاش باك» تعود الأحداث إلي بداية سنة 52 وقيام الثورة وتولي الرئيس محمد نجيب الرئاسة.. ليقوم الضباط الأحرار بعزله سنة 54 وظل لا يغادر مقر اعتقاله لمدة زادت علي تسعة وعشرين عاماً.. هذه الرؤية التاريخية وهي حقيقة ثابتة لكنها تحمل وجهة نظر أن »الشر» الذي لجأ إليه الضباط كان هو من وجهة نظرهم الطريق للخير للبلد وبداية جديدة في تاريخ مصر.. وما حدث بعد ذلك من عدوان ثلاثي ورحيل اليهود عن مصر ومنهم »الجواهرجي ليتو» الذي رغم مصريته إلا أنه خان الوطن.. وعندما يكتشف الطفل الصغير »حسين الزهار» ذلك يقوم بوضع ملعقة من تراب الماس له في الشاي ليصاب بمرض غريب ويموت.. لقد فعل »حسين الزهار» الصبي الصغير ما فعله »ليتو» في قطة ابنته تونة بعدما أصيبت بالسعار. وبعدها ترحل »تونة» وشقيقتها ووالدتها إلي إسرائيل وقد تزامن ذلك مع القضية الشهيرة »لافون» وسقوط شبكة الجاسوسية الإسرائيلية. »الشر» الممثل في القتل الذي لجأ إليه »حسين» كان بهدف الثأر من خيانة »ليتو» ويعضد مقولة إن »الشر هو الطريق الوحيد للخير» وذلك عن »فلسفة العدميين» في كتاب »الجمعيات السرية» لعلي أدهم. • • بعد مقتل »حسين الزهار» وعثور ابنه »طه» الصيدلي علي مذكرات والده تتكشف أمامه حقائق كثيرة أن والده هذا الرجل المسالم البسيط أسير المقعد المتحرك.. الذي كان يعمل مدرساً للتاريخ قرر أن يكون أداة لتنفيذ العدالة من كل المفسدين والفاسدين في المجتمع.. ولهذا لم يكن غريباً أن يذهب إلي »محروس برجاس» رجل كل العصور وبدهاء شديد يدس له »تراب الماس» في كوب الشاي.. هذا التراب يصيب الإنسان في الرئة بأورام هي والمريء وببثور وطفح جلدي يتوفي الإنسان بعدها بشهر تقريباً وليس له علاج. »طه» الذي اكتشف سر والده بدأ يبحث عن قاتله.. وكانت الشبهات تدور حول »سرفيس» يقوم بالدور محمد ممدوح.. الذي يكتشف انه يعمل لحساب »وليد سلطان» رجل الشرطة ذي الرتبة العالية الذي يدير في الشارع ويسهل كل العمليات الممنوعة.. ولعل من سوء حظ »حسين الزهار» أنه من خلال المنظار المكبر شاهده من النافذة.. لكن الضابط لمحه في لحظة إضاءة النور في الغرفة من قبل الابن »طه». وفي نفس الخط يلتقي »طه» ب»سارة» جارته التي تعمل منتجة لأحد البرامج الحوارية الشهيرة.. وهي نفسها التي عثرت علي طه مصاباً أمام باب شقته ليلة مقتل والده.. وبعد خروجه من المستشفي تنشأ بينهما علاقة مودة وصداقة ويكتسب كل منهما ثقة الآخر وعندما تتعرض »سارة» للاعتداء الجسدي علي يد المذيع الشهير الذي تحبه »شريف مراد» أو »إياد نصار» الذي يقوم بتصوير ممارساته الجنسية مع الفتيات وعندما تواجهه بذلك يقوم بضربها ضرباً مبرحاً والاعتداء عليها رغم زواجهما عرفياً.. »سارة» قامت بدورها »منة شلبي» في أداء رائع يحسب لها.. ويضيف إليها الكثير. توطدت علاقة »طه» ب»سارة» بعد اكتشافها بأن الأول قتل »سرفيس» ويروي لها الحكاية من البداية وكيف أن المقدم »وليد سلطان» جاء لتهديده وحاول هو وسرفيس قتله.. ونصحها بأن الحل الوحيد بأن تنتقم لنفسها وللأخريات من »شريف» وتقتله بتراب الماس.. ولا تتوقف تهديدات »وليد» بل يطلب من »طه» قتل أبي »برجاس» باختصار شديد إن دائرة الفساد الكبري تشمل الجميع سواء في الشرطة أو رجال السياسة والمال. وبذلك يصبح الحل التخلص منهم ومن الفساد الذي ينخر كالسوس في المجتمع.. ليتأكد المعني بأن »الشر هو الطريق الوحيد للخير». لقد نجح مروان في أن يقدم فيلماً ناجحاً في كل عناصره الفنية.. وكم كان موفقاً في اختيار ممثليه »آسر ياسين»، »منة شلبي»، »إياد نصار»، »صابرين»، »بيومي فؤاد»، »أحمد كمال»، »محمد ممدوح» وعلي رأس كل هؤلاء القدير »ماجد الكدواني».. و»شيرين رضا» في دور جديد تماماً عليها. الموسيقي التصويرية الرائعة ل»هشام نزيه».. والمونتاج أحمد حافظ.. والتصوير أحمد المرسي.. والديكور محمد عطية الذي كان متميزا للغاية.. أي أن كل العناصر الفنية توافرت وتضافرت معاً.. في تقديم فيلم سينمائي ممتع يحترم عقل المشاهد.. ويحمل العديد من الأفكار التي قد تتفق أو تختلف معها لكنك في النهاية تحترم وجهة النظر المقدمة إليك.