أربعة أعوام علي رحيل واحدًا من أبرز رواد فن الكاريكاتير المصري والعربي.. الفنان العبقري مصطفي حسين الذي رحل عن عالمنا 16 أغسطس 2014 .. ورغم مرور أربعة أعوام علي رحيله إلا أنني مازلت أراه كل يوم من خلال أعماله التي تركها لنا وللأجيال القادمة كعلامة من علامات الفن التشكيلي المصري والعربي بل والعالمي .. الحديث عن فنان بحجم مصطفي حسين ليس سهلًا .. فالفن يجري في دمه ، وبين أنامله التي ترسم وكأنها تعزف أجمل وأرق الألحان .. كان يتمتع بنبوغ لا ينضب ، ووصل إلي مكانة فنية يندر تكرارها .. عرفته جيدًا من خلال عشقي لريشته قبل أن ألقاه في المرة الأولي عام 1993 بدار أخبار اليوم العريقة .. مكثت في العمل معه منذ اللقاء الأول وحتي رحيله في أغسطس 2014.. ولن أبالغ عندما أقول انك تستطيع أن تقرأ ملخصًا لتاريخ مصر من خلال كاريكاتير مصطفي حسين .. نعم كان يلخص مشاكلنا وهمومنا بريشته الساخرة الساحرة ، بأسلوب يعكس ما يدور في الأذهان تجاه قضايانا المتعددة وتكون دلالاتها أوسع وأشمل.. كان يرسم البسمة كل يوم وينشرها في ربوع الوطن ، وكان يمسح بريشته دموع الضعفاء والمظلومين من خلال مهاجمة من ظلموهم .. رأيته شامخًا صابرًا في مواجهة المرض اللعين .. كما رأيته متواضعًا متسامحًا لا يكره من أساءوا إليه.. قال عنه بيكار : سيصبح أهم رسام في مصر ، وقال عنه توأمه أحمد رجب : إنه أحسن رسام في العالم . غابت ريشته ، ولكن اسمه لن يغيب أبدًا .. فأعماله التي تركها ستظل ساطعة.. سوف تبقي رسومه التي تحكي تاريخ مصر السياسي والاجتماعي أمامنا .. ريشته غابت ولكن عبقريته وخفة دمه ستظل من خلال إرث كبير تركه لنا وللأجيال القادمة علامة من علامات الفن التشكيلي المصري والعربي بل والعالمي .. عبقرية فنان .. كتاب جديد وبمناسبة ذكري رحيله سيصدر لي خلال ساعات كتاب ضمن سلسلة »كتاب اليوم» الثقافية برئاسة أ علاء عبد الهادي رئيس التحرير .. الكتاب عنوانه »مصطفي حسين .. عبقرية فنان» .. هذا الكتاب نتاج عمل ثلاث سنوات متواصلة .. كتاب تم جمع محتواه بحب من تلميذ لأستاذه .. نعم كان الهدف من جمع هذه المعلومات والرسوم أن أضعها في رسالة علمية من أجل الحصول علي درجة الماجستير من كلية الفنون الجميلة .. تلك الكلية التي تخرج منها الفنان العظيم مصطفي حسين .. كنت محظوظًا عندما كُلفت من هذا العملاق - فنًا وحجمًا - بتنفيذ الكثير من أعماله الجرافيكية .. كنت أؤدي ذلك وأنا في قمة سعادتي .. عملي معه ساعدني كثيرًا علي الاقتراب من تلك القامة ، ومشاهدته عن قرب ، والتعامل معه لمدة اقتربت من العشرين عامًا .. في تلك الفترة شاهدت انسانيته في التعامل مع البسطاء ، ورأيته كيف يذلل لهم العقبات ويتوسط لدي الكبار لخدمتهم .. فهؤلاء تجدهم يملأون مكتبه كل يوم ، ولا أبالغ عندما أقول إنه لا يعرفهم جيدًا ، ولكن بابه دائمًا مفتوح لكل من يقصده .. شاهدته يتوسط لعلاج من يحتاج علاجًا علي نفقة الدولة .. شاهدته يتوسط لدي الوزراء لعمل أبناء البسطاء في إحدي الوظائف ، هذه إنسانية مصطفي حسين التي لا يعرفها الكثيرون عنه. عندما اخترت ذلك العبقري موضوعًا لرسالة الماجستير أخبرته علي الفور ، وكان ذلك قبل رحيله بشهور قليلة .. كان سعيدًا جدًّا بذلك، وتمني لي التوفيق في تلك المهمة الشاقة ، حيث كان هو يفتقد الاهتمام بجمع أعمالة القديمة وأرشفتها .. بالطبع كنت أتمني أن يكون عونًا لي في جمع محتوي الرسالة وأن يكون علي رأس الحضور يوم مناقشتها.. ولكن القدر لم يمهله الوقت لذلك .. الكتاب يضم عشرة فصول تحكي عن تاريخ فن الكاريكاتير في الصحافة .. وميلاد الفنان مصطفي حسين ونشأته ودراسته ، والفنانين الذين تأثر بهم ، ثم مشواره الطويل في الصحافة ، وبراعته في رسم الصور الشخصية والرسوم التوضيحية المصاحبة للموضوعات الصحفية .. والتاريخ الذي صنعه من خلال الكاريكاتير السياسي والاجتماعي.. ومرورا بالشخصيات التي أبدعها بالتعاون مع توإمه الكاتب الساخر الكبير أحمد رجب .. كما يتناول أحد فصول الكتاب براعته في التصميمات الجرافيكية وإبداعه في رسم أغلفة ورسومات كتب الأطفال .. والفصل الأخير يحكي أسرارا من حياة الانسان مصطفي حسين.. الكتاب يضم مجموعة صور ورسومات تنشر لأول مرة .. مقاسه 17 x 24 سم وعدد صفحاته 250 صفحة بالألوان علي ورق كوشيه .. لقد اجتهدت قدر المستطاع في جمع محتوي هذا الكتاب الذي يتحدث عن قامة كبيرة ، قلما نصادفها في حياتنا .. وإن كان هناك قصور فأرجو التماس المعذرة .. فأنا أجمع تراث فنان عظيم نجح في حفر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ مصر .. ولم يستطع أحد أن يوفيه حقه في كتاب واحد .. وكلي أمل أن يواصل محبوه والمتخصصون وتلاميذه تسليط الضوء والبحث في سجلات »أكفأ ريشة في تاريخ مصر».. كما أطلق عليه أستاذه رخا.