أسعار الذهب اليوم والسبائك وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات السبت 5 أكتوبر 2024    «تايم لاين».. حزب الله يشن 23 هجوما على قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال 24 ساعة    مجلس الوزراء الإسرائيلي يقرر الرد على الهجوم الإيراني    أوجسبورج يهزم مونشنجلادباخ بالبوندسليجا    مدرب إسبانيا: أحمق من لا يهتم بفقدان استضافة المونديال    ميدو: أكبر غلطة عملها الأهلي هي دي.. والجمهور حقه يقلق (فيديو)    تحذير هام من الأرصاد للسائقين أثناء القيادة على الطرق الزراعية و السريعة    اليوم.. محاكمة إمام عاشور في الاعتداء على فرد أمن بالشيخ زايد    بلومبيرج: البنتاجون سينفق 1.2 مليار دولار لتجديد مخزون الأسلحة بعد هجمات إيران والحوثيين    رئيس شعبة الدواجن: مشكلة ارتفاع أسعار البيض ترجع إلى المغالاة في هامش الربح    عودة خدمات إنستاباي للعمل بعد إصلاح العطل الفني    فرص عمل وقرارات هامة في لقاء وزير العمل ونظيره القطري، تعرف عليها    مصدر يكشف أزمة جديدة قد تواجه الزمالك لهذه الأسباب    "تم فرضهم عليه".. تصريحات صادمة من وكيل أحمد القندوسي بشأن أزمته مع الأهلي    جيش الاحتلال يوجه إنذارًا عاجلًا بإخلاء مبنى في شويفات الأمراء    عاجل - عمليات "حزب الله" ضد الجيش الإسرائيلي "تفاصيل جديدة"    حقيقة وفاة الإعلامي جورج قرداحي في الغارات الإسرائيلية على لبنان    وائل جسار يعلن علي الهواء اعتذاره عن حفله بدار الأوبرا المصرية    عاجل - حقيقة تحديث « فيسبوك» الجديد.. هل يمكن فعلًا معرفة من زار بروفايلك؟    ترامب يطالب إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية    سلوفينيا تقدم مساعدات عينية لأكثر من 40 ألف شخص في لبنان    عمرو سلامة يختار أفضل 3 متسابقين في الأسبوع الخامس من برنامج «كاستنج»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    ضربة قوية ل الأهلي قبل مواجهة الهلال في دوري روشن    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    مدير سيراميكا عن – مفاوضات الزمالك مع أحمد رمضان.. وتفضيل عرض بيراميدز على الأبيض ل أوجولا    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    إجراء تحليل مخدرات لسائق أتوبيس تسبب في إصابة 8 أشخاص بالسلام    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    الحوار الوطني| يقتحم الملف الشائك بحيادية.. و«النقدي» ينهي أوجاع منظومة «الدعم»    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    لمدة 12 ساعة.. قطع المياه عن عدد من المناطق بالقاهرة اليوم    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن مشاهد نزوح اللبنانيين: الأزمة في لبنان لن تنتهي سريعا    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    دعاء قبل صلاة الفجر لقضاء الحوائج.. ردده الآن    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    اندلاع حريق داخل مصنع بالمرج    حبس تشكيل عصابي متخصص في سرقة أسلاك الكهرباء واللوحات المعدنيه بالأأقصر    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    هيغضب ويغير الموضوع.. 5 علامات تدل أن زوجك يكذب عليكي (تعرفي عليها)    لمدة 5 أيام.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها (تفاصيل)    عز يرتفع من جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 5 أكتوبر 2024    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    الجيش الأمريكي: نفذنا 15 غارة جوية على أهداف مرتبطة بجماعة الحوثي اليمنية    المصرية للاتصالات: جاهزون لإطلاق خدمات شرائح المحمول eSim    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    تفاصيل الحلقة الأولى من "أسوياء" مع مصطفى حسني على ON    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    تناولت مادة غير معلومة.. طلب التحريات حول إصابة سيدة باشتباه تسمم بالصف    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد المنعم رمضان الهائم في برية القصيدة :آبائي في الشعر كثيرون .. والآخرون ليسوا مرايا

ذهبت إلي عبد المنعم رمضان بعد تحضير أسابيع استعدادا لحوار طويل منتعلا أسئلة تحاول أن تكشف ما لا يمكن كشفه من أسرار الشعر في مملكة شاعر كبير، دخل المشهد الشعري منذ السبعينيات.
من قافلة الشعراء المشاكسين الذين أعلنوا الغضب منهجا جماليا، لكنه انحاز إلي قبيلة التعدد في مواجهة قبيلة الواحدية، فصار الشعر »أصواتا»‬ لا إضاءة واحدة.
ومن دون أن ننحاز إلي طائفة شعرية دون غيرها نقول إن تجريب السبعينيات كان مرحلة جمالية ومعرفية، قدمت الكثير، نجحت أحيانا وفشلت أحيانا، لكنها اجتهدت في السير في دروب وعرة، لتخلص الشعر من كهانة الأبوية ومن صيرورته التي كادت أن تتكلس عبر تماسها مع السياسي انضواء تحت جناحه، فجاء ذلك الجيل يعلن عقيدة شعرية مغايرة باتجاهين: الأول لم يرفض الآباء بالكلية لكنه حاول ترويض إرثهم في لعب جمالي، يستسلم حينا للموسيقي، وإن جدد في ألحانها، لكنه لم يقتل موسيقي الأب الشعري التي قدمها جيل الستينيات.
أما الاتجاه الثاني فطور من دون أن يعلن مانيفستو عقيدته الشعرية، وقال إن الشعر أصواتا، وإن الشاعر فرد يكتب عن نفسه، فقد انتهي الشارع وعدنا لأوطان من غرف ضيقة، تتسع فقط بالإبداع، وليس الإبداع رافعة لما يقوله الشارع الواسع أو صدي له.
في هذا الاتجاه برز عبد المنعم رمضان بهمس فرداني حميم، منذ أن قطع المسافة الغامضة بينه وبين آبائه الجماليين وهم كثر. اقترب حينا وابتعد أحيانا لكنه كان ابنا مخلصا للجمال، يحاول أن يجعله معيارا له، لا تنساه القبيلة الشعرية.
منذ ديوانه الأول حتي ديوانه الأحدث »‬الهائم في البرية» الذي صدر قبل أيام وضع عبد المنعم بصمة ما غامضة ومغوية، وشق له طريقا وحده مستلهما أدونيس حينا وصلاح عبد الصبور أحيانا وحجازي الذي كان أول الكبار الذين قرأوا قصيدته وتنبأوا له بالموهبة.
في الحوار الطويل مع عبد المنعم رمضان حاولت الابتعاد عن السيرة الذاتية التي كتبها، لكنني لم أستطع، فقد صاغ منعم سيرته قصيدة قبل أن يلم شعثها ويرتق جروحها في سيرة الإسكافي. فكلما حاولت الابتعاد عن السيرة بدت لي ملامح الفتي الذي يتهجي الطريق متكئا علي أب هنا ورفيق هناك وصدي هناك.. لكنه كان دائما كالإسكافي يارتق الطريق قبل الحذاء وينتعل ظلا ليقول شجرة.
ومع نهاية اللقاء لم ينته الحوار بعد مع رمضان لأن الأسئلة كانت كثيرة فاتفقنا علي أن نقطف قطفة من أثر الكلام بيننا ونشر ما تسير من تأويل مشترك بيننا ونرجيء الباقي، وهو كثير، لحوارات أخري. ومجالات أوسع مدي في النشر. والأسئلة نعال الطريق والطريقة وخرقة المحبة بين شاعر وصحافي وقارئ.
قلت أنك خاصمت الشعر وخاصمك عشر سنوات عجاف فهل صالحته بديوانك الجديد »‬الهائم في البرية» أم صالحك الشعر؟
ذات مرة كنت أقرأ في كتاب »‬طريق الفيلسوف» ودون إرادة اكتشفت أنني أفكر في طريق الشاعر، كانت فتحات وجهي، عيناي وأذناي وأنفي وفمي، كلها كانت تصب معارفها في قلبي أولا، وليس في عقلي، بدأتُ هكذا: جسد صغير داخله قلب صغير جدا وفارغ ونقي، لمّا في آخر الطفولة وأول الصبا قابلت (هانم) ذات الأصابع الستة، حلمت أن أملأ قلبي ببعض المعارف، علّني أدهشها، فأحاطني صوت أبي وبراءة أمي، ثم أحاطتني أغانيهما الصوفية والحسية، ثم تدحرجت اللغة فوق لساني وجعلتني ألتذُّ وأطرب، كان أبي وأمي واللغة هم المرشدون الأوائل الذين يحملون المعرفة إلي قلبي، الذي بدوره كان يتسع ويكبر، ومع ذلك تظل مساحة الفراغ داخله هي هي، وعندما بدأت الإنصات إلي قصائد الشعر التي أحببت أصواتها حتي ولو لم أفهمها، بدأ قلبي يتسع أكثر، فيما مساحة الفراغ هي هي، كان الفراغ لا يكفُّ عن مطالبتي بالسعي أكثر وراء تلك المعرفة، ومع الوقت أصبح قلبي أكبر من جسدي، وفاض حولي، دون أن تختفي مساحة الفراغ فيه، آنذاك كتبت الشعر الذي جعلني أحلم وأدرك أن قلبي سيكبر ويصبح بحجم العالم، وأن معارفي مهما بلغت لن تستطيع أن تخفي بقعة الفراغ داخله، أظن أن ديواني »‬غريب علي العائلة» كان أحد تجليات هذه الحمُّي، حمُّي السعي وراء المعرفة القلبية عن طريق اللغة، عن طريق صوت اللغة، أي عن طريق الشعر، ولمّا انفتحت عيناي علي العالم، وأبصرتاه، وحدّقتا إليه، جحظتا جدا، فمعارفي لن تتمكن من تغييره، لن تتمكن من مقاومة أسباب خلله، آنذاك كانت (مصر) وهي المكان الذي أعرفه أكثر، تضطرب تحت أقدام البرابرة، المحميين ببرجوازيتهم الرثة، وبضعف البروليتاريا الرثة أيضا، كانت العفونة هي الرائحة الطاغية، مما جعلني أشعر بالخوف علي كل ما عرفته، وانتقل قلبي من دور جامع المعرفة، إلي دور حارس المعرفة، فترة الانتقال هذه كانت فترة صمت إلي حد ما، خِفتُ فيها من الشعر، إلا أنني فوجئت بقلبي الذي أصبح هكذا بحجم العالم، وببقعة الفراغ التي هي هي، فوجئت بهما قلبي والفراغ، يجبرانني أن أصبح »‬الهائم في البرية».
في البدء كان الأب.. وفي الختام لا يكون. ثمة نظرية عن قتل الأب، وثمة حكمة عن تسلق كتف الأب لنري العالم أفضل.. لك آباء كثيرون في المشوار الشعري فكيف تتعامل مع الفكرة وبأي نظرية أو حكمة؟
في أول الجامعة قرأتُ صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وحفظتهما، كأن ديوانيهما »‬أحلام الفارس القديم» و»‬مدينة بلا قلب» سوف يحرسان ما أريد أن أكتبه من قصائد، أيامها أحببتُ شعر صلاح، لكنني كنت أكثر ميلًا إلي شعر حجازي، فاخترته أبًا، كنتُ أسيرًا لمراهقتي، أظنني كنتُ فرحًا بطاقته علي الغناء والإنشاد، وبارتمائه في أحضان الحياة، وسعيه بين الأرصفة والمقاهي، بين الأنظمة البائدة والأنظمة المنشودة، كما اعتقدت أيامها، كنت فرحًا بلغته اليومية التي تشبه ولا تشبه لغة الناس الذين حولي، اخترت حجازي، وذهبت إليه، ولمّا قابلته غمر حماستي وخجلي بتحية نشرها في »‬روز اليوسف» وقبل أن أعلّق ذراعي في ذراعه، قبل أن أصحبه إلي أٌقاليم النهار والليل، فاجأني ورحل إلي باريس، وعاد بعد عقدين من الزمان، أكثر أو أقل قليلًا، في أول باريسه كان محمومًا فكتب أجمل دواوينه »‬كائنات مملكة الليل» بعد ذلك لم تستطع باريس أن تغيره إلي الأفضل، بردتْ باريس ثم فترتْ ثم ترهلتْ، وكأنها أصبحت محض صعلكة سياسية، ولمّا عاد إلينا، عاد بوجه مفرود وتجاعيد داخلية، إيّاك أن تظن أنها تجاعيد الأسد، أو تجاعيد الطاووس، إنها تلك التجاعيد التي ثقبت روحه واخترمت شعره، فكشفت خزائنه التي أصبحت خاوية تقريبًا إلا من بعض الهواء الراكد، رحلة حجازي نقيض رحلات طه حسين والحكيم، إنها أكثر شبهًا برحلات عبد الحكيم قاسم، ولا تعجب إذا قلتُ لك وسيد قطب، رحلات غرام وانسحاق بالذوبان في الغرب أو كراهيته، عاد حجازي بخيال شعري مقيّد، مثل الخيال الديني المقيّد الذي أصاب قطب، هكذا خِفْتُ علي نفسي من محبتي المستمرة له، لكنني لم أستطع أن أنسي شبابه الشعري، لم أستطع أن أكرهه، وعلي مسافة خطوة من وقت تعرفي الأول علي شعر حجازي، تعرفت علي شعر أدونيس، »‬قصائد أولي» و»‬أوراق في الريح» و»‬أغاني مهيار الدمشقي» و»‬خالدة» كلها رافقتني قبل بلوغي سن الرشد الشعري، وبعده، إذا كنتُ قد بلغتُ حقًا، لذا استطعنا أن نتآخي أدونيس وأنا، رآني وأنا أمشي علي يمينه أحيانًا، وعلي يساره أحيانا، فلم ينزعج، رآني وأنا أبتعد وأقترب، أدركَ أننا أصبحنا أخوين بملامح غير متطابقة، بملامح حريصة علي الاختلاف، لمّا أمسك يدي شعر أن يده لا تحتوي يدي، ولمّا أمسكت يده شعرت أننا يدان ولسنا يدًا واحدة، دلّني علي نفسه فاستدللتُ، ودللته علي نفسي فأومأ.
مع حجازي كانت الأبوة ذات معني واضح، أن أمشي خلفه، لذا جريت كثيرًا كي أمشي أمامه، ومع أدونيس كانت الأبوة أن أنسي أنه أبي، فنسيتُ، وتعلمتُ من النسيان، يبقي المازني، الوحيد الذي أستطيع أن أبكي علي كتفيه، أن أنحني أمامه، أن أتمني لو أن أصابعه تدغدغ فروة رأسي، (جزء من قصيدة منعم عن حجازي).
لماذا؟
المازني بالنسبة لي بيت بملايين الأبواب، أدخل من كل باب وأي باب، وأخرج أيضا من كلٍّ وأيِّ، للمازني صورة الأب الذي لا تخيفني أبوته، أبوة أدونيس أليفة وصعبة، لأنه مختوم بخصوصيته، لذا هو يدعوك إلي الصراع السري، إلي الانسلاخ، وأبوة حجازي أليفة وسهلة، لأنها مختومة بعموميتها، لذا هو يدعوك إلي الإذعان العلني، إلي الاندماج، مع حجازي تكفَّل الزمن بقتل أبوته لي، فعصمني من قتله، وأصبحت أزور شعره زيارتي لمقام أحد الأولياء، ومع أدونيس تكفَّلتْ ملامح قلبه شديدة القرب، والتي لا يصلح معها الإخفاء والتنكر، تكفَّلتْ بزراعة المسافة الضرورية بيني وبينه فعصمتني من قتله، فأصبحت أقرأ شعره قراءات جديدة، تكاد تمتد، تكاد لا تنفد، وأصبح أدونيس نفسه، أصبح رفيقي، لا يفعل سوي أن يراقبني مادمت أمشي بمفردي، وسوي أن أراقبه مادام يجتاز الحدود، الوحيدان اللذان بقيا أبوين لي وبقيت ابنهما المطيع أو العاق، هما: أبي المازني وأبي.
رغم محبتك لأبيك الذي عرَّاك موته، لم تسلك طريقه في الحكي وصرت شاعرا، أليس في هذا قتل؟
أبي كان حكّاءً، مهارته أخافتني من سحر الحكايات، لذا ابتعدت عن السير في طريقه، كنت أخاف من فتنته، في السر كنت أدور حول حكايات تخصني، شرطها أن تظلَّ تحت فتنة الشعر، وليس تحت فتنة المرأة، أبي كان يحوّل حكاياته إلي شبكة لصيد الجميلات، وأنا أبحث عن صيد آخر، لمّا مات أبي، أهاجني غيابه، وتعرّيتُ، وخشيت أن أستخدم شباكه، وبحثت عن الحكايات التي هي من صميم الشعر، وبحثت عن متاهة، وألّفتُ سيرتي، وألِفتُها، لا يهم أنها مطابقة للواقع أم مطابقة للخيال، الأهم أنها سيرة الثاني... الخيال، وقالب الأول... الواقع، فكانت سيرتي واقعًا متخيلًا، مثلما أتصور شعري واقعا متخيلًا، كأنني هربت من الخيال الصرف الذي لا أحتمله، ومن الواقع الصرف الذي لا أحتمله أيضًا، ظنًّا مني أنه هكذا تكون المتاهة، هكذا أكون الإسكافي.
ولماذا لم تستلم لحكايات الأب البيولوجي وتصبح روائيا؟
دعني أحكي لك هذه الحكاية، كنا في فرنسا، عفيفي مطر وأنا، كان يحمل قريته علي ظهره، وكنت أحمل حقيبة صغيرة فيها بعض قصائدي، وفيها ما لا أعرفه من أحلامي، كان أكثر ثقة وكنت أكثر طيشا، ذات صباح ذهبنا معا إلي متحف اللوفر، ولأن اللوفر متاهة، اخترنا الاكتفاء بمشاهدة الفن الحديث، أعني بعض الفن الحديث، أذكر أنني أمام لوحة »‬الغذاء علي العشب» لم أستمر واقفا أنظر إليها، فجأة جلست علي الأرض، أعتقد أن كلمة جلست غير دقيقة، فجأة انطرحت علي الأرض كأنني مذهول، تذكرت أول مرة رأيت فيها مستنسخ هذه اللوحة، كانت مجلة الهلال قد نشرته، ونشرت معه تعليق توفيق الحكيم، لكنني، وأمام اللوحة الأصلية، في وضع الجالس علي الأرض، لمحت نظرة عفيفي مطر نحوي، لم تكن نظرة مؤنبة، ولكنها كانت نظرة هازئة، أعترف أنني بالغت في إظهار دهشتي وفرحي، بالغت في استعراض نفسي، مازلت حتي الآن أستعيد نظرة عفيفي وأشعر بالخجل، لم يحدث رغم الزمن الطويل بعدها حتي وفاته، أن كلمني عما وراء نظرته، لكنها كانت تعرض لي إذا رأيت عينيه تمكران وتميلان إلي السخرية من شيء ما، بعد أن قرأت رواية ميلان كونديرا »‬خفة الكائن التي لا تحتمل» تمكنت من الحصول علي تسمية لسلوكي في اللوفر، استخدم كونديرا مفردته (الكيتش) كأنه كان ينظر نحوي نظرة عفيفي، أصبحنا نحن الثلاثة كونديرا وعفيفي وأنا كأننا ثلاثة في فيلم سينمائي، أنا البطل، فيما هما يصران علي اعتزال التمثيل، عفيفي يصر بعينيه، وكونديرا يشير نحوي ويهمس: هذا هو الكيتش، بعد »‬متاهة الإسكافي» أحسست أن الاستمرار في سرد حكايات أبي التي لا يصح حكيها إلا مرة واحدة، أقول أحسست أن الاستمرار سيوقعني فيما لا أريد أن أقوم بتمثيله ثانية، حكايات أبي في »‬متاهة الإسكافي» براءة في المرة الأولي، جر عربة في الثانية، كيتش في الثالثة، يقول الكائن الروسي لنفسه: الحصان الذي لا يشب في أثناء الترويض لا يستحق السرج، يكفيه جر عربة، في المتاهة كنت أشب لأنني كنت الحصان في أثناء الترويض.
ساءلتَ الماضي في ديوانك الأول الذي صدر بعنوان »‬ظل الوقت ظل المسافة» وكان من اختيار أدونيس، لكنك غيرته في الطبعات التالية إلي »‬لماذا أيها الماضي» .. لماذا؟
في سنة 1980م نشرت ديواني الأول »‬الحلم ظل الوقت الحلم ظل المسافة» ضمن مطبوعات »‬جماعة أصوات» صنعناه بأيدينا في طقس من طقوس العمل الجماعي، وفي سنة 1995م نشرت ديواني »‬لماذا أيها الماضي تنام في حديقتي» ولمّا في سنة 2006 م طلبت مني مكتبة الأسرة ديوانًا، مزجتُ الديوانين واستبعدتُ بعض القصائد، وأنشأت لهما عنوانا جديدا هو »‬لماذا أيها الماضي» كنت أقوم بتجربة تنقية بعض شعري من زوائد غير ضرورية، وفيما بعد سوف أعتاد هذه التجربة، أما اسم الديوان الذي اقترحه أدونيس فقصته أن الدكتور جابر عصفور في عام 1994م طلب مني ديوانا لتنشره الهيئة المصرية العامة للكتاب وكان اسمه »‬الغبار أو إقامة الشاعر علي الأرض» قبل أن تصدره الهيئة كان أدونيس قد طلب ديوانًا لتنشره »‬دار الآداب» ببيروت، فأعطيته نسخة من »‬الغبار...» عندها اقترح تلك التسمية »‬قبل الماء فوق الحافة» ولمّا وجدتها تسمية تشبهني وافقتُ، وعندما قابلت سهيل إدريس صاحب »‬دار الآداب» وذكر الاسم أمامي استمتعتُ به، ظلّ حلمي سالم طوال الزمن التالي علي صدور »‬قبل الماء...» يتندر ويقول اسمه هكذا، قبل الماء فوق الحافة الناصية التالية الشارع الذي يليها، قبول اقتراح تسمية ديوان فعل لا يتحاشاه الكُتّاب والشعراء، إنهم غالبًا ما يستأنسون بسماع اقتراحات أصدقائهم كبارًا وصغارًا.
سؤالي أيضا عن ذلك الماضي الذي تساءله فكريا وجماليا، وكيف تمردت عليه بعد السؤال؟
أول الماضي عندي هو الولادة، وآخر المستقبل عندي هو الموت، وخيطي مشدود بين الأول والأخير، والقطيعة آنات متفرقة، تتأجج وتَفْتُرُ، والولادة ليست ولادتي فقط، ولكنها أيضًا ولادة المكان الذي يخصني واللغة التي تخصني، والموت أيضًا ليس موتي فقط، ولكنه موت العالم الذي أتخيل أنني غير قادر علي مغادرته إلي سواه، هذا العالم بشعره ونثره وناسه وتواريخه، وميادينه الفسيحة، تلك الميادين التي توقفتُ وجلستُ فيها طويلًا، ثم أصبحت إزاءها لا أملك أحيانا سوي الحنين المريض، الحنين العاري، هكذا ميدان العروبة، وميدان القصيدة العمودية، وميدان قصيدة الشارع، وإذا رغبتُ في زيارة هذه الميادين، أخلعها من زمني، وأضعها في زمنها، أضعها بعيدًا عني، وأقف أمامها كمسافر، وأحبها كغريب، وبعد أن أعودَ أزيل ما علق بي من تفاصيل، وأغتسل بشدة، شيء واحد لا أستطيع أن أتخلص منه، هو سرها الخاص، الذي أحسب دائمًا أنه سوف تساعدني آليات وجوده وعمله علي العثور علي سري الآن، سري الذي أبحث عنه، حتي شعري يبحث عن كلمة السر هذه، صحيح أنني أعرف أن ظهور هذه الكلمة هو قرين غياب الشعر، انكشاف كلمة السر يساوي موت الشعر، ومع ذلك لن أتوقف عن البحث، ولن أتوقف عن القول بأن أول الماضي الولادة وآخر المستقبل الموت.
لست أري وطني في الحجاز.. جملة دالة علي لسان الحاكم بأمر الله في قصيدة لك. لماذا استعرت الحاكم بأمر الله وهل هي مقولة درامية في قصيدة أم موقف جمالي وسياسي؟
أيام كتبتُ قصائد الحاكم بأمر الله، كنتُ محوطًا بصعود التيار الديني فترة السبعينيات، وكنت خائفًا من الوطن الرمزي، والزمن الرمزي، والحب الرمزي، والشعر الرمزي، صادفت الحاكم بأمر الله في كتب علي أحمد باكثير ومحمد عبد الله عنان وفيما بعد في كتب عارف تامر، وكان الأكثر خفة، صادفت الحاكم، وتعرفتُ معه، أي الحاكم، علي أخته ست المُلك ووزيره برجوان، ثم انفتح الباب أكثر وتعرفت معه علي أحد وجوه أبي العلاء المعري، وأحببت معه الليل الذي أحلّه محل النهار، الليل الذي جعله معاشًا، الليل الذي جعله للعمل والنشاط والرزق، ويئست معه من اقتطاف برتقالة العدالة الإنسانية الضائعة، رأيت الحاكم بأمر الله عابرًا للأزمنة، حتي أنني عندما رأيته يركب دابته ويذهب إلي مكانه السري ولا يعود، تخيلته ترك زمنه، وضلّ عن اللحاق بأي زمن، ساعتها رأيته يحمل القاهرة في عينيه كأنها جوهرته، بحثت عنه لأسرق منه هذه الجوهرة، كنت محمومًا بمطاردته، كنت أراه علي رأس كل زمن، كنت أراه العلامة، وبعد أن هدأت أصبحت أراه الرأس المقطوع، الحاكم بأمر الله، لم يكن حقيقة من حقائقي، فأنا قليل الحظ من ملكية الحقائق، ولم يكن رمزًا من رموزي، لأن رموزي تخايلني وتخاتلني كثيرًا، كان فقط أحد ظلالي، رأيته يتبعني فتبعته، يمشي مليئًا بالفضول المعرفي، الفضول الطاغي، يكاد لا ينتسب لزمن بعينه، فهو في مرة يخرج لي من نشيد الأنشاد لسليمان الملك، وفي مرة يخرج لي من الثورة الدائمة لتروتسكي، آخر مرة رأيته فيها كان يجلس علي السور ويعطيني ظهره، نظرتُ تحت قدميه، رأيت سلة مهملات محشوة بما أسقطه فيها، كانت رائحة زمني التاريخي تنبعث منها، أذكر كانت رائحة زنخة، ولمّا سددتُ أنفي اختفي.
في الديوان قصيدة مطولة إلي عفيفي مطر وأعرف أنك علي خصام مع مشروع عفيفي الشعري؟
صاحبتُ عفيفي مطر في عدة أسفار، صاحبته إلي باريس مرتين، وإلي الرقة بسوريا مرة، في باريس كان غريبًا، رآه بعض شباب العرب المقيمين هناك وكأنه شاعر رعوي، شاعر من غير زمانهم، وفي الرقة تلازمنا أربعة أيام، وفي اليوم الخامس يوم قراءته اختفي في غرفته، قلت لنفسي: لعلّه يغتسل ويتطهر، فالشعر عند عفيفي صلاة، وقلت: لعلّه ينظر إلي داخله، فالشعر عنده داخل، وقلتُ: لعلّه يتدرب علي قراءة قصائده، فالشعر عنده عمل، ما لم أفكر فيه، هو احتمال أنه يفحص كل ظلاله ليختار منها الظل الذي سيلازمه في أثناء القراءة، في الرقة انسجم عفيفي بعض الشيء مع بَعْثيّيها، وكرّموه وشاركتُهم في تكريمه، وتذكرت أول مرة سمعت فيها صوته، كنا في أواخر 1979م، وكان عفيفي قد هرب قبلها إلي العراق، وكنا قد أصدرنا أول دواوين جماعة أصوات للشاعر عبد المقصود عبد الكريم وبمقدمة لي، إذاعة بغداد كانت أيامها تبث علي موجاتها ما أسمته »‬إذاعة مصر العروبة» التي كانت إذاعة مناهضة للنظام المصري آنذاك، سمعت لأول مرة صوت عفيفي يقرأ بعض ما كتبه عبد المقصود عبد الكريم في »‬أزدحم بالممالك» ويقرأ ما كتبته في مقدمتي، امتلأنا، أي »‬جماعة أصوات» بالفرح، صوته ليس نحيلًا، ليس غليظًا، صوته مليء بما لا أعرف، ولكنه يجذبك، صوته صوت شاعر.
بعد مقتل السادات، عاد عفيفي إلي مصر، لكن المؤسسة الثقافية في مهرجانها، أظنه مهرجان شوقي وحافظ، لم تُشركه، ربما لأنه عائد من بغداد، فيما أشركتْ أحمد حجازي العائد من باريس، فأصدرنا بيانًا لندافع عن الأول، عفيفي، ونهاجم الثاني، حجازي، وأقمنا أمسية في الأتيليه اشترك فيها عفيفي وشوقي بزيع وفيما أظن قاسم حداد ومعهم بعض الشعراء السبعينيين المصريين، وأحطناه بالحفاوة، لكن عفيفي الفلاح الطيب، يمكنك أن تقول الفلاح الخائب، هيّأني أكثر من مرة للخروج عليه، مع أنني هيأتُ نفسي أكثر من مرة لمحبته، وذلك منذ قرأت قصائده إلي نفيسة، كان عفيفي مطر صاحب لغة بدت لي حميمة، هكذا في الأول، وصاحب شرفة بدت لي واسعة، هكذا أيضًا في الأول، شُرفته بدت لي أوسع من الشرفة الأقرب إلي قلبي، شرفة سلفادور دالي، ظننتها، أي شرفة عفيفي، تطل علي الأمكنة كلها، علي الأزمنة كلها، لكنه منذ رجع من بغداد واقتربنا منه، رأيناه يكدس داخل غرفته كل أفكاره الكبري وتواريخه الكبري، حتي ضاقت الغرفة وازدحمت، فأحبها هكذا ولم يستطع أن يهجرها، وكدس في قلبه كل مراراته، لا أقول أحزانه، حتي أصبح طعم قلبه يظهر علي فمه وشفتيه بطعم العلقم، بدأ عفيفي فعله الشعري برغبته في هدم الأسوار، هدمها لكنه ترك ركامها ولم يزحه، وانتهي برغبته في حماية صوابه، حماية ما يظن أنه صوابنا أيضًا، فأعاد الركام وجعله أسوارًا صدئة أحاط بها فعله الشعري، فتركناه وقفزنا خارج أسواره، لسانه الذي كان يغني في براءة أصبح لا يكف عن النطق بالوصايا، كنا نحب رائحة لغته، كنا نحب عرق لغته، ونرسم علي إثرهما، الرائحة والعرق، بعض خيالاتنا وأفكارنا، ولكنه أساء بنا الظن.
كيف حدث ذلك وما أثره علي علاقتكم به؟
حسبنا نرسم خيالاته وأفكاره بطريقة خاطئة، عندها ألزم هو اللغة بالأسوأ، ألزمها بما يلزم، ولمّا لم نستطع احتمال رائحة لغته القابضة علي أفكاره وخيالاته، لغته القابضة علي الحقيقة، لمّا لم نستطع احتمال الرائحة والعرق يئس منا، وهاجمنا، وأوغل في مشيه إلي الخلف، حتي صارت المسافة بيننا وبينه مسافة زمن ومسافة مكان ومسافة حياة ومسافة رؤية ومسافة رؤيا، ذلك في الوقت الذي شاهدنا بعيوننا حنجرته وهي تتيبس لتصبح علي مقاس يبوسة ما آل إليه، الحقيقة أنني لم أعد أنتظره، انصرفت عن عدوانية شعره الأخير، لأنها عدوانية لا تحلم، عدوانية تمنع وتسمح، ضاع مني عفيفي مطر، الرائي في العتمة حسب تعبير فاضل العزاوي عن نفسه، وانكسرت عصاه، وأصبح شيخًا من شيوخ أحد الأوقات المهملة، كي لا أقول الميتة، عندما أحنُّ إليه، أحنُّ إلي قصائد »‬نفيسة» وإلي »‬كتاب الأرض والدم» وأصحب معه الحسن بن الهيثم، وآسف لانصرافه عن طريقه التي بدأها، وأتذكر ما كنت أرفضه من عبارة عبد المنعم تليمة، الشعر ينبئ ويتنبأ، كنت أقولها بشكل آخر، الشعر لا ينبئ ولا يتنبأ، عفيفي في آخره حقق شعار تليمة، وكنت أوشك أن أخاصمه، ولعلني خاصمته، لكنني في أحيان كثيرة أحنُّ إليه، وأحن إلي نفيسة، وإلي الحسن بن الهيثم، وأحن إلي خصوماتنا.
انضممت إلي »‬جماعة أصوات» وانضم حلمي سالم إلي »‬إضاءة» كيف تري قصة الجماعتين اللتين أثارتا الضجيج في المشهد الشعري في السبعينيات؟
الجماعتان اللتان مثّلتا شعر السبعينيات المصري تقريبًا، اختلفتا منذ وقفتا أمام باب التسمية، إحداهما احتفلت بالتعدد، احتفلت برغبة أن يكون الكل في الكل، فلجأتْ إلي اسم يعني ذلك، وقالت »‬نحن أصوات»، والثانية احتفلت بالوحدة، احتفلت برغبة أن يكون الكل في واحد، فلجأت إلي الاسم الذي يقول »‬نحن إضاءة»، الأولي بسبب التعدد صنعت دواوين مُفْرَدة مفرِّقة لأصحابها، والثانية بسبب الوحدة صنعت مجلة جامعة لأصحابها، وفي الآونة كلها ظللنا، حلمي سالم وأنا، صديقين نختلف في الشعر غالبًا ونتفق أحيانًا، ونختلف في الحياة غالبًا ونتفق أحيانًا، وموته أصابني ببعض اليُتم الأخوي، خاصةً أنني كنت الأقرب إليه في أيامه الأخيرة.
في حلمي كثير من رعوية عفيفي ولكنه صوفي كما أنت أيضا أو هكذا خدعتني اللغة.. كيف اقتربت من لغة التصوف وأنت ابن لغة الحياة؟
عرفت شجر الليل في البداية أيام تجوالي في حدائق صلاح عبد الصبور، ثم وجدته، الشجر، مزروعا أيضا في حدائق آخرين، لا أزعم أنني أعرف متي زرعوه، قبل صلاح أو بعده، كان التصوف يشغل جيلي ويشغلني، أولا لأننا نهرب به من مباشرة شعر الستينيات كله فيما عدا عفيفي مطر، شعر ما بعد هزيمة 67، نهرب لنحقق أحلامنا حول لغة شعرية خالية من فجاجة المباشرة، وثانيا لأننا أصبحنا راغبين في أن نذوب ونستغرق ونفني في كل ما يفني حولنا، وكأن فناءنا ضمانة خلود للعرضي والزائل والهامشي، كنا نريد أن نندفع بلغتنا ليس وراء السماء التي يراها الجميع، ولكن وراء السماوات التي نرفعها داخلنا ولا يراها أحد، كنا متصوفين بغير خرقة وبغير قطب وبغير إله، كنا متصوفي شوارع، عراة الأجساد وعراة القلوب، من نبذناهم نبذونا وحاولوا أن يُلبسونا بعض ثيابهم المستعملة، كنا نريد أن ننام علي الأرصفة التي صادفت عليها أنسي الحاج والمازني ومحمود حسن إسماعيل والماغوط، كان بعضهم قد خلع خرقته وغرق في صوفية الواقع، ليتني أستطيع أن أفعل.
(أنا شجر الليل) مقولة من مقولاتك تربطك جماليا بابن عربي هل ثمة تأثر هنا بأدونيس الذي كان أول المجترئين في استخدام اللغة الصوفية في طروحاته، ثم سرعان ما يختفي التصوف تحت إشارات الواقع الذي تستدعي فيه آخرين بعيدين عن التصوف كأنسي الحاج والمازني ومحمود حسن إسماعيل؟
أحب أن أعترف دائمًا بأثر أدونيس في تكويني الأول، حتي أنني كتبت مقالة عنوانها »‬أبي أدونيس»، في وقت أحس فيه أكثر بتعدد آبائي، ولعلك تذكر معي مقالة ومقولة »‬أبي المازني»، لكن »‬شجر الليل» بالتحديد عبارة مأخوذة أخذًا مباشرًا من صلاح عبد الصبور، الذي صادفني وراقني تصوفه، ربما قبل معرفتي بأدونيس، في أول مساعينا للمعرفة، أحمد طه وأنا، تعلّقنا بعبد الرحمن بدوي، الذي فتح لنا بابًا أطللنا منه علي التصوف كرؤية ورؤيا وعلي المتصوفة كآحاد مختلفين، وظللنا نقرأه، واعتقدنا أن أدونيس قرأ عبد الرحمن بدوي جيدًا، وإذا كان عبد الرحمن بدوي قدم لنا ابن عربي في مرآة المستشرق الأسباني أسين بلاثيوس فأدخلنا إلي أحد أجنحة التصوف السحرية، أدخلنا إلي خوارق تشبه الشعر، فإن أدونيس ربط بين التصوف والسوريالية، وكنا قد بدأنا الانتباه إلي السوريالية المصرية التي أسس لها شعراء فنانون جمع بعضهم بين السوريالية والتروتسكية، فانتبهنا إلي الثلاثة معا: التصوف والسوريالية والتروتسكية، لنري أنفسنا ونري فنوننا ونري واقعنا، ولم نكن وحدنا هكذا، كان معنا من هم أكثر إخلاصا وفاعلية، رأينا جورج حنين وجويس منصور بصحبة أندريه بروتون الذي قرأنا عنه، ولاحقنا بعضَ ما تُرجِم له، ورأينا أندريه بروتون في صحبة تروتسكي الذي شَغَفَنا بعض الوقت، وتداولنا سيرته التي كتبها إسحق دويتشر، النبي المسلح، النبي الأعزل، النبي المنبوذ، ومع ذلك هل يمكن أن أطمئن إلي فكرة أن أنسي الحاج خلا من التصوف والسوريالية، هل يمكن أن أطمئن إلي أن محمود حسن إسماعيل لم يصبه بعض المسِّ الصوفي، الصحيح أن عبد الرحمن بدوي فتح لنا بابًا أعاننا علي استقبال أدونيس وأنسي، وأن أدونيس فتح لنا بابًا إلي بولس نويا، دخلنا منه إلي النفري العظيم، دخلنا منه إلي صوفيتنا الجافة والحزينة غالبًا، والمغشوشة أحيانًا، دخلنا منه إلي صوفيتنا وسورياليتنا اللتين يعصف بهما الواقع.
ماذا فعل بك هذا الواقع وماذا فعلت به؟
يمكن أن أقول الواقع المزري، دخلنا منه إلي صوفيتنا وسورياليتنا وتروتسكيتنا اللواتي والتي أصبحت بائسة، السؤال الآن لماذا أصبحنا بائسين، بلغة أكثر دقة، بائسين جدًا، بائسين حتي النخاع، في صبانا تعلمنا الكثير من كتاب أرشيبالد ماكليش، الشعر والتجربة، تعلمنا الكثير مما كتبه عن قصيدة بودلير »‬جيفة»، تعالوا نقرأ معًا قصيدة جيفة.
لماذا يحضر الآخر في قصيدتك بكثافة وأنت المعني بلغة الذات وهمسها في المرايا؟
عندما كتبت ما زعمت أنه قصيدة عن محمود أمين العالم، ورسمت إلي جوار الكلمات خريطة لخطِّ سيره اليومي منذ خروجه من بيته بجاردن سيتي ومرورًا بالسفارة الأميركية وتمثال سيمون بوليفار والجامعة الأميركية وشوارع وسط البلد، عندما كتبتُ القصيدة ورسمتُ الخريطة ونشرتهما في جريدة القدس اللندنية، فوجئت بأن صديقي الكاتب والروائي المغربي محمد برّادة قد غضب مني، هكذا علمتُ، وازداد غضبه عندما كتبت عن محمود درويش، هكذا علمتُ أيضا، لم أكن بكتابتي أناكدُ برّادة، لم أكن أناكد نفسي، لم أكن أناكد أحدًا، كنت فقط أحاول أن أختلف عن آدم، أبينا آدم، فآدم كان الأنا بمفردها دون وجود آخرين، كان الأنا المطلقة، حتي حواء لم تكن إلا ضلعه الأعوج، إنه المفرد بصيغة المفرد، بورتريهاتي إصرار علي أنني لست آدم، وأن عقوبتي لن تكون الخروج من الجنة، بورتريهاتي هي إصرار علي أن النار والجنة، ليس بطريقة سارتر، ولكن بطريقة المتصوفة، علي أنهما الآخرون، النار والجنة هما الآخرون، الآخرون الذين ليسوا مرايا، لأنني لست في حفل يعكس فيه الآخرون صورتي، الآخرون كما قلت وكما سأؤكد هم جنتي وجحيمي، ومقام الجحيم ليس أدني من مقام الجنة، الاقتصار علي دخول أحدهما عجز، فادخلوهما بالشعر إذا كنتم شعراء، ادخلوهما بالنثر إذا كنتم شعراء ناثرين، بالشهيق والزفير، ادخلوهما هكذا: جيم جنة، جيم جحيم، علي الرغم من ابتذال الكثيرين لهذه العبارة.
من حيث المضمون الجمالي للقصيدة أنت أقرب إلي أدونيس ولكن في طرائق الأداء الشعري أنت أقرب إلي صلاح عبد الصبور. هل ثمة تفسير لما يمكن تسميته تناقضا بين الفكرة والأداء هنا؟
العالم ليس واسعًا ضيقًا إلي هذا الحد، العالم ليس أدونيس وصلاح عبد الصبور وحجازي فقط، إنه أيضا أنسي الحاج والماغوط وشوقي أبو شقرا وفؤاد رفقه ويوسف الخال وتوفيق صايغ، إنه أيضا عفيفي مطر ومحمود حسن إسماعيل، إنه أيضا سعيد عقل وميشال طراد، إنه أيضا أصحاب ديوان النثر يحيي حقي وأمين نخلة، إنه أيضًا سعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر والسياب وبلند الحيدري، إنه أيضًا أنا وأنت، إنه أيضًا رفاقي، إنه أيضا الذين أتوا بعدي، والذين أتوا بعدهم، العالم ليس واسعًا ضيقا إلي هذا الحد، صلاح عبد الصبور أصابني بالألفة، وحجازي أصابني بالغناء والإنشاد، وأدونيس أصابني بالخفاء والتجلي، والذين بعدي أصابوني بشعر الحياة اليومية، والقدامي أصابوني برغبة المشي تحت الشعر كأنه أول سقف قبل السماء، بعضهم أجبرني علي إحناء رأسي ففارقته، وبعضهم أجبرني علي رفع الرأس إلي أعلي فصبرت عليه حتي تعلمت، صاحبت أبا نواس فألِفتُ النظر في عيون الناس والكائنات والأشياء حتي عشقت التحديق، وصاحبت المتنبي فعشقت النظر في عينيّ، كنت أغمض عيني وأنظر فيهما كأنني مسرنم، العالم ليس واسعًا ضيقًا إلي هذا الحد، يمكنك أن تحب علاء خالد، يمكنك أن تحب عماد أبو صالح، يمكنك أن تصدق وألا تصدق بعض الدعاية حول البعض الآخر، العالم ليس ضيقًا، أدونيس جرم كبير، وصلاح جرم كبير، وحجازي جرم، وأنت جرم، لا تحسب أنك جرم صغير.
وماذا عن لغة هؤلاء؟
لغة صلاح لغة مبذولة أكثر، لغة لا يهمها الإتقان، الإمعان عند صلاح هو الأَولي بالرعاية، لغة حجازي لغة محمولة أكثر، لغة يهمها صوابها، تهمها موسيقاها، فالإنشاد عند حجازي هو الأَولي بالرعاية، لغة أدونيس لغة مغسولة، يهمها أن تكون له، أن يكون لها، لغة تهمها براءتها، فالبراءة عند أدونيس هي الأَولي بالرعاية، ومع ذلك، فالعالم ليس واسعًا ضيقًا إلي هذا الحد، العالم ليس ضيقًا، كُنّا في صِبانا نعتقد أن اللغة بنت المكان، فأشعنا فيما بيننا أن اللغة العربية لغات عربية، لغة عربية مصرية، ولغة عربية شامية، وعراقية، إلخ إلخ، صلاح وحجازي وعفيفي مطر ومحمود حسن إسماعيل وغيرهم، وأنا وأنت، نحاول أن نتوهج باللغة العربية المصرية، نحاول أن نطبع اللغة بالجغرافيا، كما نطبعها بنتيجة الحائط، كما نطبعها بالرؤية، أمّا الرؤيا فقادرة علي التجاوز، قادرة علي السفر خارج الجغرافيا وخارج نتيجة الحائط، وخارج الرؤية، تبهجني اللغة عندما أصطادها، عندما أجدها فوق رأسي وتحت قدمي، وتبهجني الرؤيا عندما أسعي خلفها ولا ترضي أن تستكين لي، وتجبر لساني علي بعض التحولات، تجبره علي مفارقة المكان أحيانًا، القصائد الجميلة التي شغلتني هي تلك التي استطاعت أن تعقد الصلح بين اللغة والرؤيا، أظن أن العبارة الأخيرة خاطئة لأنها افترضت ثنائيةً ما بهدف التبسيط، أدونيس شاعر رؤيوي، وصلاح شاعر رؤيوي أيضًا، وحجازي شاعر الوقت، شاعر مقتضي الوقت، لذا هو يغني لمعاصريه، لكن أدونيس شاعر لغة شعرية خاصة، وحجازي شاعر لغة شعرية عامة، وصلاح شاعر مقتضي اللغة، لذا هو عابر سبيل، ومع ذلك فالعالم ليس واسعًا ضيقًا إلي هذا الحد، العالم واسع واسع.
شاركت في ثورة يناير والثورة عمل جماعي وليست قصيدة.. هل تصالح الفردي مع الجماعي في الميدان ؟
الشعر ليس راهن الحياة، إنه أبطأُ كثيرًا، والحياة ليست راهن الشعر، إنها أسرع كثيرًا، والمعادلة التي تحاول أن تجمعهما علي وجهي ورقة واحدة، تحت أسماء شعر الحياة أو حياة الشعر، معادلة تقتلهما معًا، في الثورة، أعني لحظة فورة الثورة يصبح، ولو تعسفًا، الكل في واحد، وفي الشعر، أعني لحظة فورة الشعر، يصبح، ولو طواعية، الواحد في الواحد، ولا تناقض، فالتناقض ظاهري فقط، والشعر المصري لم يفشل في مقاربة الثورة، لأن أولا خطوات الشعر أبطأ وأضيق من خطوات الثورة، ولأن ثانيا القصائد التي زعم أصحابها أنها قاربت الثورة، كانت محض أناشيد، لها حق تاريخي في استعادتها كذكري، وليس لها حق فني في استعادتها كشعر.
لم يكن سؤال الثورة جملة اعتراضية لكني طرحته لأن الثورة عيش علي الحافة وقصيدتك كما قال إدوار الخراط قصيدة الحافة. كيف تري هذا المصطلح المراوغ فنيا وجماليا؟
حكيت ذات مرة أن الشعراء عندما يقفون علي الحافة، يصبحون إما قطيع هداهد (جمع هدهد) أو قطيع كلاب ( جمع كلب)، وضربت مثلا بالشعراء الهداهد، وسمّيتُ محمود درويش، ويمكن أن أسمّي معه أحمد عبد المعطي حجازي ونزار قباني، ويمكن أن أسمّي غيرهم، واعتبرت نفسي مثالًا واضحًا للشعراء الكلاب، ووضعتني مع كثيرين ممن أحبهم ومع بعض ممن أصبحت أرتاب فيهم، وأصل الحكاية، أن الهدهد اقترب من النهر عندما عاني من العطش، وعلي صفحة الماء رأي صورته، ففتح عينيه علي آخرهما ونظر إلي الصورة، وظل هكذا، ظل الفاتن المفتون، ظل الواقف علي الحافة، يري صورته ويدعو كل الآخرين أن يروهما معًا، هو والصورة، هو والظل، إنه الهدهد الجميل، فيما يروي الحكّاءون أن كلبًا ضالًّا استبدّ به العطش، فاقترب من حافة النهر، لكنّه شاهد علي صفحة الماء كلبًا آخر، تترجرج هيئته، نحن نعرف أنه شاهد صورته، نعرف ونعرف ونعرف أن الكلب الأصلي فزع وتراجع ونبح، ولمّا غلبه الظمأ عاد إلي حافة النهر، وحاول أن يهش صورته، ولم ينجح، فألقي بنفسه في الماء، واختار الغرق، هكذا فعل المتصوفة والحالمون والثوريون والشعراء، لكنني مع ذلك قبل كل غرق أنصح نفسي بنصيحة حمزاتوف، لا تكن عجولًا في تبديل الأحصنة، وإذا تعب الناس من السفر فإن العقلاء يقولون لأنفسهم نحن مرضي ويذهبون إلي الأطباء، والشعراء يقولون لأنفسهم نحن المرضي ويمعنون في السفر.
وأنت علي الحافة هل تغني لنفسك أم للجميع.. وهل استخدمت عنوان قصيدة والت ويتمان »‬أغنية نفسي» لتعني عبد المنعم رمضان أم تعني القارئ أيضا؟
ذات مرة رأيتهما متجاورين، هنري دايفيد ثورو ووالت ويتمان، كان ثورو الأكبر بثلاثة أعوام، وكان سلامة موسي أول من أوصلني إليه عن طريق كتابه »‬هؤلاء علموني» وعلي جذع شجرة مقطوعة رأيت كتابيهما، »‬والدن وحي الغابة» لهنري ثورو، و»‬أوراق العشب» لويتمان، ومثلما كان ثورو يتعلم كيف يستغني عن الأشياء، لا كيف يملك الأشياء، ويتعلم عبادة الطبيعة، كأنْ يزاملها، كأن يكون في الأرض والجبل والنهر والشجر والحيوان والطائر، كان ويتمان يفعل الفعل ذاته، ويحاول القبض علي الوجود كله، فالأشياء جميعها متساوية في القيمة، وهو نفسه، والت ويتمان، جزء من الأشياء الأوّلية البدائية، في كتابه »‬قصة عن الحب والظلام» يحكي عاموس عوز حكاية لَفَتتني، يحكي أنه بعد مرور عدة أيام تجرأتُ، أي عاموس، وتزوّدتُ بمجلد قصائد أوراق العشب للشاعر الأمريكي والت ويتمان، لقد حدّثتُ (أورنا) عنه في الأمسية الأولي، ذهبتُ وطرقت باب غرفة أورنا في المساء، ولمّا جلست بجانبي علي السرير المغطي بشرشف شرقي، قرأت لها من »‬أوراق العشب» بترجمة هلكين، عند هلكين شعرت بحفاوة عاموس عوز بالمترجم، حفاوته بالوسيط، ومثله أنا الآن أحتفي بالوسيط، عرفت قصائد ويتمان عن طريق الشاعر سعدي يوسف، وعن طريق أمين الريحاني الكاتب المهجري صديق جبران خليل جبران، عن طريقه سمعت لأول مرة باسم والت ويتمان، كان الريحاني علي اتصال أدبي حميم به، وعلي اتصال شخصي حميم أيضا، هكذا أصبحت صاحب فضول حول ويتمان، أترقب ما يصادفني من لافتات تدلني عليه، إحداها لافتة قصدنا أن نهملها ونهمل صاحبها، لأننا كنا قد أهملنا ذات يوم، كل تلاميذ رشاد رشدي، إلا أن ماهر البطوطي تلميذ رشدي نقل إلينا باقة من شعر ويتمان، دلتنا أيضا علي حساسية البطوطي، علي الرغم من أنه ليس شاعرًا، في بعض الأحيان يكون الشعراء هم الأشخاص الخطأ والأقل جدارة بترجمة الشعر، خاصة بعض الشعراء المنذورين فقط لإخفاء قلوبهم تحت صفحة الماء، أذكر أن معهد العالم العربي بباريس، عندما احتفل ببلوغ أدونيس سبعينه، وذلك سنة 2001، أصدر كتابًا بالفرنسية ضمَّ مقالات لشعراء وروائيين ونُقّاد من محبيه، حليم بركات وجابر عصفور ورجاء النقاش وعلي حرب وكمال أبوديب وأنطون مقدسي وخالدة سعيد وهشام شرابي وفيصل دراج وغيرهم من الفرنسيين والعرب، وفي مقالتي، المُقامة بينهم، اعترفتُ بأن ميلي إلي ترجمات أدونيس أقل بشكل ملحوظ من غرامي بكتاباته، لأنني بسبب عكوفي علي أدونيس أعرف أن ترجماته لا تخون شعره وأنها تحمل طابعه أكثر، هكذا أدونيس، وهكذا دائما الشعراء الذين يجعلون اللغةَ بيتَ الشعر، عمومًا مازلتُ آملُ أن يُقْبِل أشخاص عديدون وليس شخصًا واحدًا علي ترجمات أخري لشعر ويتمان، ترجماتٍ بعددهم، حتي نتمكن، نحن القرّاء، من وضع شهيق المترجم وزفيره خلف شهيق ويتمان وزفيره، في سبيل أن يعيش القارئ علي حافة صاحبه ويتمان أكثر مما هو علي حافة مترجمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.