بعد أن أخذت الكثير من الجهد والوقت في إنشائها وتجديدها وكلفت الدولة مليارات الجنيهات، تحولت بعض الطرق الرئيسية من أداة لتسهيل سير السيارات وتقليل الزحام ومنع الحوادث إلي »مقلب» لمخلفات البناء والنفايات وذلك بسبب إهمال المسئولين في المحليات وعدم المتابعة الدورية من الجهات المعنية.. قلب العاصمة يئن ايضا بسبب تراكم مخلفات المباني بصورة زادت عن الحد بالشوارع الرئيسية وامام المنازل واعلي واسفل الكباري مما يؤدي إلي ارتباك حركة المرور بصورة تصل إلي اصابتها بالشلل التام وقد شجع علي ذلك عدم قيام المسئولين بالأحياء بدورهم علي الوجه الأمثل.. فكل شيء أصبح مباحاً خاصة مع انتشار ظاهرة البناء العشوائي بدون تراخيص. »أخبار اليوم» قامت بجولة علي بعض الطرق الرئيسية في محاولة للوقوف علي التجاوزات ورصد المخالفات وإلقاء الضوء عليها، للمساهمة في حماية المشروعات القومية والبنية التحتية، ومنع تفاقم الأزمات وإهدار المال العام. مئات الأطنان من »الردش» تغلق مداخل ومطالع الدائري.. ومقالب قمامة علي جانبي محور المشير مواطنون: نشعر بمعاناة يومية.. والمشكلة بلغت حداً لا يمكن السكوت عنه بدأت الجولة من أعلي الطريق الدائري بمحافظتي القاهرةوالجيزة والذي لا تنتهي أعمال صيانته ومزدحم مروريا بصورة مستمرة، وقد باتت جنباته مرتعا لأصحاب ورش الكاوتش، بالاضافة الي انتشار أكوام مخلفات المباني التي تنتشر بصورة مكثفة في مداخل ومطالع الدائري، وأسفله ايضا، وخاصة في مناطق المنيب والمريوطية وفيصل والهرم، كما توجد أكوام ثابتة من بقايا الطوب الأحمر والحجري واللبن، ترتفع لعدة أمتار أعلي الطريق في المناطق الواصلة بين موقف العاشر بمدينة السلام، وحتي بداية مدينة السادس من أكتوبر، بعضها اتخذ مكاناً ثابتاً له بالقرب من سلالم الصعود والهبوط، يعرفها كل السكان المحيطين بها لاستخدامه وقت الاحتياج إليه، والبعض الآخر يتفرق علي جنبات الدائري عند محطات بداية ووصول سيارات الميكروباص. هذا بخلاف عدم وجود حواجز خرسانية في بعض المناطق ومكسورة في مناطق أخري، وهي مشاهد جميعها تبدو عبثية في طريق رئيسي سريع يربط ويطوف حول معظم أنحاء محافظتي القاهرةوالجيزة. أطنان علي الدائري وعند التحدث مع السائقين والمواطنين فوق الطريق الدائري، قال صفوت شعبان، سائق ان مخلفات المباني أصبحت أزمة خطيرة توحشت في الشوارع الرئيسية والميادين العامة بسبب البناء العشوائي الذي زاد عن الحد لغياب الرقابة الأمنية وتهاون المحليات، وهذه المخلفات يتم القاؤها نهاراً وليلاً وقد تسبب في ارتباك حركة المرور خاصة في أوقات الذروة. ويضيف فتحي ابراهيم سائق: للأسف السبب الرئيسي في انتشار مخلفات الهدم والبناء بهذه الصورة في الشوارع هو عدم قيام المسئولين في الأحياء بدورهم وعدم محاسبتهم لسائقي النقل وأصحاب عربات الكارو الذين يحملون هذه المخلفات ويلقونها في الشوارع، والخطر يزداد علي الطرق السريعة وقد يؤدي لوقوع حوادث يروح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم. ويؤكد احمد فؤاد سائق: ان الطريق الدائري وخاصة في مناطق محافظة الجيزة به أكوام هائلة من مخلفات البناء التي تغلق مداخل ومطالع الدائري.. وهناك أكوام متراكمة بكثرة اسفل الكوبري الدائري المتجه إلي صفط اللبن وفيصل وهناك أطنان هائلة في منطقة المريوطية وبولاق الدكرور. مشاهد مؤسفة بعد جولة الدائري كان هناك مشهد عبثي آخر ينم عن حالة من الفوضي والإهمال الجثيم، شُوهد في عدد من الطرق والمحاور الجديدة التي أفتتحت مؤخرا، خاصة بالقرب من محور المشير طنطاوي، والتي تتمثل في »أكوام» من حمولات »الرتش» -المخلفات الصلبة من الخرسانة والحجارة- يتم تفريغها وإلقاؤها علي الحارات الجانبية لهذه الطرق، ورغم أن هذه المنطقة تقع بين مقلبي قمامة مخصصين لتلك المخلفات الصلبة والعضوية، وهما مقلب الوفاء والأمل ومقلب الطوب الرملي واللذان أثير حولهما أيضا مشكلات عدة بسبب مخالفتهما للبيئة وتأثيرهما علي صحة أهالي المنطقة والانبعاثات الكريهة التي تخرج عنهما، لكن مع عدم وجود رقابة يتساهل السائقون ويفرغون حمولاتهم علي الطريق. كما كان هناك مشهد آخر أكثر قسوة وينم عن إهمال جسيم وفوضي عارمة في انعدام الرقابة متمثل في شارع احمد حلمي الذي يتسع لأكثر من أربع سيارات في الجانب الواحد منه، أغلقت أغلب حاراته عمداً، الفاعل يراه الجميع يومياً، عربات كارو تمر في الشارع باحثة عن مكان مناسب لإلقاء ما تم جلبه من بقايا مخلفات مبانٍ، أكوام كبيرة من الرتش تراصت علي جانبي الشارع الرئيسي المؤدي لشارع رمسيس، محاولات كثيرة قامت بها سيارات النظافة لحمل تلال »الرتش»، ولكن سرعان ما تعود تلك التلال للظهور مرة أخري خلال أيام قلائل، تظل موجودة في الشارع لمدة تزيد علي الأسبوع، حتي تعود سيارات النظافة مرة أخري وتحملها بعيداً، لتتراكم مرة أخري، وهكذا. معاناة يومية الشكوي من ضيق الشارع وانتشار »الرتش» يؤكدها صفوت ابراهيم سائق تاكسي، ويقول : اثناء مروري في شارع أحمد حلمي اشعر بمعاناة يومية ومتكررة من انتشار أكوام الرتش علي جانبي الطريق التي تؤدي الي تعطل الطريق في أوقات الذروة، والسبب واضح للجميع، وهو بناء العديد من البنايات المخالفة، والتي تعاقد أصحابها مع عربات الكارو للتخلص من بقايا الطوب والرمل من داخل الأبنية بعد هدم بعضها لبناء أحدث منها علي مساحات أكبر، ولعدم وجود منفذ حقيقي لإلقاء المخلفات بات الشارع هو المكان الوحيد الذي تستغله عربات الكارو. انتقلت أزمة شارع أحمد حلمي بامتداد المكان، وصولاً للطريق المؤدي إلي موقف عبود، حيث تراكمت تلال »الرتش» علي الطريق، التي حولت مهمة وصول المواطنين للموقف الي معاناة تستوجب المرور بين سيارات متكدسة ومخلفات بناء تملأ المكان، ويقول اسامة سيد سائق ميكروباص بالموقف: »ساعات بنقف أكتر من ساعة نستني العربيات تمر واحدة واحدة لأن الشارع ضيق بسبب الرتش، وطلبنا من مسئولي المحطة وضع حد لتلك المشكلة، ولكنهم فشلوا في التعامل مع سائقي الكارو الذين يتسم أغلبهم بالبلطجة، بالإضافة إلي عدم وجود رادع لهم». مسئولية من ؟! ويأتي السؤال: أين المسئول عن حماية هذه الطرق التي كلفت ميزانية الدولة مليارات الجنيهات؟ ومن المسئول عن أرواح المواطنين التي تهدر بسبب هذا الإهمال؟.. مسئول سابق في وزارة النقل، قال: إن مسئولية الإهمال تتحملها الجهة المشرفة علي الطريق، لافتا إلي أن محور المشير وما حوله يتبع إشرافه لمديرية الطرق والنقل بمحافظة القاهرة، بينما مسئولية الإشراف علي الطريق الدائري تتبع هيئة الطرق والكباري، وأضاف: توجد في كل جهة أو منطقة إدارة مسئولة عن صيانة الطرق من مهام عملها المرور بشكل يومي لمتابعة الحالة الفنية للطريق وملاحظة أي مشاكل أو عيوب وتداركها، وعمل محاضر للإشغالات والتعديات ورفع المخلفات وإزالتها فورا، ذلك أنه إذا لم تتم أعمال صيانة الطريق بشكل دوري ستتفاقم مشاكله وبالتالي ترتفع تكلفة إصلاحه. وأوضح المسئول السابق: أن المخلفات التي يتم تفريغها علي الطرق غالبا ما تكون في أوقات متأخرة من الليل، حيث يصعب ضبط الفاعل أو مشاهدته، وبالتالي هنا تكون الجهة المشرفة علي صيانة الطريق هي المسئولة عن إزالة المخلفات بشكل فوري- لعدم معرفة الجاني- حفاظا علي حياة المواطن وتسهيلا لحركة المرور ولأن مستخدمي الطريق ليسوا مذنبين حتي تظل هذه المخلفات عائقا في طريقهم. حملات لرفع الإشغالات من جهته، أكد اللواء عادل ترك، رئيس هيئة الطرق والكباري، أن الهيئة تقوم بعمل حملات شبه يومية لرفع الاشغالات الموجودة علي الطريق الدائري، دون فائدة، الأمر الذي يستوجب أن يكون هناك تعاون وتفاعل حقيقي من كل الجهات والأجهزة المعنية، قائلا: »غدا ستقوم لجنة برفع التعديات الموجودة علي الدائري، وهناك لجان قامت بذلك من قبل، سواء بإزالة تعديات أصحاب ورش الكاوتش والخشب أو رفع كميات كبيرة من القمامة، ونلقي القبض علي عربات الباعة، وغير ذلك الكثير من المخالفات الموجودة». وتابع: »نقوم برفع العديد من المخالفات والاشغالات يوميا، لكنها تعود مرة ثانية، وكأننا نواجه مافيا موجودة علي الطريق، والأمر هنا يحتاج إلي جهد وتعاون من إدارة المرور والإدارات المحلية لضبط كل المخالفين والقبض عليهم».