بدأت علاقتي بعبد الناصر علام منذ أكثر من عشرين عاما عندما كنت في نادي الأدب في قصر ثقافة نجع حمادي، حين جاء فتي أسمر نحيل، صغير السن، وقال أنا عبد الناصر علام، الطالب في الصف الثاني الثانوي الصناعي، وألقي علينا قصيدة، فلم نصدق أنها له، فقد كانت مكتملة وزنا وصورا ولغة، ولكي نتأكد من ذلك طلبنا منه أن يأتي في الأسبوع التالي ومعه قصيدة أخري، أروع من الثانية، ثم كررنا المحاولة للمرة الثالثة فتأكدنا بعدها أننا أمام شاب موهوبة استثنائية وأننا أمام مشروع شاعر مختلف وسيكون له المستقبل الكبير في شعر العامية، وصدق ظننا، ففي ظرف خمس أو عشر سنوات أصبح علام يقف في طليعة شياب شعراء العامية في مصر رغم سنه الصغير. راهنت عليه وأخذته معي إلي الندوات الكبري في أسيوط وسوهاج والقاهرة، ونشرت أخبار الأدب قصائده المتميزة تبعتها الثقافة الجديدة وكل الدوريات المصرية، وعندما كان يبحث الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي عن شعراء عامية متميزين عن السائد ليقدمهم في أمسيته الكبري في معرض الكتاب، كان عبد الناصر علام أول من أختارهم الراحل الأبنودي ومعه ثلاثة كان هو أصغرهم سنا وقدمه تقديما عظيما، والحقيقة أنه لم يكن للأبنودي الفضل كما اعتقد البعض لأنه تسلمه جاهزا ومتمكنا. عبد الناصر علام جزء من حياتي كشاعر وكصديق وكأخ أصغر لي، لم نفترق لحظة واحدة حتي داهمه المرض اللعين الذي التهم الأخضر واليابس، فقد عاش مظلوما ومات مظلوما، وحينما ناشدنا الجهات المعنية أن تتبني قضية مرضه لم نجد استجابة، فلو كان راقصة أو فنانا لكان الاهتمام به أكثر بكثير جدا. المشكلة الحقيقية أنه أنفق كل ما لديه علي مرضه الذي تجاوز النصف مليون جنيها من قوت أولاده وباع فيه كل ما يملك حتي خاتم زواجه، وبالتالي أصبحت أسرته لا تملك إلا معاشه البسيط جدا الذي لا يكفي أمه الثكلي وزوجته التي صارت أرملة، ومهاب ابنه طالب الثانوية العامة وطفلتيه الصغيرتين، لذا أناشد من خلال جريدتكم الموقرة السيدة الدكتورة وزير الثقافة بأن تخاطب رئيس الوزراء لكي يخصص له معاشا استثنائيا، شأنه شأن الكثير من الفنانين الذين سافروا إلي الخارج وأنفقوا الأموال علي علاجهم وعندما ماتوا كُرِّموا وخصصوا لهم المعاشات الاستثنائية. أطالب أيضا جهات النشر الحكومية مثل هيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة أن تعيد طباعة دواوينه مرة أخري وأن يكون العائد من البيع لصالح أسرة عبد الناصر علام، افعلوا أي شيء من أجل أسرته بعد أن تقاعستم عن فعل أي شيء لهن في محنة مرضه. عبد الناصر علام شاعر عامية مختلف عن كل شعراء جيله، يكفي أن لو أحدا قرأ إحدي قصائده بصوته في أمسية ما سيكتشف الجمهور أنها له، ولو نُشِرت له قصيدة ولم يوضع اسمه عليها سهوا سيكتشف القارئ أن هذه القصيدة من إبداعه، لأنه يمتلك بصمة وصكا معينا يميزه عن كل ما يُكتَب من شعر العامية. ولو استمرت به الحياة كنا سنحصل علي شاعر كبير جدا في مقام الأبنودي وسيد حجاب وفؤاد حداد، لكن القدر لم يمهله وانتهت حياته مبكرا مثل كل المواهب الفارقة التي رحلت صغيرة في السن مثل أمل دنقل وعبد الرحيم منصور ويحي الطاهر عبد الله ومات عبد الناصر علي سريره بمستشفي حكومية مثل أي فرد عادي بلا رعاية أو عناية ينهشه المرض نهشا ويتنقل كما يشاء في سائر أعضاء جسمه. وعبدالناصر الذي لم يحصل علي واحدة من جوائز الدولة التي تقدم لها كثيرا وفاز بها من هم دونه بكثير.. عبد الناصر علام عاش مظلوما ومات مظلوما.