يبدو أن د. عبد المنعم أبو الفتوح - القيادي الإخواني المعروف والذي لقبه الكثيرون من الباحثين بالمؤسس الثاني للإخوان المسلمين في مصر – يمضي قدماً نحو ترشحه لرئاسة الجمهورية في مصر ، في خطوة تثير الكثير من اللغط السياسي داخل وخارج الإخوان ، بل داخل وخارج مصر أيضاً . وقبل الخوض في استعراض سيناريوهات المستقبل نقف وقفة يسيرة حول السبب في إثارة هذا اللغط ؟ يعرف الجميع أن د. عبد المنعم أبو الفتوح له أفكار ورؤى شخصية كثيراً ما تتسق مع الموقف العام لجماعة الإخوان المسلمين وقليلاً ما تبدو غير متسقة مع تلك المواقف ، وكان الجميع – قبل الثورة – ينتهي إلى الرأي العام الذي تتبناه الجماعة عن طريق الشورى سواء اتفق هذا الرأي مع رأي الفرد الشخصي أم لا . وأثناء الثورة بدا التباين واضحاً بين رأي الجماعة ورأي د. عبد المنعم أبو الفتوح في قبول أو رفض الحوار الذي دعا إليه عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع ، فكان رأي أبو الفتوح هو عدم الجلوس في هذا الحوار لأن الثورة ترفض من الأساس النظام الحاكم ولن تنتهي إلا برحيله ، فلا فائدة من حوار مع نظام نطالب برحيله ، بينما ترددت الجماعة قليلاً أو انتظرت حتى درست القرار ثم وافقت على الحوار متبنية مطالب الثوار في ميدان التحرير وكل ميادين مصر ، وأعلن أبو الفتوح رأيه عبر وسائل الإعلام مما حدا بالجماعة أن تعلن أن رأي الإخوان لا يؤخذ إلا من خلال المتحدثين الرسميين باسمها وهم د. محمد مرسي ، د. عصام العريان ، د. سعد الكتاتني ، في إشارة إلى أن رأي أبو الفتوح لا يعبر – بالضرورة - عن رأي الإخوان . وفي العاشر من فبراير وقبل رحيل مبارك بيوم واحد اجتمع مجلس شورى الإخوان – وفيه د. أبو الفتوح - ، وبعد تشاور أعلن الإخوان أنهم لن يتقدموا بمرشح للرئاسة في الانتخابات القادمة ، وأتى هذا القرار لطمأنة الرأي العام المصري والخارجي في آن واحد ، ومحاولة للقضاء على فزاعة الإخوان التي اخترعها النظام السابق وروجها داخلياً وخارجياً ، وحتى يستقر في أذهان الجميع أن الإخوان غير طامعين في السلطة بل مشاركين في النهوض بمصر الثورة مع كل أبناء الوطن من مختلف الأطياف السياسية ، وقدر معظم الشعب المصري – داخل وخارج الإخوان – للجماعة هذا الموقف الوطني ، بينما عده البعض – وخاصة من لايرون في الإخوان إلا كل منقصة – لعبة سياسية يريد منها الإخوان شيئاً آخر سيظهر فيما بعد . وفجأة وعلى غير المتوقع ظهر د. عبد المنعم أبو الفتوح ليعلن أنه يفكر في ترشيح نفسه للرئاسة ثم أعلن ذلك بعد فترة إعلاناً صريحاً ، وقال إنه يتقدم للترشح باسمه وليس باسم الإخوان ، كما أعلنت قيادات الإخوان كثيراً – ولا زالت تعلن - أن أبو الفتوح لا يعبر إلا عن نفسه وكررت التذكير بموقف الجماعة الرافض لترشح أحد أفرادها للرئاسة . وهنا تكمن إشكالية المستقبل القريب : ماذا لو أصر د. أبو الفتوح ( الذي أرى أنه الرجل المناسب في الوقت الخاطئ ) على موقفه وترشح فعلاً للرئاسة ؟ تعالوا معاً نرسم سيناريوهات المستقبل المصري القريب : السيناريو الأول : تعلن الجماعة تجميد عضوية أبو الفتوح أو إيقافه أو فصله طبقاً لما تقرره لوائح الجماعة، أو يعلن أبو الفتوح استقالته أو تجميد عضويته بالجماعة ، لكن هذا يبدو شأناً داخلياً للجماعة لايهم المواطن المصري كثيراً ، لكن ما يهم المواطن المصري وخاصة المنتمي للإخوان : ما موقف الجماعة من أبو الفتوح ؟ هل ستعلن الجماعة أنها لن تدعم أبو الفتوح وتترك لأفرادها اختيار الرئيس طبقاً لرؤية كل فرد ؟ عندئذ سيختار معظم الإخوان أبو الفتوح لأنهم سيرونه – من وجهة نظرهم – أصلح المتقدمين وأقربهم إليهم ، هنا سترتفع الأصوات التي قالت إن موضوع ترشح أبو الفتوح وخروجه أو استقالته من الجماعة هي مسرحية يمارسها أبو الفتوح والإخوان للالتفاف حول قرار الجماعة بعدم تقديم مرشح للجماعة ، وسيصدق الجميع ذلك بما فيهم بعض أفراد الإخوان المسلمين ، أم تعلن الجماعة دعمها لمرشح آخر غير أبو الفتوح ، وهذا سيسبب انقساماً داخل الإخوان أنفسهم ، فالكثير سيرى أن أي مرشح أقل كفاءة – من وجهة نظر هؤلاء – من أبو الفتوح ، وسيرى الكثيرون أن تلك شهادة أمام الله ، واختيار مرشح أقل كفاءة من أبو الفتوح بمثابة شهادة زور ، فهل ترضى الجماعة لأفرادها أن يشهدوا شهادة زور ؟ أعرف أن كلا الموقفين لا تريده الجماعة ولا ترضاه ، لكن – في الحقيقة – هما أمران أحلاهما شديد المرارة وفق هذا السيناريو . السيناريو الثاني : وهو سيناريو أرى طيفاً له من بعيد – وإن كنت لا أتمناه – وهو أن تستقيل شخصية سيادية من المجلس العسكري – سواء كان المشير طنطاوي أو الفريق سامي عنان وإن كان الثاني الأقرب في هذا السيناريو - وتعلن ترشحها للرئاسة ، هنا سيتأزم موقف الإخوان ، هل سيؤيدون هذا المرشح ليكون رئيساً لمصر وتعود مصر إلى الحكم العسكري حتى لو كان في إطار ديمقراطي ؟ ألا يعد ذلك نكثاً للعهد الذي قطعه الإخوان على أنفسهم بالدعوة إلى الدولة المدنية ؟ ألن تتردد الاتهامات عندئذ أن الإخوان يمالئون السلطة ؟ وهي تتردد الآن بالفعل أن الإخوان يداهنون المجلس العسكري ؟ وهل يكرر الإخوان مأساتهم مع عبد الناصر يوم أن أيدوه عقب ثورة 23 يوليو 1952 ثم انقلب عليهم بعد ذلك ونكل بهم ؟ ألا يخشون من تكرار نفس السيناريو ؟ وماذا لو أعلنوا عدم تأييدهم له ؟ ثم فاز هذا المرشح – بسيف المعز أو ذهبه – واعتلى السلطة ، ألا يمكن أن تدور الدائرة على الإخوان ، ويعود لفظ ( المحظورة ) ليلتصق بهم من جديد ؟ السيناريو الثالث : وهو سيناريو تقدم د. محمد سليم العوا للترشح للرئاسة ، وهو الشخص الذي قال أبو الفتوح أنه لو ترشح للرئاسة فإنه – أي أبو الفتوح - لن يترشح عندئذ ، وهذا السيناريو سينقذ أبو الفتوح والإخوان معاً من المأزق الذي أشرنا إليه في السيناريو الأول ، فالعوا شخصية تتفق عليها الكثير من تيارات العمل السياسي – وخاصة التيارات الإسلامية – كما أنه ليس من الإخوان ، ومن ثم تتحرك الجماعة بحرية عندئذ في دعم من تراه مناسباً بلا حرج . لكن تظل الإشكالية قائمة - ولكن بصورة أقل - لو أصر أبو الفتوح عندئذ على مواصلة مشواره ، ساعتها أظن – وقد يصيب ظني أو يخطئ – أن الإخوان قد تدعم العوا رغم ترشح أبو الفتوح . تلك السيناريوهات التي تبدو أمامي في أفق مصر في الشهور القليلة القادمة ، فهل يريح د. عبد المنعم أبو الفتوح الجميع من عناء هذا اللغط الدائر ويؤجل هذه المرة ترشحه للرئاسة ؟ وهل ينظر إلى مصلحة الجماعة التي نشأ فيها وحمل على كاهله – هو ورفاقه - عناء عودتها للحياة من جديد في السبعينيات ؟ أسئلة حائرة لا يملك إلا أبو الفتوح جوابها ....... فهل يسعفنا بالإجابة لمصلحة مصر أولاً ، ومصلحة جماعته بعد ذلك ، ومصلحته هو الشخصية ؟؟؟؟