كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة علامة فارقة في التاريخ السياسي المصري الحديث ، قد يتساءل البعض : ألم يحدث التزوير وتحدث الانتهاكات في معظم الانتخابات المصرية على مدار تاريخها الحديث ؟ أقول : نعم ، ولكن أن تحدث بمثل هذه الصورة المكشوفة وبمثل هذا الفجور السياسي – إن جاز لنا التعبير – فهو مالم تشهده مصر من قبل . نعم قد يحدث تدخل أمني لصالح مرشح في إحدى الدوائر ضد مرشح آخر ، قد يحدث تزوير لصالح مرشح ضد غريمه في دائرة بعينها ، قد يعلن القضاة فوز مرشح رغم هزيمنه ، لكن كل تلك الحالات كانت حالات قليلة وتبعاً لظروف بعينها وفي أماكن بعينها ، لكن أن تصبح تلك السياسة هي الأصل مثلما حدث في الانتخابات الأخيرة فهذا ما يُذهب عقل العاقل ويُصبح الحليم فيها حيراناً . وحتى لا أطيل على القارئ أقف معه أمام بعض المشاهد في الانتخابات الأخيرة وأترك المجال له ليعمل عقله ويستنبط الدلائل التي تعين على فهم المستقبل السياسي لمصرنا الحبيبة . أول تلك المشاهد كان داخل إحدى اللجان الانتخابية يوم 28/11/2010 بقرية الشواشنة بيوسف الصديق ، كان رئيس اللجنة ( وهو موظف عمومي منتدب لأعمال الانتخابات بعد إلغاء الإشراف القضائي ) يجلس أمام أوراقه وكشوف الناخبين وحبره الفوسفوري وبجانبه مندوب للدكتور حسن يوسف مرشح الإخوان بالدائرة والنائب البرلماني السابق ، وفي لحظة صفاء باح رئيس اللجنة بما يكتمه للمندوب قائلاً : عارف ياأستاذ ، لحد دلوقتي جالنا 528 واحد ( رغم أن العدد الذي حضر لم يتجاوز وقتئذ 50 ناخباً ) منهم أربعمية إلا تلاتة ( يقصد 397 ) انتخبوا ماهر والي وعبد القادر الجارحي ، 116 انتخبوا حسن يوسف ، 15 صوت باطل ، ضحك المندوب النابه ( ولكنه ضحكٌ كالبكا كما يقول المتنبي ) وعرف أن هذه الأرقام هي التي أمليت على صاحبنا المسكين وأجبر على كتابتها بمحضره مهما حدث ، فكيف عرف صاحبنا ماذا اختار الناخب الذي ألقى بورقته في الصندوق ؟ خرج المندوب من اللجنة وهو يضرب كفاً بكف وقد وضحت الرؤية من أولها . المشهد الثاني صباح اليوم التالي في مدينة أبشواي بنفس الدائرة وبالتحديد في مدرسة عبور أبشواي الابتدائية : وقف التلاميذ الصغار في طابور الصباح وبعد أن حيوا علم بلدهم الحبيب مصر توجهوا إلى فصولهم ، وفجأة ارتفعت الأصوات داخل أحد الفصول وهرع المدرس إلى فصله فإذا بالأولاد والبنات ملتفين حول صندوقين انتخابيين مملوءين بالأوراق الانتخابية تم نسيانهما داخل الفصل الذي كان لجنة انتخابية في اليوم السابق ، هرع المدرسون والمدير إلى الفصل وحتى لا تحدث ضجة آثروا السلامة وذهبوا بالصندوقين إلى مركز شرطة أبشواي المواجه للمدرسة ، ( ولا من شاف ولا من دري ) ، وهنا يثور التساؤل : كيف أعلنت النتيجة وهناك صناديق لم تصل حتى للجنة الفرز فضلاً عن فرزها من الأصل ؟! المشهد الثالث : صباح الإثنين 6/12/2010 وبعد انتهاء جولة الإعادة للانتخابات ، د. أحمد نظيف رئيس وزراء مصر يصرح للصحفيين بالفم المليان قائلاً : " أتحدى أن يكون هناك أى تدخل سواء من جانب الشرطة أو من أى جهة أخرى فى الانتخابات " ، ساءلت نفسي : هل يتحدث د. نظيف عن الانتخابات البرلمانية التي تمت في مصر أم عن انتخابات أخرى غير التي شاهدها الشعب المصري ؟ المشاهد كثيرة والحديث ذو شجون والقارئ لديه الكثير والكثير من المشاهد التي قد تكون – وحتماً ستكون – أشد غرابة من التي ذكرتها ، ولكن يبقى السؤال : إلى أين يذهبون بمصرنا الحبيبة ؟؟ سؤال لا أجد – حتى الآن – إجابة شافية له .