يعرف الجميع أن إسرائيل تتهرب من السلام - منذ اغتيال رابين حتى اليوم.. حتى لو أدى ذلك إلى مخاصمة دول أوروبية أو مناكفة إدارات أمريكية أو حتى إحباط قوى سياسية داخلها.. البعض لم ير فى ذلك دليلا على المهارة السياسية.. بل رآه دليلا على أن تل أبيب تغرق فى طوفان من القلق.. وهو القلق الذى عبر عن نفسه بالاستفزاز الهستيرى الذى مارسه بعض المتطرفين اليهود ضد السكان العرب فى أم الفحم منذ أيام.. رأى البعض فى تصريحات عاموس يادين الرئيس السابق للمخابرات الحربية التى تحدث فيها بزهو عن أنشطة جهازه فى العديد من دول المنطقة - مجرد محاولة لإخفاء طوفان القلق الذى يجتاح إسرائيل. * ضعف وتأكيدا لذلك فسر أحد قيادات عرب 48 - رفض ذكر اسمه - هستيريا التهويد وبناء المستوطنات والحديث عن يهودية الدولة والتلويح بترحيل العرب.. وغيرها من السياسات العنصرية بأن إسرائيل منذ قيامها وهى تخشى عامل الزمن.. وتعتبره عاملا مهددا لأمنها ومستقبلها.. وهو يشمل الزمن السكانى والجغرافى والاقتصادى والعسكرى.. فدولة إسرائيل تشعر بضآلتها جغرافيا.. وبقلة مواردها الطبيعية خاصة مواردها المائية.. وبضعف عمقها التاريخى والثقافى بالقياس لمحيطها الإقليمى.. لذلك تحرص على فرض تفوقها على هذا المحيط الإقليمى خاصة فى مجال الأمن.. حيث تفرط فى استخدام القوة تجاه الآخرين لتؤكد لنفسها قبل غيرها تفوقها الاستراتيجى لتخفى فى غبار المعارك عوامل ضعفها.. وفى نفس الاتجاه أكد إبراهيم صرصور - عضو الكنيست - فى اتصال هاتفى - أن إسرائيل قلقة من تراجع عدد السكان اليهود عبر الزمن داخلها ليصبحوا أقلية فى ظل تزايد أعداد السكان العرب حيث زادت أعدادهم من 130 ألف عربى عام 1948 ليصل الآن إلى نحو 5,1 مليون عربى يمثلون الآن نحو 25% من سكان إسرائيل.. ويزيد من حدة هذه المشكلة تراجع هجرة اليهود إلى إسرائيل.. بل وتزايد هجرة الإسرائيليين للعيش فى دول الأمريكتين والدول الأوروبية حيث بلغ عددهم 130 ألف إسرائيلى خلال الأعوام القليلة الماضية.. وهذه المشكلة أصبحت اليوم تتعلق بتعريف إسرائيل لذاتها هل هى دولة يهود العالم أم دولة لكل مواطنيها بمن فيهم عرب 48 .. وهل هى دولة دينية أم علمانية؟ وهل نظامها السياسى عنصرى أم ديمقراطى؟ وفى ظل هذا التخبط تسارع حكومة نتانياهو بتنفيذ مخططات التهويد فى كل مكان من عكا إلى النقب ومن الأغوار إلى الجليل ومن الرملة والقدس إلى حيفا.. والتفاصيل المؤلمة هنا لا حصر لها. * أم الفحم تظاهر عدد من المتطرفين اليهود - يوم الأربعاء 10/27 الماضى - على مشارف مدينة أم الفحم معقل الحركة الإسلامية داخل إسرائيل.. وطالبوا بإعلان الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح - الذى رأس المدينة لمدة عشرين عاما- كحركة محظورة قانونا.. وطالبوا بترحيل الفلسطينيين من أرضهم.. فتصدى لهم العرب فى مظاهرة سلمية واجهتها الشرطة الإسرائيلية بنحو 1500 جندى.. وأدانت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية اعتداء الشرطة على المتظاهرين العرب.. وقال محمد زيدان رئيس اللجنة إن الاعتداء على العرب فى أم الفحم أو غيرها تحول للأسف إلى مشروع للحكومة الإسرائيلية.. فالشرطة هى التى ارتكبت جريمة الاعتداء على العرب فى أم الفحم.. وليس اليهود الثلاثة، الذين اعتقلتهم.. لذلك طالبنا بتشكيل لجنة تحقيق رسمية فى الأحداث.. وأذهلنى موقف عرب 48 فى أم الفحم وغيرها.. وأذهلنى أكثر كل هذه الجرأة التى يتعاملون بها فى مواجهة أى اعتداء عليهم.. سألت أحمد الطيبى - عضو الكنيست وعضو لجنة المتابعة لشئون المواطنين العرب - قال: الفاشية والعنصرية أصبحتا تيارا رئيسيا فى إسرائيل الآن.. زعران - ربما يعنى بلطجية - التطرف الصهيونى كانوا فى الشارع لسنوات.. الآن أصبحوا يشكلون الحكومة وأبرزهم ليبرمان وزير الخارجية.. وإيشاى وزير الداخلية.. عموما المجتمع الإسرائيلى يتجه إلى اليمين العنصرى المتطرف.. والكنيست الحالى يشهد سيلا من القوانين العنصرية.. منها قانون الولاء لدولة إسرائيل.. وقانون منع العرب من السكن فى البلدات ذات الأغلبية اليهودية.. وقانون يمنع لم الشمل بين الفلسطينيين.. هذا بالإضافة إلى محاولات استفزاز أهالى البلدات العربية كما حدث فى أم الفحم.. وفى ظل تزايد الموجات العنصرية أصبح الحض على كراهية العرب يحقق المكاسب السياسية للمتطرفين اليهود.. وهو ما أدى إلى صعود نجم ليبرمان وحزبه - إسرائيل بيتنا - وفى المقابل أدى إلى انهيار معسكر السلام داخل إسرائيل.. وفى ظل هذه الهستيريا العنصرية المتطرفة تتجاهل إسرائيل القوانين الدولية وقيم الديمقراطية واحترام حقوق الأقليات. * المواجهة هكذا يبدو أن صخب التطرف الصهيونى يخفى قلقا إسرائيليا متزايدا من تأثير الزمن والمتغيرات الدولية والإقليمية المحيطة بها.. وتغير موازين القوى فى المنطقة.. بل وتحمل أيضا تخوفا من التغيرات التى تحدث ببطء داخلها.. تأكدت من ذلك وأنا أستمع إلى قيادات عرب .48 قال محمد بركة - رئيس حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وعضو الكنيست - الفاشية والعنصرية صارتا سياسة تمارسها المؤسسات الرسمية فى الدولة.. بما فيها أجهزة الأمن وتشهد على ذلك أحداث أم الفحم.. وهناك تلويح بترحيلنا من إسرائيل.. ومندوب جهاز المخابرات العام «الشاباك» يحضر جلسات لجنة الدستور فى الكنيست ليؤيد مشروعات القوانين العنصرية التى تطرحها مجموعة ليبرمان المتطرفة.. وأخشى أن المجتمع الإسرائيلى لن يفيق من هذه الهلوسة العنصرية إلا إذا واجه حدثا كبيرا على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الأمنى.. وقال بركة: هناك محاور عديدة نواجه بها التطرف العنصرى الإسرائيلى فنحن كنواب عرب فى الكنيست نعارض مشروعات القوانين العنصرية.. ونواجه على الأرض ببناء جيل عربى واثق من نفسه ومن مشروعه المستقبلى.. لن نترك أرضنا لنكون لاجئين مثل آبائنا.. سنظل فى وطننا مهما حدث فنحن لسنا ضيوفا فى أرضنا نحن كنا هنا قبل قيام دولة إسرائيل وحقوقنا موروثة وليست منحة من حكام تل أبيب.. وأبناؤنا سيكونون أكثر صلابة والتصاقا بالأرض منا.. وأضاف: نحن نعمل داخل المجتمع الإسرائيلى مع الإعلام والأوساط العلمية.. ومع الأحزاب والتيارات السياسية المعتدلة.. ونشرح للجميع خطورة التوجهات العنصرية لحكومة نتانياهو.. فمثلا مشروع قانون الولاء نرى أنه مشروع تافه مثل الذى «جابه» وهو لا يسرى علينا ويسرى على المتجنسين حديثا.. ولكن دلالته فى غاية الخطورة لأن إقراره يعنى أن حكومة إسرائيل تعلن على العالم كله أن العنصرية صارت نظاما يحكم تل أبيب. على أية حال يبدو أن عامل الزمن يعمل بالفعل فى غير صالح إسرائيل.. فالعالم تغير حيث صار السلام مع الفلسطينيين يمثل حاجة أمريكية - بل وأوروبية - ملحة، لذلك أصبحت إسرائيل نفسها فى موقف حرج أمام العالم.. وهو ما يفسر محاولاتها لإيجاد حلول وسط للخروج من هذا المأزق.. صحيح أن الجميع يعلم جيدا أن إسرائيل لم تقل يوما إنها ضد عملية التسوية.. مع أنها عمليا تفعل كل شىء عكس هذا الاتجاه.. ولكن إلى متى؟ هذا بالإضافة إلى أن الزمن والتجارب جعل عرب 48 أكثر شجاعة فى مواجهة التطرف الإسرائيلى.. ويعدون أبناءهم ليكونوا أكثر صلابة منهم فى الدفاع عن حقوقهم وتمسكهم بأرضهم.. والأهم هو ظهور عوامل جديدة تتطور مع مرور الزمن تعمل فى غير صالح التطرف الإسرائيلى.. وتتمثل فى ظهور شبكات المجتمع المدنى التى أصبحت تتحكم فى الرأى العام والإعلام الدولى.. وبفضل هذا العامل توسعت حركات التضامن مع الفلسطينيين.. وأصبحت حقيقة إسرائيل كدولة عنصرية متطرفة أكثر انكشافا فى العالم.. خصوصا بعد صدور تقرير جولدستون حول جرائم إسرائيل فى غزة.. وبعد اعتدائها على أسطول الحرية وغيرها.. وبمرور الوقت صارت إسرائيل أكثر عزلة بعد أن نزع عنها صورة الضحية وأصبحت صورة المعتدى العنصرى تلازمها وتنزع عنها أوراق الشرعية كواجهة الديمقراطية فى الشرق الأوسط.. وأصبح أغلب مفكرى العالم يرونها تسير فى نفس طريق نظام الفصل العنصرى الذى انهار فى جنوب أفريقيا.. هذا الخطر تستشعره إسرائيل ولا تستطيع أن تواجهه بجيوشها وتقدمها العلمى لأنها أصبحت تواجه مجموعات بشرية تهدف إلى نشر السلام والمساواة ونبذ الحرب والتفرقة العنصرية والاضطهاد.. وهذه المجموعات تعمل بلا ضغوط ولا قيود عليها.. وتتميز بوعيها لدورها وتتحرك بحرية عبر شبكات الإنترنت والفيس بوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة التى جعلت العالم قرية صغيرة.. ولم يكتف قيادات عرب 48 باستيعاب كل هذا واستثماره.. بل إنهم كما قال حنا سويد - عضو الكنيست - يتحركون داخل المجتمع الإسرائيلى لبناء جبهة واسعة من العرب واليهود المعتدلين لحصار التطرف العنصرى الصهيونى.. وقال: هذا هو خيارنا الصحيح الذى يضمن لنا التفوق فى معادلة من يعزل من؟