نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية في عددها الصادر آخر الشهر الماضي موضوعاً عن «أمريكا الغاضبة» تدافع فيه عن أوباما لأنه لم يكن سبب الكساد الذي تعانيه أمريكا في الوقت الراهن. ذكرت فيه أن أداء الرئيس أوباما وإدارته يبدو غير كافٍ لإرضاء الشعب الأمريكي، ولذلك كان الغضب الأمريكي. وأعادت إلي الذاكرة الإشادة التي اجتاحت العالم عند انتخاب أوباما رئيساً لأمريكا ولم يكن هذا لأنه أول شخص أسود يصل لأكبر منصب في العالم. وتقول المجلة البريطانية الشهيرة إن المجتمع الأمريكي بل العالم كله انبهر بشخصية هذا الرجل الأسود المهذب المحترم وبأحاديثه وأفكاره الخارقة، وأنه الرجل الذي يستطيع أن يشعر بجراح أمريكا في الداخل واستعادة سمعتها في الخارج. علي الرغم من شعور الكثيرين بشوق لرؤية هذا الأمل يتحقق علي أرض الواقع إلا أنه يبدو من الصعب تحقيقه هذه الأيام. وبعد عامين من تنفيذ أوباما لأفكاره علي أرض الواقع بدأت المشكلات تظهر وبدا الانهيار واضحاً في كل مكان، وبدأ الشعب الأمريكي في الشعور بالغضب والإحباط بسبب تراجع مؤشرات الاقتصاد ومخاوفه علي حاضره ومستقبل أبنائه. وقد يكون لأوباما نجاحاته، ولكنها تظل محدودة في ظل استمرار أوضاع اقتصاد بلاده في حالة تصدع ومنها مشروع الرعاية الصحية والإنفاق علي التعليم والبحث العلمي وتشديد الرقابة علي «وول ستريت» وخطة التحفيز المالي الضخمة لوقف انهيار المزيد من البنوك والشركات العملاقة والتي نجحت جزئياً في إحداث انتعاش مؤقت للاقتصاد قبل أن يعاود تراجعه من جديد. كما لاتزال أزمة الرهن العقاري علي حالها دون تقدم يحل مشكلة الكثير من الأمريكيين الذين يعيشون في منازل مرهونة لا يستطيعون دفع أقساطها. ورغم تدخل الحكومة لوقف انهيار الكثير من البنوك وشركات الرهن العقاري فالأزمة الاقتصادية ضربت كل بيت في أمريكا وخاصة أفراد الطبقة الوسطي الذين يشعرون بأن الميزانية الفيدرالية تجاهلت أوضاعهم. ويري اليسار بأمريكا أن أوباما كان الجبان المتنازل الذي وضع الخطط الطموحة ورصد لها مبالغ مالية فلكية لدعم المصارف والمؤسسات المالية الأمريكية لمواجهة الأزمات لم يفعل إلا القليل لمساعدة الذين صوتوا لصالحه. ويعتبره اليمينيون المتدينون المبذر الذي بدد مليارات الدولارات علي البيروقراطية ورهن المستقبل، بينما فشل في التعامل مع الحاضر. أما الوسطيون الذين أيدوه بمن فيهم الإيكونوميست نفسها فقد انتابتهم خيبة الأمل فيما قدمه كرئيس والذي كان أقل كثيراً من عبقريته كصاحب حملة دعائية، وكأن أمريكا الغاضبة علي وشك أن تنتقم وتأخذ بثأرها من أوباما في الانتخابات القادمة والتي من المتوقع أن يسيطر عليها الجمهوريون، فلقد أشارت آخر التوقعات إلي أنهم قد يحصلون علي أغلبية مقاعد مجلس النواب ويحققون مكاسب كبيرة في مجلس الشيوخ، ولكن من المحتمل ألا يكونوا قادرين علي حصد العدد اللازم من الأصوات لتشكيل أغلبية بالكونجرس إلا أنه سيكون من السهل بالنسبة لهم إعاقة أي تشريع يقدمه الديمقراطيون. وتري الإيكونومست أن الغضب الموجه إلي أوباما مبالغ فيه، وبالنظر إلي السبب الرئيسي وراء غضب الأمريكيين نجد أنه الاقتصاد ومعدلات البطالة المرتفعة الناتجة عن أسوأ ركود اقتصادي، ويلقون اللوم في ذلك علي الكونجرس الذي يهيمن عليه الديمقراطيون في ذات الوقت الذي حرص فيه أوباما أن يذكر الأمريكيين أنه قد ورث من إدارة الجمهوريين بقيادة بوش الابن اقتصادا مضطربا جد،ا وأن خطة التحفيز والسياسات التي طبقت كانت هي الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله لإنقاذ النظام المالي، وأن الاقتصاد سيحتاج سنوات طويلة ليستعيد توازنه، وأضاف أن الأزمة الاقتصادية بدأت في عهد الجمهوريين وقبل توليه رئاسة أمريكا، واعترف بأنه وعد الأمريكيين بالإصلاح في أقرب وقت، ولكنه لم يكن هو السبب في حالة الكساد وأنه بسياساته استطاع أن ينقذ الأمريكيين من مصير أسوأ بكثير. ولقد جعل أوباما من ملف النظام الصحي إحدي أولوياته واقترب بالفعل من إدخاله حيز التطبيق فبعد مفاوضات ساخنة وافق مجلس النواب ومجلس الشيوخ علي عدد من الإصلاحات التي من شأنها أن تمكن ملايين الأمريكيين ممن ليس لديهم تأمين صحي حالياً من الاستفادة من التغطية الصحية، وهو ما حاوله العديد من الرؤساء الأمريكيين السابقين ولم يستطيعوا. ولقد اتخذ أوباما قرارات معقولة في السياسة الخارجية حول العراق وأفغانستان، كما كان أداء كثير من الأفراد الذين احتفظ بهم في إدارته أو وظفهم في بعض المناصب بمن فيهم منافسته السابقة هيلاري كلينتون جيداً، واعترف أوباما بأن تلك الأزمات الخطيرة التي جابهتها إدارته أفقدته التواصل المباشر مع الشعب الأمريكي حول قضاياه الأساسية. وتعهد أوباما بالمزيد من التخفيضات الضريبية للطبقة الوسطي حتي يستطيع المواطنون تجاوز أزماتهم المالية الراهنة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اقترح أيضاً تجميد الإنفاق ثلاثة أعوام في بعض القطاعات الحكومية لتوفير أكثر من مليارين من الدولارات في الأعوام القادمة للحد من عجز الموازنة، وقال إنه لم يستمر في منح تخفيضات ضريبية لشركات البترول ومديري صناديق الاستثمار ومن يحققون أرباحاً طائلة. وخلق أوباما أعداء من رجال الأعمال عندما انتقدهم ووصفهم بالقطط السمان والمضاربين علي الرغم من أهميتهم لتحريك الانتعاش في أمريكا وبعد أن كان يساند مشروع وادي السيليكون باعتباره بداية واعدة أصبح يراه الآن باعتباره استثماراً سيئاً. كما ظهرت «حفلات الشاي»، وهي تجمع للنشطاء من أنحاء أمريكا لا يثقون بالحكومة الفيدرالية، ونددوا بالرئيس أوباما وغيره من السياسيين، ويبدو أن ذلك أتي بنتائجه، فقد ساعدت علي فوز بعض الجمهوريين بمقاعد في مجلس الشيوخ التي طالما كانت حكراً علي الديمقراطيين، وهي تمثل نواة معارضة لأوباما وإصلاحاته الاقتصادية وكذلك للكونجرس ودوره. أمريكا لديها الكثير والكثير للاستمرار من أجله أكثر مما يشير إليه مزاجها الغاضب، فهي لا تزال تملك الاقتصاد الأكثر ابتكاراً في العالم، ولا تزال تمثل المكان الذي يلتقي فيه أكبر جامعات العالم مع أضخم جيوب العالم، وتملك ديموغرافيتها المواتية بارتفاع معدل المواليد ومساحات لا حدود لها للتوسع، كما أن لديها قوة عمل مرنة وفعالة.