حتى يحسم الجدل الدائر حول الوثائق السرية التى سربها موقع «ويكيلكس» وأثارت حالة من الإحباط إيذاء ما حدث ويحدث فى العراق.. فنحن هنا ننشر التفاصيل الكاملة عن فرقة الموت الأمريكية التى ما زالت آثار جرائمها ماثلة فى أذهان أبناء المنطقة، وقد تسبب ما اقترفته فى فتنة وعداء بين العراقيين أنفسهم..كذلك اعترافات أحد الجنود، والتى كشفت النقاب عن المتسبب فى هذه الجرائم البشعة والوحشية.. هذه التفاصيل المثيرة والمحزنة يكشفها كتاب «قلوب سوداء» الذى صدر حديثا للكاتب الأمريكى «جيم فردريك». يقود هذه المجموعة أو العصابة مجرم ذو سجل أسود فى الولاياتالمتحدة، معروف بين زملائه بأنه حشاش وسكير وشديد القسوة حتى مع جنود الوحدة التى ينتمى إليها. أرادوا أن ينفذوا هجومهم على عائلة الجنابى دون أن يتركوا أثرا لجريمتهم، فقد تخلصوا من كل العلامات التعريفية التى تشير إلى وحدتهم وارتدوا أقنعة وتركوا جنديا واحدا ليحرس النقطة التى كانوا يعملون بها. غير أن ما حدث لم يكن ليبقى خفيا لهوله وبشاعته. لذا عندما تم الكشف عنه تناقلته وسائل الإعلام العالمية فى صفحاتها الأولى ليبقى وصمة عار فى سجل الجيش الأمريكى. ووفقا للكاتب فإنه فى 12 مارس 2006 عثر على جثث عائلة عراقية فى منزل بالقرب من مدينة اليوسفية التى تبعد عشرين كيلومترا عن بغداد. العائلة تتكون من الزوج وزوجته وابنتهما هديل التى تبلغ من العمر ست سنوات والذين تم إطلاق الرصاص عليهم وقتلهم، أما الضحية الرابعة التى هى محور الفاجعة فهى عبير التى تبلغ من العمر 14 سنة، والتى اغتصبت ثم رميت بالرصاص حتى الموت، وبعدها أحرقت جثتها بالكيروسين. وطوال ثلاثة أشهر ظلت هذه الحادثة على أساس انها ارتكبت من قبل الميليشيات العراقية. يكشف الكاتب أن قوة مكونة من 10 إلى 15 جنديا أمريكيا اقتحمت منزل قاسم حمزة رشيد الجنابى، الذى يعيش مع زوجته وأربعة أطفال هم:عبير (15 عاما) وهديل11 عاما ومحمد 12 عاما وأحمد14 عاما. وقام الجنود الأمريكيون باحتجاز قاسم وزوجته فخرية طه محسن وابنتهما هديل فى غرفة واحدة وأعدموهم رميا بالرصاص حيث أصيب قاسم بأربع رصاصات فى الرأس وفخرية بخمس رصاصات فى البطن وأسفل البطن وهديل أصيبت فى الرأس والكتف. بعدها اقتاد الجنود الأمريكيون عبير إلى الغرفة المجاورة وحاصروها فى أحد أركان المنزل ونزعوا ثيابها عنها وتناوبوا اغتصابها، ثم ضربوها بآلة حادة على رأسها - وفقا لتقرير الطب الشرعى- حتى أغمى عليها ثم وضعوا وسادة على فمها وأنفها وخنقوها ثم أحرقوها بالنار وبعدها عاد الجنود إلى نقطة التفتيش التى كانوا يحرسونها على بعد نحو 200 متر وجلسوا يشوون أجنحة الدجاج.. ولم ينج من العائلة سوى الطفلين أحمد ومحمد لأنهما كانا وقت الجريمة فى المدرسة حيث كانت الساعة ما زالت الثانية ظهرا. وفى يونيو أخبر جندى يعانى من بعض المشاكل ويدعى جوستن وات ضباطه أن جنودا من وحدته هم المسئولون عن جريمة القتل. وفى البداية كانوا غير مبالين لجدية ادعاءاته لكنهم حملوا الأمر محمل الجد بعد أن علموا أنه بدأ يخشى على حياته وذلك عندما عرف أن أصدقاءه عرفوا بأنه قد تحدث عن الموضوع. وفقط عندما أصبحت الشائعات على طرف لسان الجميع تفاعل القادة مع القضية، مما أدى إلى اعتراف أربعة من الجنود الذين حكم عليهم بالسجن مدى الحياة ودفع 30 ألف دولار تعويضا والذى يعتبر مبلغا زهيدا فيما يعتقد البعض أن ذلك كان من أجل إرضاء ضمير الجيش. كتاب «قلوب سوداء» الذى أصدره جيم فردريك مراسل مجلة التايم يكشف فيه أن فرقة الموت التى تسمى سرية برافو، التابعة للكتيبة الأولى من لواء المشاة 502 التابع للفرقة المحمولة جواً 101 كانت وحشية فى سلوكياتها. وقد ركز الكاتب على رئيس هذه العصابة ستيفن جرين، وهو شخص وقح وفظ، معروف عنه أنه سكير، وحشاش، وكشف أن هذا المجرم المحترف - رغم سجله الأسود فى الولاياتالمتحدة - جرى ضمّه إلى الجيش. وتشير مخالفاته الكثيرة للقانون العسكرى إلى أنه كان يؤذى المجندين من زملائه ويعتدى عليهم. جيم فردريك قابل عشرات الجنود، وقرأ الوثائق وسجلات المحكمة.. وبدأت حكاية فردريك مع وصول فرقة برافو أو عصابة الموت أو فرقة الموت كما سميت إلى العراق فى خريف 2005 وقد أثارت انتباه قائد اللواء باستعدادها للقتال فى مناطق انسحب منها الجيش الأمريكى تاركاً إياها للمتمردين. ويروى فردريك أن كل الشكاوى التى كانت ترفع عن هذه الفرقة المجرمة كانت تغطى من قبل العقيد توم كانك الذى كان يطلق عليه النسر الأصلع، والذى يصفه فى كتاب «قلوب سوداء» بأنه شخص مشهور بانتهاكه للمحرمات وكل ما هو مقدس وكذلك احتقاره للناس وكثرة ارتكابه لجرائم نكراء يكتب فردريك-حسب رأيه- أن الحقائق تكشف أنه ورؤساءه كانوا بعيدين كل البعد عما يجرى قائد سرية برافو، التابعة للكتيبة الأولى من لواء المشاة 502 يوصف بأنه شخص ضعيف غير قادر على التعامل مع العقيد توم كانك أو المشاكل المعقدة التى تحيط القيام بواجب الدورية فى المنطقة التى تعرف بمثلث الموت وهى منطقة فى جنوب بغداد شديدة الخطورة لشراسة المسلحين المتواجدين فيها فى ظل وجود عدد قليل من الجنود ويعيشون فى ظروف بدائية سيئة ويواجهون قتالا عنيفا وتفجيرات وألغاما ومصائد المغفلين والخسائر الكبيرة بالأرواح. منذ البداية يذهب كتاب «قلوب سوداء» إلى الكشف عن أن سرية برافو، قد سيطرت على طريق عام، وفرضوا سيطرتهم عليه. وكانوا يقتلون العراقيين بشراسة، ويحطمون جماجم ضحاياهم، وعُرف عنهم أنهم يعاملون المشتبهين بعنف ويفتحون النار عليهم بشكل عشوائى. فى الحادى عشر من نوفمبر وفيما زعم أن إحدى حظائر السرية تقوم بواجب الدورية بهدف إقامة علاقات صداقة مع الناس المحليين - كتب فردريك: كان العريف أنتونى يريب قد أصاب مراهقا عراقيا وأحدث ثقبا فى ظهره بدعوى أن السيارة التى يركبها لم تتوقف عند حاجز التفتيش. وبعد أسبوع من ذلك يقوم العريف أنتونى يريب، بفتح النار وقتل امرأة عراقية بريئة رمياً بالرصاص عندما حدثت فوضى بالقرب من نقطة تفتيش ولمجرد اقترابها غير المقصود من النقطة أطلق النار عليها بدعوى أنه أراد ان يعيد النظام إلى المكان. يستغرب أحد الجنود من تصرفه ويسأله عن السبب الذى دفعه لكى يطلق النار عليها فى منطقة الرأس. ويقول فردريك أن السرية فبركت رواية لتبرير قتل المرأة العراقية حيث لم يجد التحقيق أى دليل عن تصرف خاطئ، ثم أعطى العريف أنتونى يريب الموافقة لاحقاً لتنفيذ الإعدام برجل عمره 72 سنة هوجم فى بيته ليلاً و قتلوه. إن الكتيبة الأولى كانت تنزف أيضا وتقدم الخسائر فقد اقترب عراقى من حاجز طريق وتبادل التحية مع الجنود الأمريكان لكنه سحب مسدسه ليقتل اثنين من ضباط الصف. إن غضب الوحدة الأمريكية تجاه العراقيين والإحباط من جراء الورطة التى هم فيها قد ازداد مع توالى الأيام والأشهر. كما أن المشاكل تفاقمت بسبب فقدان الثقة بالضباط وضباط الصف وأخذت سلوكيات العقيد توم كانك تتسم باللامبالاة إزاء الظروف السيئة، وكان يعامل جنوده ومرءوسيه بغطرسة واحتقار، وقد تراجعت المعنويات لأنه كما يقول فردريك: «إن الشعور من أن الموت قادم لا محالة قد أصبح حالة شائعة بين صفوف الوحدة العسكرية وكان ينتشر كما لو أنه آفة تنخر أرواح الجنود. «لقد انتشرت الانتهاكات وتعاطى المخدرات. ومن بين أحد الأصوات الناقمة والساخطة بشكل واضح كان المجند ستيفن جرين الذى كان يقول دائما: بالنسبة لى الحروب تعنى المعارك والمعركة تعنى القتل. لقد زار جرين الطبيب النفسى فى الوحدة، وقد وصف له طبيعة الحياة التى كان يعيشها حيث كان يتعرض للانتهاكات وهو مازال طفلا.. ويقول ستيفن جرين إن شغلى الشاغل فى الحياة هو رغبتى فى قتل العراقيين أيا كانوا وأينما كانوا. يصف الكاتب فردريك الرعب الذى كانت تعيشه الوحدة والذى ذهب إلى أبعد من ذلك حيث بدا واضحا انهيار المعنويات. وفى الثانى عشر من مارس خطط بدقة أربعة رجال من جنود السرية برافو أن ينفذوا هجومهم على عائلة الجنابى من دون أن يتركوا أثرا على جريمتهم، وفعلا تخلصوا من كل العلامات التعريفية التى تشير إلى وحدتهم وارتدوا أقنعة وانطلقوا ليرتكبوا جريمتهم البشعة وقد تركوا جنديا واحدا ليحرس النقطة التى كانوا يعملون فيها.وما حدث بعد ذلك وعندما تم الكشف عنه تناقلته وسائل الإعلام العالمية فى صفحاتها الأولى. وجريمة القتل ألحقت ضررا كبيرا بمهمة قوات التحالف وبسمعة الجيش الأمريكى. ويؤكد الكاتب أن ما كانت عليه الكتيبة الأولى لا يمثل السلوك الأمريكى فى العراق غير أن ثقافة العضلات المفتولة المفرطة أمر لا مفر منه فى الجيش الأمريكى. وهذه الثقافة غير ملائمة عند التعامل مع مكافحة التمرد وكذلك مع تعزيز مستوى معنويات الأمة فى الخارج. إن القادة العسكريين يحاولون أن يصلوا بالجنود الأمريكيين إلى درجة من الاحترام الكبير للمدنيين لكنه كان صعبا جدا. إن الصورة الحقيرة للكتيبة 101 المحمولة جوا تظهر من هذا الكتاب وكما يبدو أن الكتيبة تتكون بشكل كبير من قادة ينحدرون من حياة اجتماعية وضيعة ويقودها ضباط حمقى أو لصوص. أما الذى لا يصدق أنه منذ ارتكاب الجريمة قد تمت ترقية العقيد «كانك» وهو يعمل حاليا فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون». وفقا لاعترافات المتهمين خلال المحاكمات، أن خطة اغتصاب عبير وُضعت أثناء جلسة شرب الجنود فيها الخمر، وكانوا يلعبون الورق فى نقطة تفتيش فى قضاء المحمودية، حيث قال الجندى جرين لأصدقائه إنه «يريد أن يذهب إلى منزل، وقتل بعض العراقيين». والجندى الأمريكى السابق ستيفن جرين 23 عامًا، الذى نفذ الجريمة البشعة أفلت من عقوبة الإعدام، حيث قضت محكمة أمريكية فى ولاية كنتاكى عليه بالسجن المؤبد. وكان المجرم جرين قد أقر بالتهم الموجهة إليه، وعددها 17 بينها الاغتصاب والقتل وعرقلة عمل القضاء، وبذلك أفلت من عقوبة الإعدام. هذا ولدى النطق بالحكم، ابتسم جرين بهدوء بينما كان أفراد عائلات عراقية يبكون فى القاعة.