منذ فتحت روزاليوسف مساحة لي لنشر قصيدة أسبوعية وأنا أُسأل أسبوعيا - سواء من قراء عاديين أو في المراسلات علي بريدي الإلكتروني - أين كنت ؟ وهل يوجد شعراء كثيرون في مصر؟.. وأين هم؟ وهل للشعر دور يؤديه في حياتنا اليوم ؟ تلك التساؤلات تثير شجون أمثالي من المتفاعلين مع المجتمع الأدبي والثقافي المصري لأنني أعلم جيدا أن مصر مليئة بالأقلام والمواهب العظيمة في جميع ألوان الأدب والفنون.. تلك المواهب التي تستطيع أن تؤثر وتلعب دورا في حياة المصريين لو فُتحت أمامها قنوات الاتصال بالجمهور. ولأنني في أوقات تواجدي بدار روزاليوسف كثيرا ما ألقي قصائد أحفظها لشعراء مصريين يعيشون بيننا وإن كانوا لم يعرفوا طريقا إلي الشهرة، فقد لفت هذا انتباه الأساتذة في روزاليوسف، وفوجئت عندما علمت أن مجلس التحرير قرر تقديم عدد خاص يكتب كاملا بأقلام شعراء العامية المصرية من مختلف المحافظات. وهكذا ومما يسعدني أنا شخصيا كأحد المنتمين لقبيلة الشعراء، أن تشدو اليوم علي صفحات روزاليوسف مجموعة من شعراء العامية المصرية من أجيال مختلفة يشرقون بقصائدهم علي صفحات هذا العدد في تجربة فريدة وجريئة وغير مسبوقة في عالم الصحافة.. تلك التجربة التي وإن تعددت مكاسبها إلا أن أهم تلك المكاسب هو إثبات أن معين الإبداع المصري الأصيل لم ولن ينفد أبدا بل يتجدد جيلا بعد جيل. وعلي الجانب الآخر تثبت هذه التجربة للمبدعين أن إبداعهم لم يضع سدي في هذه الفوضي التي تسيطر علي كل مناحي الحياة ، وإنه إذا كان صوت الإبداع الحقيقي يبدو خافتا في بحر النشاز الذي سيطر علي الأسماع فإنه - بكل وضوح وصراحة - تقصير من وسائل الإعلام وأجهزة الدولة المعنية بالثقافة والفنون في البحث عن تلك المواهب وإتاحة الفرص لمبدعي مصر الحقيقيين. منذ أن تراجع دور الدولة في تقديم مواهبها الحقيقية وتركت مهمة تقديم المواهب وصناعة النجوم فقط لحسابات رؤوس الأمول العاملة في مجال الإنتاج الفني تحولت الفنون إلي سلعة يعلو فيها المكسب المادي علي القيمة الحقيقية واستغل بعض الفاسدين هذه الساحة الخالية وأنتجوا نوعا من الفن السطحي المتواضع الذي يناسب ذوقهم الخاص بينما لا يخجلون من تعليق جرائمهم علي شماعة ذوق الجماهير !! والأدهي من ذلك وأمَرّ هو تقديم وتبني بعض عديمي الموهبة ممن أفسدوا الذوق العام وقدموا نوعا من الإنتاج الرخيص والمشوه الذي صرف عامة المصريين عن الآداب والفنون ، بل جعل المبدعين بدلا من أن يكونوا محل التقدير الذي يستحقونه أصبحوا محل سخرية في الكثير من الأحيان، لدرجة أن قدمت بعض الأفلام السينمائية الشعراء في هيئة ذلك الشخص الموتور الذي يهذي ببعض الكلمات المبهمة ويتهم الناس بالجهل والسطحية مما جعل هذا الوسط من الأدباء والشعراء وسطا مغلقا لنجد أن ندوات الشعر والصالونات الأدبية التي كانت في يوم من الأيام مقصدا لصفوة المجتمع والصحافة والفنانين لا يقصدها إلا الشعراء والأدباء منعزلين عمن يكتبون عنهم ولهم ، وهذا بدوره أثر علي طبيعة الإنتاج الفكري لبعض المبدعين وأفقد مصر واحدة من أهم القوي الناعمة لهذا المجتمع الذي ملك قلوب وعقول العالم العربي بل امتد صوته إلي جميع أنحاء العالم بمبدعيه في جميع أنواع الآداب والفنون تلك الرموز التي لعبت أكبر الأدوار في تاريخ مصر الماضي والمعاصر وكان لهم الدور الأهم في صمود هذا الوطن في وجه أكبر المحن مما أكسب مصر ثقلها ومركزها الطليعي علي مستوي العالم العربي والمجتمع العالمي. لا نريد أن نصدق نظرية المؤامرة في هذا الصدد وإن كانت وجهة نظر لها وجاهتها في ظل ما نراه علي الشاشات ليلا ونهارا ونتمني أن يكون الأمر مجرد تقصير نسعي إلي تلافيه لا تواطؤ لإفقادنا دورنا وقيمتنا الحقيقية لصالح بعض القوي المتطلعة لذلك الدور في المنطقة. سنكون كشعراء أكثر تفاؤلا وإيجابية وسندعو جميع وسائل الإعلام الحكومية والخاصة أن تحذو حذو (روزاليوسف) التي خصصت هذا العدد لتقديم تلك الأقلام والأصوات إيمانا منها أن هذا هو صوت الشعب المصري الحقيقي ، بعيدا عن المزايدات والمواءمات وحسابات المكسب والخسارة ، صوت يعبر عن أحلام وأوجاع الوطن بكل صراحة وفي قالب أدبي بديع. أسامة عبد الصبور