د. آمنة نصير تتلقي العديد من الاتصالات اليومية من نساء يسألن عن التعدد ويعانين من إهمال أزواجهن لهن لزواجهم من أخريات، وكان آخرها مكالمة هاتفية من زوجة عاد زوجها مؤخرا من الخليج، وقام بشراء محل تجاري لتجارة الأدوات الكهربائية وكانت له سكرتيرة في هذه الشركة، فذهب إلي زوجته وقال لها: لك أخت في الإسلام تريد أن أعفها. وتساءلت الزوجة الأولي: كيف أقبل أن يتزوج امرأة أخري تأتي وتأخذ كفاح سنوات طويلة عانيتها معه بدلا من أن يفكر في تزويج أولاده؟ والمدهش أن الزوج وصفها بالجحود والبعد عن شريعة الله. أما أغرب ما قابلته د. آمنة عميدة كلية الدراسات الإسلامية سابقا، فكان أثناء حضورها إحدي الندوات حينما دخلت امرأة منتقبة وقامت بتوزيع منشورات تقول: «أختي المسلمة ساهمي في عفة أختك المسلمة وزوجيها لزوجك».. فقالت لها ساهمي أنت لأختك المسلمة بأن تبحثي لها عن قريب غير متزوج وعاونيها بقدر الطاقة المالية وزوجيها فليس لزاما أن يكون زوجك هو الذي يكمن فيه الحل. • سألتها عن قضية التعدد فقالت لي : - بكل أسف الرجل المسلم لديه اقتناع سواء عن طريق فطرته أو رغبة غريزية لديه أو مفاهيم ثقافية موروثة أن عدد النساء جزء من مكانته وقيمته ورجولته، وأصبح معني التعدد مباحا دون قيود، وللأسف أننا نجده في معظم الأحيان لدي الطبقة الدنيا التي لا تحسن تطبيق ضوابط الشريعة الإسلامية. • وما أسوأ توابع التعدد؟ - إحصاءات عديدة تؤكد أن 59% من أطفال الشوارع هم نتاج هذا التعدد البعيد عن الضوابط الشرعية من كفاءة ومن قدرة ومن عدل وواقعياً فإن تطبيق ضوابط الشريعة علي التعدد تكاد تكون مستحيلة. • إذن كيف يتقبل الرجل تلك الضوابط الشرعية إذا كان تطبيقها مستحيلا كما ذكرت؟ - لا يتقبل.. لذلك انطلق الرجال الراغبون في التعدد دون نظر إلي أي مسئولية شرعية خصوصا في السنوات الأخيرة نتيجة تقليد دول الخليج، أو نتيجة بعث فكرة ذكورية ورغبة لهؤلاء الرجال وخداعا لأنفسهم بأن التعدد جنة الله في الأرض، وهذه الخدعة أضع عليها مجرد تنبيه بسيط وأقول : إذا دخل التعدد من النافذة خرج من الباب كل ألوان الاستقرار والمودة والسكن وتربية أبناء أسوياء، وهنا دائما ما تكون الزوجة شريكة الكفاح هي التي تدفع الثمن، والرجل دون أن يرمش له جفن يمارس مع الطبقة التي استحدثت حاليا من فتياتنا اللاتي يقدمن ويرغبن في الزوج المتزوج الجاهز لمتطلبات الحياة لأنها لا تريد أن تكافح مع زوج شريك لها في العمر وفي المرحلة وفي الثقافة وتريد أن تأخذ زوجا جاهزا مثلما تركت أباها، وهذه طائفة من فتياتنا. • وهل هذه الطائفة من الفتيات هن سبب ارتفاع ظاهرة التعدد الآن؟ - هناك طائفة أخري من اللاتي يخشين لقب «عانس»، فتقبل أن تكون زوجة ثانية وثالثة رغم المرارة الدفينة في داخلها، وهناك عشرات المكالمات علي هاتفي الشخصي يشكين مر الشكوي بأن الزوج بعد أن هدأت الثورة الأولي أو «الفورة الأولي»، من زواجه منها، بدأ يحن إلي زوجته الأولي أم الأولاد، وهنا يبدأ الصراع ما بين الزوجات، ويكون الخاسر الأكبر في هذا الجو المشحون الأولاد الذين يتحولون إلي أعداء. وهذا الأمر ربما هو الذي دفع بعض البلاد العربية مثال تونس التي ضاقت بهذا الأمر، ونجحوا في تقنين تعدد الزوجات عن طريق القاضي والمحكمة. • وما رأيك في تجربة تونس، وهل يجوز أن تعمم في الدول الإسلامية والعربية؟ - بالنسبة لتونس هذا أمر أدخلهم بلاشك في مشاكل أخري ربما لا أرتاح إليها كثيرا، لأن تدخل القاضي في هذه الأمور مسألة لن تنتهي وسيحدث فيها المراوغة والمناورة. • ما الحلول في تصورك إذا كانت لديك تحفظات علي تجربة تونس؟ - علي الفتاة ألا تخشي مسألة العنوسة ولاترضي أن تخرب بيت الزوجة الأولي، بل عليها أن تقبل البداية البسيطة مع شاب في سنها، وأن تبتعد عن المظاهر المبالغ فيها مثل تكاليف الفرح والشبكة وتأثيت البيت. الأمر الآخر أن نبحث عن حل جذري في القضاء علي البطالة لأنها هي التي تؤدي إلي العنوسة وليس كثرة النساء. • إذن القضية ليست في كثرة النساء؟ - نعم، القضية ليست كثرة النساء، ونحن نحمد الله ليس لدينا حروب قتلت الشباب، فرفع راية القضاء علي العنوسة فيه زيف، لكن القضية كما قلت في علاج البطالة والمغالاة ونقبل كما أوصانا الرسول - صلي الله عليه وسلم: «إذا جاء من ترضون دينه فزوجوه»، فنحن في حاجة إلي تيسير الزواج كما كان آباؤنا وأجدادنا عندما كان أب الأسرة يزوج ابنه بأبسط الوسائل والسكن. • هل هناك أمل في تغيير مفهومنا عند الزواج؟ - مسألة المطالبة بتغيير الثقافة وقبول الزواج الذي أمر به الإسلام من بساطة وقبول من ترضون دينه، لا أستطيع أن أجده ببساطة في جيل أبنائي وربما أحفادي، لأن فكر المادة والاهتمام بالمظاهر تغلغل في وجدان بناتنا وثقافتنا العامة نتيجة تقليد دول الجوار التي أفاء الله عليها من الخيرات الكثير، فالأمر قد يحتاج إلي جيل بأكمله لتغيير هذه الثقافة وهذا الإغواء الذي وفد إلينا والتمادي في الإسراف والإنفاق تحتاج إلي جيل بأكمله حتي يتغير مع تفعيل دور الإعلام ودور الدراما التي كثيرا ما تجمل هذا الأمر، وأذكر مسلسل «الحاج متولي». فهذا النموذج الذي قدمه سيصبح عبرة للخلائق يوم القيامة. • لكننا نري اليوم نساء لا يستنكرن أن يعدد زوجها عليها؟ - هذا إشهار التدين الظاهري، لأن المرأة لا تستنكر أن يعدد زوجها رغم أنه ضد فطرة المرأة، ومع هذا لاكتساح ثقافة دول الخليج علي القنوات التي تتبني هذه القضية أصبحت مستساغة والدعوة إليها ميسرة، وساهمت الفضائيات خاصة تلك التي تمول من دول الخليج في ذلك وكأنهم يريدون إسلاما خليجيا يسود مصر سواء في النقاب أو التعدد أو ثقافة الأسرة المصرية، فهذه القنوات قامت بعمل «غبش» علي ثقافة الأسرة المصرية المتحضرة! • وماذا عن الدعاة الجدد؟ - ذلك الداعية «أبوطاسة علي قورته» وقف ذات مرة وكأنه حرر القدس وقال لي «باركي لي فيما فعلت». فسألته وماذا فعلت؟.. فقال: قد تزوجت الزوجة الثانية.. قالها بافتخار وسعادة وكأنه جاء بانتصار حرر فيه القدس. • وما فكر هذه الثقافة البترولية التي تخشين علينا منها؟ - هو فكر اختزل التدين في الشكل والكلام وهذه جناية باسم الإسلام. • ولماذا لا نأخذ بتجربة تونس وفي الوقت نفسه نعمل علي تغيير فكر الرجال؟ - لا أوافق علي ذلك، فمن وجهة نظري نحن نحتاج إلي وقت طويل جدا لإعادة تشكيل الرجل في خشية الله، فعند منع تشريع الزواج الثاني يتخذ له خليلة، وأنا لا أريد خليلات في المجتمع الإسلامي، فهذه نكبة ثقافية حلت علي مصر تخالف شرع الله.. أنا لا أستطيع أن أمنع شرع الله عن طريق قاضٍ من البشر، إنما أتمني أن يرقي الرجل بثقافته وأن نبني خشية الله في داخل أولادنا ذكورا وإناثا. • أخيرا.. ماذا تقولين للرجل الذي يريد التزوج بأخري؟ - أقول له «علي نفسها جنت براقش»، وليعلم هذا الزوج أن الأولي لن تخلص كما فعلت في السابق، والثانية لن تأمن له وكل منهما لو استطاعت أن تنزع جلده لأخذته، وهذا هو الحصاد الذي يقع فيه الرجل!