15 يوما أرادت تيارات الإسلام السياسي أن تصورها وكأنها عاصفة يمكن أن تؤرق الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر.. أرادوا أن يذبحوا له القطة بحسب المثل الشعبي الدارج.. لعلهم يرهبونه أو علي الأقل يحيدونه بعيدا عن استغلالهم المقيت للدين لتحقيق مكاسب سياسية تخدم توجهاتهم المتطرفة. فما لبث شيخ الأزهر الجديد أن تسلم منصبه، حتي سن عليه المتطرفون من أعضاء جماعة الإخوان المحظورة سكاكينهم.. أرادوا إخافته بالنيل من سلفه تارة.. ومهاجمته تحت قبة البرلمان تارة أخري. أشهروا في وجهه سيف ما يسمي جبهة علماء الأزهر إخوانية الهوي.. ووضعوا في ظهره خناجر ما يسمي بكتلتهم البرلمانية داخل قاعات مجلس الشعب مستغلين الأدوات البرلمانية في الرقابة الاستجوابات وطلبات الإحاطة والمذكرات ضد الإمام مطالبة بإقالته قبل تسلمه المنصب الرفيع ورغم تأكدهم من استحالة إقالته بهذه الأدوات إلا أن الهدف في النهاية هو تطبيق مبدأ العيار اللي ميصيبش يدوش! لكن الغريب في هذا المخطط المشبوه هو أن نواب الجماعة المتلونين في مواقفهم ممن شنوا هجوما حادا علي الطيب بمجلس الشعب هم في الأساس ينتمون إلي جامعة الأزهر التي كان رئيسها قبل هذا التاريخ مثل علي لبن وسيد عسكر قارنوا بين محاسن الشيخ الراحل د. محمد سيد طنطاوي وما أسموه مساوئ خلفه رغم أنهم كانوا يصفون الشيخ الراحل بمحلل المحرمات ومحرم المحللات! ولبن بحسب العديد من المراقبين البرلمانيين هو صاحب أكثر مشهد مسييء تحت القبة وذلك عندما رفع حذاءه في وجه الحكومة من فوق المنصة.. وهو كذلك الذي طالب بجلد الوزراء من قبل.. وكان أن أخرج لبن شنطته المتطرفة وأظهر منها أول مذكرة ضد الطيب وهو شيخ للأزهر لإرفاقها باستجوابه.. وهي نفس المذكرة التي كان قد تقدم بها العام الماضي ضمن عدد آخر من استجوابات ضد الطيب وذلك عندما كان رئيسا للجامعة حول وضع المعاهد الأزهرية ولكنه ألحق بها بعض التغييرات ومنها مقارنة بينها وبين سلفه الذي كان لبن دائم المهاجمة له، ولكن بعد وفاته فبعد أن أدار الإخوان الدفة نحو الطيب قال لبن عن الشيخ الراحل أنه ظل يحافظ علي مكانة المعاهد الأزهرية عكس الطيب المتآمر مع رئيس الوزراء ضد الأزهر بحسب وصف مذكرته! وقال لبن إن الطيب أجري اتفاقا مع رئيس الوزراء د. أحمد نظيف بمنع إصدار تراخيص جديدة بفتح معاهد أزهرية جديدة وحصر المعاهد القائمة لتحويلها إلي مدارس للتعليم العالي بقرار صدر في 22 مايو ,.2004 لكن رجل الدين الأزهري - ونقصد علي لبن - فاته شيء من الحبكة لإتمام روايته.. لأن نظيف تولي رئاسة الوزراء في 1 يوليو 2004 أي بعد التاريخ المذكور بشهر ونصف! وهنا يتذكر لبن محاسن طنطاوي الذي كان دائما ما يهجوه.. ويتابع قائلا شيخ الأزهر - رحمه الله - عارض ذلك ورفض تطبيقه وأنه ظل علي مخالفته حتي وفاته إلا أن الطيب عضو بأمانة السياسات بالحزب الوطني وأنه أعلن أمام لجنة التعليم بمجلس الشعب أنه سينفذ خطة انكماش للكليات الأزهرية ليصبح عددها 3 كليات فقط بدلا من 66 كلية.. والحقيقة أن الطيب لم يتحدث عن انكماش الكليات الأزهرية ولكن تنظيمها لمواكبة رسالة الأزهر وسوق العمل. وتحدث النائب الإخواني أيضا عما أسماه مخالفة الطيب للمادة 40 من الدستور لأنه يسعي لتقليل عدد الكليات الأزهرية مقارنة بكليات اللاهوت.. لكن الواقع أيضا هو أن معاهد الأزهر لم يقل عددها أبدا، وأعداد كليات اللاهوت محدودة جدا عند مقارنة عددها بها. وبدأ نائب المحظورة يسرد من وحي خياله ما عده مخالفات للطيب الذي اتخذ موقفا مهما عدته الجماعة ضد مصالحها في قضية ميليشيات الأزهر، إذ حرض لبن وقتها الطلبة المنتمين للجماعة المحظورة في جامعة الأزهر باقتحام مكتب الطيب.. وزعم لبن إلغاءه لكلية الدراسات الإسلامية والعربية لفتيات الأزهر في المنيا وتسليمها للمحافظة وأنه أصدر هذا القرار بمكالمة تليفونية متحدثا عن تشتيته 7 آلاف طالبة أزهرية بسبب هذا القرار، وأنه توقف عن فتح كليات أزهرية جديدة باستثناء كلية واحدة في محافظته قنا.. في حين قام سلفه د. أحمد عمر هاشم بفتح 10 كليات أزهرية جديدة في عهده، وأنه عطل تشغيل أكثر من 20 كلية أزهرية لا تزال مغلقة حتي الآن، وتعطيله تشغيل 4 كليات أزهرية بمدينة السادات ومنها كلية الزراعة الصحراوية للأزهر بمدينة السادات 500 فدان رغم تشغيل كلية الزراعة بالجامعة الأمريكية التي حصلت علي 500 فدان، واصفا الحكومة بأنها تكيل بمكيالين تمنع الأزهريين وتعطي الجامعة الأمريكية. وبعيدا عن الأهداف الخفية لمذكرة الإخوان ضد الطيب ، إلا أنها كشفت كمية التلون وتغيير الجلد مثل الثعبان، عندما هاجمت الشيخ الجديد بسابقه طنطاوي والذي داومت الجماعة علي مهاجمته استنادا إلي مواقفه الدينية المتعارضة مع أهدافها السياسية. الأخوان في البرلمان يترحمون الآن في حركات مسرحية علي الأمام الراحل طنطاوي ويتحدثون عن محاسنه متناسين أنهم أنفسهم طالبوا بعزلة من منصبه منذ سنتين عندما صافح شيمون بيريز الذي مد يده له في مؤتمر الأممالمتحدة لحوار الأديان.. وتعامل الراحل بعفوية حفاظاً علي مظهر الإسلام الذي كان ومازال يواجه هجمة شرسة من الغرب بسبب بعض الأعمال التي شوهت صورته.. وبالطبع كان مطلوباً من رأس المؤسسة الدينية في العالم أن يثبت للجميع أن الإسلام دين سلام، لكن نواب المحظورة تقدموا بعشرات البيانات العاجلة لعزلة أو الاعتذار عن هذه المصافحة، بل طالب رئس الكتلة محمد سعد الكتاتني بتشكيل محاكمة شعبية علنية لطنطاوي وأصدروا بيانات، هي أقرب إلي السب والإهانة ضد الأمام الراحل علي جميع الفضائيات. وتناست أيضاً ما تسمي بالكتلة البرلمانية للجماعة أنها تقدمت بأكثر من 22 طلب إحاطة واستجواب ضده رغم تأكدهم من عدم جدوي هذه الأدوات لأن شيخ الأزهر لا يستدعي إلي البرلمان ولا يحاسب سياسياً، وكانت من أكثر طلبات الأحاطة التي حملت هجوماً ضده حول حضوره لمؤتمر الفاتيكان لحوار الأديان! لكن الجماعة التي تريد أن تلعب علي جميع الأطراف، عندما حثت نوابها علي الترحم علي الشيخ الراحل للنيل من خلفه، تركت العنان لما يسمي جبهة علماء الأزهر ذات الميول الأخوانية للنيل من طنطاوي حيث أصدرت العديد من البيانات التي تهنئ فيها الشيخ الجديد ثم طالبته بدفن كتب سلفه!!. التي تدرس بالمعاهد والكليات الأزهرية والتي تعارض فكرهم، معلنة أن الكتب المخالفة لهم هي كتب الأمام المعتدل طنطاوي وأن يعيد تدريس الفقة المذهبي الذي من عيوبه أنه يحصر الاجتهاد في جانب ضيق، وأن يكتفي بتدريس لغة أجنبية واحدة في الأزهر، وهنا بالطبع نجد اتجاهاً لزيادة الجهل للمتعلمين بالأزهر فضلاً عن أن هذه الدعوة مخالفة لما نسب للرسول بأن من علم لغة قوم أمن مكرهم. وتجاوزت الجبهة في بيانها كل الخطوط عندما اتهمته وهو في قبره بالمرتشي وأنه تلقي 3 قصور من وزير الإسكان في القاهرةالجديدة وأنه أول شيخ أهان كتاب الله وأول من سعي في خراب الأزهر لأنها كانت تسعي في مراضاة الله وأرجعت هذه الأوصاف المبتذلة لإباحته فوائد البنوك. الجماعة الإسلامية تعاملت من جانبها مع رحيل الشيخ طنطاوي ومجئ الأمام الجديد بكل ترحيب. وقال القيادي بالجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم.. إن الشيخ طنطاوي مات، وهو الآن بين يدي ربه، وهو أعلم به ونحن نحترم قدسية الموت.. وقد أفضي إلي ربه وهو أرحم به منا..ورحب بالطيب.. الفارق واضح.