الخبير الذي نستطلع رأيه وتقييمه في هذا الموضوع عمل سابقا في جهاز أمني سيادي منذ أن كان ضابطاً صغيراً حتي وصل إلي رتبة رفيعة ، وقد حمل علي عاتقه ملفات مهمة، أولها، الإرهاب الديني منذ أن انتهت حرب أكتوبر 73 وحتي نهاية التسعينيات، وأيضاً ملف الجاسوسية.. .. واستطعت الحصول منه علي إجابات مهمة حول سؤال: هل ستعود الجريمة الإرهابية المنظمة لتشهد صعوداً في المرحلة المقبلة؟ وما احتمالات ذلك في 2010 خاصة أن العام الماضي شهد القبض علي بعض الخلايا الإرهابية مثل خلية حزب الله والجهاد مؤخراً؟ من هنا بدأت معه فأجاب: التنظيمات والخلايا التي يتم ضبطها هي الناتج أي الثمار الذي تفرزه بذرة التطرف الذي لا يظهر للعيان لأنه مدفون، وأقصد الأفكار، أما ما تظهر لنا فهي بشائره فقط.. وبالتالي يجب أن نظل متعقبين للجريمة الإرهابية مادام الفكر الذي ينتجها موجوداً. هكذا أجاب، فكان السؤال التالي الذي لابد أن أطرحه: ألم يكن تعقب الجريمة الإرهابية المنظمة في التسعينيات فيه قضاء عليها إلي حد كبير؟ أجابني بنعم ولكنه استدرك: الإرهاب له مراحل للقضاء عليه، الأولي أمنية وهي الأسرع، وقامت بها أجهزة الدولة المعنية علي أكمل وجه، لكن المرحلة الثانية هي الاهتمام ببؤر الإفراز وهي عشوائيات الهجرة الداخلية، وهذا ما تفعله الدولة الآن من خلال تنمية الصعيد وتقنين وضع العشوائيات لتصير قاعدة المعلومات عنها كاملة ودقيقة.. والمؤكد أن العشوائيات ليست وحدها هي مصدر التطرف والإرهاب، ولكنها المجال الأضعف والأسهل في التأثير عليه واللعب في الرؤوس.. في الوقت نفسه يجب توضيح أن الإرهاب مصدره الأول خارجي بالنسبة لدولة مستهدفة مثل مصر، ولذلك فإن منابعه لن تجف تجاه دولة لها دور محوري وأساسي يراد تهميشه بقدر الإمكان، وإحدي وسائل ذلك جرنا للاهتمام بمشاكلنا الداخلية أكبر وقت ممكن، بينما الإرهاب يأتي عبر الحدود وعن طريق أجهزة مخابراتية غير مباشرة، وقد أصبحت له مع بداية الألفية أشكال متعددة:إرهاب دولي، وإقليمي ومحلي، وإرهاب عنصري يتمثل في الأقليات وهو الأخطر علي أي بلد، وهناك إرهاب سياسي، دبلوماسي، نفسي، اجتماعي، اقتصادي مضافاً لها إرهاب الفقر والعشوائيات. -- الحديث عن إرهاب ناتج عن وجود أقليات، يدفعنا لتأكيد واقع يقول إن مصر لا يوجد فيها تلك الأقليات، فالنوبيون والأقباط مثلاً مصريون لهم جميع الحقوق وعليهم نفس الواجبات ومندمجون تماماً في نسيج المجتمع.. أشرت إلي ذلك التوضيح لكنه أجابني: هذا وضعهم بالفعل، ولكن تظل لديهم مطالب تستغلها جهات خارجية، فإن لم يكونوا يقظين ومدركين أنهم يتم استغلالهم تصبح هناك مشكلة، وتكون هناك مساحة لرواج أفكار هدم مثل ما يسمي ب الفوضي الخلاقة وهو مصطلح بالمناسبة ليس جديدا ولا إبداعا ل كونداليزا رايس، بل معني ساد في الحروب الأهلية بأمريكا وأوروبا.. أمريكا من أجل إعطاء الأقليات حقوقها، وأوروبا استُخدم فيها للحروب مع الدين والكنيسة المتحكمة.. وهذا أفرز دستوراً يحمي شعوب هذه البلدان ونظم حياتهم واتفق عليه الجميع وأنتج الديمقراطية التي هي معناها الأول احترام القوانين وجعل هناك معني للدولة المدنية وكيفية التعايش داخلها.. وسادت الأفكار السياسية بشكل سلس وطُبقت بشكل حضاري وراقٍ. ولكن عندما لوحت به كونداليزا كان لديها قصور في النظر لمنطقتنا العربية، هي كانت تريد تطبيقه ليظهر لأمريكا ما هو تحت الأرض من جماعات وتيارات سياسية وفكرية متطرفة يمكنها كدولة أحادية عظمي التعامل معها، ولكن فات رايس أننا كشعوب بكل تياراتنا السياسية والاجتماعية والدينية لم نتعود بعد علي احترام القوانين وتطبيقها إلا بالقوة الأمنية التي تردعنا، وبعد ذلك تقوم تيارات لا تحترم القانون لتقول أنها غير قادرة علي البوح بأفكارها،.. وهذا غير صحيح لأنه لو اتبع الشكل القانوني سيتواري الشكل الأمني الذي تخشاه هذه التيارات لأنها خارجة علي القانون. ولذلك فإننا نقول: الفوضي الخلاقة عندهم جاءت بالديمقراطية، ولكن عندنا أفرزت جماعات عشوائية تريد الفوضي ولاتريدها خلاقة أي متحضرة.. ولذلك فإن البعض يلوحون بأنهم محكومون بالأمن.. مع أن الحقيقة هي أن الأمن يطبق القانون، وبالتالي فالجماعات المتطرفة فكريا في كل المجالات لاتريد القانون ولاتحترمه، بل تريد أن تفرض نفسها علي غالبية المجتمع فتستخدم العنف ولاتعترف بالنظام والدستور. خلاصة الرأي إذن أن الآخرين أطلقوا فوضي ليخلقوا دستوراً.. وهنا لدينا دستور، ولكن هناك من لايريدون احترامه رغم أن قوانينه تمنحنا الديمقراطية، فهل هناك مشكلة في تلك الديمقراطية؟.. أجابني: المشكلة أن الديمقراطية مختبئة في عباءة رجال أعمال الذين عليهم دور كبير في توفير العيش الكريم للآخرين، وهذا واجب صاحب العمل وليس نفحة منه، واجب أن يخفف من أعباء الدولة ويتحمل جزءا وهو العمالة التي لديه، لأن الدولة منحته تسهيلات كثيرة ليصير صاحبا لثروة، ولكن ما يحدث أن عددا من رجال الأعمال يريدون السلطة والمال فقط دون أدني واجب عليهم، وتوارت مسئوليتهم تجاه من يعملون لديهم وأسرهم.. كيف نترك المجتمع حتي تصل فيه سن الشباب إلي 45 عاما ومازلنا نقول له: لديك فرصة لكي تعمل وتتزوج؟! هذا يخلق لدينا مواطنا مستفزا من الأوضاع، شبابه ولي في الانتظار، بينما المفروض أن أخلق شعباً طموحاً وليس ناساً غوغائيين يمكن استغلالهم.. هذا ليس واجب الدولة فقط.. وإذا تم تظهر الديمقراطية وتسود الدولة دون دواع أمنية يمكن توفيرها لحماية الأمن القومي والمصلحة العليا للبلاد. -- مرة أخري نعود إلي المنابع الإقليمية للإرهاب في مصر، فيشير إلي صراعات وبؤر تزيد وتنتشر حولنا في باكستان وأفغانستان واليمن والسودان والجزائر ولبنان وإيران وفلسطين ويقول: كلهم لديهم تيارات متطرفة ومستغلة عقائديا تلعب في المنطقة منذ قرابة ال 25 عاما، منها حزب الله والتحرير الإسلامي والأحرار التقدميين، كل هذا يؤمن الشكل العقائدي المتطرف الذي يميل إلي الدموية والقتل والاغتيال. وأسأل: كيف قاومنا هذا؟.. فيجيبني: قاومناه بما يعرف ب عنق الزجاجة وهو قرار صائب أمنيا لايعتمد هنا علي العنصر السياسي، فكما ذكرت البؤر الإرهابية تنمو تحت الأرض لا أحد يراها إلا ساعة صدور الأزمة فوق الأرض، والتحديات أكثر من رهيبة تحت الأرض، ولكن أجهزة الأمن في مصر نتيجة التخطيطات والتدابير تحكمت في قطفه أولا بأول وكان هذا أسلوبا ناجحا. هل من أجل ذلك.. أقامت مصر ما يطلق عليه السور الفولاذي تحت الأرض علي الحدود مع غزة؟ يجيب: هذا حق مصر والذي يخشي سد بؤر الإرهاب تحت الأرض عليه إذن أن يعلن أنه مصدره، ولو كان صاحب حق لجاء من فوق الأرض وليس من تحتها.. كيف أسمح بدخول عناصر إرهابية ومخدرات وإضرار باقتصادي وأمن حدودي من أجل من يري في هذا مصلحة جماعة ليس إلا.. الشعب الفسطيني يمر بسلام عبر المنافذ ونساعده في كل ما يحتاجه من علاج وغذاء.. فلماذا تحت الأرض؟ - هل شكل الإرهاب أو الفكر المتطرف تغير من التسعينيات وحتي الآن؟ كان هذا هو السؤال.. وجاءت الإجابة: بالطبع تغير والأفكار تطورت مثل الترابط بين الشيوعيين والإسلاميين.. لم يحدث في التاريخ ولكنه حدث الآن بين الأحزاب المختلفة في الفكر والعقيدة، وأصبحت المصالح هي العقيدة السائدة ولم يعد هناك الإيمان بفكرة أو مبادئ محددة.. وفكر التطرف والإرهاب كامن يظهر في حالات يراد فيها إثارة القلق مثل موسم انتخابات أو موقف سياسي للدولة.. وهكذا، يستغل فيها كلام وشعارات مثل ضد السلام.. لا ضد الدولة.. لا ضد الحزب الوطني.. وهكذا. -- المصدر الذي استطلعنا رأيه، قدم أبحاثا حديثة حول أوضاع الإرهاب والفكر المتطرف.. وقد حاولت معرفة التوصيات التي قدمها في تلك الأبحاث فقال: أول شيء طالبت أن يقوم الأزهر بدوره في تصنيف المسلم وأن يكون هو الجهة الوحيدة في ذلك.. فهناك مسلم عادي - مسلم مجتهد - مفتي - عالم - مقرئ - خطيب - داعية كلهم ليسوا علي مستوي واحد، فالمقرئ يجب ألا يقول خطبة، والخطيب لا يفتي، والمفتي لا يقرأ القرآن، ولذا لزم التحديد.. زمان كان العالم هو الحاصل علي العالمية من الأزهر.. الآن الداعية عبارة عن إنسان هاو.. هل امتحنته لجنة من الأزهر فأقرته ليصير داعية لنا؟! وحتي بعد أن يقوم الأزهر بهذا الدور يجب أن يمتهن الشخص مهنة الداعية ولا يكون طبيبا وداعية أو مهندسا وداعية أو تاجرا وداعية وهكذا. طالبت وأوصيت أيضا أن تؤخذ في الاعتبار فئات يتم تسخيرها الآن في عمليات إرهابية وهم المرضي النفسيون والمتخلفون عقليا والمدمنون، وهولاء مستغلون تماما ويقومون بهذه الأفعال علي الوجه الأكمل لتنفيذ أهداف جماعات وتنظيمات ويستخدمون كأفضل استخدام في هذه العمليات.. فهم مسيرون وليسوا مخيرين ولذلك تسهل السيطرة عليهم. وفيما يخص منابع التطرف داخليا تنبغي الإشارة إلي أننا سوف نري أعمالا إرهابية منظمة بالفعل لأن المنبع أي الإخوان أصحاب غرض ومصالح وسيظلون مفرخة للجماعات الإرهابية المتطرفة.. ولذلك فالدولة جعلتهم محظورين وهذا فكر ناجح من الدولة للتجفيف السريع وبقدر الإمكان للمنبع، لأن الخطوات والآليات الأخري طويلة المدي وهذا يهدد أمن المجتمع.