كتب : إكرام لمعى يتحول الحوار غالباً حول أى موضوع فى مصر إلى أزمة، ولقد مررنا بأزمة الحوار حول مباراة الجزائر بين من يعتبرها معركة قومية ومن يعتبرها معركة وطنية، وتبادل الطرفان الاستفزاز والاتهام بالخيانة.. إلخ، ثم جاء الحوار حول تجلى السيدة العذراء فصنع أزمة حقيقية بين الذين يؤيدون والذين يعارضون، ولم يكن كل المسلمين من المؤيدين ولا كل الأرثوذكس ولا كل البروتستانت، فالأحكام العامة خاطئة، والقسمة هكذا غير مبررة. فالتفكير العلمى يعلمنا أنه عند التفرقة بين فريقين يتحاوران لابد وأن تكون التفرقة واضحة بخط واحد يفصل بينهما لا يشذ عن هذا الخط محاور من أحد الطرفين، وإذا حاولنا أن نضع خطاً واضحاً يفصل بين المتحاورين هنا سوف نقول أنه خط التفكير العلمى، فالذين يفكرون بطريقة علمية لم يرفضوا ظاهرة التجلى لكنهم طبقاً لتفكيرهم العلمى طلبوا تحليلاً علمياً صحيحاً للظاهرة من خلال لجنة من العلماء، فلماذا استبعد هؤلاء الأسباب العلمية المفروضة، عندئذ يستطيعون القول بأنها ظاهرة روحية ويطبقون عليها مقومات الظاهرة من سبب التجلى والهدف منه وطريقته ورسالته.. إلخ، على أن يضعوا فرضاً أخيراً بأنه ربما كان هناك سبب للظاهرة لم يكتشف بعد .. أما الذين لا يطبقون التفكير العلمى فقد أجزموا بأنها ظاهرة روحية، وأن المتجلى هى العذراء وأنها تجلت فى مصر لأنها تحب مصر.. إلخ هذه التأملات الروحية الجميلة والمريحة للنفس الإنسانية والتى ترفع الإنسان إلى أجواء عليا ممتعة، وأنا شخصياً استمتع بمثل هذه التأملات كثيراً فى خلوتى من خلال الكتاب المقدس، فارتفاعى روحياً يتم من خلال ما أعتقد أنه كلام الله للإنسان، إذن الذين ينكرون بطريقة علمية ليسوا أدعياء، وليسوا خارجين على الدين، لكنهم يريدون أن يتأكدوا أولاً من الظاهرة ثم يمارسوا تأملاتهم، ومن أمثلة هؤلاء الدكتور خالد منتصر والدكتور وسيم السيسى.. إلخ، أما الذين حسموا الأمر فهم كثيرون، من هنا أصل إلى ما قيل من الذين حسموا بأن التجلى كان للسيدة العذراء بأن البروتستانت لا يؤمنون بالعذراء ولا يحترمونها ويعتبرون أنها كانت مجرد وعاء للسيد المسيح، وبعد خروج السيد المسيح من رحمها فقدت قيمتها.. إلخ والحقيقة أن كل هذه التعبيرات تعبيرات شعبوية لا تمت للعقيدة البروتستانتية فى العذراء بصلة، فالبروتستانت الأوائل والذين سموا بالإصلاحيين آمنوا بالسيدة العذراء وبمكانتها المرتفعة كأم للسيد المسيح، واعتبروها أعظم قديسة بل أعظم من جميع تلاميذ المسيح لأنها حملت السيد المسيح كلمة الله فى رحمها، وقد حبل بها من الروح القدس، لذلك لها مكانة رفيعة جداً فى الإيمان الإنجيلى، أما الاختلاف فلم يكن فى يوم من الأيام حول العذراء ولكن حول عقيدة محورية هى عقيدة الشفاعة، حيث آمن المصلحون أنه لا شفيع سوى السيد المسيح حسب كلمات الكتاب المقدس لنا شفيع واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح، أى الذى يشفع فى الإنسان يسوع لأنه يعرف معاناة البشر، وذلك لأن الكنيسة التقليدية فى ذلك الوقت كانت تعين قديسا لكل حارة فى أوروبا ليشفع فى ساكنيها، وشفيع للولادة، وشفيع للأطفال، وشفيع للامتحانات وشفيع للمواصلات.. إلخ وإذا أخطأ شخص مثلاً وطلب من القديس الشفيع المختص بالامتحانات شفاعة للمواصلات لن يتم قبول صلاته، ولقد قيل حينئذ من معلمى الكنيسة التقليدية أن هناك فارقا بين الشفاعة الكفارية للسيح المسيح والشفاعة التوسلية، والمقصود بالكفارية غفران الخطايا، وقال المصلحون إذا كان المسيح قادراً على الشفاعة الكفارية غفران الخطايا فالأولى أنه يستطيع القيام بالشفاعة التوسلية إلى الطلبات الأخرى الأقل. هذا فضلاً عن العقيدة البروتستانتية الأصيلة بأن البشر جميعاً بعد موتهم يعيشون مع الله والمسيح فى السماء، وليس هناك مجال لإرسالهم للأرض، حيث الكتاب المقدس يقول الله بعد ما كلم الآباء الأنبياء بأنواع وطرق كثيرة كلمنا فى هذه الأيام فى ابنه المسيح وكان الله يكلم الأجيال التى أتت قبل المسيح عن طريق الملائكة أو ظهورات معينة مثل النار التى كانت فى العليقة الشجرة وتحدث الله من خلالها إلى موسى.. إلخ، أما بعد مجىء المسيح فلا مجال لأية ظواهر، لأنه ليس هناك حاجة إلى ذلك، وإن كانت هناك تجليات مع المسيح ذاته وذلك عندما ظهر معه موسى وإيليا على جبل التجلى روحيا وتحدث معه عن خروجه المزمع إلى أورشليم، ثم عند موت المسيح، قام بعض البشر من الأموات ودخلوا المدينة، وفى الحالتين عرف الذى يتجلى ذاته، ويقول رسالته، أما بعد قيامة المسيح فلم يظهر أو يتجلى سوى السيد المسيح، وكان هذا ليوحنا الرائى وقد دونه فى سفر الرؤيا، وظهر لشاول بولس فى طريقه إلى دمشق، وقد رأى أى شاول نوراً وسمع صوتاً يقول له: شاول.. شاول لماذا تضطهدنى، صعب عليك أن ترفس مناخس الحصان الذى يرفس مناخس راكبه، وقد كتب سفر أعمال الرسل عام 08م وسفر الرؤيا عام 001م، ولم يذكر أى منهما أى ظهور لأى قديس من تلاميذ المسيح أو لمريم العذراء على مدى القرن الأول.. إذن الخلاف لم يكن أبداً على شخص السيدة العذراء ولكن الخلاف كان على عقيدة الشفاعة مثل الخلاف حول الكهنوت أو الأسرار الكنسية.. وهكذا فالبروتستانتية ليس لديها كهنوت ولا يجب أن يتحول الخلاف إلى خلاف حول العذراء أو إلى خلاف شخصى أو حول أشخاص، لكن تحدث كثيرون عن حالات خاصة ظهر فيها السيد المسيح لهم كاختبار شخصى وتحدث معهم، وطبعاً كل هذه الظهورات لا يمكن إنكارها، لأنها تقال على مسئولية صاحبها، وأنا شخصياً عندما يتحدث إلى شخص ما باختبار مثل هذا أحترمه وأصدقه وأقبله ولا أناقشه فيه، ذلك أنه يتحدث عن خبرة ذاتية لا يفرضها علىّ، ولا على الناس ولا يُعِلم بها الآخرين، وعادة تكون هذه الخبرات بسبب تعلق الشخص بالسيد المسيح، وتفكيره المستمر فيه لعدة أيام وليال، وبالطبع هناك تفاسير علمية لذلك، لكن طالما الشخص كان متيقناً مما حدث له فنحن فى هذه الحالة لا يصلح إخضاع ما رآه للتحليل العلمى لأنه لم يشاركه فيه أحد، وهذا عكس الظهورات الجماعية بالطبع والذى فيه تختلف الآراء. ولقد حسم الكتاب المقدس فى القرن الأول أمر هذه الظهورات بشكل لا يقبل لبسا أو إبهاما، ففى رسالة بطرس الثانية والإصحاح الأول يتحدث القديس بطرس الرسول عن تجلى موسى وإيليا على الجبل وتحدثهما مع المسيح وقد كان بطرس ويعقوب ويوحنا فى الجبل ويصف هذا المشهد بالقول: لقد كنا معاينين عظمته.. إذ كنا معه فى الجبل المقدس، إذ أخذ من الله كرامة ومجداً، إذ أقبل عليه صوت هكذا من المجد الأسنى قائلاً: هذا هو ابنى الحبيب الذى أنا سررت به، ونحن سمعنا هذا الصوت، وبعد أن يحكى القديس بطرس ما سمعه مع التلاميذ وما رآه موسى وإيليا وبالطبع لا يستطيع بشر أن يشكك فى كلمات القديس بطرس لكنه يردف قائلاً: وعندنا الكلمة النبوية وهى أثبت إلىَّ تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها، كما إلى سراج منير فى موضع مظلم عالمين هذا أولاً، أنه لم تأت نبوءة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس، والكتاب المقدس هذا واضح شديد الوضوح، أن الاختبار الشخصى حتى لو كان من شخص مثل بطرس فعلينا أن ننتبه أكثر إلى كلمات الوحى فى الكتاب المقدس فهى أثبت، وهكذا نرى أن الخلاف لم يكن إطلاقاً حول العذراء أو القديس بطرس لكن الخلاف موضوعى جداً، أما الأشخاص فنحن نحترمهم ونتعلم من كلماتهم المكتوبة بالكتاب المقدس عن طريق الوحى بل ونضعهم على رؤوسنا، ومن المستحيل أن تجد إنجيلياً مهما كان فقيراً أو غنياً، عالماً أو جاهلاً، رجلاً أو امرأة يهتف قائلاً: بص شوف العدرا بتعمل إيه.. وهذا على أقل تقدير.