هل الأجدر أن يُعرف الإنسان بما يفقد وليس بما يملك؟ هل نحن دائماً نتيجة ما فقدنا؟ - ربما كان ما فقده جيل «إلهام شاهين» على مدى السنوات الأخيرة حافزاً لأن تجبر نفسها على المقاومة، والمؤكد أنها تمتلك احتياطياً كافياً من التحدى يبدو أمامه رصيدها من الإرادة كبيراً ومحصناً ضد اليأس. فكانت النتيجة أن إلهام شاهين قررت أن يكون 2009 ميلاداً جديداً.. مغامرة كبرى على طريقة «هاملت» أكون أو لا أكون! أو استلهاماً لروح «زوربا» الذى كان يرقص عندما كان عليه أن يبكى. لم تستسلم «إلهام» رغم قسوة فترة الغياب عندما تعاملت السينما مع سبق العمد والإصرار بإهمال مع هذا الجيل وكأن انقطاعا كهربيا حدث فجأة إثر ضغط عالٍ، والناتج توقف جيل كامل وقف على حدود غير آمنة لأن طموحات المنتجين والموزعين توقفت عند هذا الحد وكأنها تعلن لهؤلاء: اذهبن إلى شاشة التليفزيون فقد اكتفت السينما! وبدأ تحليق وطيران أسماء ووجوه جديدة اكتسحت البطولات وكسبت كل يوم مساحة أكبر على أفيش السينما وبالتالى كان التراجع إلى درجة التلاشى - أحياناً - يشمل وجوها وأسماء مثل: «إلهام» «يسرا» «ليلى» وأخريات. إن فى الفن كما فى الحب كثيراً من الفضول والأسئلة والتحدى، والفن ككل القضايا الكبرى فى الحياة يحتاج إلى الإيمان به بعمق.. بصدق.. بإصرار.. عندها فقط تحدث المعجزة.. والواضح أن إصرار إلهام وعنادها المكابر كان لابد أن يثمر فناً حقيقياً يطرح اسمها من جديد فى أرض الواقع السينمائى، والثمار كانت «خلطة فوزية» ثم «واحد صفر». قد لا يكون الفيلمان أفضل الأفضل.. وقد لا تكون إلهام أفضل نجمات ,2009 فالمؤكد أن هناك أخريات تألقن بقوة هذا العام ولكن حالة «إلهام» درس مختلف فى المقاومة والوعى.. اختارت السباحة ضد التيار فقررت عدم الانتظار حتى اليأس والاستغراق فيه فقررت الإنتاج وكان اختيارها لنوعية الفيلم تأكيداً على ذكاء الاختيار، فلم تلجأ إلى الاستسهال ولم تركب «موجة جماهيرية» مؤقتة ومضمونة ولكنها اختارت عملاً مختلفاً وصعباً فى «خلطة فوزية»، امرأة تتزوج خمسة رجال، ثم أصرت على مواصلة التحدى وكأنها تعلم أن المغامرة الحقيقية هى الوفاء لفكرة المغامرة لأنها الأصعب حتماً فقدمت مع مجموعة من الشباب فيلم «واحد صفر»، لم تتردد فى قبول هذه الشخصية الملغومة، فهى امرأة مسيحية مطلقة وتحلم بحقها فى الحياة والحب والزواج مرة أخرى، وتقف مشاكل صعوبة الحصول على إذن ثانٍ بالزواج أمامها، تعيش صراعاً بين دينها وحياتها وتضطر لتغيير ملتها، ولكنها تكتشف أن هذه المشكلة المعقدة ليست هى الوحيدة، فهناك مشكلة اختيار، هى فى اختيار الطرف الثانى الذى تكتشف انتهازيته واستغلاله لها فى الوقت الذى «حملت» فيه وتريد الاحتفاظ بهذا الحمل.. شخصية فجرت الكثير من الجدل وصلت إلى إقامة دعاوى قضائية.. والمؤكد أن إلهام اختارت هذه الشخصية الثرية درامياً ولم ترهب نفسها بعواقب الاختيار. المؤكد أن «إلهام» رفضت الوقوف فى مسافة وسطية وأقدمت على هذه التجارب باقتناع تام وبإصرار على الاستمرار، وهى تجارب قد تتردد فى خوضها نجمة أخرى فى عز تألقها وذروة شبابها، وربما لم تستطع إلهام نفسها فى مراحل توهجها القصوى وإقبال السينما عليها الدخول فى مغامرات فنية بهذا الحجم رغم أنها قدمت مغامرة فى بدايتها على سبيل التحدى عندما قبلت دوراً صغيراً ولكنه شديد الصعوبة لفتاة متخلفة عقلياً فى فيلم «أيام الغضب»، ولكنها مغامرة جاءت إليها بالعديد من الجوائز.. بينما مغامرتا «خلطة فوزية» و«واحد صفر» تؤكد أن إلهام تمتلك خلطة من الإرادة جعلتها تنتصر على نفسها وعلى المرحلة السينمائية الجديدة التى استبعدتها من التشكيل السينمائى لتفرض نفسها على هذا التشكيل من جديد وتحرز أكثر من هدف وتبعد نفسها عن منطقة الهزيمة. الشىء الذى يدفع للاحترام أيضاً فى مغامرات «إلهام الجديدة» أنها سوف تخوض تجربة الإنتاج بلا تمثيل لأول مرة لتفتح لنفسها أفقا فنياً مختلفاً أكثر اتساعاً حيث ستقوم بإنتاج فيلم لمجموعة من النجوم الشباب يقتحم مناطق شائكة دينياً واجتماعياً ويثير قضية حب فتاة مسيحية لشاب مسلم، وبهذا تنقل إلهام نفسها من دور اللاعبة فى ملعب الفن إلى صانع لهذا الفن. إلهام حالة إنسانية مختلفة أيضاً فهى باذخة الصراحة.. مفرطة الجرأة.. إنها تكاد تكون الممثلة الوحيدة التى تذكر سنها بشجاعة، فهى مواليد: 3 يناير .60 امرأة من برج الجدى برح الطموح والتحدى.. مواليد شهر يناير شهر البدايات الجديدة.. ولأنها تتحدى الزمن فهى تتعامل معه باعتباره جزءا من حياتها وليست حياتها جزءا من هذا الزمن.. ولهذا فإلهام بدأت رحلة العد التصاعدى، والمؤكد أن هذه الأفلام ليست جملة اعتراضية فى حياتها تنتهى بوضع نقطة لتنهى درساً من أهم دروس العناد والإصرار الفنى والرغبة فى الاستمرار. إلهام فى «خلطة فوزية» كانت كمن لديها جوع وعطش حقيقى للتمثيل على شاشة السينما فالتهمت كل أشكال الأداء التمثيلى، ثم قدمت أبعاداً أخرى تؤكد قمة النضج فى «واحد صفر».. وصلت إلى لياقة فنية عالية المستوى رغم أن لياقتها الجسدية لا تزال تحتاج إلى إعادة نظر. للكاتب الفلسطينى «جبرا إبراهيم جبرا» مقولة بليغة: الكاتب هو الذى يستطيع الصعود والنزول على سلم الحياة بسهولة تامة.. والفنان مثل الكاتب والمهم أن يبقى متشبثاً بسلم الحياة.؟