قرار الحزب الوطني بإنشاء صندوق لمساعدة ضحايا الاتجار في البشر هو خطوة تتجاوز ماهو حزبي إلي ماهو وطني، وترتفع بما هو وطني إلي ماهو إنساني. أقول هذا وكلي ثقة في أن فلسفة الحزب وهو يتبني إنشاء صندوق كهذا تقوم علي عقيدة مؤداها أن مساعدة ضحايا الاتجار في البشر واجب اجتماعي عام لايقف عند حدود التحزب، وواجب إنساني يمد يد العون إلي كل من يعيش علي التراب المصري مواطنا كان أم مقيما أم عابرا. في مقدمة من يحتاجون عونا من صندوق كهذا أطفال الشوارع بفئاتهم المختلفة، وضحايا جرائم سرقة الأعضاء ومن يجبرون علي ممارسة أنشطة غير مشروعة، من تسول وسرقة ودعارة. فإذا كانت هذه الأعمال الممقوتة والمحتقرة تترك ندوبا عميقة في نفسية من يقبل عليها بإرادته وتعرضه لأمراض خطيرة فإن من يجبر عليها تصبح آلامه النفسية والجسدية أشد.. وحاجته إلي المساعدة أكثر إلحاحا. ورغم أن هذه ليست المرة الأولي التي أكتب فيها عن الاتجار في البشر فلا مانع من تعريف هذه الجريمة التي دخلت ضمن مجالات التعاون الدولي ضد الجرائم العابرة للحدود منذ 1949 وكان الأساس القانوني لهذا التعاون يتمثل في الاتفاقية الدولية لمنع الاتجار في الأفراد واستغلال دعارة الآخرين التي أقرتها الأممالمتحدة في ذلك العام. ودار جدل كبير بين المهتمين بهذه القضية انتهي إلي تبني المنظمة الدولية لبروتوكول منع ووقف ومعاقبة الاتجار في الأفراد لعام 2001 الذي تضمن آليات الرصد وإنفاذ القانون. والمنع يعني الوقاية، أما الوقف فيعني الحيلولة دون استمرار النشاط الإجرامي الذي لم يتيسر منعه من الحدوث أصلا. وهذا البروتوكول يعرف الاتجار بالبشر بأنه جمع أو نقل أو تحويل أو إيواء أو استلام الأشخاص بواسطة التهديد أو باستخدام القوة أو بغير ذلك من أشكال الإجبار أو الاختطاف أو الغش أو الخداع أو إساءة استخدام السلطة أو ظروف الضعف أو بدفع مبالغ أو الحصول علي مبالغ أو منافع للتوصل إلي موافقة شخص لديه سلطة علي شخص آخر بغرض الاستغلال ويشمل الاستغلال، علي الأقل استغلال تدعير الآخرين أو غير ذلك من أشكال الاستغلال الجنسي أو العمل القسري أو الخدمات القسرية أو العبودية أو الممارسة الشبيهة بالعبودية أو الاسترقاق أو نزع الأعضاء. وكما هو واضح من القليل الذي نشر عن هذا الصندوق فإن الإعلان عن إنشائه يأتي ضمن التحرك باتجاه إصدار قانون يؤسس تعريفا مصريا للاتجار بالبشر يبدو أنه سيكون أقرب إلي التعريف الذي اعتمده البروتوكول الدولي لعام .2001 ورغم أنني لم أطلع علي المشروع المقترح لهذا القانون فبوسعي أن أقول إن جوهر الاتجار بالبشر، حسب المفاهيم المتعارف عليها دوليا، هو سلب حرية الآخر وتحويله إلي أداة لتحقيق المنافع أو اللذات رغم إرادته ومنعه من الإقلاع عن ارتكاب الموبقات، واعتبار كل قاصر يمارس هذه الأعمال لصالح شخص آخر ضحية اتجار حتي لو ثبت أنه انقاد لهذا الشخص الآخر برضاه لأن موافقة القاصر لايعتد بها، ووفقا لمفاهيم الاتجار في البشر فعقوبة من يجبر امرأة علي ممارسة الدعارة مثلا ستكون أشد من عقوبة القواد الذي تعمل لحسابه نساء في سن الرشد لأن جريمة الأول تتضمن إطارا أكبر هو سلب الحرية والاستعباد والاستغلال. إنني أناشد كل القوي والتيارات في مصر بأن تستقبل هذا القرار بتبني قانون لمناهضة الاتجار وبإنشاء صندوق لمساعدة الضحايا بالترحيب الواجب وبالمناقشات القانونية التي تضع مصلحة البلاد وسمعتها فوق أي اعتبار حزبي؛ لأن تسييس أمور كهذه يمكن أن يحجب الرؤية الوطنية الصحيحة لها، ولأن بلادنا شديدة الاحتياج إلي مثل هذا القانون الذي يمكن أن يحمي نظامنا الاجتماعي ويحمي السياحة، وهي من أهم مصادر دخلنا الوطني من التلوث الذي ينشأ عن مثل هذا النوع من الأنشطة المرفوضة قانونيا وأخلاقيا، كما أن صدور هذا القانون سوف يساعد علي خلق البيئة المناسبة للممارسات صحيحة ومقننة لنقل الأعضاء بعد صدور القانون الخاص بها.