15 صورة ترصد انطلاق العام الجامعي الجديد ب"طيبة التكنولوجية" بالأقصر    تفاصيل جلسات النواب في دور الانعقاد الخامس الثلاثاء المقبل    وكيل تعليم دمياط يتفقد سير اليوم الدراسي في إدارة الزرقا    بالأسماء.. 12 محطة لاستخراج اشتراكات الخط الثالث للمترو    انقطاع المياه عن بعض قرى بنى سويف غدا.. اعرف التفاصيل    ميقاتي: عدد النازحين في لبنان قد يبلغ مليون شخص    بعد أحداث لبنان.. المصريين الأحرار: مصر داعية دومًا لسلام واستقرار المنطقة    ميقاتي: يجب وقف إطلاق النار على جميع الجبهات ومن ضمنها غزة حتى نتمكن من تطبيق القرار 1701    "سحر مؤمن زكريا".. جدل جديد حول الظواهر الغامضة وتأثيرها على حياة اللاعبين    باقة من الأفلام الوثائقية الطويلة تتسابق على جوائز مهرجان الجونة السينمائي    الأفلام المؤهلة للحصول على جائزة سينما من أجل الإنسانية بمهرجان الجونة    محافظة البحيرة: رفع كفاءة الطرق وتحسين البنية التحتية استعدادًا لفصل الشتاء    بدون شك.. السيسي: يجب أن نشعر بالقلق مما يحدث حولنا    الرقابة المالية تنظم ورشة عمل لتطوير وتنمية قدرات كوادر هيئة الأوراق المالية بالأردن    إنفانتينو: هناك عصر جديد لكرة القدم سيبدأ مع كأس العالم للأندية 2025    بعد أنباء ارتباطه بالزمالك.. سيراميكا ليلا كورة: متمسكون ب "بيكهام" وعقده ممتد 3 مواسم    بمضبوطات تقدر بمليوني جنيه.. القبض على مسجل خطر لاتهامه بالاتجار بالمخدرات في القاهرة    مصرع مواطن صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق في منشأة عبد الله بالفيوم    هل اقترب موعد العمل العسكري؟.. تصريح قوي من وزير الخارجية بشأن سد النهضة    636 مليار جنيه بموازنة 2024: برلماني: حوكمة الدعم ضرورة مُلحة لضمان وصوله لمستحقيه    الرئيس السيسي: ندير أمورنا بشكل يحفظ أمن واستقرار بلادنا والمنطقة    أجندة قصور الثقافة الأيام المقبلة.. منها مهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية    4 أطعمة تقلل من الإصابة بسرطان الأمعاء    كومباني يأمل في تعافي كين ولحاقه بالمواجهة الأوروبية أمام أستون فيلا    جامعة مصر للمعلوماتية تنظم اليوم الإرشادي للطلاب الجدد وتبدأ العام الأكاديمي 2024-2025    بعد أحداث السوبر الأفريقي.. الأهلي يوقع عقوبة مغلظة على إمام عاشور    طقس خريفي معتدل.. الأرصاد تكشف حالة الطقس حتى الجمعة المقبلة    حصيلة 24 ساعة.. ضبط 30123 مخالفة مرورية متنوعة    الصحة العالمية تعلن إطلاق حملة "من أجل صحة القلب والأوعية الدموية"    خلال شهر سبتمبر.. تحرير 72 محضرا خلال حملات تموينية وبيطرية بالغربية    الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه يواصلون أعمالهم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني    أخبار الأهلي: جهات التحقيق تدخلت.. شوبير يكشف تطورات جديدة بشأن سحر مؤمن زكريا    عروض خاصة ومحاكاة.. السيسي يشاهد عرضًا لطلبة أكاديمية الشرطة    تداول 9 آلاف طن بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    التعليم: الاستعانة ب50 ألف معلم من غير المعينين بالوزارة.. مستند    نيويورك تايمز: إسرائيل استخدمت قنابل زنة 2000 رطل في الهجوم على نصر الله    «عبدالغفار» يترأس اجتماع اللجنة العليا للمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    جارديان تبرز تحذير كبير الدبلوماسية الروسية للغرب من محاولة قتال قوة نووية    موعد مباراة ديربي مدريد بين الريال و أتلتيكو في الدوري الإسباني    تحرير 162 مخالفة للمحلات لعدم إلتزامها بقرار الغلق خلال 24 ساعة    اليوم.. ندوة لمناقشة "ديوان خيالي" للشاعر الكبير جمال بخيت بنقابة الصحفيين    الأول من أكتوبر.. عرض حصري لمسلسل أزمة منتصف العمر على mbc مصر    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    مدرسة الأقباط الثانوية بطنطا تحتفل بالمولد النبوي.. صور    إصابة 14 شخصا في انقلاب ميكروباص أمام مدخل الجبلاو بقنا    مع الاحتفاظ بالمصرية.. الداخلية تأذن ل21 مواطنًا التجنس بجنسية أجنبية    الإحصاء: 266 ألف حالة طلاق في 2023    إعادة تشغيل صيدلية عيادة السلام بالتأمين الصحى فى بنى سويف    اللواء هاني أبو المكارم: تخريج 48 طالبا فلسطينيا ضمن دفعة 2024 بنسبة نجاح 99.1%    الصحة تنظم برنامجا تأهيليا لأطباء الصدرية بالتعاون مع الجمعية المصرية للشعب الهوائية    إجابات علي جمعة على أسئلة الأطفال الصعبة.. «فين ربنا؟»    "أكسيوس": إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ردع إيران بعد اغتيال زعيم حزب الله    ضبط شاب يصور الفتيات داخل حمام كافيه شهير بطنطا    مصر تسترد قطعا أثرية من أمريكا    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    «الأهلاوية قاعدين مستنينك دلوقتي».. عمرو أديب يوجه رسالة ل ناصر منسي (فيديو)    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسولات من عصر الحريم

الحكومة خائفة ومترددة.. تقدم رجلا وتؤخر أخري.. والتطرف يعرف هذا.. ويمرر العاصفة.. وهو متأكد أن الحكومة نفسها قصير.. ووزراءها يخشون المواجهة
هذه معركة علي الهوية. لم تزد مثقالا ولم تقل ذرة. لانستخف بها ولاينبغي أن نتهاون معها.
قد لاتعنيك مثل رغيف العيش.. لكنها أخطر. وقد لاتشغلك مثل فواتير الكهرباء.. لكنها أهم. وقد تثير انتباهك فتندهش من اهتمام الإعلام.. جرائد ومجلات ومحطات.. وتتساءل: لماذا كل هذا الآن؟ وقتها أرد عليك وأقول: معك حق في سؤالك.. لأننا جميعا قد تأخرنا.
المنقبة كانت تمشي نشازا في الشارع. ينظر إليها الناس في استغراب وريبة.
الآن صارت المنقبات بالعشرات.. بل بالمئات.. في الشوارع الراقية والحواري الفقيرة.
وكنت تجد نساء يسبحن بالجلباب في شاطئ ميامي وسيدي بشر وجمصة ورأس البر.. وتطور الأمر فصرن يسبحن بالحجاب.. وتدهورت الأمور فأصبحن ينزلن إلي بعض مسابح مارينا بالنقاب.
كنت تري المنقبة فتروي الواقعة وكأنها خبر.. طرفة لابد أن تدخرها لكي تثير بها دهشة سامعيك. الآن تجدهن يقدن السيارات وفي المدرجات وفي مكاتب الحكومة وبعض شركات القطاع الخاص.. بل يلاحقن المجتمع بزي الأشباح.. عفاريت في وضح النهار.. وانتقلت العدوي إلي الأطفال اللاتي لايعرفن الألف من كوز الذرة.
تأخرنا.. نحن. وانتشرن.. هن. تسربن من بين ثقافتنا. فرضن السواد علي قيمنا.
والعجب العجاب أنهن الآن يدافعن عن هذا.. ويتكتلن.. بل يعتصمن ويتجمعن!
لم يعد النقاب ظاهرة مخجلة. صاحبات العقل القادم من القرن العاشر يغزون القرن الواحد والعشرين. رسولات عصر الحريم يبشرن بالظلام في عصر المساواة. فإن سكتنا علي هذا ستكون المحجبة عجيبة.. وستكون غير المحجبة امرأة قادمة من المريخ.. تحكي أسطورتها الأم المنقبة لطفلتها لكي تجبرها علي النوم وحتي تعلمها الأدب.. بل وسوف تخرج صورتها.. صورة غير المحجبة.. علي سبيل الرعب إن أصرت البنت علي البكاء.. وأغلب الظن أنها سوف تسكت خوفا.. وإن نامت فسوف تظهر لها هذه المرأة الفضائية العجيبة في الكابوس.
هذه ليست مصر. يريدونها معركة لكي يصبح الشذوذ قاعدة.. والاستثناء هو الأساس. وليس علينا أن نمنحهم الفرصة. بلدنا مختلف. دينه وسطي. إسلامه ابن بيئته. قيمه متوازنة. عقوله معتدلة. روحه عصرية.
ما تراه وتسمعه الآن هو محاولة (غير يائسة) لأن نلبس جميعا الطُرح.. نساؤنا تختفي خلفها.. ورجالنا ينزوون خوفا فلا يردون بكلمة علي كل من يريد أن يغطي وجه البلد.. ويخفي شخصيته.. ويدفن ملامحه. ويعزل تواصله مع الدنيا.. فالنقاب مغارة يرغبون أن نهرب فيها كما لو أننا مطاريد.. هاربون من العصر الحديث.
--
الموضوع مهم. ولا تنتبه إلي من يقول لك: الإمام الأكبر تصدي لقضية فارغة أقل منه. كما فعل الدكتور سليم العوا في صالون الدكتور سعيد إسماعيل قبل يومين. القضية كبيرة بالفعل علي قدر الإمام.. وهو لا يريد أن يكون شيطانا أخرس.. حاشا لله.
وقد تطاول (العوا) علي العلماء حين أضاف: الحديث فيه استخفاف بالعقول.. والمأساة الكبري أن يقال هذا الكلام من أكبر (عمة) إسلامية في مصر. لو استقام لسان هؤلاء العلماء في الصغر لاستقامت عقولهم في الكبر.. .هكذا قال بالحرف.. لم أزد عليه نقطة.
ويجب علينا أن نقول له: اختشِ يادكتور والتزم اللياقة وحسن اللباقة. أنت لست تتطاول فحسب.. بل تريد أن تبقي المسألة مغلقة. ومعك من يريدون أن يكفوا علي الخبر ماجور. وأن يضمنوا انتشار النقاب في طي المستور.
أزعجتكم الصحوة المدنية .. لأنها ضد الأفكار المتخلفة التي تتعاطي مع الظاهرة باعتبارها حرية .. في حين أنها قيد علي العقل وسجن للفكر وعودة للوراء. وأنتم لاتجدون دفاعا من الكتاب والسنة عن النقاب.. ومن ثم فإنكم تريدون إنهاء النقاش حتي لاتخسروا أكثر.. وحتي تبقي القضية مكتومة فتستيقظ ذات يوم علي البلد وقد أصبح كله كما هي أفغانستان.. وقتها لن يبقي إلا أن نركب الحمير.. ونبيع الأفيون والكوكايين.. ونؤوي بن لادن في كهوف جبالنا.. وإذا لم نجدها فلنستوردها لكي يكتمل المجتمع الإسلامي الذي يريدونه علي مقاسهم.
--
يقولون لك إن الزراعة المروية بالمجاري قضية أخطر.. يجوز.. ولكن لاتنسي أن الفلاح كان يسمد الأرض ب(السباخ).. هل تذكره.. (السباخ) هو روث البهائم لا البني آدمين.. ولذا نحن نراها قضية مفتعلة. ومسألة النقاب أهم.
يقولون لك الحكومة تشغلك عما هو أخطر.. تريد أن تلهيك.. وأن تنسيك.. وأن تخدرك.. وأن تبعد تفكيرك عن النضال ضدها.
قل لهم: وهل أنا مغفل ! هل يمكن أن تخدعني الحكومة.. والتليفزيونات في كل مكان حولي.. والإنترنت ملتصق بيدي.. فإن لم أستطع فابني يعرف كيف يجمع منه الأخبار. والصحف في كل مكان تصدر علي مدار الساعة .. وقل لهم أيضا: ما هو الموضوع المهم جدا الذي نسيته وتركته لأنني انشغلت بموضوع النقاب؟!
أنت تتابع كل شيء.. ولم تسق الحكومة للمواطن (حاجة أسودا).. فالأصفر لون لا يجوز استخدامه في النقاب.. وقد يكون النقاب الأصفر حراما .. وإن ستر وأخفي.. لون شفتشي كما تعرف !
العكس هو الصحيح.. النقاب يلهيك ويلهي ابنتك وزوجتك عن كل ما هو مهم.. ستكون منشغلا أن طرفا من إصبعها قد بان.. فتلهث لكي تستره حتي لاتقترف جرما وحتي لايثير إصبعها شهوة رجل غريب ليس من محارمها. بل سوف تتفرغ وقتها لجدل عقيم يعانيه البعض الآن: هل يجب أن أضع النقاب أمام ابن أخي وهو طفل لم يبلغ الحلم.. أم يجوز أن أبقي سافرة الوجه أمامه.. حلال هذا أم حرام؟
وسوف تجد من يجيب ! ولم لا؟ ألم نسكت علي من تكلم برضاع الكبير. ومن أكد أن بول النبي (صلي الله عليه وسلم) فيه علاج للمرضي. ومن يناقش بأي القدمين ندخل دورة المياه : يمين أم شمال ؟
والله كان يمكن أن أقبل مثل هذا الهراء لو أنهم يريدون أن يعرفوا مثلا هل علينا أن ندخل صاروخا ينطلق إلي الفضاء بالقدم اليمين أو الشمال.. وهل يجوز أن نهبط علي سطح القمر بالقدم اليسري إذا أجبرنا علي ذلك عدم وجود الجاذبية الأرضية؟!
إن الإجابة معروفة .. تجدونها في قسم الفتوي في وكالة ناسا.. لكن الوصول إليها صعب.. لأن (ناسا) للأسف أمريكية.. وهذا بلد كافر لايجوز التعامل معه !
--
ويقولون لك : هذه حرية !!! سلامات يا حرية. منذ متي.. بالبلدي : (من إمتي) ؟.. أتراني أسمع الفيلسوف الإنجليزي براترند راسل من خلف النقاب.. أم لعلي أخطأت، وهذا هو صوت الفيلسوف الفرنسي من عصر التنوير فرانسوا ماري أرويه المعروف بفولتير ؟
كم مرة حاربت أفكار النقاب ملابس غير المحجبات. هل هذا كان حرية ؟ كم مرة وقف أنصار الظلام حتي ضد المحجبات؟ فهن يكشفن الوجه والكفين. هل هذه كانت ليبرالية ؟ كم مرة أصدرن أحكاما وفتاوي واتهامات ضد كل من يخالفونهم المواقف.. وقالوا عن واضعة العطر أنها ترتكب كبيرة .. وعن السيدة العملية أنها تخالف الدين.. وعن العصرية المحتشمة أنها تقترف الكفر.
أي حرية في أن تختفي المرأة في زنزانة متحركة كما وصفت ذلك في الأسبوع الماضي. الحرية تضيف ولا تخصم. والنقاب ينسف نصف البلد.. أو - إن أردت التخفيف - يجمده.. أو قل يحذفه.. أو قل يختصره.. أو قل يستبعده.. قل أي فعل يعني الإقصاء والدفن والخفن والكمر.
وفي الإقصاء نفي.. والدفن للجثث.. والخفن وأد.. وقد تكون كلمة عامية.. والكمر لايختلف كثيرا.. غير أنها كلمة (أي الكمر) تستخدم في عملية صناعة الفحم.. حيث يضعون خشب الشجر في الأتربة مخلوطا بقش الأرز ويصبون عليه المازوت ويشعلون نارا تكون مكتومة.. ويقلبون كل هذا بعد أيام.. فيجدون أن الخشب قد أصبح فحما أسود.
فهل هذا ماتريده لمن يدفنونها حية خلف أستار متحركة؟
ولن أترك (مكامير الفحم) قبل أن أشرح لك ما أريد أن أقول.
الفحم الطبيعي هو نتاج مضي القرون علي الأخشاب.. رفعها الزمن ووضعها.. إلي أن تحولت وأصبحت فحما..
ولكن صناع العصر لن ينتظروا قرونا لكي تصبح أشجارهم الحديثة فحما.. ولهذا يختصرون الزمن بأن يحرقوه مدفونا.. كما لو أنهم يريدون أن يعبروا القرون معه.
هذا أيضا ما يفعلونه بالمرأة تحت النقاب.. ليس أقل.. يختصرون لها الطريق نحو العدم.. لكي تصبح وقودا في ماكينتهم.. وبحيث يكون علينا أن ننقب عليها فيما بعد داخل المناجم.
فريق من الناس قرر أن يطمس نصف السكان. بحيث لا تتزوج إلا عبر وسيط من وسيط يأخذك إليه وسيط ثالث. يحكي لك عن البنت التي ستشاركك حياتك.. يصفها لك من خلف ستار.
عفوا.. أقصد تصفها لك. إذ لا يجوز لرجل أن يراها وهي منقبة. ولكن المشكلة هي لمن سوف تحكي تلك المرأة أوصاف الفتاة التي سوف تخطب.. فصوتها ليس حلالا لك أن تسمعه.. وهي نفسها لابد أن تكون منقبة.. لا أعرف إن كان من حقك أن تسمع صوت تلك المرأة في الموبايل أم لا؟!
لا مفر إذن من أن تتزوج (عمياني).. وتكون حياتك (بختك يا أبو بخيت)..كما لو أنك تشرب مقلب حسن فايق وإسماعيل يس في الفيلم الشهير.
--
ولهذا لم أندهش حين كتب الدكتور محمود حمدي زقزوق في مقدمة كتاب (النقاب عادة وليس عبادة) أن الإنسان في هذا الكون لا يمكنه أن يعيش وحده منعزلا عن بقية الناس. الإنسان كائن اجتماعي يحتاج غيره ولايوجد كائن بشري يمكنه أن يستغني عن بقية البشر.
معك حق يادكتور. ولو أنك كنت مضطرا لأن ترد علي المتطرفين من أول السطر. أن تشرح ما هو مشروح. أو كما نتحذلق فنقول للناس: فسر الماء بعد الجهد بالماء. وأن تعود إلي ألف باء الحياة. أن تقول : هذه سنة الحياة.. وطبيعة الجنس البشري. التواصل. والتفاعل المتبادل بين الناس.
وقد أضاف زقزوق: الله حين خلق الإنسان في أحسن تقويم جعل من وجه الفرد نافذة يطل منها علي الكون. ومن خلالها يتم التواصل عن طريق السمع والبصر والكلام وتعبيرات الوجه البشوش تحدث لدي الآخر ارتياحا نفسيا واطمئنانا. والعكس تكون نتيجته النفور والصد.
فتح الله عليك ياشيخ. ولكن من قال لك إنهم يريدون أن يتواصلوا. هؤلاء يريدون أن ينعزلوا. يريدون للنافذة أن تغلق. أن تدهن باللون الأزرق كما لو أننا في وقت الحرب.
وأنا أستخدم هنا حرف (الياء) وليس (التاء) في بداية الفعل لأنني أعني النساء المنقبات والرجال الذين يساندون النقاب ويسوقون له ويدافعون عنه. ولا أعتقد أبدا أن فكرة النقاب في حد ذاتها قد بدأت من لدن امرأة.. بل أفتي بها رجل جاء من عصور سحيقة.. معقد.. ولا يعرف أصول الدين وإجماع العلماء.. تاجر فحم.. إخصائي طمر.
تبسمك في وجه أخيك صدقة.. هكذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم.. فهل كان يقصد ابتسامة الرجل ولا يعني المرأة. وهل تلك الصدقة متاحة للمؤمن الذكر ولا يمكن أن تسجلها الملائكة للمؤمنة الأنثي. لو تبسمت حرام. بل لو ظهر وجهها حرام. عليها أن تختفي خلف أقمشة مؤصدة.. كما رسم زميلنا فنان الكاريكاتير عمر عواض في العدد الأخير من مجلة صباح الخير.. حين أفرط في السخرية من النقاب ووضع عليه قفلا.. لكي يغلق علي وجه صاحبته بالضبة والمفتاح!
أيقصد زنزانة ؟.. أم أنه يستوحي فكرة (حزام العفة)..الذي كان يلف علي الوسط.. واخترعته الملكة الآشورية سميراميس في حدود عام 009 قبل الميلاد لمنع انتشار الفاحشة.. وأعاد ابتداعه أحدهم في إيطاليا سنه 0041 .. أي بعد 0032 سنة.. وأعطي لكل زوج اشتراه وألبسه زوجته في غيابه مفتاحا حتي يضمن أنها لن تلعب بذيلها في غيابه.
لاحزام العفة منع الفاحشة ولا أوقف الرذيلة. ولا الأغطية التي تتدلي فوق النساء في أفغانستان تقول إن تلك البقعة القاتمة الملتهبة من الأرض هي بلد الأخلاق الحميدة.
ولا النقاب يعني أن ما تحته ملاك طاهر. بل أحيانا يكون رجلا.. بالتأكيد غير طاهر.
--
وقد نشرنا خبرا عن شاب تخفي في نقاب في حي بولاق الدكرور لأنه كان يذهب إلي امرأة ساقطة متنكرا. وأمسكه الأهالي.. وسلموه للشرطة.
وعرفنا قصة شاب شك فيه الحرس الجامعي.. وظلوا يراقبونه.. فوجدوه يجلس إلي جانب منقبة أخري.. واقتربت المنقبة اليمني من المنقبة اليسري.. وتحول الأمر إلي مظهر لايليق لا بمنقبة ولا بأي فتاة حرة في الطريق العام.. وفجأة انكشف (الكوتشي) من تحت ستائره.. فتبين من حجم ساقه أنه رجل يقينا.
وفي الأسبوع الماضي قال الوزير هاني هلال إنه قد تم ضبط 51 رجلا منقبا في الجامعة.. ولم يعلن عن ذلك في حينه خشية الذعر. ولست أدري ما هي تلك الحكومة التي تخشي الذعر وهي تحارب مرضا عضال في المجتمع.. الحكومة تخشي.. أي خائفة.. مترددة.. تحتاج إلي الجرأة.. تقدم رجلا وتؤخر أخري وهي تحارب النقاب.
يخشون أن يتهموا بالكفر. أن تدعوا عليهم المنقبات. أن يحسبنوا عليهم. ولهذا فإنك تجد أن هذا الوزير يدخل في المعمعة دون أن يسانده زميله.
وذاك يقترب ولكنه يأمل ألا تلسع أصابعه بنيران النقد.. أو لأن إحدي قريباته قد تكون منقبة !
وثالث يلقي بتصريح ذرا للرماد في العيون.. ولايتخذ إجراء .. حتي لايستثير حفيظة المتطرفين. لأنه (مش قدهم).
والمتطرفون يعرفون هذا.. ويواصلون الهجوم.. والنقد.. لعل الحكومة تخاف.. وترجع.. فيتحقق لهم الهناء.. وينتشر النقاب أكثر ويكون هو السائد.. وقل علي البلد العوض علي الله.
--
ولقد ذهبنا إلي شيخ الأزهر في مكتبه بالمشيخة يوم الأربعاء الماضي.. مجلس تحرير روزاليوسف وصحفيون زملاء من خارجه.. رحنا نعضد الشيخ ونسانده.. وأيضا نستكشف أمر من يدعون عليه أنه تراجع عن موقفه.. ونحاوره فيما قال..
ورحب بنا الشيخ وقلنا له نحن معك يا إمام.. وبدا لنا أكثر ليبرالية من عشرات ممن يتطاولون عليه.. يأخذ الأمر بالتدريج.. ويعترف بالحرية الشخصية.. ويحتفظ بحقه في النصح.
ومن عجب أن بعضنا كان يسأله كما لو أنه يريد منه أن يصدر أمرا بمنع النقاب. ولكنه كان يصر علي أنه لايمكنه أن يفعل ذلك. فهو عالم دين. يقول رأيا فقط.. ورأيه ليس قانونا.
وقد أرسل قرار المجلس الأعلي للأزهر إلي رئيسي مجلسي الشعب والشوري.. لكي يوزعاه علي النواب.. ولعله يريد أن يقول لهم.. أي للرئيسين وللنواب.. إن المجتمع يحتاج إلي قانون.. وأن القضاء علي الظاهرة بالذات في الدواوين والإدارات والمعاهد لن يكون إلا بالقانون.
لكن الجميع لايزال خائفا. لايريد أن يخوض المعركة إلي نهايتها. وأن يكمل الطريق إلي آخره. وأن العمل لن يكتمل إلا من خلال عمل ثقافي وقانوني وديني متكامل.
والتطرف يعرف هذا.. ولهذا يحاول أن يستكين.. أن يلين.. أن يمرر الموجة.. وأن يحني رأسه للعاصفة. يعرفون أن الأنفاس قصيرة ،الإرادة ليست حديدا. ويقولون الحكومة سوف تنسي.. والناس سوف تنشغل.. وحتي يحدث هذا.. فإنك تصادف حججا من كل نوع.. كأن يقال لك هذه قضية ليست مهمة.. هذه مسألة فارغة.. حاربوا العاريات.. اتركوا المنقبات في حالهن لايضررن أحدا.
--
لقد رددت لك علي بعض هذا. وسوف أرد لك علي البقية. ولكني أريد أن أنبهك إلي أن التطرف لايكل ولايمل.. المعركة بينه وبين المجتمع مثل العلاقة بين الشاكوش والمسمار..أيهما يكون هذا وأيهما يكون ذاك.. فإن كان التطرف مسمارا فإنه سوف يبقي قائما إن لم تدق علي رأسه بالأفكار والتوعية.. غير أن الشواكيش غالبا ما تتنازل عن أدوارها فتصبح هي مسامير ويدق علي رأسها التطرف. التخلف حين يهاجم لايترك طريقا افتتحه. وقد مات فضيلة الشيخ محمد الغزالي لكنه حتي اليوم يهاجم من المتطرفين الذين وجدوا فيما قال حول النقاب كلاما يضر توجهاتهم.. وحتي الآن يهاجمونه.. وقد قرأت أن أحدهم قال معلقا علي أفكار المرحوم الشيخ بعبارة (سامحه الله).. ثم بعد قليل قال: (من العجيب الغريب أن يجتريء الغزالي علي التصريح بكلام مثل هذا ).. ثم أضاف كما لو أن الشيخ قد ارتكب خطيئة: (رحم الله الشيخ وغفر له فقد شطح قلمه).
ولست أدري ما الذي يمكن أن يقوله الدكتور سليم العوا الآن حين نذكره بأن قضية النقاب وكشف الوجه قد تطرق لها الشيخ الغزالي.. وله ما له من مكانة في بعض أبحاثه.. وليس شيخ الأزهر وحده.
مات الشيخ وبقيت فكرته.. وبقي فقهه.. وبقي المتطرفون يلاحقونه حتي اليوم.. وهو ما يؤكد لك أنهم لايتوقفون.. فلو توقفنا.. سوف يجرفوننا.. ولو لم نواجههم نحن الخاسرين.
ولن تكون الخسارة هي فقط أن تصادف ليلة زفافك امرأة من نوع التقاه إسماعيل يس وحسن فايق كما قلت لك من قبل.. الموضوع أخطر بكثير.. نحن أمام خطر قومي.
لا.. لا أبالغ.
أنت تسأل كيف نستقبل 21 مليون سائح في السنة؟.. وهناك بلدان أصغر منا بكثير وليست لديها آثارنا وطقسنا وموقعنا ويستقبلون الملايين المتضاعفة. كيف لنا حين يكون المجتمع منقبا أن نطلب زيادة عدد السائحين. من يستقبلهم ؟
قل لي إن الذين سوف يخدمونهم رجالا.. حسنا.. سأواصل الطريق معك حتي النهاية.. ولكن من قال لك إن النادل الذي ربته سيدة منقبة سوف يمكنه أن يتعامل مع مهنة السياحة.. ألن تجده ذات مرة يقول لسائحة مستلقية: احتشمي يا امرأة. والله أعلم إن لم تحتشم ماذا سيكون رد فعله.
دعك من هذه. العقلية التي تؤدي إلي النقاب.. هي نفسها التي تنتج أفكارا لا تقل إظلاما. كأن تجد من يقول لك إن المسلم ليس عليه أن يصافح آخر من دين مختلف.. وإن صافحه لايعايده فيما يحتفل به. وإن عايده لا يأكل طعامه.
المسألة ليست لها علاقة فقط بالموضوع علي المستوي البسيط.. جار مسلم يرفض أن يتناول طبق ورق عنب في بيت جاره المسيحي.. وإنما علي مستوي أن تجد البعض يرفض أن يشتري منتجا ما لأن من صنعه مسيحي.. ولايكشف عند طبيب (نصراني) كما يقولون علي الأقباط.. ولايشتري الدواء منه.. أهذه، وقتها سوف تكون بلدنا التي نعرفها.
اترك هذا كله وضعه جانبا. وأزيدك من الشعر بيتا.. وأقول لك إنهم يتحججون الآن بأن الاحتشام أفضل من العري.. كما لو أننا قد تحولنا إلي مجتمع الفاحشة.
(ماشي).. سوف نفترض أنهم علي حق.. هل إذا ساد النقاب سوف تكون أي امرأة محجبة منفلتة بمقياس المنقبة. طيب؟ والتي لم تتحجب.. هل تكون وقتها عاهرة؟ ما الحال إذن حين يتحرش أحدهم بواحدة في الطريق العام.. وتكون غير منقبة.. هل نغفر له ولا نعاقبه ونقول (غير مذنب) لأنها هي التي أثارته واستثارته ؟
الموضوع خطير جدا. والمسألة ليست تافهة. والقيم لابد أن تعود إلي اتزانها ووسطيتها. وقد كنت آمل ألا أناقش حجج دعاة النقاب والرد عليها.. لأنني لا أريد أن أنجرف إلي أجندتهم.. لولا أنه لابد أن نفند كل الخطاب الثقافي والإعلامي الذي يدافع عن هذا التخلف المقيت.. وتلك الأوضاع التي تريد أن تأد المرأة.
لقد ظهر الإسلام في وقت كانت فيه قبائل العرب الجاهلية تمارس وأد البنات.. وتدفنهن في الرمال.. اتقاء لأي احتمال يمكن أن يحدث في المستقبل فيما يتعلق بالشرف.. ولكن الإسلام جاء وأوقف كل هذا بسماحته ومنظومة أخلاقه وحمايته للروح البشرية .. إلي أن جاء من قالوا إنهم استنبطوا من الإسلام النقاب.
والنقاب نوع من الوأد.. مع فروق بسيطة. كانت الأنثي توأد رضيعة.. الآن توأد منذ الطفولة أي بعد أن تمنح فرصة للحياة بضع سنوات.. وكان العرب الجاهلون يدفنون الأنثي في الرمال.. الآن يريدون منا أن ندفنها في أثواب القماش.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
htt//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.