الإخوان سيشكلون الحكومة، هذا هو الخبر المتواتر فى الأوساط السياسية بعد إعلان خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان للخبر، الشاطر كان فى حوار على قناة الجزيرة مباشر وشن هجوما قاسيا على د. كمال الجنزورى وحكومته، الشاطر أعلن أيضا أن حزب الحرية والعدالة الموصوف بأنه الذراع السياسية للإخوان على استعداد لتشكيل حكومة جديدة. تصريحات الشاطر أعقبتها مباشرة تصريحات للسيد محمود حسين أمين عام جماعة الإخوان المسلمين على قناة الحياة المصرية أعلن فيها أن الإخوان سيشكلون حكومة ائتلافية وأنهم لن يوافقوا أو يرضوا أبدا بأن ينفردوا بالحكومة الجديدة. المعلومات تشير إلى أن الإخوان دخلوا فى مفاوضات فعلية مع عدد من الأحزاب الأخرى حول تشكيل الحكومة القادمة. ∎∎ الأخبار المؤكدة تشير أيضا إلى أن الإخوان أبدوا رغبة فى أن يفوز الحرية والعدالة بالحقائب الخدمية مثل الصحة والتعليم والتضامن الاجتماعى، فى حين قال الحزب إنه على استعداد لترك حقيبتى الخارجية والدفاع دون أن يحدد لمن سيتركهما وهل للأحزاب الأخرى أم للمجلس العسكرى؟ وهل يعنى هذا (الترك) أو الإخلاء للمنصبين وجود تنسيق مع المجلس العسكرى حول الحكومة الإخوانية الجديدة أم أن المجلس سيلعب دور المرغم أو المتلقى فى هذه الصفقة. ∎∎ هذا السؤال يبدو مهما فى ضوء تصريحات صحفية لأحمد أبوبركة القيادى فى الحرية والعدالة قال فيها إن المشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة تجرى بين حزبه وبقية الأحزاب فقط دون أن تكون للمجلس العسكرى علاقة بها. فى حين قال خيرت الشاطر لبرنامج «بلا حدود» على قناة «الجزيرة»: «إن الاحتمالات مفتوحة لتصعيد الإخوان ضد المجلس العسكرى إذا لم يقرر إقالة حكومة الجنزورى». ∎∎ هكذا إذن نفهم أن الإخوان قرروا تشكيل الحكومة وأن الإعلان جاء على لسان خيرت الشاطر رجل الجماعة القوى عبر قناة «الجزيرة» فى حوار وصف بأنه ذو لهجة استعلائية اعتمدت على امتلاك الإخوان للأكثرية البرلمانية. موقف الإخوان لا يبدو غريبا، حيث أعلنوا عقب فوزهم فى الانتخابات عن رغبتهم فى تشكيل الحكومة، لكن الغريب بالفعل هو موقف المجلس العسكرى الذى أعلن وقتها فى أكثر من مناسبة وبأكثر من لسان أن نظام الحكم فى مصر وفقا لدستور 71 الملغى ووفقا للإعلان الدستورى الذى حل محله هو نظام رئاسى يمنح الحق لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه فى تشكيل الحكومة، وهو ما يناقض رغبة الإخوان فى تشكيل الحكومة التى تستند إلى قواعد النظام البرلمانى والتى تقضى بتشكيل الأغلبية البرلمانية للحكومة. ∎∎ وهكذا فإن السؤال الذى يجب أن نسأله الآن للمجلس العسكرى الغارق فى صمته وللإخوان المنخرطين فى مشاورات تشكيل الحكومة هو: هل النظام فى مصر رئاسى أم برلمانى؟ وإذا كان النظام رئاسيا كما يؤكد الإعلان الدستورى الذى أجريت الانتخابات وفقا له واكتسبت شرعيتها منه فعلى أى أساس يبدأ الإخوان مشاوراتهم لتشكيل الحكومة ؟ وعلى أساس يغرق المجلس العسكرى فى الصمت الرهيب، وإذا كان النظام فى مصر قد تغير فجأة وأصبح نظاما برلمانيا يتيح للأكثرية التى يمثلها حزب الحرية والعدالة تشكيل الحكومة فمتى تغير هذا النظام وهل تم ذلك فى السر ؟ أم فى العلن؟ وهل يا ترى أجرى استفتاء على هذه التغييرات مشابه لاستفتاء 19 مارس الشهير الذى قال المجلس العسكرى إنه يستمد شرعيته منه ؟ ∎∎ إن صمت المجلس العسكرى إزاء هذه الأخبار التى يتم تسريبها بطريقة أقرب إلى (الاستهبال) السياسى يشى بوجود نوع من التواطؤ مع جماعة الإخوان المسلمين، أو العجز إزاءها، هذا الصمت يعيد إلى الأذهان الأحاديث التى تواترت مبكرا عن صفقة بين المجلس العسكرى والجماعة التى كانت محظورة وهى الصفقة التى -إن صحت - تم بمقتضاها تأجيل كتابة الدستور لما بعد الانتخابات بجميع أنواعها، رغم أن وجود الدستور كان من شأنه أن يحل كل هذه القضايا المعلقة ومن بينها بالطبع قضية حق الأكثرية البرلمانية فى تشكيل الحكومة. على أن تسريبات الإخوان حول إقدامهم على تشكيل حكومة ائتلافية بقيادتهم طبعا لا تثير فقط ملاحظات حول الشكل القانونى لهذه الحكومة وعلى أساس دستورى سوف تشكل إذا كان الإعلان الدستورى ينص على أن النظام رئاسى لا برلمانى، ولكنه يستدعى أيضا التوقف أمام الموضوع وهو قدرة وجاهزية الحكومة التى سيشكلها الإخوان على تسيير أمور البلاد خاصة أن المؤشرات تشير إلى أن الحكومة ستكون حكومة سياسية لا حكومة تكنوقراط وأن توزيع الحقائب فيها سيكون وفق نظام الكوتة السياسية، حيث تسربت أنباء مثلا حول مطالبة حزب النور السلفى بحقيبة وزارة التربية والتعليم، وقالت تصريحات صحفية للمتحدث الرسمى باسم الحزب إنه يطالب بأن يتولى حزب النور بعض الوزارات التى تتماشى مع شعبيته والمقاعد التى حصل عليها فى البرلمان، هذه التصريحات. ∎∎ وهذا المنهج فى توزيع الحقائب الوزارية يشى بأننا إزاء كارثة سياسية، حيث إن عددا كبيرا، بل إن كل القوى السياسية التى تحظى بالأكثرية قادمة من منطقة العدم السياسى حيث لم تكن لبعضها ممارسات سياسية أو خبرة تذكر لا فى الحكم ولا فى المعارضة وممارسة نواب هذه القوى فى البرلمان كشفت عن قدر كبير من السذاجة والطفولة السياسية والافتقار لأى خبرة فى العمل السياسى فهل يعقل أن يتولى هؤلاء حقائب وزارية تتماشى مع مصالح ملايين المصريين؟ كيف لنائب لا يستطيع أن يقسم القسم البرلمانى بطريقة صحيحة أو لآخر يمتلك قدرا من المراهقة يدفعه لرفع الأذان وسط جلسة برلمانية أن يصبحوا هم أو من يشبههم وزراء يسيرون بقرراتهم مصالح ملايين المصريين؟! لقد كان العقل والمنطق والمعلن أيضا يقول إن البلاد كلها بما فيها القوى السياسية الجديدة ستكون فى حاجة لفترة انتقالية تقدر بأربع سنوات يتولى الحكم فيها رئيس توافقى يدير البلاد بإدارة من الكفاءات والتكنوقراط وكان المنطق يقول إن القوى السياسية التى وفدت جديدا للساحة كانت ستنال قدرا كبيرا من التدريب والخبرة السياسية خلال هذه الفترة تتيح لها أن تعيد طرح نفسها على الناخبين فى انتخابات جديدة، فإذا فازت برضا الناخبين يكون لها وقتها أن تتولى الحكم وفقا لنظام برلمانى يقره الشعب ويختاره بإرادته، لكن الإخوان قرروا أن يلتهموا الكعكة وهى ساخنة وغيروا من قواعد اللعب وسيشكلون حكومة من وزراء أغلبهم لا يعرف من الممارسة السياسية غير التكبير فى البرلمان، والمجلس العسكرى غارق فى صمته وربما فى عجزه وربما كان فى صمته يطبق المثل القائل بأن «السكوت علامة الرضا» وربما أعيته الحيل فقرر أن يترك الإخوان (ليشيلوا الشيلة) التى حملها هو من قبل! لك الله يا مصر ، ولله الأمر من قبل ومن بعد!