فى مثل هذه الوقت من العام الماضى عاشت مصر زهوة الانتصار بالحرية وزوال حاكم ظالم أهلك شعبه طيلة 30 عاماً.. نزل المصريون إلى الشوارع يلتقطون الصور بجانب الدبابات فرحين بالنصر الذى حققوه مستبشرين بالمستقبل الواعد.. ولكن بعد مرور عام كامل على الثورة تحول حلم الحرية إلى كوابيس أزعجت المصريين. فرحة النصر التى عاشها المصريون العام الماضى أشاد بها العالم بأجمعه حتى أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما قال إن علينا أن نربى أبناءنا ليكونوا مثل الشباب المصرى. فقد عاد الشعب المصرى إلى مجده العظيم فقد احتلت صور الشباب المصرى أكبر المجلات العالمية، وأصبح هذا الشعب مثلاً وقدوة لشعوب العالم الغربى فقد أعادت لنا الثورة البريق الذى أطفأه حاكم تعمد طمس الهوية المصرية التى كانت علامة بارزة فى الشخصية المصرية البسيطة. واحتلت أخبار الثورة المصرية أغلب الصفحات الأولى لأهم وأبرز الصحف الأجنبية التى أشادت بشباب حلم بالحرية وضحى بحياته لمجرد أمله فى تحقيق هذا الحلم وإنقاذ وطنه، وهى أيضاً نفس الصحف التى تتحدث الآن عن ضياع هذا الحلم على يد العسكر. فقد ذكرت الوكالة الأمريكية التجاوزات التى قام بها المجلس العسكرى من تشويه متعمد للثوار وقلب الرأى العام ضدهم مروراً بالمحاكمات العسكرية للمدنيين وعمليات التعذيب وكشف العذرية وإعادة قانون الطوارئ وصولاً إلى مذبحة الأقباط فى ماسبيرو يوم 9 أكتوبر. هذه المذبحة التى قال عنها مراسل شبكة «إيه بى سى» الأمريكية فى تغطيته أن الجثث المتواجدة فى المشرحة كانت بها جروح فظيعة، بل إنها جثث مشوهة، والناس فى المستشفيات يصرخون ويبكون داخل غرفة الطوارئ. هذا وقد اتفقت أغلب الصحف الأمريكية والإنجليزية أن ما شهدته مصر يوم 9 أكتوبر هو الأكثر عنفا بعد تنحى الرئيس السابق وتحت عنوان «رئيس الحكومة المصرية يعد بالتحقيق فى أحداث العنف» كانت افتتاحية الواشنطون بوست والتى أكدت على أن الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء السابق تعهد بملاحقة الجناة والمتسببين فى أحداث العنف.. وهى التصريحات التى ظل بها شرف يسكن آلام المصابين وأهالى الشهداء. وقد أكدت الصحيفة أن هذا الحدث يعد الأضخم بعد الرئيس المخلوع فقد أخلف 25 شهيداً وحوالى 300 مصاب كما أبرزت الصحيفة فى تغطيتها للحادث تصريحات الرئيس الأمريكى باراك أوباما التى طالب فيها بضبط النفس وأعرب عن أسفه جراء أحداث العنف وما أسفر عنها من قتلى. ونوهت الجريدة إلى وجود لقطات فيديو لمدرعات تسحق المتظاهرين أمام ماسبيرو بشكل عنيف وأن هناك إفراطاً فى استخدام القوة من قبل قوات الجيش ضد المتظاهرين الأقباط. ويذكر أن هذه المظاهرات هى التى حصل فيها الأقباط على تصريح من وزارة الداخلية للتظاهر السلمى أمام ماسبيرو وهى أيضا «التى راح ضحيتها الناشط السياسى مينا دانيال». وقد تطورت الأحداث فى منتصف يوم 19 نوفمبر بقيام قوات الشرطة بفض اعتصام حوالى ألفى شخص فى وسط ميدان التحرير بالقوة إلا أن استخدام القوة المفرطة من الشرطة أدى إلى اشتعال الأحداث فى الميدان ونزول أعداد كبيرة من المتظاهرين إلى الميدان متخللة إلى شارع محمد محمود.. وقد استمرت عمليات الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الشرطة مما أدى إلى إصابة المئات بالاختناق نتيجة للغاز المسيل للدموع وإصابة عيون المتظاهرين بالخرطوش. ما بين الوصف وتقديم الحلول تعددت متابعات الصحف العالمية لأحداث التحرير فقد دعت صحيفة «الإندبندت البريطانية» الولاياتالمتحدة أو الجامعة العربية إلى التدخل من أجل إنقاذ الثورة المصرية.. وطالبت فى افتتاحياتها ضرورة أن يترك الجيش حيزا للديمقراطية فى البلاد، وقارنت بين احتجاجات التحرير فى فبراير الماضى قبل ترك مبارك الحكم والتى كان يدعمها الأمل فى وجود حياة أفضل وهو الأمل الذى يبدو الآن بعيداً عن ميدان التحرير. كما استعرضت الصحيفة من جهة أخرى للأحداث وقالت إن جيش مصر فى حرب ضد الشعب مع اندلاع أعمال الشغب من جديد فى قلب القاهرة وتحدثت الصحيفة عن المواجهات بين المتتظاهرين بالحجارة والشرطة بطلقات الخرطوش. أما صحيفة الديلى تلجراف التى كان يتصدر صفحاتها شعار الجيش والشعب إيد واحدة فأبدت تغير الأحوال فى ميدان التحرير بعد مرور تسعة أشهر على الثورة فقد انقلب الشعار مطالبين المجلس العسكرى بالرحيل، مشيرة إلى أن تملق قادة المجلس العسكرى فى تسليم السلطة تحول بشكل تدريجى إلى حالة من خيبة الأمل، وبعدما رحب المصريون بالاستقرار الذى عرض المجلس تقديمه فى البداية، تصاعدت وتيرة القلق إزاء وتيرة الإصلاح وتزايدت الشكوك إزاء نوايا القادة العسكريين. وأشارت الصحيفة إلى أن عودة المصريين إلى ميدان التحررير لاستمرار سياسة النظام السابق مع غياب رأس الأفعى فقط.. وأكدت على أن المصريين العاديين الذين تعبأوا بروح الشجاعة فى انتفاضة يناير الماضى لن يسكتوا بعد اليوم على ممارسات الحاكم العسكرى. وفى إطار متابعتها لأحداث العنف ذكرت وكالة الأسوشيتدبرس أنه على مدار التسعة أشهر الماضية احتفظ جنرالات المجلس العسكرى المعينين من قبل مبارك بقبضة من حديد على العملية التى كان يأمل الثوار أن تنهى النظام السابق بالانتقال إلى الديمقراطية، لكن العسكر عززوا قبضتهم ومنحوا لأنفسهم صلاحيات واسعة. كما اهتمت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية على صدر صفحاتها برصد انتهاكات محمد محمود وأكدت على أنه كان ينظر إلى المجلس العسكرى على أنه الأداة التى ستعبر بالبلاد من المرحلة الانتقالية ورآه الإسلاميون على أنه القوة التى ستوجه دفة البلاد إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة التى يعلمون جيداً أنهم سيهيمنون عليها، واعتبره الليبراليون حاجزاً للقوة الإسلامية بينما اعتبرته إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما شريكا أملت أن يساعدها فى تأمين المصالح الأمريكية فى مصر. وبعد مرور وقت ليس بكثير حدث صدام آخر بين الجيش والمتظاهرين أمام مجلس الوزراء تضاربت الأقاويل إذا كان هذا الصدام متعمداً أم جاء وليد الصدفة ولكن النتيجة كانت معروفة من قبل فالسيناريو أصبح متفقاً عليه يختلف فقط فى أعداد الشهداء والمصابين وتختلف مسميات الشهداء ما بين شهداء جمعة الغضب أو شهداء ماسبيرو أو محمد محمود أو مجلس الوزراء.. الأعداد فى تزايد والسيناريو محفوظ للمشاهدين. ولكن المشهد الجديد الذى تم إضافته فى هذه الأحداث هو المشهد الذى تعاطف معه أغلب المصريين وهو التعرض للفتيات وسحلهن وتعريتهن من قبل الجنود... كان هذا هو المشهد البريمو فى السيناريو هذه المرة وبالفعل حقق الصدى ولكن صدى تعاطف مع المرأة المصرية هذا التعاطف لم يقتصر فقط على الشعب المصرى أو العربى فقط بل امتد ليشمل الدول الغربية التى لم تعتد على رؤية هذه المشاهد فى مصر. فرصدت الصحف تداعيات تلك الأحداث وتأثيرها على سير العملية الانتخابية فى البلاد، فيما تصدرت صور اعتداء قوات الشرطة العسكرية على الفتيات الصفحات الأولى للجرائد العالمية مثل «صنداى تايمز» و«نيويورك تايمز». وقالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن الجيش المصرى استخدم «قوة وحشية» لتفريق المتظاهرين وسط الاشتباكات الدامية التى أدت إلى تفاقم التوترات فى خضم موسم انتخابى جار، مضيفة أن ضباط الشرطة العسكرية استخدموا الذخيرة الحية لتصعيد حملتهم التى خلفت 10 قتلى ومئات المصابين خلال أكثر من 36 ساعة من العنف، حسب الصحيفة. وأوضحت الصحيفة أن الاضطرابات الأخيرة وصلت إلى ذروتها فى ظل الدورة المتقلبة من العنف فى الشهور الأخيرة بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين يطالبون الحكام العسكريين بالوفاء بوعودهم تجاه عملية الانتقال إلى الحكم الديمقراطى، مشيرة إلى أن المجلس العسكرى استجاب لعدد قليل من مطالب الثورة التى أطاحت بالرئيس السابق حسنى مبارك. بينما قالت صحيفة «جارديان» البريطانية إن حرب الشوارع المستمرة بين المتظاهرين المصريين وقوات الأمن تهدد بانفجار الأمور فى البلاد، مضيفة أن تكرار الاشتباكات أدخل مصر الجديدة فى نفق مظلم، مشيرة إلى أن استمرار الاشتباكات دفع البعض للحديث عن أن الجيش يسعى لإيجاد مبرر للبقاء فى السلطة وبث الفرقة بين الشعب لكى يعزز نفوذه. بينما وصفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قول الجنزورى بأن أحداث العنف أمام مجلس الوزراء وقصر العينى تقف وراءها «أياد أجنبية» بأنه «صدى رسمى معروف تجاه انتفاضات العالم العربى لإلقاء اللوم على الآخر». كما أن تواصل المعارك بين العسكريين والمتظاهرين وتجريد امرأة من ملابسها بعد ضربها على يد جنود الجيش يضر بشكل كبير بمصداقية النظام العسكرى الحاكم فى مصر، وقالت الصحيفة إن المجلس العسكرى يكافح من أجل احتواء التداعيات الناجمة عن استمرار العنف من خلال تصوير المتظاهرين على أنهم بلطجية ومخربين من خلال وسائل الإعلام المملوكة لهم»، وأشارت الصحيفة إلى أنه: «على الرغم من حقيقة أن معظم المصريين لاتزال تضع القوات العسكرية فى منزلة عالية، وفقا لاستطلاعات الرأى، إلا أن الأحداث الأخيرة من المرجح أن تسرع من انحدار المكانة العامة للجيش لدى المصريين مما يقلل بذلك من طموحاته السياسية بعد نقل السلطة إلى الحكم المدنى، أغضب جنرالات المجلس العسكرى النشطاء والسياسيين على مدى الأشهر ال10 الماضية لمحاولاتهم المتكررة لحماية مصالحهم الاقتصادية والسياسية بعد تسليم السلطة فى الصيف المقبل.