كتب: د. أشرف السويسي كثر اللغط هذه الأيام عن بوادر ظهور «فيروس» الشرطة الدينية المعروفة باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مفهوم هذه الهيئة لمن لا يعرف يقوم علي أساس الفهم الخاطئ للمدلول اللغوي والاصطلاحي للآية الكريمة «ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» ويأتي الفهم الخاطئ من فهم البعض - وهم كثر في الحقيقة - لمعني كلمة «منكم» وكأن معناها التبعيض أي البعض من الكل كأن تكون مجموعة أو هيئة من داخل الأمة،بينما معناها الحقيقي والسردي في الخطاب القرآني هو الأمة كلها كأساس أفضلية واختيار علي العالمين كما حدث بلا أساس أو تكليف للأمة الموسوية «أتباع موسي من اليهود» فأصبحوا شعب الله المختار ذاك لأنهم كانوا الأمة المؤمنة الوحيدة بين أمم كثيرة وثنية وقتها .. ولكن الأمر يختلف مع الأمة المحمدية التي ورثت جميعا ميراث النبوة في الدعوة لله لغير المؤمنين والوعظ والإرشاد بين المؤمنين، حيث لا أنبياء ولا مرسلين بعد النبي والرسول الأخير. وقد مر أكثر من 1500 عام وظلت الأمة تحتاج لأن يذكر بعضها البعض بأوامر الله «وليس فرضها بالقوة لأن الأمر في السياق القرآني هو نقل أمر الله وليس الأمر في حد ذاته» والنهي عن نواهيه وذلك لا يكون أيضا بالقوة. ما سبق يتنافي مع مبدأ الليبرالية وهي الحرية في الاختيار التي تتعارض مع الإكراه في الدين بعدما تبين الرشد من الغي فهذه هي ليبرالية الإله العظيم والمشرع الأعظم وكذا ما أراده في كلمته إلي المؤمنين في كتابه المقدس «= القرآن» حتي أن هذا الحديث يتنافسي مع المعني الآلهي في القرآن «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» .. فهل تتطابق الحكمة والموعظة الحسنة مع تغيير المنكر بالقوة أي باليد؟ وهكذا يفسر القرآن بعضه بعضا - يتضح أن معني الأمة هي الأمة المؤمنة «ومنها المسلمة أيضا» كلها مطالبة بهذا الأمر وهو بالمعني الفقهي فرض عين علي كل مؤمن «مسلم أيضا» وليس فرض كفاية علي هيئة أو جهة أو جماعة ولو تم ذلك بالصورة الاجتزائية والفرض القسري بالقوة. ولنسأل: لماذا أراد القرآن بتلك المنهجية أن يعطي للإنسان فرصة ليختار بين الحلال والحرام.. بين المكروه والمقبول لأن منهجية الحساب يوم القيامة تقوم علي حرية الاختيار بين الحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز وإلا فلا حساب حيث لا عقوبة علي ما أكره عليه الإنسان الذي تم تكريمه علي مر تاريخ الخلق، وفي كثير من آيات القرآن التي عرفت أن حرية الاختيار والعقيدة أمر مرتبط بالحساب وليس الجبر والإلزام فلا يصح بعد ذلك أن فكر كائنا من كان لكي يلزم أحدا بالامتناع عما حرم الله أو الأمر بشيء قد أمر الله به، لأن هذا وخاصة إذا كانت هيئة متطوعة أو بأجر يخلق كهنوتا دينيا وسلطة غشوما فإذا أرادوا الاحتساب بها لله فسوف يردها الله في نحورهم لأنهم لم يفهموا تعاليمه ولم يقرأوا كتابه جيدا فهم كما قال القرآن الكريم عنهم «الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا» فمنهج القرآن في عمل الخير واجتناب الشروط والحرام منهج ليبرالي يقوم علي الاختيار الحر وليس الإجبار المر.