هل ستقودنا الانتخابات للاستقرار أم الحرب الأهلية؟ لم يعد شارع محمد محمود مكانا للاحتجاج والشغب المتبادل بين الشرطة وشباب الثوار الغاضبين، بل صار موقعة حقيقية.. إما أن ينفرط فيها عقد آخر ما تبقي من الدولة الجمهورية الأولي (1956-2011) أو يصير الشارع عنواناً لانطلاق الجمهورية الثانية (2011). سؤال قبل أن نبدأ في البحث عن إجابة له.. نبدأ بالتوقف أمام فشل الثماني محاولات لوقف العنف في الشارع.. والإجابة الحقيقية لنا جاءت علي لسان مصادر من القيادات الشرطية الوسيطة، حيث أفادت تلك المصادر أن هناك تمرداً داخل وزارة الداخلية، تمرد يقوده ستة لواءات من المتهمين بقتل الثوار ويحاكمون في عدة قضايا، واستطاعوا أن يقودوا القيادات الشرطية الوسيطة التي تقود المعارك في محمد محمود، وأمام مديرية أمن الإسكندرية، ومديريات الأمن الأخري في الصعيد خاصة المنيا وفي الدلتا والدقهلية والغربية، ومن مدن القناةالإسماعيلية. هؤلاء اللواءات يديرون عبر الموالين لهم من القيادات المعارك في تلك المحافظات التي سوف تحدد مصير الداخلية من وجهة نظرهم.. ونجح هؤلاء في تغييب وزير الداخلية اللواء العيسوي عن الصورة، وكما صرح لنا أحد أعضاء ائتلاف الشرطة: أن هناك صراعاً دموياً بين تلك القيادات الموالية للعادلي وبين الضباط والشباب من أعضاء الائتلاف. وصلت إلي إعطاء تلك القيادات الأوامر بإطلاق النار بذخيرة حية ليس علي شباب الثوار بل محاولات تصفية بعض أعضاء الائتلاف المعارض، ويتساءل المصدر: وإلا من الذي يطلق النار علي ضحايا الشرطة إذا كان المتظاهرون لا يحملون أسلحة نارية؟ ومن يطلق النار علي المتظاهرين إذا صدقت الوزارة بأن ضباط وجنود الداخلية لا يحملون ذخيرة حية؟ وأشارت المصادر إلي أن تلك القيادات المتمردة تعيش حالة من الرعب خوفا من محاكمتها مرة أخري علي ما يرتكبونه في محمد محمود، ولذلك قررت الخروج عن التعليمات وإذكاء الصراع الدموي مع الثوار. من جهة أخري أكدت تلك المصادر أن القيادات العليا في القاهرةوالإسكندريةوالمنياوالإسماعيلية تقوم بعقد صفقات مع المسجلين خطر لتكرار ما حدث في 28-25 يناير الماضي من فتح الأقسام وإعطاء فرصة لنهب الأسلحة مرة أخري مقابل ضرب الثوار لإبعاد الجريمة عن رجال الشرطة، واعترف بذلك أحد البلطجية الذين تم القبض عليهم أعلي إحدي عمارات الفلكي، وبلطجي آخر أكد لي ذلك بالإسكندرية، كذلك كشفت مصادر سلفية من الإسكندرية أن هناك محاولات تمت من بعض قيادات مديرية أمن الإسكندرية لتوريط الحركة السلفية في صدامات مع الثوار ولكن أعضاء الحركة السلفية فوتوا ذلك الأمر علي تلك القيادات ورفضوا مشاركتهم في ذلك الفعل المشين. وفجر أحد أعضاء ائتلاف الشرطة قنبلة معلوماتية حيث أكد أن أحد كبار رجال أعمال الحزب الوطني المنحل قريب الصلة من جمال مبارك وأحد مساعدي وزير الداخلية (مازال في الخدمة) التقيا مع وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بالمستشفي الشهر الماضي قبل إجراء العملية الجراحية التي أجراها في عينيه وأن ذلك اللقاء استمر حوالي ساعتين. ويتواكب مع ما سبق، أن التقي أحد كبار ضباط الداخلية من جهاز الأمن الوطني بنجع حمادي مع النائب الوطني السابق عبد الرحيم الغول مساء الاثنين الماضي 11/21 بمنزله في لقاء حضره قيادات من قبائل العرب والبلايش والهوارة والأشراف والحميدات، وأفادت مصادر من الاجتماع بأن هدف اللقاء كان يدور حول كيفية مواجهة قانون إفساد الحياة السياسية بكل السبل، وأن مسودة مشروع القانون أطلع الحضور عليها ضابط الشرطة المذكور والمعروف بصلاته الحميمية مع محافظ قنا اللواء عادل لبيب. من الشرطة إلي المجلس العسكري ومما يؤكد صحة تلك المصادر أن مجموعات مشبوهة هاجمت أقسام الشرطة في ثماني محافظات، وأن التقارير الأولية لتشريح جثث الضحايا تؤكد إصابة بعضهم بطلق ناري مما يعني استخدام الذخيرة الحية. علي الجانب الآخر - كما يقول د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع - أن دم المجلس العسكري في رقبة جماعة الإخوان المسلمين، حيث غررت الجماعة بالمجلس وأوقعته في أكثر من محظور.. جعل الجماهير بعد أن كانت تلقي عليه الزهور تتظاهر.. مطالبة بسقوطهم!! لسنا بصدد تحليل أخطاء المجلس العسكري في الشهور الأخيرة وأسبابه، وإنما نحن بصدد البحث عن الانقسام الواضح والمتجسد في ازدواجية خطاب الأزمة للمجلس من أحداث ماسبيرو وحتي موقعة محمد محمود، سيادة المشير حسين طنطاوي يصرح بأنه لا محاكمات عسكرية للمدنيين والمحاكمات تجري علي قدم وساق، الفريق عنان يصرح بأن مدنية الدولة قضية أمن قومي.. ووثيقة السلمي تسحب هذه العبارة، ثم يلقي علينا المشير بيانا بعد أحداث محمد محمود يعرب فيها عن أسفه لنفاجأ بعدها ببيان آخر لأحد اللواءات يتضمن اعتذارا، ثم تزداد المفارقات حينما تعلن أجهزة الإعلام الحكومية الرسمية بعد ذلك عن بيان لرئيس الأركان الفريق سامي عنان ولا يحدث!! إننا أمام تضارب إما يجسد ارتباكا في صفوف المجلس الموقر أو يؤكد ما تردده المصادر الغربية عن خلافات داخل المجلس.. ويبقي أن المواطنين المصريين يتساءلون: هل يعجز المجلس العسكري في أن ينهي أزمة شارع محمد محمود؟ أم أن الخلافات داخل المجلس تشكل إمكانياته في التحكم في الموقف؟ ماذا تبقي من الدولة تعيش مصر الآن بدون سلطة تشريعية أو تنفيذية، والسلطة القضائية حدث ولا حرج، صراعات مع المحامين، والقضاء الإداري في المنصورة يحكم بحرمان أعضاء الوطني المنحل من دخول الانتخابات، والقضاء الإداري في الإسكندرية يحكم بالعكس، ومجلس الدولة في ساعات قليلة يحسم الأمر بحكم لصالح خوض أعضاء المنحل للانتخابات، وحينما اندلعت الأزمة الأخيرة أسرع المجلس العسكري بإصدار قانون بديل عن قانون الغدر، لا علاقة له بكل الأحكام التي سبق ذكرها مما يكرس بشكل عملي استحواذ المجلس العسكري علي السلطات الثلاثة وكافة أركان النظام والدولة معا وسط خلافات بين فقهاء القانون الدستوري حول مشروعية استفتاء المجلس العسكري حيث يري د. إبراهيم درويش أن الاستفتاء الذي دعا إليه المشير طنطاوي يعد انقلابا عسكريا، ويتفق مع ذلك الرأي المستشار محمد فؤاد جاب الله - نائب رئيس مجلس الدولة - مؤكدا أن الاستفتاء غير شرعي مفسرا ذلك بأن المجلس العسكري لم يأت باستفتاء حتي يرحل باستفتاء. ويذهب إلي ما هو أبعد من ذلك الفقيه الدستوري الدكتور ثروت بدوي حين يؤكد أن الاستفتاء علي وجود المجلس العسكري ليس له أي شرعية دستورية أو ثورية لعمل استفتاء علي بقائه في الحكم، وأضاف أن الشرعية الثورية للمجلس سقطت عنه بمخالفته روح الثورة وعدم تحقيق مطالبها، إضافة إلي أن دستور 1971 الذي يستند إليه المجلس في بقائه للحكم سقط بقيام الثورة. وفي المقابل شدد المستشار طارق البشري رئيس لجنة التعديلات الدستورية علي عدم دستورية تنازل المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن السلطة إلي مجلس رئاسي مدني أو لرئيس المحكمة الدستورية العليا، لأن ذلك مخالف للإعلان الدستوري ونتيجة استفتاء 19 مارس والذي نص علي أن المجلس العسكري يتولي السلطة التنفيذية والتشريعية حصريا خلال الفترة الانتقالية ثم تنتقل سلطة التشريع إلي مجلس الشعب المنتخب وسلطة الحكم إلي الرئيس المدني. من القوي الدينية للمدنية يا قلبي لا تحزن! للأمانة، أصاب العجز جميع أركان الدولة والنظام القديم بما في ذلك المعارضة الدينية والمدنية، فكلاهما مرفوض من شباب الثورة، فجماعة الإخوان المسلمين والحركة السلفية (عضلات بلا عقل) ولا يقلون ارتباكا عن المجلس العسكري الذي غدروا به في جمعة المطلب الأخير (18 /11/2011) وتحركوا متصورين أن مفاتيح البرلمان في جيوب جلاليبهم ففوجئوا بما حدث منذ صباح السبت وخرج قادتهم مطرودين بل ومهانين من شباب الثورة.. وليس أمامهم سوي إحياء ثنائية المدني والديني أثناء اختيارات الوزارة الجديدة، وليس أدل علي ذلك من أن القيادي الإخواني محمد مرسي قد اتفق مع حزب الوفد في التحالف الديموقراطي علي اختيار د.محمد البرادعي لرئاسة الوزارة، وبذاته القيادي محمد مرسي أعلن في اليوم التالي اختيار جماعة الإخوان د. عمرو موسي أما الحركة السلفية والجهاد والجماعة فقد اختاروا د.عبدالمنعم أبوالفتوح وفي المقابل تقوم القوي والأحزاب المدنية بتقديم ترشيحات أخري.. ويراهن المجلس العسكري وأركانه من القوي الدينية أو المدنية علي إجهاد ثوار التحرير.. وبدء المعركة الانتخابية.. وانصراف الجميع للصراعات الانتخابية دون أدني دراية بأن ركائز الدولة قد سقطت في محمد محمود.. وأن أركان النظام القديم يملكون 90% من أوراق اللعب الانتخابي، وأن جماعة الإخوان المسلمين وحلفاءها في انتظار من يكسب لكي ينضموا إليه، وأن قوي التغيير الحقيقي ثوار التحرير يمتلكون 99% من أوراق التغيير المجتمعي والثوري، وأن انسداد الأفق والتناحر ما بين أنماط الإنتاج القديمة والجديدة الحديثة (شباب الثورة والفيس بوك) سوف يؤدي لا محالة إلي نشوب حرب أهلية بدأت بالفعل من سيناء والنوبة وماسبيرو ومحمد محمود، وأن هؤلاء الشباب بأعينهم المفقوعة يمتلكون الرؤية، وبأرواحهم الطاهرة دفعوا الثمن، وبدمائهم المبذولة يؤسسون الجمهورية الثانية من الشارع حتي لو امتلك النظام القديم وأصحاب اللحي المؤسسات التشريعية.. واقتسموا السلطتين التنفيذية والقضائية فإن الشرعية الثورية.. شرعية الشباب ستظل في الميدان وليست في البرلمان.