«ابن جهنم» لم يغادر «طرابلس»! رحل القذافي ابن جهنم صاحب أغرب شخصية استعراضية.. ألف أغرب نظام للحكم وقصصًا رديئة.. كما ألف سياسة غير مفهومة وكتبًا سخيفة.. رحل بعد أن بدد ثروة بلاده في مشروعات جنونية وأفسد أتباعه.. رحل الثائر الذي تحول إلي ديكتاتور.. والأخ القائد الذي حاور شعبه بالصواريخ.. رحل القومي العربي الذي أصبح ملك ملوك أفريقيا والبدوي البسيط الذي كان زعيما للجماهيرية العظمي وانتهي أمره مصدوما مندهشًا متسائلاً عما يحدث. وبعد وفاته انتقلت التساؤلات إلي الشارع بعد ما تم الكشف عنه، من أن ثروة القذافي تجاوزت 31 مليار دولار بحسب «ويكيليكس».. وهل يمكن أن يستعيدها الشعب الليبي مرة أخري أم ستظل حبيسة البنوك الأوروبية؟ فالآن.. العديد من العيون تتجه صوب «الذهب الليبي» الأسمر.. وهناك سيناريوهات «مخيفة» يطرحها البعض حول مطامع من هنا أو هناك.. وأن «الناتو» الذي أشعل سماء طرابلس سوف يتجه الآن نحو «فاتورة الحرب»! فالقذافي بحسب ما وصفته برقية صادرة من سفير أمريكا في طرابلس منذ عامين بأنه صاحب شخصية غريبة الأطوار يعاني من أنواع عدة من الرهاب «الخوف المرضي».. يحب الملابس الغريبة ورقص الفلامنكو الإسباني وسباق الخيل.. ويبذل كل جهده لإزعاج الأصدقاء والأعداء علي حد سواء.. وقالت عنه برقية أخري أن القذافي كان يصاب بنوبة خوف لا إرادية ويخشي المرتفعات والطوابق العليا من البنايات ربما لذلك كان يفضل الإقامة في خيمة حتي يكون قريبا من الأرض.. بدأ ثورته بالصدام مع الغرب.. وانتهي حكمه بعلاقات وثيقة مع كل العواصمالغربية وكان صديقا لزعمائها. - ابن جهنم ولد معمر محمد عبدالسلام أو منيار القذافي يوم 1942/6/7 في قرية جهنم قرب شعيب الكراعيه في وادي الجارف بمنطقة سرت، وحكم ليبيا 42 عاما بعد انقلاب عسكري يوم الأول من سبتمبر 1969 علي الملكية الدستورية عندما كان ملازما في الجيش.. وتعرض خلال فترة حكمه لعدة محاولات لاغتياله وبعد خضوع الشعب الليبي لنظام حكم غريب الأطوار استمر أكثر من أربعة عقود.. وبعد انتصار الثورات الشعبية في تونس ومصر.. اندلعت الثورة الشعبية في ليبيا ضد نظام القذافي يوم 17 فبراير بعد طول انتظار ..وتم الإعلان عن إنشاء المجلس الانتقالي برئاسة المستشار مصطفي عبدالجليل.. وكان تشكيل المجلس دفعة قوية للثورة.. والتف حوله الشعب الليبي من أقصي غرب البلاد وجنوبها إلي شرقها.. وقدمت الجامعة العربية طلبا لمجلس الأمن لحظر الطيران الليبي واستنكار أعمال القتل والعنف التي تمارسها قوات القذافي ضد الشعب الليبي.. وبموافقة مجلس الأمن علي القرارين 1973 ,1970 أعطي الضوء الأخضر لقوات حلف الناتو لضرب القوات الموالية للقذافي ومساعدة الثوار الليبيين بالتنسيق مع المجلس الانتقالي الليبي مما دعم مركز هذا المجلس شعبيا وأصبح قادته يتحركون بثقة وقوة داخليا وخارجيا وتعاون مع المجالس المحلية وسهل عملية تسليح الثوار وبدأ الشعب الليبي والعالم يعرف قادة المجلسين الانتقالي والتنفيذي والمجالس المحلية وقاد المجلس الانتقالي معارك الثوار عبر المدن الليبية من أقصي الشرق إلي أقصي الغرب وكانت القوات الموالية للقذافي هدفا لقوات حلف شمال الأطلنطي «الناتو» بصفة مستمرة وفي المعركة الأخيرة ترددت الأنباء عن أن القذافي كان قد أصيب في الساعة الأخيرة من عمره بصدمة عنيفة بعد تعرض موكبه للقصف بالصواريخ والقنابل الموجهة التي أطلقتها قوات الناتو وأنه كان يتمتم بعبارات غير مفهومة تعبر عن ارتباكه وصدمته قبل أن يصل إليه ثوار المجلس الانتقالي وعندما اعتقلوه كان يتساءل ماذا حدث ماذا يحدث يا أولادي هل تقتلوني؟ يا أبنائي أنا القائد ماذا تفعلون وبعدها أصيب بإصابات قاتلة في الرأس والبطن أودت بحياته وتناقلت الفضائيات ومواقع الإنترنت ووسائل الإعلام صورا للحظات الأخيرة في حياة الأخ القائد الزعيم شعرت وأنا أتابعها بمرارة لها ألف سبب أبسطها أن الثوار الليبيين سيواجهون الجهاد الأكبر بعد نجاح ثورتهم. - صدمة المستقبل بعد رحيل القذافي وجد الثوار الليبيون أنفسهم أمام صدمة المستقبل بسبب ضخامة التحديات التي تنتظرهم من هذه التحديات أن ليبيا دولة تضم هويات قبلية قوية منها العرب والامازيغ والطوارق وتبو وهو أمر يحتاج إلي جهود حكيمة وداعية لربط هذه الهويات برابطة الدين والوطن والمصير المشترك بهدف بناء الدولة الليبية الديمقراطية المنشودة والمشكلة هنا أن ليبيا ليس بها في الحقيقة أي تقاليد ديمقراطية لأن القذافي استخدم سياسة فرق تسد طوال العقود الأربعة الماضية ونشر العداوة بين الليبيين هذا بالإضافة إلي ضعف المؤسسات الحكومية خاصة في القضاء والإعلام والمجتمع المدني أما الثروة النفطية فقد بددها القذافي علي مغامراته الخارجية أو مشروعاته المجنونة مثل النهر العظيم أو في إفساد معاونيه وشراء اتباعه أو كما قال لي أحد الأصدقاء الليبيين أن البيئة في ليبيا بعد رحيل القذافي مؤهلة لانهيار الدولة أكثر منها مبشرة ببناء دولة ديمقراطية حديثة. الأهم هنا أنه بعد انتهاء الصراع المسلح مع القوات الموالية للقذافي وبعد أن قدم الثوار 50 ألف شهيد يتوقع البعض اندلاع صراع سياسي لأن الثوار يطالبون بالمشاركة في اختيار من يتولون المناصب في المرحلة الانتقالية والمشاركة في القرار السياسي حتي لا تضيع أحلامهم في تحقيق الحريات العامة والديمقراطية وبهدف متابعة الالتزام بالإعلان الدستوري وإجراءات تسليم السلطة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية إلي الهيئات المنتخبة فهل يرضي بذلك من يتهلفون علي تولي السلطة (ومنهم أعضاء في المجلس الانتقالي والمجلس التنفيذي والمجالس المحلية).. أم سينتظرون حتي تتم الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. أم سيقبلون باختيارات الثوار الذين قد يفتقدون إلي الخبرة الكافية ، ولكنهم الأحرص علي نقل البلاد إلي الديمقراطية بدليل أنهم دفعوا دماءهم ثمنا لذلك خلال معارك الثورة..والمشكلة الأكثر تعقيدا هنا أن هناك تقارير دولية رصدت انتشار السلاح في جميع أنحاء ليبيا واختفاء أنواع خطيرة منه وعجز المجلس الانتقالي عن القيام بمسئولياته في تقنين حيازة السلاح وحصره والترخيص لحائزيه لمعرفة أماكن تواجده.. وهو ما قد يكون مبررا لجهود دولية تهدف إلي تأمين منطقة الصحراء من عدوي انتقال السلاح من ليبيا إلي مناطق أشد خطورة خصوصا بعد فرار أعداد كبيرة من قوات القذافي والمرتزقة عبر الصحراء. بالإضافة إلي كل هذا يواجه الليبيون بعد نجاح ثورتهم تحديات اقتصادية غاية في الخطورة تتمثل في ضرورة قيام الحكومة الانتقالية وبسرعة بتحمل مسئولية توفير الخدمات الأمنية والقضائية والاجتماعية.. وهو ما يتطلب وضع استراتيجية تنموية شاملة تتضمن بناء هياكل سياسية واقتصادية وتنموية غير موجودة أصلا في ليبيا.. وبناؤها يحتاج إلي وقت طويل.. فهل ينتظر الشعب الليبي حتي يتحقق ذلك أم سينحدر الأمر إلي حرب أهلية لا قدر الله. - خطة الغرب نفذ حلف شمال الأطلنطي غارات جوية علي ليبيا استهدفت القوات الموالية للقذافي منذ نهاية مارس الماضي.. وذلك تنفيذا لتكليف الأممالمتحدة الداعي إلي العمل العسكري وكان الهدف المعلن هو حماية المدنيين في الصراع الذي تشهده البلاد.. وكان واضحا من البداية أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد.. وهو ما أعلنه الأمين العام لحلف الناتو أندرس فوج راسموس يوم 22 أغسطس الماضي عندما صرح بأن نظام القذافي ينهار.. وحان الوقت لإقامة ليبيا الجديدة دولة قائمة علي الحرية وليس الخوف.. وعلي الديمقراطية وليس الديكتاتورية.. وعلي إرادة الجميع وليس أهواء قلة قليلة.. وقال.. الحلف مستعد للعمل مع المعارضة وحثها علي التأكيد من أن يتم الانتقال بالسلطة بشكل سلسل وشامل.. وأن تظل البلاد موحدة.. وبناء المستقبل علي المصالحة واحترام حقوق الإنسان.. أما ما اتضح بعد ذلك خلال مؤتمر عقد في باريس وآخر عقد في لندن وتناولا البحث عن مستقبل ليبيا بعد القذافي (وعقدا خلال شهر سبتمر وأغسطس الماضيين ) هو أن الغرب يمني نفسه بعقود البترول الليبي وعقود إعمار البلاد بعد إبعاد روسيا والصين ودول أوروبا الشرقية.. معني هذا أن اشتراك قوات حلف الناتو في الحملة علي قوات القذافي لم تتم من أجل عيون الشعب الليبي ولا حتي دفاعا عن حقوق الإنسان بل إن تدخل الناتو يأتي في إطار السعي الغربي بإحداث تغيير ما في المنطقة يحقق مصالح الغرب في الأساس.. وللأسف فإن تدخل قوات الناتو لمساندة الثورة الليبية ضد نظام العقيد كان أمرا فرضه القذافي نفسه من خلال استخدامه الأسلحة الثقيلة والقاذفات والمرتزقة الأفارقة العاملين في شركات أمنية غربية في حربه الشرسة ضد شعبه.. وبعد وفاة القذافي أصبح الثوار مدينين دينا ثقيلا للغرب.. وأصبح علي الأجيال الليبية الصاعدة أن تدفعه.. وكان القذافي قد لجأ منذ يوم 28 فبراير الماضي إلي مؤسسة الاستشارات الأمنية الصهيونية (جلوبال. سي. إس. تي) لجلب مرتزقة أفارقة ليحاربوا إلي جانب القوات الموالية له للقضاء علي الثوار الليبيين.. وكانت وحشية القتال ضد الثوار سببا في تدخل الناتو تحت غطاء قرار الأممالمتحدة.. وهو التدخل الذي سيؤدي حتما إلي تغييرات إقليمية بعيدة المدي أبسط معالمه تحديد أهم ملامح المستقبل في ليبيا. وفي هذا المجال ذكرت العديد من وسائل الإعلام الغربية أن فريقا دوليا قادته في شهر يونيو الماضي بريطانيا برعاية أمريكية وبمشاركة إيطاليا والدنمارك وتركيا واستراليا وكندا.. كان قد أمضي عدة اسابيع في بنغازي معقل المعارضة لتقييم احتياجات ليبيا بمجرد انتهاء الحرب.. وأعد الفريق تقريرا أرسل إلي المجلس الوطني الانتقالي المعارض في ليبيا.. وعرض بعد ذلك علي مجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا الذي عقد في أسطنبول بتركيا يوم 15 يوليو.. كما أرسل التقرير الواقع في 50 صفحة إلي الأممالمتحدة.. وقد تضمن التقرير أهم ملامح المستقبل في ليبيا.. وقد تضمن التقرير كما أعلن أندرو ميتشل وزير التنمية البريطاني التوصية بعدم المساس بجزء كبير من قوات الأمن التي قاتلت مع القذافي بعد هزيمتها.. لتجنب الخطأ الذي وقع فيه بريمر في بغداد.. والحفاظ علي هياكل الأمن والعدالة القائمة بقدر الإمكان.. وبحث التقرير معالجة تحقيق تسوية سياسية شاملة للأطراف والأمن والعدالة وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين واستئناف النشاط الاقتصادي في البلاد بأسرع ما يمكن. وكشفت صحيفة ديلي ميل البريطانية في وقت متزامن أن دبلوماسيين بريطانيين تولوا مسئولية التخطيط لما بعد الحرب في ليبيا.. كما تم إرسال دليل معلومات حول كيفية إدارة البلاد ووضعه خبراء إنجليز في بنغازي تحت تصرف المعارضة الليبية.. وأشارت الصحيفة إلي أن دليل المعلومات يضع خطة من خمس نقاط لوضع ليبيا علي قدمها بعد رحيل القذافي تقوم بموجبها لندن وواشنطن بتولي مسئولية تنشيط الاقتصاد وإعادة بناء البنية التحتية للبلاد.. وهكذا رحل القذافي ابن جهنم ربما دون أن يفهم ما يحدث حوله.. لذلك كان يتساءل وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.. ماذا حدث.. ماذا يحدث؟.. ربما لذلك علينا أن نفهم ما يدور حولنا.