جمعت الشهادات : نعمات مجدي من وجهة نظري فإن جريمة السادات التي لن يغفرها له التاريخ هي تحالفه مع الجماعات الإسلامية بهدف تصفية اليسار القومي باعتباره هو القوة التي كانت تقاوم سياسته وحكمه، فتحالفه مع الجماعات الإسلامية سمح لها بممارسة العنف ضد الطلاب في الجامعات بل أتاح لها الفرصة لكي تنشر أفكارها المتطرفة داخل الجامعات وهو ما نعاني منه حتي الآن، بل إنه لم يكتف بذلك بل ترك مساجد وزارة الأوقاف منبرا لنشر فكرهم المتطرف، وكانت هذه مرحلة الجزر الديمقراطي والوطني في حياة السادات، وتراجعت الديمقراطية، وانتهت المرحلة باعتقال 6351شخصا من جميع أطياف الشعب المصري حتي دفع هو نفسه ثمن هذه السياسة باغتياله علي يد هذه الجماعات في 1981. ولعل من أهم أخطاء السادات أيضا سعيه للصلح المنفرد مع إسرائيل بغض النظر عن نيته، فهو الذي سعي لزيارة إسرائيل في الكنيست وتغيير الاستراتيجية العربية في التعامل مع إسرائيل دون أن يمهد لذلك مع الدول العربية سواء التي شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب، حتي أن ذهابه كان مفاجأة للجميع، حتي أنه قابل كل الإسرائيليين بشكل جيد، خلال زيارته للقدس، لدرجة أن موشي ديان قال له جملة قاسية هي «إننا ننتظر هذه الزيارة منذ 5 يونيو 1967». ولكن هذه الزيارة تجاهلت حقوق الفلسطينيين الذين لم يحصلوا علي أي شيء ولم يستفيدوا من الزيارة إلا أن العرب لم يسكتوا بل ردوا علي السادات بخطأ آخر بمقاطعة مصر مما دفعه لإبرام الصلح مع إسرائيل مما ترتب علي ذلك تشرذم المعسكر العربي الذي استفادت منه إسرائيل ودفعت السادات لتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل بأي ثمن ومهما كانت التنازلات التي وافق عليها في اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام التي أحدثت ارتباكا واسعا في العالم العربي. وأعتقد أن مسئولية هذا الارتباك تقع علي الطرفين السادات وبيجن حيث سعيا إلي توقيع اتفاقية الأرض مقابل السلام دون التمهيد لذلك أو الاهتمام بالتوصل إلي توافق عربي وعلي الرغم من أن معظم الأنظمة العربية آنذاك كانت لا بديل لديها عما فعله السادات إلا أنها ردت علي خطوته هذه بشن حملة عنيفة جدا ضده ومحاولة إسقاط حكمه ومقاطعة مصر اقتصاديا وكانت النتيجة إضعافها كمفاوض، وهو ما أفاد الإسرائيليين فضلا عن أن المعاهدة شملت شروطا سيئة منها تقييد عدد القوات في سيناء ووجود محطة مراقبة أمريكية في سيناء وغيرها. أما بالنسبة لاستفادة مصر من المعاهدة فكانت محدودة لأنها في النهاية لم تحقق السلام في المنطقة، فالاحتلال لفلسطين مازال قائما، وقد كان من الممكن أن تستفيد مصر بشكل أكبر ولكن استثمار السادات السياسي لانتصارات أكتوبر كان أقل من حجم النصر العسكري. في حين أن إسرائيل قد تكون ربحت بالفعل بخروج مصر من دائرة القوي الكبري المواجهة لها في الشرق الأوسط ولكنها لم تكسب السلام هي الأخري حتي الآن، وهذا أمر يضغط عليها. إن خلافي مع السادات أصبح موضوعا تاريخيا، وأنا قلت كثيرا لا يمكن أن ننسي للسادات أنه حطم جزءا من الدولة الشمولية وخاض حرب أكتوبر وحقق انتصارات، كما أنه أعاد سيناء وأصر علي عدم التفريط في شبر منها، ولم أقل يوما أنه خائن ولكنه كان جانحا في تفكيره. فكان السادات يري أن مشاكل مصر في تدني ظروفها الاقتصادية وأن تصالحه مع إسرائيل وتعاونه مع أمريكا سيأتي بالرخاء، وبالتالي يستطيع الشعب أن يعيش في ظروف أفضل مما دفعه لتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي التي نفذت بشكل فوضوي وغير منظم بل إنها فتحت الباب «للرأسمالية الإجرامية» أو رأسمالية اللصوص التي تمثلت في شرائح تجار العملة ومستوردي الأغذية الفاسدة ومقاولي العمارات المنهارة سارقي قوت الشعب والذي ترتب عليه رواج للطبقة الطفيلية التي ترعرعت ونمت في عصر مبارك فهو الامتداد لفترة الانهيار الاقتصادي الواهم الذي عشنا فيه طوال فترة حكم السادات وضاعت معه الطبقات الشعبية والمتوسطة. ولكن برغم خطايا السادات إلا أنه يحسب له أنه أحدث انفراجة ديمقراطية شملت السماح بحرية تكوين الأحزاب والسماح بالتظاهر والإفراج عن المعتقلين السياسيين والمثقفين، وإجراء الانتخابات النيابية عام 1976 بدون أي تدخل مع حرية إصدار الصحف وخاصة الصحف الحزبية المعارضة خاصة أنه كان يريد عمل توازن مع قوة الجيش ونفوذه في السياسة، مع تحالفه مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لتكون عوضا له عن الاتحاد السوفيتي، وهو التحالف الذي لا يمكن تحقيقه دون وجود تعددية حزبية وصحفية وفكرية وخاصة أن تلك التعددية الحزبية كانت قائمة علي نظرية المتن والهوامش، بما يكفل للسلطة التحكم في الأحزاب، وأن يكون للمعارضة سقف لا تتجاوزه. ولكن صحافة الأحزاب آنذاك كانت تواجهها عدة إشكاليات منها النصوص العديدة المقيدة لحريتها، كأن يكون رئيس الحزب مسئولا مع رئيس التحرير عما ينشر بجريدة الحزب، وهو ما جعل رؤساء الأحزاب رقباء علي ما ينشر ويتدخلون بشكل مباشر في العمل التحريري، كما أن صحف المعارضة لم تكن قادرة علي المنافسة وكانت تنقصها الكفاءات الصحفية. وبرغم دور السادات في حرب أكتوبر والذي حقق فيه إنجازا عسكريا مهما حتي أنه كان يقال أنه هز نظرية الأمن الإسرائيلي، مع إعادته لشكل من أشكال التوازن لعلاقات مصر العربية في تلك الفترة مع فتح الباب أمام مشاركة الدول العربية بعد توتر العلاقات في فترة حكم عبدالناصر وعقد المصالحة التي حدثت في الخرطوم عام 1967 إلا أننا مازلنا نعاني من سياسته تجاه إسرائيل والتي أدت إلي تآكل جميع المكاسب السياسية التي كان يمكن الحصول عليها ثمنا لنصر أكتوبر حتي وحدة الصف العربي التي حاول أن يصنعها تشرذمت أكثر فأكثر عما كانت عليه في بداية عهده، إبان توقيع اتفاقية كامب ديفيد. وفي النهاية كان دور السادات استكمالا لدور عبدالناصر وجاء في المرحلة الانتقالية من الحرب الباردة إلي الأحادية القطبية، إلا أن الزعماء الثلاثة بداية من عبدالناصر مرورا بالسادات وحتي مبارك باختلاف فترة كل حاكم، فهم أبناء سياسة واحدة هي القائمة علي الفردية ودمج السلطات الثلاث في السلطة التنفيذية ودمجها في سلطة الحاكم بدون رقيب أو حسيب.