بين الانتظار والقلق تعيش وزارة الخارجية أجواء لم تعهدها منذ ما يزيد على نصف قرن، تحديداً منذ ثورة يوليو 2591 التى نحتفل بعيدها فى هذه الأيام.. هذه الظروف الاستثنائية تمثلت فى عمليات تعاقب وزارى متسارعة، غريبة عن النمط الذى اعتاده الجهاز الدبلوماسى المصرى المنوط به الكثير من المهام فى إطار منظومة الأمن القومى المصرى لذا أصبح من المهم أن نستمع لصوت الناطق باسم الخارجية المصرية ينقل لنا ما يدور داخل البيت الدبلوماسى المصرى ونواجهه بأسئلة واستفسارات بل واتهامات الشارع الثورى فى مصر والعالم العربى للدبلوماسية المصرية بعد ثورة يناير ومن هنا كان حوار روزاليوسف مع السفيرة منحة باخوم المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية. كيف يسير العمل المؤسسى فى الخارجية وهى أحد أجهزة الأمن القومى فى ظل حالة عدم الاستقرار والتعاقب الوزارى المستمر خلال هذه المرحلة الانتقالية؟ - ما يحدث فى مصر يحدث فى الخارجية.. الوزارة جزء من مصر وكل ما تشهده الساحة المصرية ينعكس على جميع مؤسسات الدولة، وهذا الموضوع لا تنفرد به الخارجية إنما يعكس الجو العام للفترة الانتقالية التى تعيشها مصر ومرحلة المخاض التى تمر بها البلاد من الانتقال من نظام سابق إلى نظام قادم نأمل جميعاً كمصريين أن يتحلى بالديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية. لكن البعض يرى خطورة فى هذا الأمر على الأداء الدبلوماسى لمصر بأنه يصبح أداءً شكلياً ومعطلاً؟ - هذه حالة عامة ولكن علينا أن ننتبه إلى أمرين.. أولاً أن ما نشهده أمر طبيعى فى مرحلة ما بعد الثورات، فمن الطبيعى ألا تسير الأمور على وتيرة واحدة فى مجتمعات ما بعد الثورات ومن الوارد أن يكون هناك ارتباك فى بعض الأحيان وقد يتطور الأمر إلى فوضى فى فترة وقد يكون هناك عدم وضوح رؤية فى فترة أخرى، لأن مصر الآن تكتب تاريخاً وتنتقل من حقبة إلى أخرى فأمر وارد أن يحدث أو نعايش العناصر التى ذكرتها، وثانياً.. وهو ما أود أن أؤكد عليه هو أن مؤسسة الخارجية مؤسسة صلبة، بل من أكثر مؤسسات الدولة صلابة.. وأعتقد أنه رغم التغيرات التى تشهدها الساحة إلا أن مؤسسة الخارجية قائمة وفاعلة، وفى اعتقادى أن السياسة الخارجية لن تتأثر لأن كل من يتولى المسئولية سيكون توجهه معبر عن مطالب ثورة 25 يناير وقائماً على محاربة الفساد والديمقراطية، والفساد فى تقديرى كان أحد أهم أسباب سقوط النظام السابق.. وأعنى هنا الفساد بجميع أشكاله سواء كان ماليا أو إداريا. تتحدثين عن مطالب ثورة 25 يناير، لماذا لم تفتح وزارة الخارجية خاصة إدارة الدبلوماسية العامة التى تشرفين عليها قنوات الاتصال والحوار مع شباب الثورة؟ - نحن لسنا بمعزل عن الثورة ويجب أن نفرق بين وزارة الخارجية كمؤسسة وبين الدبلوماسيين كمواطنين مصريين، فالدبلوماسيون كان عدد كبير منهم متواجداً فى الميدان وعايشوا الثورة وشاركوا فيها منذ يناير وتوحدوا معها، لأن الدبلوماسى منذ أن يبدأ عمله فى وزارة الخارجية ترتبط صفته الوظيفية بالخارج باسم مصر ويعمل تحت علم مصر، ولدينا طرق اتصال مختلفة ندرك من خلالها ما يطالب به المجتمع المصرى بجميع أطيافه. هناك اتهام صريح لوزارة الخارجية بأنها لم تتعامل بالشفافية اللازمة فى ملف ملاحقة أموال رءوس النظام السابق لإعادتها؟ - هذا كلام عارٍ تماماً من الصحة لأمرين.. أولهما أن موضوع الملاحقة يتناوله القضاء المصرى والنائب العام على وجه التحديد وليس وزارة الخارجية التى هى ليست ذات صفة فى هذا الملف وليس فى اختصاصها، وكل دورها يختصر فى نقل ما يرد إليها من مكاتبات ومستندات وأحياناً تقوم بعملية الترجمة لها قبل نقلها إلى سفاراتنا بالخارج لكى تسلمها إلى الجهات المعنية فى الدول المعتمدة لديها وهو ما قمنا به بالفعل وبشكل فورى لكن كل دورنا أننا أداة وصل بين النائب العام المصرى وبين الجهات القضائية فى الخارج من خلال سفاراتنا وسبق أن أوضحنا هذا الكلام وأؤكده هنا للشعب وللشارع المصرى أن هذا الموضوع ليست لوزارة الخارجية فيه صفة مؤسسية ولكنه يتبع القضاء والنائب العام، ودورنا لا يتجاوز ما ذكرته. ولكن أنتم بذلك تتعاملون من وضع الثبات مع واقع متغير وشارع ثائر، فمثلاً فى قضية الملياردير الهارب «حسين سالم» كانت تحركاته وأخباره تنقل عبر جهات غير مصرية وغابت وزارة الخارجية. - هذه الاتهامات ليست فى محلها.. فيما يخص ملف «حسين سالم» هناك شيئان مرتبطان بهذا الملف، أولاً ورد إلينا قرار أو طلب تسليمه من السلطات وهذا أرسل من خلال الخارجية إلى سفارتنا فى مدريد لتسليمه إلى القضاء الإسبانى وهذا تم بشكل فورى، أما الموضوع الآخر فهو «غسيل الأموال» وكل ما أرسل إلينا من النائب العام قمنا بتسليمه إلى الجهات الإسبانية، وآخر ما ورد إلينا من معلومات فى هذا الملف هو أنه لكى تتم إجراءات تسليمه يجب أن تكون هناك موافقة من مجلس الوزراء الإسبانى وفقاً للقانون الإسبانى، ومجلس الوزراء الإسبانى منذ حوالى عشرة أيام وافق على استمرار التحقيقات معه لكن كما ذكرت كل هذه الملفات تخص القضاء المصرى ونحن دورنا مساعد كأداة وحلقة اتصال. رفعت الثورة أيضاً مطلباً واضحاً وهو «التطهير» كيف يمكن تحقيقه داخل وزارة الخارجية؟ - يجب أولاً أن نحدد المعايير التى يتم من خلالها الاستجابة لهذا المطلب، لأننا أمام نظام استمر ثلاثين عاماً فى الحكم، ومن ثم فالجميع عمل فى ظل حكم النظام السابق، إنما فى تقديرى أن المحك فى التطهير هو من كان فاسدا ومن كان ليس فاسداً ومن تبوأ مناصب ليس لكفاءة ولكن لصلة ما بالنظام وأركانه، ومن تناول مهامه وعمل فى إطارها ومن تناول مهامه وعمل فى أطر أخرى لتحقيق مكاسب شخصية متجاوزاً مهامه، لأن كلنا عملنا فى ظل حكم النظام السابق إنما هذه النوعية التى أتحدث عنها هى التى يجب أن تطهر، ولكن أيضاً هناك شرفاء عملوا بإخلاص ولم يستغلوا المناصب ولم يعملوا إلا لمصلحة مصر وحين نخرج كسفراء فى الخارج فنحن نخدم مصر والعلم المصرى والمصالح المصرية بغض النظر عن النظام الموجود، فمن ثبت أنه كان من الشرفاء وكان من الوطنيين وكان يعمل لخدمة البلد وترفع عن أى مصالح شخصية بل اعترض على كثير مما يدور فى الداخل والخارج أثناء النظام السابق واستطاع أن ينأى بنفسه عن أى فساد مالى أو إدارى، فهذا لماذا نقول إنه يجب أن يتم تطهيره وهذا الكلام فى تقديرى ليس على صعيد وزارة الخارجية فحسب ولكنه يمتد إلى جميع مؤسسات الدولة لأن فى كل مكان كان هناك بالفعل شرفاء ولم يحصلوا على حقوقهم بسبب الفساد. البعض اعتبر اختيارك فى هذا الموقع رسالة للخارج لمصر بعد الثورة باعتبار أنك سفيرة قبطية؟ - لا أعتقد أن هذه المحددات كانت فى رأس الوزير نبيل العربى عندما اختارنى لهذا المنصب، وكذلك الأمر للوزير محمد العرابى عندما قرر استمرارى فى المهمة لحين سفرى إلى قبرص كسفيرة لمصر هناك بداية من سبتمبر المقبل، أما كونى امرأة أو قبطية فهذه قضية أخرى لكن فى الأساس عندما رشحت لهذا المنصب كان وفق محددات مهنية لا يدخل فيها كونى سفيرة قبطية ولكنها محددات تتعلق بمدى القدرة على القيام بالمهمة فى هذا التوقيت الدقيق. لماذا التزمت دبلوماسية مصر الصمت تجاه ثورة الشعب العربى فى ليبيا وسوريا واليمن على وجه التحديد؟ - مصر لم تلتزم الصمت بل كانت واضحة فى مواقفها تجاه الثورات التى ذكرتها، ففى الحالة الليبية هناك حوالى مليونى مصرى مقيمين فى ليبيا تمكنا من إعادة حوالى 800 ألف، كان أمنهم وسلامتهم الدافع الأساسى لمواقفنا ومع ذلك كنا نتحدث بوضوح بالإشارة أيضاً إلى أن مصر حريصة أيضاً على وحدة التراب الليبى ولا تريد أن ترى ليبيا فى الشرق وليبيا فى الغرب كذلك دعمنا قرار الحظر الجوى فى سماء ليبيا بهدف منع القتال والدم وكان هذا موقف مصر فى الجامعة العربية، أما كون تفويض الناتو قد تجاوز الحدود فهذه مسألة أخرى، إنما مصر كانت واضحة من البداية فى مواقفها بسياسة خارجية متزنة وتم اتخاذ هذه المواقف عن دراسة وعن فكر ومصر أرسلت مبعوثاً إلى ليبيا لزيارة كل من بنى غازى وطرابلس من حوالى شهر ونصف الشهر وقام بعقد لقاءات مع جميع الأطراف، وكذلك مصر تبذل مساعيها للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة فى ليبيا، وبالنسبة لسوريا وهو ملف شائك جداً ولكن مصر لم تكن بمنأى عنه ولكنها أكدت ضرورة إجراء إصلاحات جذرية فى سوريا وفيما يخص اليمن نسعى لحل سلمى للأزمة وعدم انقسام اليمن، فمصر مهما كان انشغالها الداخلى لا يمكن أن تكون بمعزل عن محيطها العربى وهذه حقائق وثوابت استراتيجية على مدار تاريخ مصر. الدكتور نبيل العربى قال فى برنامج «الحقيقة» للزميل وائل الإبراشى إنه ترك ملفات جاهزة فى وزارة الخارجية من ضمنها الحصول على تعويضات من إسرائيل على فترة احتلالها لسيناء وفقاً لأحد نصوص اتفاقية كامب ديفيد فكيف سيتم تفعيل هذا الأمر؟ - أعتقد أن ذلك الأمر سيكون فى أجندة أى وزير للخارجية لكن علينا أولاً أن نستقر فى وزارة الخارجية ثم نبحث هذه الأمور.؟