قلب البيان الصوتى للرئيس السابق حسنى مبارك، الذى بثته قناة العربية الأحد الماضى، التفاعلات الثورية فى مصر بمختلف مستوياتها.. وقفزت أسئلة عدة إلى كل عقل مصرى.. بعضها وجد إجابة مع قرار الحبس على ذمة التحقيقات لمبارك ونجليه.. والبعض الآخر انتقل إلى مرحلة اللغز وفى مقدمتها ثروة مبارك وعائلته ؟ هنا لن نستند إلى تقارير صحفية متداولة تتحدث عن مليارات الدولارات تمتلكها عائلة (مبارك) وذلك ليس خشية من (التهديد) القانونى الذى أعلنه (الرئيس السابق) فى بيان ( العربية )، ولكن وفق (معلومات) دقيقة تحصلت عليها (روزاليوسف) من مصادر (مصرية) فى مواقع مختلفة داخل تمثيلنا الدبلوماسى بالخارج ومن زاوية واضحة وهى كيف تعاملت وزارة الخارجية مع هذا الملف؟ خاصة أنها الجهة التى طالبها الرئيس السابق بلهجة (التكليف) فى أكثر من موضع فى كلمته الصوتية.. واستدعى هذا الأمر، مكاشفة فى طبيعة دور سفراء مصر فى العواصم ذات التأثير.. وهل قاموا بدورهم.. أم أنهم (رجال) مبارك.. وهذا ليس اتهاما أو تقليلا من كفاءتهم، ولكن حقيقة الأمور تقول إن اختيارهم كان يأتى فى معظم الأحيان من الرئيس السابق مباشرة وبعضهم كان يتعمد تجاوز وزير الخارجية والتعامل مباشرة مع مؤسسة الرئاسة و الرئيس السابق.. فى ذاكرة وزارة الخارجية الكثير من الحالات.. ترتبط ببعض الأسماء.. خاصة بالبعثات التى كان يأتى منها عادة العبور للمقعد الوزارى. * ساعى بريد دبلوماسى الإمساك بالخيوط المتشعبة فى هذا الملف تبدأ من القاهرة.. عندما وجه النائب العام (مكاتبة) قانونية عبارة عن طلب تعاون قضائى إلى وزارة الخارجية فى 14 فبراير الماضى أى بعد يومين على إعلان تخلى مبارك عن السلطة فى بيان (التسع وأربعين ثانية) الشهير لنائب رئيس الجمهورية السابق (عمر سليمان).. وكان طلب النائب العام من الخارجية مخاطبة الجهات المعنية فى مختلف الدول عبر السفارات المصرية وعبر سفارات هذه الدول فى القاهرة وتضمن الطلب عددا من الأسماء فى مقدمتها أسرة الرئيس السابق بما فيهم الأحفاد بالإضافة إلى عدد من الشخصيات والوزراء وتمثل الطلب فى أن تقوم السلطات فى هذه الدول بالكشف عن أية حسابات وأرصدة بنكية لديها وأية ثروات تمتلكها هذه الشخصيات والحجز عليها، وفى هذه المرحلة يمكن تشبيه دور وزارة الخارجية بأنها (ساعى بريد) يستلم الطلب من النائب العام ويقوم بتسليمه للسفارات، ثم تأتى المرحلة الثانية وهى متابعة السفارات لهذا الطلب، وموافاة السلطات فى مصر بما أنجزته وهى المرحلة التى سنتطرق لها بشىء من التفصيل بعد قليل، وتزامن مع ذلك انعقاد لاجتماع المجلس التنفيذى لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى فى (بروكسل) واتخذ قرارا يفضى إلى (تقنين) الإجراء بالحجز على الأموال، ولكنه لم يقم بتنفيذ الحجز، لأنه يستدعى تفصيلات قانونية تتعلق بالأطر المتبعة فى كل دولة، وعلى خلاف ما ذكره الرئيس السابق فى بيانه الصوتى لقناة (العربية) بأنه مستعد للتوقيع على أى مكاتبات تخول للسلطات المصرية الكشف عن أية حسابات سرية فى أى دولة إذا ما وجدت، فإن الموقف القانونى المصرى لا يحتاج لهذه المكاتبة لأنه يستند على اتفاقية دولية ملزمة خرجت من تحت عباءة الأممالمتحدة ووقعت وصدقت عليها مصر عام ,2004 وهى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد و التى دفعت إليها الولاياتالمتحدة فى إطار محاولتها لتحجيم حركة انتقال الأموال للتنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها تنظيم (القاعدة) وبموجب هذه الاتفاقية تلتزم جميع الدول بالكشف عن أية حسابات سرية لديها واتخاذ إجراءات لتجميد الأموال، وذلك بشرط أن يكون هناك طلب من جهة قضائية بالكشف عن الأموال ويطلب تجميدها، ثم تقوم الدولة بالتحقق ما إذا كان لديها أموال وتفصح عما توصلت إليه، وفى حالة وجودها تنتظر صدور أمر قضائى من دولتها لتجميدها وتكون البنوك فى حل من مسألة سرية حسابات العملاء. * غليان فى عاصمة الضباب إذا كانت العاصمة البريطانية (لندن) يطلق عليها عاصمة الضباب فإنها بلاشك ازدادت ضبابية فى هذا الملف، ففى لندن بدأت عملية تتبع الثروة قبل الثورة المصرية بحوالى خمسة أشهر وتحديدا فى يوليو الماضى عن طريق المهندس الاستشارى د. ممدوح حمزة الذى سعى لتشكيل فريق خاص لهذا الأمر تيقنا منه بأن الثروات موجودة، وضم هذا الفريق عددا من الشخصيات البريطانية وتوصلوا إلى شركات متخصصة فى مسألة تتبع الثروات، وكانت العقبة أمامهم اشتراط هذه الشركات الحصول على نسبة أو (عمولة) على الأموال التى سيتوصلون إليها فى جميع دول العالم وليست بريطانيا فحسب. وفيما كنا نسعى لمعرفة الدور الذى لعبته السفارة المصرية فى المملكة المتحدة فى متابعة خطاب النائب العام.. نمى إلى علمنا وجود حالة من الغليان بين الجالية المصرية على إثر (أقاويل) تتحدث عن لقاء تم بين السفير المصرى فى لندن حاتم سيف النصر وبين زوجة الرئيس السابق سوزان مبارك قبل أسبوعين، وهو الأمر الذى قام بنفيه السفير سيف النصر جملة وتفصيلا فى اتصال هاتفى مع روزاليوسف كان خلاله سيف النصر مقتضبا فى الحديث.. مكتفيا بالتأكيد على أن السفارة تقوم بما عليها وتتابع الأمر مع القاهرة، إلا أن مصادر دبلوماسية لروزاليوسف من داخل العاصمة البريطانية أكدت أن الأمر لا يسير بسلاسة موضحا أن السلطات فى بريطانيا تتحجج بعمومية (المطلب) القانونى الذى تسلمته من السلطات المصرية، وأنها لكى تتخذ أى إجراء تحتاج إلى المزيد من التفاصيل والأسانيد القانونية والمادية كأن يكون هناك عمليات غسيل أموال على سبيل المثال وأشياء من هذا القبيل. * مفاجأة واشنطن على عكس البروباجندا الأمريكانى التى ظهرت فى الحديث الإعلامى عن هذا الملف وتقارير الصحف الأمريكية التى تتحدث عن أرقام الثروة والخطأ (المقصود) من قبل سياسى بحجم السيناتور الديمقراطى (جون كيرى) عندما أدلى بتصريح عن ثروة مبارك ثم تراجع وقال إنه أخطأ، فإن الأمور الرسمية سارت فى واشنطن على النحو التالى.. تلقت السفارة المصرية خطاب النائب العام المصرى، فقامت بتوجيهه إلى كل من وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة العدل الأمريكية وطلبت منهما الإفصاح عن أية أرصدة لمبارك وأسرته إذا وجدت.. وبدأت عملية المتابعة من قبل السفارة المصرية، فجاء الرد من قبل السلطات الأمريكية للسفير المصرى فى واشنطن (سامح شكرى).. أن هناك بعض المسائل الفنية التى تحتاج إلى دراسة كما أن هناك معلومات إضافية يحتاجونها تستدعى تعاونا مباشرا بين وزارتى العدل.. لذا فمن الأفضل أن تقوم السفارة الأمريكيةبالقاهرة عن طريق المندوب القانونى بها بالاستفسار والحصول على المعلومات التى يحتاجونها من قبل وزارة العدل المصرية بشكل مباشر، وكان هذا الرد من حوالى ثلاثة أسابيع تمت خلالها تكوين قناة اتصال مباشر ما بين القاهرةوواشنطن، وبدأت السفارة المصرية فى واشنطن تستفسر مجددا من السلطات الأمريكية عما إذا كانوا قد حصلوا على المعلومات التى يريدونها، فكان الرد الأمريكى أنهم حصلوا على بعض المعلومات، ومازالت هناك بعض التفصيلات القانونية التى يستفسرون عنها حتى يتخذوا قرارا بالإفصاح عن الثروات إذا ما وجدت. * بن على الباريسى فى باريس كان الوضع مختلفا إلى حد ما.. إذ تعاملت السفارة المصرية هناك مع (خطاب النائب العام) على ثلاثة مستويات أولها الخارجية الفرنسية والمستوى الثانى تمثل فى مخاطبة وزارة المالية والاقتصاد الفرنسية أما المستوى الثالث وأكثرها فاعلية فكان مع وحدة تابعة لوزارة المالية والبنك المركزى الفرنسى تدعى ( برافكوون) هذه الوحدة مهمتها رصد أية تحركات مالية غير منطقية أو مريبة قادمة أو خارجة من وإلى فرنسا.. الغريب أن هذه الوحدة تحركت من تلقاء نفسها قبل انهيار النظام المصرى بحوالى أسبوع أو عشرة أيام، وأعلنت أنها ستقوم برصد أى تحركات مالية تخص شخصيات مصرية كإجراء احترازى من جانبها، وذلك حتى لا يكرروا الأخطاء التى وقعوا فيها عند ملاحقة ثروة الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على وحاشيته واتهامهم بالتحرك المتأخر.. وعلى مدار الأيام الماضية كانت متابعة السفارة المصرية مع هذه الجهات كما تم تفعيل اتفاقات التعاون القضائى بين مصر وفرنسا فى هذا الملف، وحتى الآن لم تؤكد فرنسا وجود حسابات لديها لمبارك وأسرته، وأبلغوا السفارة أنهم يباشرون المسألة بالكثير من الاهتمام.. وعند وصول خطاب النائب العام لم يكن مترجما إلى الفرنسية ووصلت النسخة باللغة العربية والإنجليزية فاستشعرت السفارة القلق من أن يتسبب ذلك فى عرقلة الإجراءات لدى السلطات الفرنسية التى تشترط المخاطبة باللغة الفرنسية إلا أن السلطات الفرنسية وحتى يبرهنوا على حرصهم على التعاون اعتمدوا مكاتبات النائب العام المصرى باللغتين العربية والإنجليزية ولم يشترطوا ترجمتها إلى الفرنسية. * مربط الفرس رغم الاعتراف بالإمكانيات المهنية للكثير من السفراء المصريين، والتى كانت إحدى أهم ركائز ترشيحهم لتولى تمثيل مصر بالخارج، خاصة فى العواصم العالمية الكبرى.. ولكن جرى العرف الدبلوماسى فى مصر طيلة العقود الثلاثة الماضية أن الرئيس السابق كان يتدخل فى اختيار السفراء فى العواصم المؤثرة، أحيانا كان يستمع إلى ترشيحات وزير الخارجية، وفى أغلب الأحيان كان مبارك يختارهم بنفسه ويقوم بالتمديد لهم حتى بعد تجاوز مدتهم القانونية فى رئاسة البعثة المحددة بأربع سنوات فى الخارج يعودون بعدها للعمل فى الديوان العام بالقاهرة ثم يرشحون لبعثات أخرى وهكذا.. ولطالما حدثت مناكفات بين وزراء الخارجية والسفراء المسنودين رئاسيا بسبب قيام السفراء بتجاوز وزيرهم والتنسيق المباشر مع مؤسسة الرئاسة أو مع الرئيس مباشرة، وهو ما جعل الشك يتسلل من كون هؤلاء السفراء هم أنفسهم الذين يباشرون عملية متابعة الثروة مع السلطات فى الدول المعتمدين لديها، مربط الفرس فى هذا الأمر وما يقطع الشك باليقين - حسب ما أكد مصدر دبلوماسى لروزاليوسف - هى البرقيات الدبلوماسية التى تتوافد من السفراء فى هذه الدول على وزارة الخارجية، موضحا أنه عندما صدرت البرقيات الخاصة بمكاتبات النائب العام المصرى لسفاراتنا بالخارج.. صدرت تحت عنوان (دورى) أى توزع على جميع البعثات، وبالتالى فإن الرد أيضا يأتى على نفس الصورة وتتلقى جميع البعثات نسخة منه، وهذا يجعل عملية المتابعة واضحة أمام الجميع كما تشكل هذه الشبكة من البرقيات المتبادلة فرصة أمام السفراء للاستفادة وتبادل الخبرات بين بعضها البعض فى هذا الملف.