الرئيس السيسي يشاهد فيلما تسجيليا بعنوان "جيش النصر"    تعاون بين «جامعة القاهرة» و«الجيزة» في مجالات خدمة المجتمع    مجلس النواب يقر منحة لدراسة مشروع ممر ملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط    استقبال الآراء والأفكار.. الحوار الوطني يفتح باب المشاركة للمصريين بشأن الدعم    «كفر الشيخ» تنظم ندوة تثقيفية احتفالا بذكرى حرب أكتوبر    وزير البترول يبحث تعزيز التعاون مع سكاتك العالمية في مجالات الهيدروجين الأخضر    وزير العمل يلتقي وفد «الفحص المهني السعودي» لبحث التعاون في عدة مجالات    بروتوكول تعاون بين «التنمية المحلية» و«الأوقاف» لتطبيق قانون التصالح في مخالفات البناء    تمهيدًا لإعلانها غدًا.. رئيس الوزراء يستعرض المُخرجات النهائية لحزم التسهيلات الضريبية ومحفزات الاستثمار.. تستهدف تذليل العقبات الضريبية أمام مجتمع الأعمال وأنشطتهم الاقتصادية بما يدعم جهود رفع معدلات الإنتاج    الوقائع المصرية تنشر قرار وزير التموين بشأن توحيد أوزان عبوات الشاي    محافظ سوهاج يتفقد أعمال الرصف بمشروع تطوير كورنيش أخميم    انخفاض الاحتياطيات الدولية لأوكرانيا بنسبة 8.1 % في سبتمبر الماضي    «القاهرة الإخبارية»: قصف إسرائيلي عنيف على عدة بلدات في لبنان    قيادي ب«الحرية المصري»: كلمة السيسي تعبر عن موقف مصر الداعم لقضية فلسطين    الأمم المتحدة تحذر: أوامر الإخلاء الإسرائيلية لا توفر الأمان لسكان غزة    القدس خلال عام من العدوان.. 78 شهيدا و340 عملية هدم وأكثر من 50 ألف مقتحم للأقصى    زعيم كوريا الشمالية: لا نسعى إلى الحرب مع جارتنا الجنوبية    أمير توفيق يكشف سبب فشل صفقة بن رمضان في الأهلي    رسميا.. أون تايم سبورتس تعلن إذاعة مباراة الأهلي والعين في إنتركونتيننتال    وصول المتهمين في واقعة «فبركة سحر مؤمن زكريا» للمحكمة    دورة جديدة.. انطلاق ماراثون انتخابات الاتحادات الرياضية    الدنيا ضلمت.. تعرف على تفاصيل مباراة ال 76 ركلة ترجيح    النشرة المرورية| كثافات مرورية طفيفة بالشوارع والميادين ب القاهرة الكبرى    «الأرصاد» توضح حالة الطقس غدا.. مائل للبرودة في تلك الأوقات    النيران تلتهم محتويات شقة عروسين بقرية ابشان ببيلا كفر الشيخ    إصابة 5 طلاب في انقلاب سيارة ملاكي على كوبري جامعة المنصورة    وزير خارجية المكسيك يتقدم بتعازيه إلى الحكومة المصرية وأسر الضحايا في حادث وفاة 3 مصريين    محاكمة متهمين بقتل طالب بمشاجرة في الزيتون | بعد قليل    شروط الاشتراك في مسابقة الشعر من «الشباب والرياضة» ضمن مهرجان إبداع    بعد نفاذ التذاكر.. حفل إضافي ل أنغام في ليالي مصر    إيمان العاصي تكشف سر رفضها للزواج من جديد    جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024 من نصيب الأمريكي جون هوبفيلد والبريطاني جيفري هينتون    منصة watch it تطرح البوستر التشويقى لمسلسل 6 شهور بطولة نور النبوى    رئيس جامعة الأزهر يفرق بين «الفتوى والفتوة» ب ندوة دار الإفتاء    أمين «البحوث الإسلامية»: الفتوى لها مكانة عظيمة في بناء الإنسان    يوم الجمعة: فضله وعظمة الدعاء فيه    رئيس الاعتماد والرقابة الصحية: اتباع الأدلة الإرشادية شرط أساسى بمعايير "جهار"    وزارة الصحة تسلط الضوء على الصحة الإنجابية والتنمية البشرية خلال ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات    تدشين فعاليات الدورات التدريبية لمقدمي المشورة الأسرية بالدقهلية    «قصر العيني» ينجح في استخراج «سيخ معدني» من عظام الحوض لطفل    6 مشروبات صباحية لتقليل الإمساك    تأجيل أولى جلسات محاكمة المتهم بقتل صديقته في قرية تونس بالفيوم    بالفيديو.. تفاصيل طرح المجلس القومي للأمومة والطفولة مسابقة "مصر في عيون أطفالها"    كندة علوش: همنع أولادي عن السوشيال ميديا حتى لو كنت أم ديكتاتورية    أحمد مظهر.. فارس علق ملابسه العسكرية من أجل السينما    الزراعة: تقاوي القمح المعتمدة تكفي المساحة المستهدفة وتم توزيعها على منافذ المحافظات    تفاصيل الاتفاق السري بين الأهلي وسيراميكا كليوباترا بشأن الصفقات    السيسي: طول ما القوات المسلحة يقظة ومستعدة وشريفة مفيش خوف من حاجة    بنك المعرفة المصري يشارك بفاعلية في مبادرة بوابات التعلم الرقمي العام بإندونيسيا    السيسي: الشعب الفلسطيني من حقه العيش في دولة مستقلة جنبا إلى جنب مع إسرائيل    مدرب وادي دجلة يكشف أسرار تألق عمر مرموش مع آينتراخت فرانكفورت    مسئول أمريكي: الصين لا تسعى للتأثير على الانتخابات الرئاسية في بلادنا    ريحة من الشيخ زايد إلى الحدائق، أسباب انتشار الدخان الخانق في 6 أكتوبر    تغطية إخبارية لليوم السابع حول حقيقة انفجارات أصفهان وسيناريوهات الرد الإسرائيلى    بلاغة القرآن| تعرف على تفسير سورة الناس    لماذا كان يصوم الرسول يوم الاثنين والخميس؟.. «الإفتاء» تجيب    «إسقاط عضوية إسرائيل».. ننشر بيان مؤتمر التحالف التقدمي العالمي    حسام حسن يحدد موعد انضمام صلاح ومرموش لمنتخب مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النسوية الإسلامية (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ): حد قذف المحصنات.. من العقوبات! "65"
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 23 - 07 - 2023

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.

الحصن هو مكان للحماية فى الحرب: (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِى قُرًى مُحَصَّنَةٍ) الحشر 14، ومنه جاءت كلمة المحصنات: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) النور 33، بمعنى أردن حماية أنفسهن من الفاحشة.

المرأة تكون محصنة إذا كانت عفيفة: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) التحريم 12، فالإحصان بمعنى العفة، والمحصنة لها من أخلاقها ما يصونها عن الرذيلة: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُون) النور 4.
فى الآية حد عقوبة قذف المحصنات، هى عقوبة خاصة بمن يتهم امرأة عفيفة محصنة بالفاحشة، والمرأة تكون محصنة إذا كانت متزوجة: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النساء 24، فالرجل لا يتزوج امرأة متزوجة من رجل آخر.
وفى زواج ملك اليمين: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) النساء 25.
فى الآية (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) المحصنات تعنى العفيفات، ومعنى (فَإِذَا أُحْصِنَّ) إذا تزوجن، ومعنى: (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ) عليهن نصف ما على الحرائر المتزوجات من العقوبة، فى الآية جاءت كلمة الإحصان بمعنى العفة والشرف، وبمعنى الزواج، وبمعنى الحرائر (مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ). ولفظ المحصنة لا يعنى المتزوجة فقط، وإنما يشمل كل عفيفة شريفة من النساء، سواء كانت متزوجة أو مطلقة أو لم يسبق لها الزواج، وإذا رماها ظالم بما يقدح فى شرفها ولم يثبت ذلك بالشهود فعقوبته ثمانون جلدة: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور 23.
سورة النور
من أوائل ما نزل من القرآن فى المدينة، وجاءت بتشريعات جديدة لصيانة المجتمع الإسلامى الجديد فى أوائل استقراره بالمدينة، تبدأ السورة بتقرير عقوبة الزنا وهى الجلد لا الرجم، وعقوبة رمى المحصنات، وقضية التلاعن بين الزوج وزوجته، وعقوبات الزنا وقذف المحصنات له علاقة بحديث الإفك والاشاعات التى راجت فى المدينة وقتها.
وحديث الإفك هو اتهام جماعة من المؤمنين لجماعة أخرى من المؤمنين بالفاحشة: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) النور 11، ولذلك أنزل تعالى التشريعات التى تنظم الحياة الاجتماعية حتى لا يوجد مجال للإشاعات.
وفى الآية التالية: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) النور 12، فالتهمة تمس مجتمع المسلمين وكان عليهم أن يرفضوها وأن يظنوا بأنفسهم خيراً.
وقد تداول المسلمون الشائعات بدون تروٍ أو تدبر: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ) النور 13.
ولأن المظلومين جماعة من المسلمات العفيفات فقد توعد تعالى الظلمة بعذاب شديد: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور 23، ووصف المحصنات البريئات بالغفلة دليل على أنهن كن يتصرفن بالفطرة النقية فى التعامل مع الناس.
الطعن فى الأعراض، وتعتبر قذفاً موجباً للحد، وعن جريمة قذف المحصنات بلا دليل مثبت: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور 4-5.
والآية تسمى بآية القذف، فالذى يتهم امرأة عفيفة بالانحراف كأنه رماها بحجر، ولو أن الشرع تساهل فى أمر القذف لصارت كل امرأة متهمة فى عرضها.
ولو أن إنسانًا افترى على امرأة عفيفة فى عرضها، وتناقل الناس هذا الخبر حتى وصل إلى أهلها، ربما أقدموا على قتلها، وهى بريئة، فمنعاً للتشكيك فى أعراض الناس، شرع تعالى حد القذف: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) النور 4.
معنى الرمى
الرمى فى اللغة هو القذف بشىء: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)، والرمى هنا بالزنى أو الاتهام بالفاحشة، أو ما كان فى معناه، والمحصنة صفة مشتقة من الإحصان، والأصل الحصن وهو مكان يمنع الوصل إلى ما فيه، فهو حصين، والمحصن بمعنى المرأة أو الرجل الذى يمتنع عن الزنى لعفته، والإحصان يكون بالعفاف، أو بالزواج، فالعفيف محصن، والمتزوج محصن.
وحد القذف واحد للرجل أو المرأة، مع أن آية القذف جاءت باللفظ المؤنث: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)، وقد يرجع ذلك إلى أن قذف النساء أكثر وأسوأ.
حد القذف
عندما يقذف الرجل امرأة، عليه أن يأتى بأربعة شهداء: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)، لا بد من وجود أربعة شهود، فى أمور أخرى يكفى شاهد واحد، وفى أمور لا بد من شاهدين، لكن فى الحدود لا بد من أربعة شهداء.
ومن يقذف فتاة، ويتهمها بالانحراف الأخلاقى ثم يثبت كذبه يقام عليه حد القذف، وذلك حتى يكون الإنسان دقيقاً ولا يشيع خبر الانحراف إلا إذا كان متأكداً، أو يقام عليه حد القذف.
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) النور 2، حد الزنى هو الجلد مئة جلدة، وحد القذف أن يجلد القاذف ثمانين جلدة: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُم ثَمَانِينَ جَلْدَةً)، ويتشابه حد الزنى وحد القذف، لأن كلاهما عند الله عظيم.
نتيجة القذف
وكذب الشهود يسقط شهادتهم: (وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا)، هذا عقاب آخر بعد الجلد أمام الناس، فشهادتهم غير مقبولة، وأن يعرف الناس أنهم فاسقون: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
وفى قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فإذا اتهم إنسان بالكذب امرأة محصنة، ثم تاب لا يستعيد اعتباره فى المجتمع إلا بعد أن يعترف بأنه كاذب فى تهمته، وأن المرأة التى اتهمها بالزنى هى امرأة بريئة عفيفة.
والفقهاء انقسموا حول هذه الآية إلى فريقين، الفريق الأول غلب حق الله على حق العبد المقذوف، والفريق الثانى غلب حق المقذوف على حق الله، لكن الذين غلبوا حق الله على حق العبد المقذوف كانوا أقرب إلى الحقيقة.
لو أن القاذف تمكن من أن يحضر ثلاثة شهود على أن هذه المرأة زانية يقام عليه الحد، ويجلد الشهود على أنهم قاذفون أيضاً، فيجب أن يكونوا أربعة من الشهود، فإذا كانوا ثلاثة يجلدون كلهم، صوناً لحق المرأة العفيفة. وتنفيذ الحد: (فَاجْلِدُوهُمْ)، هذا خطاب موجه إلى عامة المسلمين، وممثلين فى أولى الأمر، ولا يقيم حد القذف إلا أولو الأمر، لأن المجتمع يجب أن تكون الثقة شائعة فيه، حتى لا يتهم الناس بعضهم بعضاً من دون قيد أو شرط، والأصل أن الإنسان عفيف، وأنه مستقيم، فمن يريد أن يتهم إنسانًا فيجب أن يقيم على ذلك الدليل القطعى، وإلا فهناك عقاب، فهذه الآية تردع البعض عن أن يخوضوا فى أعراض الناس.
لذلك يدعو القرآن إلى حفظ اللسان: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) المؤمنون 3، ويجعل ذلك من صفات المؤمنين، وكما جعل تعالى إظهار الفاحشة موجباً للعذاب، فكذلك من يطعن فى أعراض الناس، فقد حكم عليه تعالى بالفسق، وبالعذاب فى الدنيا بإقامة الحد، وفى الآخرة بالعذاب الأليم.
ولذلك حدد تعالى عقوبة رادعة لقذف المحصنات، وقرر تعالى ثلاثة أحكام على القاذف إذا لم يأت بالدليل على صحة ما قال، الأول أن يجلد ثمانين جلدة، والثانى أن ترد شهادته، والثالث أن يكون فاسقاً معروفاً عند الناس.
لقد قررت الشريعة الإسلامية حماية أعراض الناس وسمعتهم وكرامتهم، وذلك بعقوبات رادعة، حرصاً على الحرمات للأفراد والجماعات،ومن هذه العقوبات حد القذف، وهى عقوبة التطاول على الأعراض بفعل أو قول، من خلال علاقات الناس بعضهم ببعض، أو عن طريق بعض وسائل الإعلام التى تنشر أخبارا تمس بالأعراض وتشوه السمعة.
إن قذف المحصنات يكشف عن تدنى الأخلاق، وعدم تقدير عاقبة سب الناس فى عرضهم، لأن الفاعل لا يهتم بالذنب الذى وقع فيه، وهو يقول كلمة لا يلقى لها بالاً: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النور 23-24.
إن قذف المحصنات جريمة، وهو من كبائر الذنوب التى يجب على الإنسان أن لا يقربها، وأن يحترم أعراض الناس ولا يخوض فيها‏، وقد حذرنا القرآن الكريم من ذلك تحذيراً شديداً: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم) النور 15.
1
2


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.