تتضارب الروايات بين معسكر الزعيم القذافى الذى يقدم صورة عن وضع عادى فى البلاد ويدير حملة إعلامية مضادة مع أن الرأى العام الدولى يقف ضده، وتوقع نهايته بسرعة، وبين المعارضة التى تحدثت عن نهاية سريعة للنظام وظلت خلال الأيام الماضية تتحدث عن حملة وتحضيرات للتحرك نحو العاصمة. لكن إحكام القذافى السيطرة على العاصمة جعل المحللين يرون أن الثورة الليبية على خلاف الثورتين التونسية والمصرية دخلت مرحلة من التعقيد لدرجة أن المعارضة التى تسيطر على الشرق باتت تفكر بالبحث عن تدخل خارجى بعد أن أيقن قادة الثورة أن قوة الشعب ليست كافية للتخلص من النظام الليبى.
القذافى ومع أن قادة الثوار أكدوا أنهم لا يريدون تدخلا عسكريا، قوات على الأرض، بل طالبوا بضربات جوية عسكرية على مواقع القذافى لإنهاك قواته، وإنشاء منطقة حظر جوى، إلا أن الدعوة فى حد ذاتها تشير إلى رغبة من الثوار بدعم عسكرى خارجى، مع إن الدول الغربية خاصة بريطانيا هددت باتخاذ كل الإجراءات اللازمة ومنها العسكرية من أجل التخلص من النظام الليبى. وفى الوقت نفسه ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن البيت الأبيض أعلن برنامجا مكونًا من خمس نقاط لعزل العقيد معمر القذافى وفى النهاية عزله من السلطة بعيدا عن الخيار العسكرى وبعيدا عن تقييم رئيس المخابرات المركزية الأمريكية الذى قال: إن القذافى سينتصر على المدى البعيد على المعارضة. وقالت الصحيفة: إن الخطوات تضمنت الاحتضان الجزئى للثوار والتهديدات بتعقب وملاحقة الموالين للقذافى الذين ارتكبوا جرائم فى حق الشعب الليبى فى المحاكم الدولية، مشيرة إلى إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون أنها قد تجتمع مع قادة المعارضة الليبية وقول مستشار الأمن القومى الأمريكى: إن واشنطن تبحث عن طرق لدعم معارضى العقيد الليبى. وتستكمل الصحيفة: إن الولاياتالمتحدة وقفت قاصرة عن الاعتراف بالثوار كحكومة شرعية لليبيا لكنها قالت إن مساعدة واشنطن لهم تتضمن المساعدة الإنسانية والمشورة بشأن كيفية تشكيل وإدارة حكومة معارضة، غير أنه مع تحول ميزان القوى لصالح قوات القذافى لم يكن واضحا ما إذا كانت الجهود التى أعلنها البيت الأبيض ستكون كافية لضمان نهاية لحكم القذافى القائم منذ ما يزيد على 40 عاما أو حتى تقليل وتيرة هجماته والحد منها. وأشارت الصحيفة إلى أنه فى بروكسل علق حلف شمال الأطلنطى «الناتو» على الأقل حتى الأسبوع القادم أى قرارات بشأن فرض منطقة حظر جوى فوق ليبيا وسط تردد فى واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية من انزلاق نحو حرب أهلية فى دولة لا يعتبرها الغرب مهمة لأمنه القومى. وتابعت الصحيفة: «إن حملة البيت الأبيض لإقناع الموالين للقذافى والحلفاء فى حلف الأطلنطى بأن أيام القذافى أصبحت معدودة وجهت لها ضربة بتقرير مدير جهاز المخابرات القومية جيمس كلابر بأن القذافى متفوق بشكل حاسم على المعارضين من ناحية التسليح والإعداد وأن ذلك سيثبت نفسه مع مضى واستمرار المعارك». ورسم كلابر سيناريو آخر بأن تنقسم ليبيا إلى دولتين أو ثلاث دول صغيرة وأن يرتد الوضع إلى ما كان عليه قبل حكم القذافى قائلا: «قد ينتهى الوضع إلى سيطرة القذافى على طرابلس ومحيطها وأن تتحول بنغازى ومحيطها إلى دولة صغيرة أخرى». وقالت الصحيفة: إن البيت الأبيض صدم من تقييم مدير جهاز المخابرات القومية بأن القذافى قد ينتصر. هيلارى كلينتون وفى تحليل آخر لنهاية القذافى تقول الجارديان البريطانية إن أى دعم عسكرى للمعارضة يعنى حربا أهلية، وأن الرابح الأكبر من تطورات المنطقة والتغييرات فى الدول العربية هو إيران وتركيا فى وقت انهزم فيه معسكر الاعتدال العربى. وكانت الدعوات لمنطقة حظر جوى قد تعرضت لمصاعب بعد تحذير كل من روسيا والصين من مخاطرها، فيما عبرت تصريحات وزير الدفاع الأمريكى، روبرت جيتس عن تردد من أن منطقة الحظر الجوى قد تواجه بعقبات سياسية، وتساءل عن الحكمة فى اتخاذ عمل عسكرى ضد دولة مسلمة أخرى. كل هذا مع أن البنتاجون يقوم بإعداد سلسلة من الخطط التى تتضمن خيارات تقدم للرئيس الأمريكى باراك أوباما للنظر فيها. وجاء التردد الأمريكى بسبب عدم قيام مجلس الأمن بإصدار قرار يطلب تدخلا عسكريا كما أن جنرالات حلف الناتو منقسمين وقالت إن حربا جديدة فى ليبيا ستؤدى إلى إلقاء أعباء جديدة على القوات الأمريكية المنخرطة فى حربين فى العراق وأفغانستان، فيما دعا الجنرال جيمس ماتيس فى جلسة استماع إلى عملية وقائية ضد قوى الدفاع الجوية الليبية لتشلها حتى لا تكون قادرة على ضرب القوات الأمريكية أو قوات الناتو. ووافق رئيس هيئة الأركان المشتركة مايك مولين على هذا الرأى مقللا من أهمية إنشاء منطقة حظر جوى. جيمس كلابر من أجل دفع المجتمع الدولى إلى التدخل فإن العقيد القذافى عليه القيام بثلاثة من الأمور لكى يستفز العالم من أجل الاحتلال عسكريا ومنها ارتكاب مجازر أو استخدام أسلحة كيماوية والثالث هو استمرار الهجمات الجوية. وبناء عليه فإن خيارات المجتمع الدولى تظل محدودة ومعها سيناريوهات النهاية وفقا للتايمز البريطانية وهى رحيل القذافى بشكل سلمى عن السلطة والخروج إلى المنفى ربما إلى زيمبابوى، وهناك سيناريو ثان وهو انتصار كاسح للثوار، بالسيطرة على طرابلس واعتقال أو موت القذافى. وهذا خيار خيالى لأن الثوار أضعف من النظام ولا توجد بوادر عن إمكانية اندلاع ثورة فى طرابلس إضافة إلى بعد بنغازى عن العاصمة واضطرار الثوار للمرور من خلال منطقة من معاقل النظام هى سرت. أما السيناريو الثالث فهو تقسيم البلاد إلى شرق وغرب. وفى الوقت الذى لا تبدو فيه بوادر تدخل أجنبى فإن السيناريو الرابع والمحتمل وهو صراع طويل الأمد بين القذافى والمعارضة يقود إلى انهياره بسبب الاقتصاد وعدم قدرته على توفير المواد الغذائية بسبب الحصار على طرابلس ونظامه. وأيا كانت نتائج الصراع فإن القذافى فى حالة رحيله سيترك بلدا منقسما ومتصدعا. روبرت جيتس قالت صحيفة «التليجراف» البريطانية إن مصير الزعيم الليبى معمر القذافى يكمن فى أيدى الجماعات القبلية الليبية التى تختلف عن بعضها البعض بحكم موقعها وتكوينها وعلاقاتها التاريخية مع النظام الحاكم. غير أنهم جميعا يحتفظون بالقدرة ذاتها على تعطيل - أو استقرار - النواحى السياسية والأمنية فى ليبيا. وبناء على ذلك يجب أخذ تأثيرها على محمل الجد. وذكرت الصحيفة أنه مثلما فعل صدام حسين خلال فترة حكمه الديكتاتورى فى العراق. استغل القذافى مكره فى ممارسة «اللعبة القبيلة» من خلال تقديم مزايا اقتصادية. وإثارة الخصومات التنافسية داخل كل قبيلة. حتى يضمن ولاءهم ويخلق شبكة اجتماعية ترتكز على المحاباة والمحسوبية. كما تكفل أيضا بأن تكون الجماعات القبلية المتنافسة داخل الجيش. وبذلك يحتفظ بسيطرته الكاملة عليها. فى وقت مكنته عائدات النفط من توزيع الثروة بين هذه القبائل لضمان تأييد زعمائها. وأشارت الصحيفة إلى أن أكبر القبائل الليبية التى تحولت لدعم الجماعات الثورية المعادية للحكومة. هى قبيلة «ورفلة» التى تتكون من مليون فرد وتهيمن على مدن ليبيا الشمالية. بنى وليد وطرابلس وبنغازى. وأضافت إن قبيلة «ترهونة» التى يتبعها مئات الآلاف فى طرابلس قد حذت حذوها أيضا فى الوقوف بجانب المحتجين. كما ذكرت الصحيفة أن قبائل أخرى ذات نفوذ انشقت عن النظام الليبى. بما فى ذلك قبيلة أزاوية التى هددت بقطع تدفق النفط إلى الدول الغربية ما لم يتم التوقف عن عمليات القمع التى يمارسها النظام. بالإضافة إلى قبيلتى «الزنتان» و«بنى وليد» وقبيلة «عبيدات» التى ينتمى إليها عبدالفتاح يونس وزير الداخلية السابق الذى أعلن انضمامه للاحتجاجات. مؤكدا أنه يمتلك دليلا على أن القذافى أمر بتنفيذ تفجير لوكربى. وأوضحت الصحيفة أن زعماء هذه القبائل المختلفة لعبوا بالفعل دورا مؤثرا فى الثورة من خلال تشجيع أبنائهم على التخلى والانشقاق عن قوات الأمن ورفض أوامرهم بمهاجمة المتظاهرين، ونتيجة لذلك أصبحت المنطقة الشرقية الغنية بالنفط فى ليبيا منطقة يسيطر عليها المتمردون، فى حين وقعت بعض أحياء طرابلس -المدينة التى تمثل العمود الفقرى للنظام - فى أيدى المتظاهرين. لكن الصحيفة أكدت أن بإمكان هذه القبائل أن تكون أكثر تأثيرا فى حركة الاحتجاجات من خلال لعب دور محورى فى زيادة أعداد المتمردين، وهى فى حاجة إلى السلاح وإلى الدعم المنظم، وبذلك ستصبح مكانا مناسبا يستغله المجتمع الدولى فى تسليح المعارضة والبدء فى مهماته ضد نظام القذافى. كما أكدت الصحيفة أن زيادة الدعم المقدم لهذه القبائل سوف يعجل من سقوط النظام من خلال إقناع القبائل الأخرى غير المؤثرة أو التى لم تحسم أمرها بعد فى دعم الاحتجاجات والانقلاب على نظام القذافى، ومن خلال دعم صفوف المعارضة. وأضافت إن الليبيين يواجهون إمكانية نشوب نزاع يمكن أن يؤدى إلى تدمير البناء السياسى والاجتماعى والأمنى للدولة. ونتيجة لذلك فإن القبائل ستكون أفضل مكان لتوفير هيكل اجتماعى مرن ومتماسك يمكنه حشد وتحفيز الناس. واختتمت الصحيفة: إنه من أجل تحقيق استفادة كاملة وفعالة من هذه القبائل، فإن على المسئولين فى ليبيا والمجتمع الدولى القيام بإعادة تشكيل المجلس القبلى الذى يضم حتى الآن 30 قبيلة ذات فعالية وكفاءة كبيرة من خلال استراتيجية أوسع نطاقا لمكافحة القذافى ونظامه. وأيضا فى عملية إعمار ليبيا فى مرحلة ما بعد القذافى. وهذه المبادرة سوف ترسل رسالة ذات مصداقية للقبائل الموالية للنظام ومخاوفها بشأن مكانتها السياسية والاقتصادية بعد سقوط النظام الليبى. وسوف تقنع الأنظمة الأخرى الموالية للقذافى أن ليبيا تتحرك بدونه.