فى ظل الملل الذى يعانى منه الكثيرون ومع اتصال الهواتف بشكل دائم بشبكة الإنترنت كانت الهواتف المحمولة هى المنفذ الوحيد لقضاء الوقت، لكن اللافت للانتباه أن العزلة المنزلية التى فرضها فيروس كورونا على العالم كانت سببًا فى زيادة الإقبال بنسبة كبيرة على تطبيقات بعينها، أغلبها يمكن تصنيفه تحت اسم «تطبيقات الدعارة الإلكترونية»، بينما اتجه بعض الشباب لاستخدام تطبيقات للمواعدة بحثًا عن شريك وأملًا فى ملء الفراغ العاطفى. فى السطور التالية نحقق من داخل تلك التطبيقات التى أثارت الجدل خاصة بعد الفيديو الذى نشرته «حنين حسام» الطالبة بجامعة القاهرة، تناشد فيه الفتيات للانضمام لمنصتها لكسب المزيد من الأموال من المنزل، وتم تحويل الطالبة بسبب ذلك الفيديو إلى التحقيق الأسبوع الماضى لاتهامها بالتحريض على الفجور.. ما أثار جدلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعى بين مؤيد ومعارض.
عند زيارتك لأحد هذه التطبيقات، ستشعر كأنك داخل أحد مولات التسوق، فمن «نودى الفرفوشة» إلى «سماح كوباية»، ستجد نفسك أمام مئات الفتيات تختار من بينهن من تعجبك مظهرها وتظهر لك أنوثتها، فهى لا ترى سوى التارجت الذى يملأ حسابها بالدولارات نهاية كل شهر.
فالمهمة تكمن فى تكوين الصداقات والتفاعل مع المتابعين، فالتمايل مع الأغانى ليس عيبًا، وتقديم عرض أزياء لايف ليس حرامًا، حتى إن هناك إحدى الأمهات التى تجاهلت صراخ طفلها أثناء محادثتها مع الشباب، وفتيات بملابس غير لائقة يتواصلن مع شباب من مختلف الأعمار والجنسيات، حتى اعترف لنا أحد وكلاء الفتيات بأن تلك التطبيقات تستخدم أبوابًا خلفية للدعارة الإلكترونية.
وقد لاقت هذه التطبيقات رواجًا كبيرًا، بعد استقطاب مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك للفتيات، فهناك bigo live ، mico live ، meme live وغيرها الكثير من التطبيقات التى تتشابه فى محتواها وقواعد التعامل بها، lk oghg نظامين للعمل إما لايف فيديو أو لايف صوتى، ولكل منهما سعر خاص فالدولارات تحسب بعدد «البينزات» التى تحصل عليها الفتاة هدية من متابعيها أثناء البث، وتبدأ المرتبات من 80 دولارًا مقابل 10 آلاف بنز، وتصل إلى 6800 دولار مقابل مليون و300 ألف بنز شهريًا.
ورغم هذه الرواتب الكبيرة، فهناك فتيات لم يرضهن ذلك فأردن تحقيق المزيد، واتجهن لاستخدام تلك التطبيقات لاصطياد الأثرياء من المتابعين، فالدعارة إلكترونيًا للأجانب ب100 دولار، والمقابلة للمصريين تتم وفقًا للاتفاق.
وكيل بيجو لايف: «البنات بتصطاد الرجالة من التطبيق»
فادى، أحد وكلاء تطبيق بيجو لايف، يقول « حنين حسام كانت بتشتغل معانا فى بيجو لايف من فترة، وحصلت مشكلة بينها وبين وكيلها فطلعت أساءت للتطبيق علشان تئذى الوكيل، إزاى بتهاجمنا وهى كانت مننا».
ويضيف: «احنا ممثلين بيجو فى مصر، ولما بنحتاج بنات بنطلب عن طريق السوشيال ميديا، وبيقدم بنات كتير جدًا، بنطلب بياناتهم وبنعمل لهم إنترفيو أونلاين، بنشوف من خلاله جودة الكاميرا وسرعة النت وطبعًا إن البنت تكون واجهة، واللى بنختارهم بيبدأوا الشغل من البيت، وأحيانًا فى بنات بتشتغل من مقر شركتنا فى غرف مجهزة، والبنات بقى لهم الأولوية فى الشغل لأن الإدارة تطلب منى مقابل كل شاب؛ 8 بنات، وأنا كوكيل مرتبى أتحصل عليه مما تحققه البنات».
وتابع فادى: «فى بنات لهم الأولوية فى الاختيار، إللى متعودين يفتحوا لايف فى حياتهم لأصحابهم علشان يستمتعوا، بقولهم معايا هتقبضوا بالدولار، وطبعًا فى اللى بيستخدم تطبيقات اللايف طريقًا للدعارة.. وتطبيق بيجو فى ناس كتير وحشة وناس كويسة، أى بنت معايا بمنعها من الدعارة الإلكترونية، لكن فى بنات ممكن تصطاد رجالة من ورانا بس بيتفضحوا».
دعارة أونلاين
على الجانب الآخر تقول أميرة 25 سنة: اتخرجت من كلية الإعلام وكنت بدور على شغل، فوجدت إعلانًا لطلب مذيعات من البيت مقابل 200 دولار شهريًا، وقد يصل ل 3000 وفقًا لعدد الساعات التى سأحققها، ذهبت إلى مقر الشركة بمدينة نصر وأبلغونى بأن المطلوب الاهتمام بالمظهر، والرد على من يريد التعرف علىَّ وتكوين الصداقات.
وبعد أن قام الوكيل بعمل إنترفيو أونلاين لأكثر من فتاة، ويختار من بينهن وفقًا لمواصفات الجمال والدلع.. تقول: «وبدأت عملى ولكنى تفاجأت عندما تصديت لشباب خليجيين أساءوا الأدب، بأن الوكيل بيقوللى مشّى حالك دول فلوسهم كتير، فتركت العمل فورًا بعدما اكتشفت أنه أشبه بشقة دعارة أونلاين، ونصيحتى لكل أم خلى بالك من بناتك وتابعيهم حتى لو فى البيت».
وتقول مادونا، 22 سنة، فتاة تنتظر دورها فى الانضمام بعدما وجدت أحد وكلاء الشهرة والمال: «مفيش شغل دلوقتى وإللى كان بيشتغل قعد فى البيت، ده شغل مذيعة من البيت وبفلوس كويسة، قالولى هبدأ ب 80 دولار وهيزيدوا حسب شغلى وتارجت الهدايا والبينزات إلى هحصل عليهم من متابعيني، وهستلم فلوسى عن طريق البريد».
وأضافت: «سمعت كلام كتير عن تطبيقات اللايف واترددت أقدم، بس كل مكان فيه الكويس والوحش، أنا هعمل لايف محترم وإلى مش هيلاقى عندى إلى بيدور عليه، هيروح لواحدة تانية وهيلاقي، كله موجود».
عرض أزياء لايف
وأثناء متابعة ما يدور بتطبيقات اللايف المشبوهة، وداخل صفحة «بنت الأكابر»، حيث تقوم صاحبة القناة بعرض أزياء لايف لشابين خليجيين يصيحون بلهجتهم الخليجية: «الله الله الله هى دى أم الدنيا»، وتقف الفتاة لتريهم جسدها وتعرض بضاعتها الرديئة.
آمنة نصير: انهيار أخلاقى
ومن جانبها، قالت الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب: إن هناك انهيارًا أخلاقيًا وفسادًا مجتمعيًا قد أصاب المجتمع المصرى، فى شريحة الشباب من الجنسين، وأننا أصبنا بجنون السوشيال ميديا الذى غرقنا فيه، حتى صار كارثة هذا العصر لإساءة استخدامه، مشيرة إلى أنه أمر لا يحتاج لتشريعات، فالبرلمان لن يحكم الناس فى بيوتهم وضمائرهم.
وأضافت أنه ليس بإمكان أى مؤسسة بالدولة ومن ضمنها مجلس النواب، مواجهة حالة الانفلات الأخلاقي، وأن الأسرة هى الحاكمة للبيوت، والقادرة على إعادة غرس موروثنا الأخلاقى ومناهجنا التربوية فى نفوس أبنائنا من جديد.
وتابعت: ظننت أن درس فيروس كورونا الذى اجتاح دول العالم وراح ضحيته الآلاف، سيردع الناس ويفيقون من ضياعهم، ولكن للأسف ما زال الكثير يعيش فى تيه الشيطان، واللهاث خلف المال.
تطبيقات المواعدة
وعلى الجانب الآخر ومع انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، زادت الرغبة لدى الكثير من الشباب فى الارتباط العاطفى والضرورة الملحة لوجود شريك الحياة، ولكن ظلت الإجراءات المتبعة من حظر وعزل صحى عائقًا أمام الأمر، ما دفع نسبة كبيرة منهم للبحث بشغف عن تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت، والتى ساعدت بشكل أو بآخر فى زيادة عدد المرتبطين فى كثير من دول العالم، من أبرز هذه التطبيقات «تيندر»، «أوكيبايد»، «هينج»، «ماتش»، «بلينتى أوف فيش» وغيرها. وبالتواصل مع عدد من الشباب ممن استخدموا هذه التطبيقات للمرة الأولى فى الأيام الماضية، للحديث عن أسباب الإقبال وما إذا كانت تُحقق الهدف منها أم لا، تقول نرمين 26 عامًا مهندسة، من أبناء محافظة الإسكندرية: «الشعور بأن العالم قد ينتهى وأنى مازلت -سنجل- جعلنى أفكر مرة أخرى فى الارتباط وأنه لابد من وجود أحد بجانبك حتى يهون من الأمر، ويمكن القول أن الرغبة فى الزواج زادت عن قبل، فقررت استخدام تطبيق (تندر) للمواعدة».
لم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة ل غادة، من محافظة القاهرة 32 عامًا تقول: «قمت بالبحث الجيد عن كل التطبيقات لاختيار الأفضل بينها والأفضل بالنسبة لى هو التطبيق الذى ينشط من خلاله نسبة كبيرة من السياح، لكسر حواجز مختلفة لدى لأنى لا أؤمن بالمواعدة من رجل مصرى عبر تطبيق، ففى أفضل الظروف سيتعامل معى على أنى نزوة ستزول مع انتهاء الحظر».
بعد زيادة الإقبال على تطبيقات المواعدة أرسل تطبيق كيوبيد تنبيهًا لكل مستخدميه يطرح عليهم سؤالا:ً «هل يؤثر فيروس كورونا على مواعيدك الغرامية؟»، وذلك بعد ملاحظة الإقبال بزيادة 262 بالمائة من الملفات الشخصية الجديدة المقبلة على استخدام التطبيق. أحد مستخدمى الموقع مصطفى 30 عامًا مندوب مبيعات يقول: «وجدت أن التطبيق هو حل مناسب للتعارف على نساء، أقبلت على الأمر بهدف الارتباط الجاد، لكن التجربة كانت سيئة، فالجميع يضع أفضل صور شخصية ووصف مختصر عن ذاته، وعندما يحدث التواصل بالفعل تجد الأمر سطحيًا ومعقدًا، كما أن الخوف يسيطر على المستخدمين جميعًا.
الحاجة المادية والملل هى السبب
الدكتورة بسمة سليم، إخصائى الصحة النفسية وتعديل السلوك قالت: «الاتجاه العام نحو هذه التطبيقات يمكن تصنيفه من عدة جهات أهمها الحالة الاقتصادية، فنحن دولة تعانى من بعض الأزمات الاقتصادية ولا يمكن أن نقول إن الوضع الاقتصادى مستقر بأى شكل كان، وبالتالى الفترات الماضية كانت هذه الظروف تدفع الشباب إلى الشغل والذى بطبيعة الأمر يستحوذ على كامل وقتهم ومجهودهم، ولكن فى ظل الأزمة الحالية ومع الرعب من انتشار الفيروس أصبح إلزام المنزل إجباريًا على الجميع، وبالتالى لم يعد الشغل هو المسيطر الوحيد عليهم».
وأشارت إلى أن هذا الارتباط عبر تطبيقات المواعدة فى أغلب الحالات سيكون نابعًا عن مشاعر غير حقيقية، والأطراف المستخدمة أو المشاركة فى العلاقة لا تعرف شيئًا فعليًا عن بعضها البعض، وبالتالى ستولد سلبيات فقط، لكنها فترة مؤقتة، لذلك لا ننصح بالانسياق وراء هذا النوع من العلاقات الناتج عن اضطراب حقيقى فى المشاعر والاحتياج النفسى.