مع إعلان وزارة الصحة والسكان أمس الأول اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) لمواطن مصرى، واكتشاف 12 حالة أخرى أمس الجمعة، بدأت مرحلة الجد فى التعامل مع الخطر الذى انتقل من دائرة المحتمل إلى الواقع وهو ما يتطلب مستوى جديدًا من التعاطى مع الأزمة على كافة الأصعدة الرسمية والشعبية. الحالة المكتشفة يوم الخميس كانت لمواطن مصرى يبلغ من العمر 44 عامًا عائد من دولة صربيا مرورًا بفرنسا «ترانزيت» لمدة 12 ساعة، وفور عودته لمصر لم تظهر عليه أى أعراض وبعد أيام قليلة بدأت تظهر عليه أعراض بسيطة، فتوجه إلى المستشفى حيث تم إجراء التحاليل المعملية له، التى جاءت إيجابية وتم نقله الآن إلى مستشفى العزل المخصص لتلقى الرعاية الطبية اللازمة كما تم اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الوقائية للحالة وللمخالطين لها وعمل الفحوصات اللازمة.
حالة الخميس هى الحالة الثالثة الإيجابية فى مصر لفيروس كورونا المستجد، الأولى لشخص أجنبى كان حاملًا للفيروس، وتم إجراء تحليل ال«pcr» له عدة مرات متتالية آخرها بعد قضائه 14 يومًا داخل الحجر الصحى، وجاءت نتيجة التحليل سلبية فى كل مرة، وغادر الحجر الصحى، والحالة الثانية لشخص أجنبى تم الإعلان عنها يوم الأحد الماضى، وتم عزله على الفور بمستشفى العزل المخصص، وهو يتلقى الرعاية الطبية، وحالته مستقرة وجميع فحوصاته تؤكد تحسن حالته الصحية. تساؤلات كثيرة أثيرت مؤخرًا حول مدى جاهزية المستشفيات الحكومية للتعامل مع أية إصابات لفيروس كورونا، وبشكل خاص مستشفيات الحميات التى يقع على عاتقها مسئولية استقبال الحالات المشتبه بها، لتصبح المستكشف الأول لحالات الإصابة، حيث يليها فى الإجراءات الحجر الصحى الذى يتم عزل حالات الإصابة فيه بشكل كامل والموجود بمستشفى النجيلة بمطروح. حاولت «روزاليوسف» من خلال هذا التحقيق نقل واقع المستشفيات الحكومية وبشكل خاص الحميات فى ظل الظروف الراهنة والتى رفعت فيها منظمة الصحة العالمية درجة الاستعداد، والإعلان عن أنها الجهة المختصة للتعامل مع فيروس كورونا، فبعكس حالة الذعر والارتباك الموجودة بالشارع هناك حالة من الهدوء بين الأطباء داخل المستشفيات. طبيب «حميات إمبابة»: وقت ما يظهر عليك الأعراض تعالى بدأنا بمستشفى حميات إمبابة الذي كان مجلس الوزراء قد أعلن يوم الثلاثاء الماضى دخول 5 حالات لأجانب مشتبه فى إصابتهم بفيروس كورونا إليه وعقب إجراء التحاليل المعملية لهم جاءت جميع النتائج سلبية. وصلنا إلى قسم الاستقبال وحجزنا تذكرتين وأرشدنا أحد العاملين إلى غرفة صغيرة مدون على بابها «قياس الحرارة» تجلس بداخلها إحدى الممرضات، توجهنا إليها فقاست الحرارة لكل منا وكانت درجة حرارة إحدانا 37.5 والأخرى 37، وبعد ذلك توجهنا إلى غرفة الكشف بانتظار دورنا. عشرات الأهالى والمرضى يفترشون الأرض أمام غرفة صغيرة بها سريران، يجلس إلى جانب كل سرير منهما طبيب وطبيبة، يجريان الكشف على المريض، توجهت كل منا إلى طبيب، فقالت الأولى للطبيب الذى كان يجلس واضعًا الكمامة أعلى وجهه، أنها تعانى من بعض الخمول وشعور بإرهاق واحتقان فقام بفحص حلقها، وقال لها إنها تعانى من احتقان بالزور، فأفصحت له أن لديها شكًا فى إمكانية انتقال فيروس كورونا لها، خاصة وأنها تعمل فى مجال السياحة وخلال الفترة الماضية اختلطت بسائحين من دول مختلفة، لتجده يتراجع برأسه إلى الخلف وتظهر على وجهه علامات من القلق، ليقول لها متسائلًا «خايفة يكون كورونا؟»، وبعد أن سألته عن الإجراءات التى يجب أن تتبعها وجهها إلى غرفة الأخصائية قائلًا: «اطمئنى دور برد عادى». توجهنا إلى غرفة الأخصائية التى تمتلئ جدرانها بملصقات إرشادية للمرضى حول طرق الوقاية من كورونا، وللأطباء حول طريقة التعامل مع الحالات المشتبه بها كإبلاغ فريق مكافحة العدوى عند دخول أى حالة اشتباه، وأرقام هواتف الأطباء فى هذا الفريق، إضافة إلى تعريف لحالة الإصابة المشتبهة أو المؤكدة. انتظرنا أكثر من نصف ساعة طبيبة تدعى «أمانى» فقال بعض زملائها أنها تتناول وجبة الإفطار، ولكن بعد مرور الوقت وانتظار أكثر من مريض لها تكدس العدد بالغرفة، حتى جاء طبيب آخر بدلًا منها ليجرى الكشف، قائلا «إيه اللى تاعبك» لترد إحدانا إننا نحتاج أن نطمئن بعدم تعرض الأخرى للإصابة بعد أن تعاملت مع أجانب من بينهم صينيون، فبحسب الإرشادات الملصقة على الحائط الحالة المشتبهة اختلطت بأشخاص من دول مصابة، ونحتاج إلى طريقة للوقاية حتى لا نكون عرضة لانتقال الفيروس. فاجأنا رد الطبيب الذى بدأه ب «مفيش وقاية»، مستكملًا بطريقة بها ترهيب شديد أنه إذا كان لدينا شك سيتم حجزنا حتى يتم حسم ذلك الشك أو يتم إرسالنا إلى الحجر الصحى فى مرسى مطروح، مستكملًا بسؤال إحدانا «عندك أعراض برد»، لتجيبه بنعم وأن حرارتها مرتفعة عن الطبيعى فى تلك الأيام. وتابع الطبيب الذى كان يرد باستعجال شديد لإنهاء الكشف، حيث كان متذمرًا من إجرائه بدلًا من زميلته «أمانى» التى ما زالت مختفية، بأنه لا يمكن أن يجرى تحليل معملى إلا إذا كانت هناك أعراض برد وكحة، لينهى الكشف قائلًا: «وقت ما يظهر عليكى الأعراض تعالى». طبيب بوحدة الفيروسات: لم نتخذ إجراءات مع حالات اشتباه انتقلنا إلى المبنى الخاص بوحدة الفيروسات PCR، طلبنا من إحدى العاملات فى غرفة التحليلات الفيروسية، أطلاعنا على الإجراءات التى لا بد أن نقوم بها حال وجود اشتباه للإصابة بكورونا، فكان ردها الذى يشبه الطرد من الغرفة: «روحوا لمدير الاستقبال.. احنا فيروسات ملناش دعوة بيه». قابلنا خارج مكتبها أحد الأطباء، سألناه نفس السؤال لنطلب منه أن يوضح الإجراءات، فقال: «مفيش أى إجراءات هتتاخد إلا لما تكونى تعبانة وسخنة يعنى داخلة المستشفى مريضة ومصابة بالفيروس بالفعل»، لافتًا إلى أنه لم تجرى أى تحاليل سوى فى هذه الحالة، مختتمًا بسخرية: «حاسة إنك شاكة ادخلى الاستقبال قولى شكواكى محدش هيعملك حاجة». الهدوء يسود حميات العباسية توجهنا إلى مستشفى حميات العباسية الذي كان يسوده الهدوء، ولكن لاحظنا حرصا شديدا من الجميع أطباء أو عاملين على ارتداء الكمامات، إضافة إلى أن بعض المرضى يرتدونها أيضًا.. دخلنا إلى حجرة الطبيب المختص بإجراء الكشف أظهرنا له تخوفنا الشديد من أن يكون الفيروس انتقل لنا من خلال تعاملنا مع السائحين، لنطمئن على أنفسنا، ليجرى على إحدانا كشف قياس النبض، ويطمئنا قائلًا إنه مادام لم تظهر أى أعراض مثل أعراض الأنفلونزا فليس هناك أى داعٍ للقلق. وأكد أنه لا يمكن الحكم على شخص بأنه قد يكون فى فترة حضانة مادام لا تظهر عليه الأعراض، مشددًا بأنه لهذا السبب هناك ضرورة لاتخاذنا إجراءات احترازية كالابتعاد أثناء الحديث مع الآخرين والابتعاد على الأقل مترًا عن الشخص الذى يعانى من الكحة واستعمال ماسكات وغسل اليدين. زحام فى «مستشفى الهرم».. والطبيب يوجهنا ل «الحميات» مستشفى الهرم التخصصى كان مثار جدل فى الأيام الماضية بعد تداول أنباء حول ظهور حالة مصابة واحتجازها داخله، الأمر الذى نفاه مدير المستشفى مؤكدا أن الأمر لم يكن سوى حالة اشتباه تم اتخاذ الإجراءات الاحترازية بشأنها، تتضمن العزل واستخدام المسكنات وتحويله للحميات لكن أظهرت تحليلات الحالة سلبيتها. المستشفى أشبه بالسوق الشعبية ، طرقاتها مكدسة بالمرضى وذويهم، إضافة إلى عدد كبير من أفراد الأمن والعاملين، حيث تمكنا من الدخول من بوابة قسم الاستقبال وحجرة الكشف دون أن يستوقفنا أحد.. أصوات مرتفعة داخل حجرة الكشف ومشاجرة وصلت إلى حد الاشتباك بالأيدى أمام بابها، لا يوجد أحد مسئول نسأله عن توفر طبيب لإجراء الكشف، فالجميع منشغل وسط الزحام، حالات تأتى مع الإسعاف يتم تحويلها إلى مستشفيات أخرى، ذوى مرضى يشكون عدم وجود الطبيب المختص وانتظاره لفترات طويلة. الخط الساخن يتعامل مع حالات الإصابة فقط أعلنت وزارة الصحة تخصيص خط ساخن برقم 105 للإجابة عن استفسارات المواطنين حول فيروس كورونا المستجد وآليات الوقاية منه، أجرينا اتصالا بالرقم وذكرنا لموظف خدمة الرد أننا نختلط بجنسيات من كافة أنحاء العالم، ليرد متسائلًا: هل تعانى من أى أعراض الخاصة بفيروس كورونا، مشيرًا فى حالة اشتباه بعض أعراض «ارتفاع درجة إلى 38 أو أكثر مصحوبة بسعال، ضيق بالتنفس، والألم فى الصدرى»؟. كان الرد: «لا.. لكن فترة احتضان الفيروس 14 يوما، بمعنى ممكن أن أكون مصابة بالفيروس ولا أعلم»، فوجئنا برد الموظف الذى قال: «طيب لما تظهر عليكى أى أعراض ابقى اتصلى». الحق فى الدواء: عدم الاعتناء «جرم فى حق الصحة» يعلق الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، مؤكدًا أن الظرف الحالى بعد أن أصبح العالم مهددًا بوباء ورفعت بسببه منظمة الصحة العالمية درجة الاستعداد يستلزم من الجميع أن يتعاملوا مع الأمر على محمل الجد، فيتم التعامل مع الحالة على أعلى درجة من الرعاية الصحية. وشدد فؤاد ل«روزاليوسف» على أهمية إجراء الكشف على أى حالة والإبلاغ عنها حال تعرضها لأسباب الفيروس، كالتعامل مع أشخاص مشتبه بإصابتهم، حتى وإن لم تظهر أعراض الأنفلونزا عليهم، فقد يكونوا حاملين للمرض ويتسببون فى نقل العدوى لغيرهم وتفشى المرض، وحال وجود خطورة يتم احتجاز الحالة بالمستشفى المعني وهى الحميات التى تجرى فيها تحاليل قد تصل إلى ثلاثة فى اليوم الواحد، واصفًا مواقف بعض الأطباء بعدم الاعتناء بشكوى المواطنين بأنها جرم فى حق الصحة فى مصر.