ليس غريبا أن قوات الأمن المركزى طرف أساسى فى الأحداث الأخيرة فهى مكون رئيسى فى العديد من أحداثنا التاريخية أشهرها محاولة الانقلاب التى وصلت بينهم فى 1986، ويعانى هذا القطاع المهم للغاية من سوءات كثيرة حولته من قوة مفيدة إلى عنصر ضار وسيىء السمعة، وهناك دعاوى تتردد الآن لتقليل أعداده، وكشف مسئولون سابقون عن مدى التخبط فى التخطيط له والإجراءات اللا إنسانية التى يعيش فيها مجندو الأمن المركزى بما يبرر وحشية بعضهم أحيانا. تعداد قوات الأمن المركزى يصل لأكثر من 000,300 فرد، شكلت خصيصاً لقمع الاضطرابات المدنية، وهذه القوى مجهزة بمعدات وحافلات لمكافحة الشغب تم استخدامها بصورة مكثفة فى الأحداث الأخيرة.. وتاريخياً كانت تعانى من تدنى منزلتها وقلة تماسكها وانخفاض مستوى أفرادها وقيادة وحداتها. ومع تطور الأحداث الراهنة كان من المهم تقييم نقاط القوة والضعف لهذا القطاع «قوى الأمن المركزى» والسياسة الجديدة التى ينبغى على وزارة الداخلية اتباعها فى المرحلة القادمة، وكان فى مقدمة المطالبات تقليل عدد رجال الأمن المركزى بالإضافة إلى ضرورة اللجوء إلى توعية المجند وتثقيفه. العقيد إيهاب يوسف - خبير أمنى يرى أن نظام تشغيل هذا القطاع كان به خلل كبير من حيث تشتت جهود ومهام قطاع الأمن المركزى واستهلاكه فى عدة مواقع مثل تشريفات المسئولين ومباريات الكرة وتمركزه أمام النقابات المختلفة وغيرها . ولذلك لابد أن تكون هناك سياسة جديدة للتعامل مع هذا القطاع فى ضوء الاحتياجات وليس ردعا للشعب. ويشير يوسف إلى ضرورة خفض أعداد المجندين وتوظيفهم فى مهام أخرى كقوات مكافحة الإرهاب وفى الأماكن الحيوية والحساسة فى الدولة من أجل حماية منشآتها أو كقوات لمكافحة الشغب وتوفير حجم الإنفاق على هذا القطاع من إعاشة ومأكل ومشرب وسكن. وينتقد سياسة وزارة الداخلية خلال السنوات الماضية فى توظيف هذا القطاع ،مشيرا إلى أن المجندين لم يكونوا مؤهلين ومدربين بشكل كاف والدليل على ذلك استخدام العنف وسقوط العديد من المتظاهرين المجندين أيضا قتلى وجرحى. ومن ضمن العيوب أيضا سوء التقديرات الأمنية مما أدى إلى إهدار طاقة هذا القطاع بسبب توظيفه بشكل عشوائى لصالح أشخاص بدلا من وضعه تحت خدمة الوطن وبث الطمأنينة بين المواطنين. ويؤكد يوسف أن هذا بمثابة فرصة طيبة لوزارة الداخلية لخلق علاقة جديدة بين الشرطة والشعب من خلال إعادة النظر فى سياستها. فى الوقت نفسه يشير اللواء نشأت الهلالى مدير أكاديمية الشرطة سابقا إلى أهمية وجود دورات توعية مكثفة لهذا القطاع تتضمن كورسات مكثفة لحسن التعامل مع المواطنين واحترام حقهم فى التظاهر، بالإضافة إلى ضرورة عقد لقاءات معهم بواسطة القيادات لسماع لمشاكلهم والتجاوب معهم. من ناحية أخرى لابد أن يعى الجميع بمن فيهم قيادات وزارة الداخلية أن وزارتهم خدمية تؤدى خدمات للمواطنين وليست قمعية تهدف لقمعهم، بالإضافة إلى ذلك ينبغى إعداد المجندين نفسيا ودعمهم اجتماعيا وترشيد ساعات عملهم. بينما يؤكد اللواء مجدى البسيونى مساعد وزير الداخلية السابق على أن قطاع الأمن المركزى لاغنى عنه، ويذكر أن تمرد قوات الأمن المركزى فى عام 1986 أدى إلى إقالة وزير الداخلية وقتها أحمد رشدى وتولية زكى بدر وتقليص عدد قوات الأمن المركزى ونقل معسكراتهم إلى خارج المدن. ويشرح البسيونى أن تركيبة هذا القطاع من الجنود العادة أى غير المتعلمين يتم انتقاؤهم من وسط جميع فئات الشعب الموجب عليهم التجنيد بحيث يكونون الأقوى بنية والأقل تعليما والأبعد عن المدنية. ويعامل المجند منذ انتقائه فى المعسكر معاملة فى غاية السوء مثل المنع من الطعام والشراب والسب واللعن والتعرض لظروف بيئية لا إنسانية مثل السكن عشرين فردا فى خيمة واحدة و تقاضى بضعة جنيهات قليلة شهريا وأحيانا الضرب بالأحذية والهراوات من قبل الضباط بغرض الوصول إلى تنفيذ كل ما يوكل إلى هؤلاء الجنود من مهام منها حراسة الفنادق والمطاعم والسفارات ومباريات كرة القدم وقمع المظاهرات وخاصة الجامعية منها. ولعلنا بعد أن أدركنا البيئة التى يعيش فيها هؤلاء الجنود وخلفيتهم المعيشية والتعليمية فإننا ندرك أنه بالإضافة إلى مدة التجنيد فإن ذلك يدفعهم إلى التمرد بأقصى درجاته، بالإضافة إلى استخدام العنف حين يخرجون فى سياراتهم الشبيهة بالأقفاص لتأمين موكب مسئول ما والانتشار على الطرق. كل ذلك يجعلنا نطالب بتحسين ظروف الجنود ثم تقليل عدد قوات الأمن المركزى إلى النصف تقريبا ونقل ثكناتهم إلى قلب الصحراء وأطراف المدن. وعن تاريخ وتطور مهام هذا القطاع يقول البسيونى : إنه أنشئ فى الستينيات وكانت مهمته هى الاستعانة به فى وقت الشدة، لكن للأسف - على حد وصفه - تشعبت أعماله ومهامه لتصبح أماكن تمركزه فى كل مكان بسوء تخطيط. وعن الأسلحة المفترض استخدامها يقول : تتدرج حسب الموقف من العصيان ثم الدروع والمياه إلى القنابل المسيلة للدموع، ويقترح البسيونى بعض الحلول للتعامل مع هذا القطاع منها الحد من تواجده فى الشارع وأن يعود إلى مكان عليه بأن تحدد اختصاصاته بعد تقليل أعداده على أن يتم الاعتناء بوسائل المعيشة. لكنه فى نفس الوقت يدعو إلى عدم تفتيت هذا القطاع بتوزيعه على مديريات الأمن فى المحافظات المختلفة لأن بقاءه فى قطاع واحد يكسبه قوة من أجل توظيفه لصالح الوطن وليس لحماية مجموعة من الأفراد. من جانب آخر يرى اللواء رفعت عبدالحميد الخبير الجنائى أن سياسة قيادات وزارة الداخلية فى التعامل مع الأمن المركزى اتسمت بالعشوائية وعدم التخطيط مما اأظهر ضعفا وخللا شديدين تمثل فى انسحاب هؤلاء المجندين وسوء تعاملهم مع المتظاهرين. مؤكدا ضرورة تخفيض ميزانية الأمن المركزى وتقليل العساكر وتوجيه النفقات إلى تحسين مرتبات الضباط وأفراد الأمن خاصة أن يحصل جنود الأمن المركزى على إجازات وليس كما كان يحدث بعدم الحصول على إجازات إلا لمدد قليلة وعلى فترات متباعدة، كما كانوا يتعرضون إلى تدريبات شاقة ولا إنسانية ويتعامل معهم الضباط كأنهم آلات صماء بلا مشاعر أو إرادة. ويضيف: كان من بين أساليب تدريبهم إجبارهم على الوقوف ثمانى ساعات لا يتحركون خلالها ولو لقضاء الحاجة، فضلاً عن شحنهم ضد أى مشاعر إنسانية قد تنتابهم أثناء أداء مهمتهم بتدريبهم على ضرب بعضهم البعض. فى هذا السياق والكلام على لسان عبدالحميد ينبغى أن نفهم جيداً أن الأمن المركزى هم جنود كانوا درع وزارة الداخلية الرهيب فى السنوات الماضية، لكنهم فى الأصل أبناء المعدمين والفقراء فى الريف والمدينة فلابد أن يتم إعادة تأهيلهم من جديد فى إطار سياسة جديدة تحترم حقوق المواطنين ولا تخل بالأمن فى ذات الوقت.