هو رباط مُقدس يربط بين شخصين، أساسه الحب والاحترام المتبادل بينهما؛ وهو أيضًا عقد إنسانى أساسه الإيجاب والقبول، تلك هى المعانى والمبادئ التى كان يُشار بها إلى هذا العقد الذى يربط بين جناحى الإنسانية، والذى يسمى الزواج. لكن يبدو أن هذا المفهوم لم يعد قابلاً للتطبيق فى هذا العصر الذى نعيش نحن فيه الآن، بعد أن تحولت هذه العلاقة المقدسة لشراكة بين اثنين يجب أن تقوم على الحسابات والتخطيط المسبق. وعلى هذا المنوال فقد أثارت نصوص قانون التأمين الموحد الذى أوشكت هيئة الرقابة المالية على إصداره، بشأن وثائق التأمين الإجبارى ضد الطلاق، والذى يقضى بدفع الزوج أقساطًا تأمينية، تستردها الزوجة فى شكل مبلغ تعويضًا فى حال الطلاق. ومع معدلات الطلاق المرتفعة، التى يعانى منها مجتمعنا، والتى غالبًا ما تأتى نتيجة للمشاكل المادية والثقافية التى تضرب المجتمع، شكّك البعض فى جدوى هذه الوثائق الإجبارية، فى حفظ حقوق النساء المادية، وحدها من نسبة الطلاق. فيما رحب بها البعض الآخر واعتبرها وسيلة لحفظ حقوق المرأة، لا سيما التى تعانى من صرف نفقة تصرف منها على أولادها. ملامح الوثيقة تتلخص أهم شروط وبنود وثيقة التأمين ضد خطر الطلاق، وفقًا لما صدر عن الهيئة العامة للرقابة المالية، فى أن هذه الوثيقة إجبارية، وأنه بموجبها يسدد الزوج قيمتها التى تحدد وفقًا لكل حالة على شكل أقساط محددة يتم الاتفاق عليها قبل الزواج، على أن يتم صرفها للزوجة المطلقة بعد توقيتات معينة من الطلاق. وتفرض هذه الوثيقة على الزوج دفع مبلغ بشكل دورى منذ توقيع عقد الزواج، يرد إلى الزوجة فى حال الطلاق. وتهدف وثيقة الطلاق للزوجة المطلقة الحصول على إجمالى القيمة المالية التى يدفعها الزوج فى شكل أقساط تأمينية منذ توقيعه على قسيمة الزواج، على أن تكون قيمة القسط وفقًا للراتب الذى يتقاضاه شهريًا، لضمان حقوق المطلقات والتخفيف من معاناتهن المادية فى فترة قضية النفقة. ومازالت هيئة الرقابة المالية تعد دراسة عن وثيقة التأمين على الطلاق، وهناك مقترح أن يتم سداد مبلغ الوثيقة، ليكون رقمًا مقطوعًا، خلال إصدار قسيمة الزواج، إذ سيسدد الزوج قيمة الوثيقة ضمن رسوم قسيمة الزواج، وهذا ليس جديدًا، إذ يسدد الزوج حاليًا رسومًا طبقا لقانون 11 لسنة 2004 الخاص بنظام تأمين الأسرة، وتذهب حصيلة تلك الرسوم لبنك ناصر الاجتماعى لصرفها للزوجة بعد طلاقها، حال عدم حصولها على نفقة. وبالنسبة لقيمة قسط وثيقة التأمين على الطلاق، ومبلغ التعويض، مازالت هيئة الرقابة المالية تعد دراسة لتحديد رسوم الاشتراك بالوثيقة ومبلغ التعويض، ولذا خاطبت الهيئة جهاز الإحصاء ووزارة التضامن الاجتماعى وجهات أخرى للحصول على بيانات عن متوسط عدد حالات الزواج والطلاق سنويًا، ومن ثم تحديد قيمة القسط ومبلغ التعويض. وينص القانون على صرف التعويض بمجرد حصول المطلقة على إشهار بالطلاق، حيث سيتم إنشاء مجمعة من شركات التأمين، تتولى المجمعة صرف التعويض للمطلقة. وتشير الهيئة إلى أن التأمين الإجبارى هدفه توفير التغطية التأمينية للفئات الأكثر احتياجًا، وفى هذه الحالة فإن المطلقة تُعانى بعد تطليقها من عدم وجود عائد يعولها، وبالتالى فإن مبلغ التعويض يُساعدها على المعيشة حتى تحصل على حكم النفقة، خاصة إذا تعذر صدور حكم النفقة. شروط ضاغطة يرى الرافضون لهذا القانون أن وثائق التأمين على الطلاق التى أعلنت عنها الهيئة العامة للرقابة المالية ستهدم مفهوم الحياة الزوجية وقدسيتها حال تم العمل بها رسميًا، كون أساس نجاح أى علاقة زوجية أن تخلو من الشروط الضاغطة، خاصة أن متطلبات الزواج فى الوقت الحالى مرتفعة للغاية، لذلك من غير المعقول أن يتم إثقال كاهل الشباب بأعباء إضافية، وهو ما يجعل وثيقة التأمين على الطلاق ستؤدى فى النهاية لتسرب مشاعر الكراهية بين الزوجين، فى علاقة يجب أن يكون أساسها الحب والوفاق. وأعلن الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، رفض هذه الوثيقة قائلاً: إن ثقافة التأمين ضد الطلاق واقعة حديثة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولهذا فإنه لا بد النظر إليها بشكل مريب والشك فى نيات من يقوم بها. وتابع: إن هذه الوثيقة تحول الزواج إلى صفقة تجارية يربح منها طرف إذا غرقت سفينة الزواج بالطرف الآخر، ولهذا لا بد من احترام العرف وثقافة المجتمع طالما لا تتعارض مع الشرع. ويرى كريمة أن هذه الوثيقة حرام شرعًا، لأنها تُخالف شرع الله، فالزوجة لديها من مستحقات شرعية كنفقة ومؤخر ومتعة متسائلا: لماذ وثيقة تأمين إذًا؟ واستنكرت إيفون مسعد، عضو المكتب التنفيذى للجبهة الوطنية لنساء مصر، طرح هذه الوثيقة واصفة إياها بالفاشلة، قائلة: «العلاقة الزوجية لابد أن تبنى على الاستقرار وليس احتمالات الطلاق، لأن علاقة الزواج علاقة سامية تبنى على الحب، لذا لا يديمها وثيقة تأمين أو ينهيها. وتابعت: إن نفس الأمر ينطبق على قائمة المنقولات، فبعد زيادة قيمتها لأرقام كبيرة لم تنجح فى منع الطلاق. ويرفض محمد صابر، وهو شاب ثلاثينى حديث الزواج، هذه الوثيقة نظرًا لأنها تزيد من الأعباء المالية على الشباب، والتى هى ثقيلة بالفعل، موضحًا أن مشكلة زيادة معدلات الطلاق غالبًا ما تنتج بسبب المشاكل المادية. حياة جديدة وعلى العكس تمامًا يرى البعض الآخر، أن وثيقة التأمين على الطلاق المقترحة لن تؤثر على الحياة الزوجية، بل ستدفع الشباب للتفكير بشكل أفضل فى الزواج والسعى لاختيار رفيق الرحلة المناسب، حتى لا تضطرهما الظروف للطلاق. قالت الدكتورة آمنة نصير عضو البرلمان وأستاذ العقيدة بجامعة الأزهر: إن هذه الوثيقة فكرتها جيدة ولا تُخالف الشرع، متوقعة أن طرح هذه الوثيقة سيساعد المرأة أن تبدأ حياة جديدة بعد الطلاق، لافتة أنها طلبت قبل ذلك بأن تحصل المرأة على ربع ثروة زوجها بعد الطلاق وهو ما عرضها لهجوم لا حصر له. وأكدت أن تلك الفكرة لن تحد من مشكلة ارتفاع معدل الطلاق، لأن هذه المشكلة تحتاج إلى تشكيل أخلاقى وإنسانى وثقافى، مشددة على ضرورة الوعى بمفهوم المسئولية الاجتماعية التى تقع على الطرفين. وأشارت إلى أن ارتفاع معدل الطلاق فى مصر يرجع للثقافة المعاصرة والانجراف مع ثقافة الآخر، قائلة: لا المرأة مقتنعة بحال زوجها ولا الزوج يسعى إلى الاستقرار. وألمحت أن قضية الطلاق كارثة اجتماعية، وأمن قومى، مطالبة بتعديل قانون الأحوال الشخصية. وأيدت تهانى محمد وهى شابة مقبلة على الزواج، إصدار وثيقة التأمين على الطلاق لحفظ حق السيدات فى المجتمع، لكن بشروط محددة حتى لا تكون سببًا فى إثارة الأزمات بين الزوجين، وعبئًا ماليًا على الشباب يؤدى إلى تفشى ظاهرة العنوسة المنتشرة أساسًا بالمجتمع. حقوق المطلقات قال الدكتور سامى نجيب الخبير التأمينى: إن الطلاق بالنسبة للمرأة يعتبر من الأخطار التى تؤدى إلى انقطاع الدخل؛ لذا فإنه من الممكن أن يدخل ضمن تأمينات العجز؛ خاصة أننا فى مجتمعاتنا نسير بمبدأ أن «الرجال قوامون على النساء». وأضاف إن حصول المرأة على نفقة تعينها على الحياة، يجب ألا يقتصر على المرأة المطلقة فقط؛ بل إن غالبية النساء لديهن الحاجة لذلك، فالمرأة التى لم تتزوج فى الغالب قد تكون أشد احتياجًا كالمرأة المعيلة؛ بالإضافة إلى أن المرأة المطلقة حديثًا التى تستثنى من معاشات الضمان الاجتماعى لديها نفس الحاجة.