قال الإمام أحمد بن حنبل منذ أكثر من ألف عام: «الكل يؤخذ منه ويُرد عليه، إلا صاحب هذا المقام، وأشار إلى قبر «النبى محمد»، ليكون ذلك دليلا إسلاميًا على رفض فكرة الكهنوت، إلا أن هناك مشروع قانون قُدم تحت قبة البرلمان، وهو تجريم إهانة الرموز، يُحصن الشخصيات، ويضع عقوبة لإهانتها ما بين الغرامة والحبس، إلا أن ذلك القانون لم يحدد معنى كلمة الإهانة ومن هم الرموز؟.وقد يصبح القانون مصيدة توجه ضد المثقفين حال تعرضهم للشخصيات التاريخية مثلما حدث فى قانون ازدراء الأديان. مشروع القانون تقدم به النائب الدكتور عُمر حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية والأوقاف و59 نائبًا آخرين، وأحاله الدكتور على عبدالعال رئيس البرلمان إلى لجنة مشتركة من لجنتى الشئون الدستورية والتشريعية والإعلام والثقافة والآثار لمناقشته. وينص القانون فى مادته الأولى على حظر التعرض بالإهانة لأى من الرموز والشخصيات التاريخية، وذلك وفقا لما يحدده مفهوم القانون واللائحة التنفيذية له، فيما فسرت المادة الثانية الرموز والشخصيات التاريخية، بأنها الواردة فى الكتب والتى تكون جزءًا من تاريخ الدولة وتشكل الوثائق الرسمية للدولة، لكنها لم تحدد الكتب التى يمكن الرجوع إليها أو المصادر الرسمية التى يمكن الرجوع إليها فى هذا الشأن. وحدد مشروع القانون عقوبة إهانة الرموز فى مادته الثالثة بأنه «يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف كل من أساء للرموز والشخصيات التاريخية، وفى حالة العودة يعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد على 7 وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه. وأعفى مشروع القانون كل من تعرض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات فى الدراسات والأبحاث العلمية، لكنه لم يحدد ماهية التقييم وكيفيته، خاصة أن لفظ إهانة واسع وفضفاض ويُمكن أن يشمل أشياءً كثيرة. النائب عُمر حمروش أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، والذى تقدم بمشروع القانون فى البرلمان قال ل«روزاليوسف» إنه ومعه النواب الذين تقدموا بالقانون مستمرون فيه ولن يسحبوه، وأنه حتى الآن لم يحدد موعد لمناقشته. وأضاف «حمروش»: إنهم لا يخشون من عدم دستورية القانون حال صدوره، استنادًا إلى القاعدة القانونية التى تقول: «لا جريمة إلا بنص»، وقانون العقوبات لم ينص على عقوبة فى الإهانة إلا فى حال إذا كانت الإهانة موجهة لرئيس الجمهورية، والقانون يختص بالشخصيات والرموز التاريخية والدينية. وعن الكتب التى تحدث عنها القانون دون تحديد قال «حمروش»: هى كتب التاريخ التى أعدها متخصصون والدراسات التاريخية المنصفة ولم يفسر كيف ومن الذى يصنفها أنها مُنصفة-، مشيرًا إلى أن القانون لا يسعى للتضييق على حرية النقد، لكنه يتصدى للنقد الهدام والذى اعتبر أن به قدرًا كبيرًا من الإهانة - على حد وصفه - وفسر الإهانة بأنها كل فعل هدفه الحط والتحقير. وأضاف «حمروش» أنه تقدم بالقانون بعد أن رأى حالة انفلات فى القنوات ضد الرموز ومنها «إهانة الشيخ الشعراوى وصلاح الدين الأيوبي»، إلا أنه رفض أن يكون القانون رد فعل على الدكتور يوسف زيدان وما أثاره فى قنوات فضائية حول «أحمد عُرابى وصلاح الدين الأيوبي»، رافضًا- فى الوقت ذاته- اعتبار القانون تقديسًا لأشخاص مستندًا فى ذلك على استثناء مشروع القانون ل«الدراسات العلمية» من العقوبات، باعتبار أن الدراسات العلمية تكون موثقة، مشيرًا إلى أن الأمر ذاته ينطبق على المقالات والآراء الشخصية، فالقانون يُلزم كاتب المعلومة بالإشارة إلى مصدرها، معتبرًا أن من ينقل معلومة ويشير إلى مصدرها برأ ساحته، مضيفًا: القانون حماية لشخصيات مصرية بارزة مثل أحمد زويل ومجدى يعقوب. الدكتور يوسف زيدان قال إن صدور قانون مثل «إهانة الرموز» يُعد كارثة على مصر، التى ستصبح أضحوكة العالم به، لأنه يعيدها إلى الخلف. ورفض «زيدان» التعليق على القانون بأنه المقصود به، وتساءل قائلا: «القانون حدد الرموز بمن وردت أسماؤهم فى الكتب، فهل هذا يعنى أن هولاكو وعبدالله بن سلول والحجاج بن يوسف الثقفى رموز؟». الدكتور خالد منتصر قال إن القانون يعرقل ثقافة التنوير، ويجب أن ننسى التقدم حال صدور هذا القانون، فالأمم لا تتقدم إلا بانتقاد رموزها، وتساءل: «كيف نحدد الرموز؟ ومن الذى يحددهم؟»، مؤكدًا أن مشروع القانون يُعتبر نوعًا من فرض الوصاية على الناس، مضيفًا: الرسول سمح للصحابة بانتقاده، ويجب أن يعلم الجميع أننا تركنا عبادة الأصنام منذ زمن. الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ المُعاصر قال إن الأزمة فى مشروع القانون أنه سيضع الباحثين تحت طائلته، حال تعرضهم لدراسة أو نقد أى شخصية أو اجتماعية لأن مواده فضفاضة، مشيرًا إلى أنه لم يجد مثل هذا القانون، إلا قانون العيب فى الذات الملكية الذى كان فى دستور 1923 مشيرًا إلى أن بديل هذا القانون هو التزام المنهج العلمى عند إجراء الأبحاث أو الدراسات وهناك تكون الدراسات موضوعية خاصة إذا نظرت إلى الظروف والحالة التى تواجدت فيها هذه الشخصيات محل الدراسة. حمدى الأسيوطى المحامى قال إن مشروع قانون إهانة الرموز عودة للخلف، فهو يُقدس الأشخاص، وينضوى تحت لواء عدة قوانين أُلغيت منها العيب فى الذات الخديوية وفى الذات الملكية وفى مسند الملكية وإهانة الرئيس، مشيرًا إلى أنه لا قداسة للأشخاص، سواء أكانت وطنية، أو سياسية، أو تاريخية، أو دينية. وأضاف: «من الممكن الطعن بعدم دستورية القانون حال صدوره لأنه لم يحدد من هم الرموز ومن الذى يحددهم؟، كما أن لفظ الإهانة فى قانون العقوبات ليس له تعريف فهو لفظ واسع ومطاط، والفعل الإجرامى يجب أن يكون محددًا، كما أن هناك نصًا فى قانون العقوبات يحمى هذه الشخصيات سواء كانت على قيد الحياة أو رحلت عن الدنيا، وهو نص المادة 308 من قانون العقوبات: «إذا تضمن العيب أو الإهانة أو القذف أو السب الذى ارتكب بإحدى الطرق المبينة فى المادة (171) طعنًا فى عرض الأفراد أو خدشًا لسمعة العائلات تكون العقوبة الحبس والغرامة معًا»، مضيفًا: “«تعجب أن يكون تحت قبة البرلمان أكثر من 98 عضوا محاميا ويمر أمامهم هذا القانون». وأضاف «الأسيوطي» إن القانون يضع حدودًا للنقد، وهذا لم يكن موجودًا قديمًا، فالشاعر التونسى بيرم التونسى قال: «النقد امتداد للنبوة»، وقانونًا يُعتبر النقد سببًا من أسباب الإباحة إذا لم يتعرض للشخص فى شخصه وإنما تعرض لأقواله وأفعاله. وأوضح «الأسيوطي» أن كل القوانين التى تأتى كرد فعل على أشياء لا تعيش، وتنتهى بمرور الوقت، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من حيثيات الأحكام التى أكدت على أنه لا يوجد شيء اسمه رموز دينية وأنه لا قداسة فى الإسلام ولا كهنوت..