الأفراح والليالى الملاح فى مصر المحروسة لا تختلف طبيعتها بين طوائف وفئات المجتمع فهناك قاسم مشترك أعظم بين أفراح المصريين مثل الرقص والغناء وموائد الطعام الكبيرة وسواء أقيمت تلك الأفراح فى حارة شعبية أو فندق 5 نجوم يظل الغناء هو الغناء، فلا تكتمل الفرحة إلا بوجود صوت عذب يشدو ويداعب أسماع المحتفلين وعذوبة الصوت يختلف الحكم عليها بحسب طبيعة وثقافة الأفراح، فأوكا وأورتيجا هما أعذب الأصوات فى المناطق الشعبية، بينما أفراح الصفوة لا تكتمل إلا بوجود عمرو دياب هضبة الغناء فى مصر ولا يختلف الحال داخل كنائس مصر فى أفراحها، فالأقباط هم مصريون حتى النخاع. ∎ الصفوة والعامة الكنيسة هى مقر أفراح الأقباط سواء كان ذلك فى الخطوبة أو الزواج (الأكليل) ولكن بين فرح وآخر يتبدل حال الكنيسة، فمن المشاهد المألوفة فى الكنيسة أن يتم عمل حفل زواج أو خطوبة متتاليين لا يفصل بينهما سوى دقائق معدودات ولكن المكان يتبدل وتتغير ملامحه بسرعة بين حفل وآخر، ولكى نستطيع أن نتفهم الفرق علينا بداية أن نعرف الحد الأدنى لتكلفة الاحتفال بخطوبة أو أكليل داخل الكنيسة، فهناك مصروفات إجبارية يجب أن يتم دفعها وهى رسوم الأكليل أو الخطوبة وتدفع فى مقر المطرانية التابع لها الكنيسة التى سوف يقام الاحتفال بها كما يجب دفع رسم ( فتح الكنيسة)، وهذا الرسم غير ثابت فهو يتوقف على طبيعة الكنيسة، فالكنائس التى تخدم الأحياء الراقية غير التى تخدم المناطق الشعبية والعشوائية وغالباً ما يكون متوسط هذا الرسم 3000 جنيه، ومن ثم يصرح لأصحاب الفرح بفتح الكنيسة، وفى الكنيسة يخير العريس فى الكماليات التى يريدها وكل منها يدفع له رسم خاص مثل الكوشة والإضاءة الكاملة للكنيسة، وما إذا كان العريس يريد تشغيل مراوح أم مكيفات هواء، وهل يريد أن تضاء أضواء الكنيسة الخارجية أم لا حتى السجادة الحمراء التى تفرش فى وسط الطرقة الرئيسية للكنيسة لها رسم أيضاً وتحظر جميع الكنائس استقدام أى مصورين سواء فيديو أو فوتوغرافيا من خارج الكنيسة، فكل كنيسة لها مركز للتصوير خاص بها وغالبا لا يشعر أحد بأفراح البسطاء نظراً لبساطتها أما الصفوة فحدث ولا حرج. ∎ قاعة أفراح فى أفراح الصفوة تتحول الكنيسة فجأة إلى قاعة أفراح فالعريس يقوم بدفع كل الرسوم الإجبارية والاختيارية للكنيسة مضاعفة على أن يتم تسليم الكنيسة إلى متعهد أفراح يحيلها خلال ساعات قليلة إلى قاعة أفراح تضاهى فنادق ال5 نجوم، فيتم عمل كوشة ضخمة تخفى هيكل الكنيسة ويتم تزيينها بأفخر وأغلى أنواع الزهور الطبيعية ويتم تزيين الكنيسة نفسها بالديكورات المصنوعة من الحرير الأبيض الذى أعد خصيصاً لهذا الغرض، وتضاء الكنيسة كلها من الخارج والداخل بالليزر وتكتسى أرضيات الكنيسة بالسجاد الفاخر ويتم الاستعانة بوحدة تصوير خارجى من إحدى شركات الإنتاج الفنى يقوم عليها مخرج محترف وتصبح الكنيسة على استعداد لاستقبال الصفوة الذين سوف يشاركون فى الاحتفال بزواج أو خطوبة أحدهم. ∎ أبونا النبطشى الأب الكاهن الذى سوف يتولى إقامة الشعائر والمراسم هو أهم ما يميز أفراح الصفوة فالكهنة ليسوا كلهم أصحاب مقام اجتماعى متساو، وفى تلك الأفراح نجد أعداداً غفيرة من الكهنة أصحاب الأسماء الرنانة فى الكنيسة، إضافة إلى حضور العديد من الأساقفة والذين يحرصون على التقاط الصور مع العروسين بعكس أفراح البسطاء والتى غالبا ما يعقدها «الكاهن النبطشى» منفردا، وهذا الكاهن هو الذى يعهد إليه بتسيير أمور الكنيسة بحسب جدول يومى يتغير فيه الكاهن ويكون غالبا من الكهنة صغار السن برتبة «قس» أما القمامصة فلا تفرض عليهم «نبطشيات» فى الكنيسة. ∎ الهضبة على الرغم من كل مظاهر الفخامة التى أشرنا إليها إلا أن الفرح داخل الكنيسة لا يستقيم إلا بوجود مرتل صاحب صوت قوى وعذب وكبير المرتلين فى كل كنيسة يعرف ب(المعلم)، فالفرح الذى يحييه معلم الكنيسة هو فرح مميز فما بالنا لو رتل فى الفرح كبير معلمين الكنيسة وأعذبهم صوتاً وأرفعهم مقاماً إنه المعلم إبراهيم عياد الملقب بهضبة مرتلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وعياد هو خريج معهد «ديدموس» الذى يتخرج منه كل مرتلى الكنيسة وأكمل دراسته فى الكلية الأكليريكية، ونظراً لدقته فى الترتيل وعذوبة صوته اختاره البابا شنودة ليكون المرتل الخاص به، ومن بعده البابا تواضروس، وهو ما أكسبه صيتاً كبيراً وسط الأقباط، وإبراهيم عياد لا يحضر إلا أفراح الصفوة فالبسطاء لا طاقة لهم بمصروفات انتقاله وتكلفته. ∎ على العريس عند الاتفاق بين أهل العروسين على تقاسم تكاليف الزواج وتحديد ما سيتكلفه العريس وما ستتكلفه العروس يتم الاتفاق على من يتحمل تكلفة إحضار المعلم إبراهيم عياد، وغالبا ما يكون الهضبة على العريس ومن المعروف أنه يتم الاتفاق مع الهضبة بإحضاره بسيارة خاصة والعودة بها وحجز جناح له فى فندق 5 نجوم والاتفاق على التكلفة المطلوبة، فهو نجم النجوم الذى لا يكتمل الفرح بدونه ويتم الاتفاق على إذا ما كان سيرتل فقط أم سيرتل ويلقى كلمة. والهضبة لا يقتصر حضوره على أفراح الصفوة فقط ولكن هو دائم الحضور فى كل المناسبات الكنسية الخاصة بهم من جنازات وطقوس معمودية وغيرها. ∎ التوريث لم يكتف إبراهيم عياد بما ناله من سيط وشهرة ولكنه سعى أيضاً إلى توريث نجله ليصبح هضبة الكنيسة القادمة، فالمهندس أنطون إبراهيم عياد هو نجل الهضبة والذى ورث منه عذوبة الصوت، ومنذ نعومة أظافره أراد له والده أن يخلفه فى عمله، فقام على تحفيظه كل ألحان وترانيم الكنيسة ودفع به ضمن مجموعة الشمامسة الخاصة بالترنيم مع البابا، وبالتوازى أكمل أنطون دراسته العلمية وحصل على بكالوريوس الهندسة والتحق بالكلية الأكليريكية وعهد إليه بمعهد مرقس للدراسات القبطية، وعجيب الأمر هنا أن الهضبة ونجله قد عرض عليهما الكهنوت إلا أنهما رفضا ذلك وفضلا أن يظلا هكذا مرنمين ومعلمين.∎