عماد حسين: المواطن يريد أن يرى انتعاشة في المجال الاقتصادي والسياسي    تصدى لتصاريح مزاولة المهنة.. طارق سعدة مرشح محتمل لتولي "الوطنية للإعلام"    وزير الزراعة يبحث وقيادات التعاونى الزراعى تعميق دور الجمعيات لدعم الفلاح    «حياة كريمة» تطلق مبادرة «أنت الحياة» في القنطرة بالإسماعيلية (صور)    وزير التموين: توجيه رئاسي بضبط الأسعار وتقديم الخدمات بطريقة مبتكرة للمواطنين (فيديو)    "حماس" تنفي "اعتقال أحد عناصرها بتهمة التعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية"    اندية عالمية وعربية ينعون احمد رفعت عبر عبر حسابات الرسمية    عاجل.. محامي سفاح التجمع يتنحي عن الدفاع عنه لهذا السبب    بدء التحقيق مع بطلة فيدية الغش الجماعي في امتحان الكيمياء بالدقهلية    حماقي يتألق في بورسعيد بحفل استثنائي وأضخم "وايت بارتي"    بهذه الطريقة.. نجوم الفن يودعون اللاعب أحمد رفعت    أيام الصيام في شهر محرم 2024.. تبدأ غدا وأشهرها عاشوراء    استشاري مشروع حديقة الأزبكية: نقل سوق الكتب إلى ساحة سنترال الأوبرا    آخر موعد لتقديم رياض أطفال الأزهر 2024-2025.. (الرابط وخطوات التسجيل)    نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس في القاهرة والمحافظات بالخطوات    مسؤول سابق بجيش الاحتلال: إسرائيل فقدت الثقة الدولية    الخشت ل«إكسترا نيوز»: جامعة القاهرة تتقدم على 30 ألف جامعة عالميا والأولى على أفريقيا    بعد نجاح فيلم السرب.. عمر عبدالحليم ينتهي من كتابة فيلم الغواصة    ميكالى للاعبي المنتخب الأولمبي: سنحارب من أجل الوصول لأبعد نقطة فى الأولمبياد    دعاء استقبال العام الهجري الجديد 1446.. أفضل الأدعية لتيسير الأمور والرزق وقضاء الحاجة    هل القهوة السبب؟.. استشاري قلب يكشف سبب وفاة أحمد رفعت (فيديو)    الكشف على 706 مواطنين في قافلة علاجية بقرية الحلفاية بحرى في قنا    «المشاط»: تطوير سياسات الاقتصاد الكلي بهدف دفع جهود التنمية وزيادة الاستثمارات في قطاعي الصحة والتعليم وتوطين الصناعة    طلب مفاجئ من ماجد سامي بعد وفاة أحمد رفعت| عاجل    دبلوماسي ألماني: وصول ثالث بطارية نظام باترويت المضاد للطائرات إلى أوكرانيا من ألمانيا    وزارة التموين: تطوير 9 مطاحن وزيادة القدرة الإنتاجية ل1970 طن دقيق يوميا    بيع القمامة بدلًا من إلقائها.. بورصة إلكترونية للمخلفات ومصانع التدوير    هل نجح الزمالك في إنهاء أزمة إيقاف القيد ..مصدر يوضح    ستارمر: الدفاع والأمن على رأس أولويات الحكومة البريطانية الجديدة    إصابة شابين بالرصاص الحي خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في شرق نابلس    أحدث ظهور ل ياسمين عبد العزيز داخل الجيم..والجمهور: "خسيتي وبقيتي قمرين"    الحوار الوطني يناقش توصيات المرحلة الأولى ويفتح ملف الحبس الاحتياطي    وفد من جامعة «كوكيشان» اليابانية يتابع الخطة التدريبية للمسعفين    انطلاق أولى حلقات الصالون الثقافي الصيفي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية    تأجيل محاكمة المتهمين باختلاس تمثال أثري من المتحف المصري الكبير ل7 أكتوبر    مصرع شخص أسفل حفرة أثناء التنقيب عن الآثار    وفاة عاملان صعقا بالكهرباء داخل مزرعة مواشى بالغربية    أجواء مميزة وطقس معتدل على شواطئ مطروح والحرارة العظمى 29 درجة.. فيديو    يورو 2024 - ناجلسمان: تعويض كروس سيكون صعبا.. وأقاوم الدموع    جهود التحالف الوطني في الدعم الاجتماعي والصحي خلال أول 6 أشهر من 2024    للاستشارات الهندسية.. بروتوكول تعاون بين جامعتي الإسكندرية والسادات- صور    عاجل | ننشر أسماء المحكوم عليهم بالإعدام شنقًا في "حرس الثورة"    بالأسماء، وزير الداخلية يأذن ل 21 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    رئيس الوزراء يوجه بالإسراع في تنفيذ مبادرة «100 مليون شجرة»    الاتحاد الأوروبي يرفض قصف وإجلاء المدنيين صباحا ويدعم الاحتلال بالأموال ليلا    لطلاب الثانوية العامة، أفضل مشروبات للتخلص من التوتر    وزير الخارجية: مصر تسعى لدعم دول الجوار الأكثر تضررًا من الأزمة السودانية    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    خبيرة فلك: ولادة قمر جديد يبشر برج السرطان بنجاحات عديدة    مصر وسوريا تشددان على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.. الرئيس السيسى يؤكد ل"الأسد" مواصلة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    ماذا يريد الحوار الوطنى من وزارة الصحة؟...توصيات الحوار الوطنى تضع الخطة    الصحة تطمئن على جودة الخدمات المقدمة بمستشفى عين شمس العام    يورو 2024| تشكيل منتخب إنجلترا المتوقع لمواجهة سويسرا    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    الداخلية الإيرانية: تقدم بزشيكان على جليلي بعد فرز أكثر من نصف الأصوات    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قليل من الزهد.. كثير من الجهل

حالة من الجهل والعجز تنتاب السينما المصرية عندما يتعلق الأمر بالدين، سواء كان الحديث عن التاريخ أو الشخصيات أو حتى فى التعبير عن أسلوب العبادة الذى يتخذه البعض وبشكل أكثر تحديداً - التصوف. الذى لم يتم التعبير عنه بشكله الصحيح والحقيقى لا فى الأعمال التى تناولته بشكل صريح ولا الأعمال التى حاولت إلقاء الضوء عليه. وفى الأغلب لا يظهر التصوف أو المتصوفون إلا فى صورة ربما لا تمت للواقع بصلة. والأعمال الفنية التى ظهرت فيها أحياناً مشاهد عن المتصوفين لم تخرج عن تصوير حلقات ذكر من خلال شخصيات تهز رءوسها يمينا ويساراً كما لو أن حالة هيستيرية انتابتها. ولم نر فى أعمال كثيرة صورة قريبة أو صادقة لشكل الحضرات أو للشخص المتصوف.

وعلى الرغم من أن الدين كان له تواجد كبير فى السينما منذ سنوات طويلة، والأعمال الدينية تنتج منذ الخمسينيات، لكن الاقتراب من التصوف والمتصوفين كان محدوداً ونادراً. وغالباً ما يأتى من خلال فنانين يكونون فى حياتهم الحقيقية متصوفين ولديهم علم وإدراك وثقافة بالمعنى الحقيقى للتصوف. وكان من بداية المحاولات التى ينتمى أصحابها للتصوف فيلم للفنان «عباس فارس» وهو «السيد البدوى» من إخراج «بهاء الدين شرف» عام ,1953 حيث قام «عباس فارس» - الفنان المتصوف - بتجسيد شخصية السيد أحمد البدوى وشاركه بطولة الفيلم «تحية كاريوكا»، «كوكا»، و«سراج منير».. وقد ارتكز الفيلم فى الأساس على محاولة أميرة العراق «فاطمة بنت برى - تحية كاريوكا» إغواء السيد البدوى ثم هدايتها على يده، واهتم الفيلم بتمثيل حياة اللهو والعبث من خلال مشاهد الرقص والعرى للتعبير على قدرة البدوى على تغيير ذلك. وهداية وإرشاد الناس لطريق الله أو المغالاة فى إظهار مشاهد تبين كرامات البدوى.. وفى محاولة مجتهدة ولكنها متعجلة لإظهار بعض من القصص والمواقف المعروفة عن البدوى يسير الفيلم. ويبدو أن هذه المحاولات جعلت الفيلم غير متماسك دراميا ومفتقدا إلى الدقة والسرد المحكم. وهذا ما أدى بدوره إلى حالة الظلام المحاطة بالفيلم الذى لم يعلم عنه الكثيرون شيئا وربما لم يره معظم المصريين.
ثم تقدم السينما المصرية فى السنوات اللاحقة لفيلم «السيد البدوى». فيلمين عن نفس الشخصية «رابعة العدوية» واحدة من أشهر الشخصيات المتصوفة فى التاريخ الإسلامى.. الفيلمان تم التحضير لهما فى نفس الوقت. وعقب موافقة رجال الأزهر على إمكانية تقديم حياة رابعة على الشاشة. الفيلم الأول هو «شهيدة الحب الإلهى» إخراج «عباس كامل» عام .1962 بطولة الممثلة اللبنانية «عايدة هلال»، «رشدى أباظة» وحسين رياض» والفيلم الثانى هو «رابعة العدوية» إخراج «نيازى مصطفى» عام .1963 بطولة «نبيلة عبيد»، عماد حمدى» و«فريد شوقى».

الفيلمان تصارعا طوال فترة تنفيذهما بداية من اختيار العنوان وحتى اختيار نفس المصدر كمرجع للسيناريو وهو كتاب «رابعة العدوية شهيدة العشق الإلهى» من تأليف «عبدالرحمن بدوى». ولكن الفيلم الأول «شهيدة الحب» اختصر إلى حد كبير النصف الأول من حياة رابعة وكان تسليط الضوء على النصف الثانى الذى زهدت به، وأيضا ابتعد عن تجسيد شخصية رابعة» على أنها بائعة هوى أو تلقى بجسدها لمن يريد، فهى ترفض أن تمنح جسدها لأى رجل وتكتفى بالغناء مضطرة لأنها جارية. وقد اختار المخرج صوت المطربة «سعاد محمد» لأداء الأغانى. بينما جاء الفيلم الثانى «رابعة العدوية» - وهو الأشهر حتى الآن - فى صورة أكثر ترفاً. فالفيلم قدرت له ميزانية ضخمة 40 ألف جنيه. وقامت «أم كلثوم» بأداء الأغانى وظهر الفيلم بالألوان. ولكن وقع الفيلم فى فخ التكثيف من إظهار النصف الأول من حياة رابعة وهو النصف الملىء بالمجون، و«رابعة» هنا تعيش حالة عشق للأمير «عصام - عماد حمدى» ولكنها تنهار بعد مقتله وتندرج فى حياة السكر وتمنح جسدها لأى رجل فى محاولة للنسيان.. فى كلا الفيلمين يظهر رجل زاهد ليهدى رابعة إلى طريق الله وتستجيب له وتذهب لتعيش منعزلة فى الصحراء وتكون أشهر المتصوفات. تعرض الفيلمان لانتقادات عنيفة بسبب نصفهما الأول الذى رآه الباحثون مليئا بالأخطاء وغير حقيقى ولا يلتزم بالواقع التاريخى .خاصة أن الدراسات التاريخية عن رابعة تؤكد أنها قد نشأت فى بيئة إسلامية صالحة، حفظت القرآن ودرست الحديث.. ورفضت الزواج وعاشت طوال حياتها عذراء لأنها انصرفت إلى التعبد والزهد.

بعد هذه الأعمال المحدودة عن المتصوفين ابتعدت السينما تماما عن تجسيد أى شخصيات متصوفة، وعلى الرغم من أن تاريخ التصوف ينتمى إليه شخصيات مثل: صلاح الدين الأيوبى والعز بن عبدالسلام فإن الفيلمين اللذين ظهرت بهما هذه الشخصيات. لم تسلط الأضواء على هذه الناحية عندهما. فى فيلمى «الناصر صلاح الدين» و «وا إسلاماه».

واستمرت السينما فى تجاهل تجسيد أى من الشخصيات الصوفية على الشاشة وذلك على الرغم من أن التاريخ يمتلئ بمثل هذه الشخصيات والبحث وراء بعضها كان من الممكن أن ينتج عنه حكايات درامية تليق بالسينما وتجذب المتفرجين خاصة بعد نجاح «رابعة العدوية».. ولكن السينما لم تتعامل بشكل جاد مع التصوف.. وقررت بعض الأفلام فقط الاكتفاء بإظهار بعض المقامات أو الأضرحة كضرورة درامية تتعلق بلجوء الفقراء والمظلومين والمغلوبين على أمرهم إلى الأولياء. ليس تصوفا منهم ولكن تظهرهم الدراما على أنهم جهلة يكتفون بالدعاء والتوسل للأولياء لتلبية مطالبهم أو إزالة الظلم عنهم ويظهر ذلك على سبيل المثال فى «الزوجة الثانية» إخراج «صلاح أبو سيف» عندما تشكو فاطمة - سعاد حسنى محنتها ويأتيها الرد من أحد المشايخ ليطمئنها. وفى «الأرض» إخراج «يوسف شاهين» عندما تدعو «وصيفة» لوالدها أو يدعو «عبد الهادى» كى تكون «وصيفة» من نصيبه وكذلك نجد مشاهد متشابهة فى «قنديل أم هاشم» إخراج «كمال عطية»، «بين القصرين» إخراج «حسن الإمام» و«الأرض الطيبة» إخراج «محمد ذو الفقار».

وفى سنوات لاحقة ومع موجة الواقعية الجديدة التى ظهرت فى الثمانينيات، يبدأ المخرجون فى إعلانهم للتمرد على مثل هذه المواقف فينتقدونها فى إفلامهم ويعتبرون أصحابها سواء الأولياء أو المريدين نماذج سيئة للدين والتدين.. ويتجلى ذلك فى أفلام «للحب قصة أخيرة» إخراج «رأفت الميهى»، «سارق الفرح» و«الكيت كات» إخراج «داود عبدالسيد».. بينما يقدم الراحل «عاطف الطيب» نموذجاً يعد هو الأهم فى التعامل مع أزمة الصراع بين العلم أو الفكر والدين من خلال فيلم «قلب الليل» عام 1989 المأخوذ عن رواية بنفس العنوان ل«نجيب محفوظ». ومن بطولة «نور الشريف» و«فريد شوقى» فى الرواية ثم الفيلم تتجسد شخصية الجد - فريد شوقى وهو شخص متصوف، متدين يقيم فى قصره أمسيات لكبار المنشدين ويأمل أن يتخذ حفيده نفس الدرب ولكن الحفيد يحاول - كما حاول الأب من قبله - الخروج عن هذا العالم واكتشاف العالم الخاص به والمنهج الذى يجمع بين الفكر الشيوعى والإسلامى معا.

وبعد سنوات من «قلب الليل» يظهر البطل المتصوف من جديد فى فيلم «ألوان السما السبعة» إخراج «سعد هنداوى» عام 2007 ومن بطولة «فاروق الفيشاوى» و«ليلى علوى».

الفيلم يحاول الذوبان فى عالم من الروحانيات التى تتجسد فى الموسيقى والتصوير ليوصل إحساس البطل الذى تتلاشى نفسه وتسمو روحه لتكاد أن تصل للسماء السبعة.

ومع ذلك تستمر السينما فى التعامل مع التصوف بنفس أسلوب مخرجى الستينيات، فالمقامات والأضرحة لا تخص إلا الفقراء والجهلة والحضرات وحلقات الذكر تصور على أنها حالات من الهيستيريا الجماعية البعيدة. أو حتى يذهب البعض دون أن يدرى ماذا يفعل أو يقول أو من يناجى. مثل «فرنسا - عبلة كامل» فى فيلم «خالتى فرنسا» إخراج «على رجب» عندما تقف أمام المقام وتلغز جارتها لتسألها «هو اسمه إيه يا أختى؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.