فارق السما والأرض بين د. (محمد العريان) الاقتصادى العالمى الذى استعان به الرئيس الأمريكى (باراك أوباما) لإنقاذ الولاياتالمتحدة من كارثتها الاقتصادية، ود. عصام العريان مساعد الرئيس مرسى ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة وزعيم الأغلبية فى الشورى الذى ورطنا فى أزمة عالمية بدعوته المتخيلة سياسيا وأمنيا بعادة اليهود المصريين من إسرائيل لمصر ! الأول (محمد) ونتجاهله فى مواجهة انهيارنا الاقتصادى، والثانى (عصام) جلاب المشاكل! هذه المقارنة المعقدة طرقتها الأحداث بإلحاح فى سياق فتحنا من جديد الملف الخاص بعقول مصر المهاجرة للخارج والمهجورة منا فى الداخل، ومن أشهر هذه الأمثلة العالمية بالطبع د. (محمد العريان) و(هانى عازر) صاحب الإبداعات الهندسية فى تكنولوجيا محطات القطارات الأوروبية ! وهو أحد الخبرات والكفاءات المصرية النادرة التى نالت اهتماما دوليا عالميا وحصدت مكانا مرموقا فى مجال المال والاقتصاد.. وبفضل خبرته العريقة تلقى محاضراته التى يلقيها فى أنحاء عديدة من دول العالم اهتماما من نخبة المجتمع والسياسيين والخبراء الاقتصاديين وأهل الصناعة. وشغل العريان الذى يعد من أبرز الخبراء الاقتصاديين فى العالم منصب الرئيس التنفيذى فى مؤسسة بيمكو الاستثمارية العالمية التى تعتبر من أكبر شركات إدارة الأصول فى العالم وتدير أصولا تزيد قيمتها على 1100 مليار دولار أمريكى، وذلك منذ عودته إليها فى يناير 2008 بعد أن عمل لمدة عامين رئيسا تنفيذيا فى وقف جامعة هارفارد الذى يتولى إدارة صندوق المنح الجامعية والحسابات التابعة لها.. وبرغم أنه لم يطل مكوثه هناك فإنه خلال سنة مالية كاملة من قيادته استطاع الصندوق أن يحقق عائدا نسبته 23 فى المائة، هو الأعلى فى تاريخ الجامعة. وعمل لمدة 15 عاما لدى صندوق النقد الدولى فى واشنطن قبل تحوله للعمل فى القطاع الخاص، حيث عمل مديرا تنفيذيا فى سالمون سميث بارنى التابعة لسيتى جروب فى لندن، وفى عام 1999 انضم إلى مؤسسة بيمكو الاستثمارية العالمية. (العريان) وسط كل ذلك مهموم بمشاكل بلده فقد تحدث إلى مجلة (فورين بوليسى) حول الوضع الاقتصادى المصرى وأكد أنه كالحصان العربى الذى ينطلق على أرض غير ممهدة ولوجهة غير مؤكدة، ولكنه مع قليل من الوضوح والثبات يمكنه أن ينطلق سريعا بتحمل وأناقة. وقال الخبير الاقتصادى المصرى العالمى أنه أبعد ما يكون عن الطمأنينة فى ظل انخفاض النمو وضعف الاستثمارات وارتفاع البطالة مما يبعث على التشاؤم فى الوقت القريب إلا أن ما يدعو للتفاؤل أن ما تواجهه مصر حتى الآن قد شهدته دول أخرى تعرضت لحركات ثورية مماثلة كما حدث أثناء انتقال جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصرى سلميا، وكما رأيناه فى دول أوروبا الوسطى والشرقية كالمجر وبولندا والتى واجهت تحديات ثورية واسعة النطاق، بل مازالت هناك دول بين جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق وإفريقيا تصارع تحولاتها الثورية. وبالمقارنة بين الوضع المصرى وغيره من الاقتصادات الأخرى فإن مصر لديها العديد من السمات التى تبعث على الأمل فى تحقيق الثورة لأهدافها من العدالة الاجتماعية. وأكد العريان فى مقاله بفورين بوليسى أن هناك خمسة أسباب على الأقل تستدعى التفاؤل الحذر بشأن الاقتصاد المصرى، يأتى على رأسها الاهتمام الموسع بين الأحزاب السياسية والحركات الثورية الشبابية بالاقتصاد، صحيح أن الاقتصاد ليس كل شىء لكنه المفتاح لتلبية التطلعات المشروعة لأكثر من 80 مليون مصرى، أما السبب الثانى فيكمن فى توافر العوامل المادية والبشرية المؤهلة للنمو الاقتصادى المرتفع. ويتمثل الثالث فى قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية بفضل السوق المحلية الواسعة وزيادة استهلاك المواد الأساسية، وفى ظل وجود سياسة ديمقراطية مستقرة تتزايد التوقعات بتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتى لن تنحصر فى رأس المال فقط بل ستتضمن أيضا نقل التكنولوجيا، واتباع نهج الإدارة الجديدة، وإمكانات هائلة للاستثمارات المشتركة مع الشركات المحلية. وتعد التحويلات النقدية للمصريين بالخارج السبب الرابع الذى يدفع للتفاؤل، فهناك الكثير من المغتربين على استعداد لدعم بلادهم من أجل تحقيق الاستقرار المالى والاقتصادى بعد أن يشهدوا مزيدا من الاستقرار السياسى وهو الأمر الذى لم يكن واردا قبل عامين من الآن. السبب الأخير فى نظر العريان وهو الأهم مما سبق أن المصريين فى عمومهم اليوم أصبح لديهم الشعور باستعادة بلدهم بعد سنوات من التهميش مما زاد من الشعور بالمسئولية والمزيد من المشاركة فى خدمة المجتمع وسائر أشكال المشاركة المدنية الأخرى فلم يعد هناك الشعور بأن عوائد الاقتصاد متجهة فقط لخدمة النخب الحاكمة والدوائر المحيطة بها. ومع كل هذه الأسباب للتفاؤل فإن التحدى الحاسم الذى يواجهه الاقتصاد المصرى يتمثل فى ضرورة تقصير الفترة الانتقالية التى تستهلك المزيد من التكاليف البشرية والمادية، ولابد من الإسراع فى وضع سياسة أكثر تماسكا لتلعب دورا حاسما فى تسريع وتعظيم الفوائد والتكاليف. وأضاف أن هناك أربع قضايا رئيسية ينبغى على الحكومة أن توليها الاهتمام وفى مقدمتها إعداد وتنفيذ رؤية وخطة اقتصادية متماسكة متوسطة الأجل ذات أهداف محددة وشفافة كما يجب وضع خطة سريعة لتحقيق الاستقرار الفورى للتقليل من خطر انزلاق مصر إلى أزمة مالية وفى الوقت نفسه ينبغى إشراك الدائنين الأجانب وفقا لشروط تتلاءم مع الاحتياجات التنموية للبلاد ,وأخيرا يتعين إعادة توجيه برنامج الدعم المكلف الذى لا يصل إلى مستحقيه. وهذا يستلزم سرعة تفكيك بعض الاحتكارات القائمة مع مجموعة من الإصلاحات الضريبية والحد من الإنفاق الحكومى. العريان ليس الوحيد الذى تحتاجه مصر الآن فهناك العديد من الكوادر الموجودة خارج مصر والتى تثبت كفاءة عالية جدا على المستوى العالمى ومنهم المهندس المصرى المقيم فى ألمانيا هانى عازر الذى قام بتطوير وإنشاء سكك حديد مدينة برلين. المهندس المصرى أصبح بطلا قوميا فى ألمانيا وحصل على أرفع الأوسمة ويشار إليه كأحد أهم مهندسى الإنشاءات فى العالم فى حين أن المصريين لا يسمعون عنه شيئا ولا يعرفونه، وتمكن المهندس المصرى من تصميم أكبر مشروع معمارى فى تاريخ ألمانيا يستوعب ألفا وستمائة قطار يوميا وهو عبارة عن محطة من سبعة طوابق وصالة كبيرة مغطاة بالزجاج من جميع الجهات. تحتوى المحطة على أحدث التقنيات فالقضبان الحديدية التى تشق المحطة المنتظرة مزودة بنظام إلكترونى خاص يجعل عبور القطارات من خلالها أكثر انسيابية. ويحول دون تصدع أو تأثر المبانى بحركة القطارات السريعة خاصة أنها تقع بالقرب من حى الوزارات والدوائر الرسمية الألمانية العليا أما القطارات التى ترد على المحطة فتزود بالطاقة من خلال كوابل نحاس دقيقة لا تراها العين المجردة بسهولة هذا بخلاف العديد من المشاريع التى يشرف عليها المهندس القبطى هانى عازر. وأعتقد أن مصر أيضا بحاجة إلى خبراته نظرا للحالة المزرية التى وصلت إليها القطارات ومحطات المترو خاصة بعد الكم الهائل من حوادث القطارات التى تسببت فى وفاة العديد من المصريين. هانى عازر ومحمد العريان مجرد مثال بسيط لآلاف من المصريين الناجحين فى أعمالهم سواء خارج مصر أو حتى داخلها فمصر فعلا (ولادة) ولكن للأسف كل هذه الخبرات تذهب للغرب على طبق من ذهب، إلا أن هذا وقتهم لإنقاذ مصر!.