اللي يعيش ياما يشوف ويسمع ويعرف وأيضا يتعلم الكثير!! ولسنوات طويلة - من أيام جدودك وجدودي - كان يقال لنا إن راحة البال نعمة، وأن البال الفاضي الذي لا تشغله هموم الدنيا يسعد صاحبه، وكنا نحسد الفلاح الذي غني له الموسيقار الرائع محمد عبدالوهاب «محلاها عيشة الفلاح متهني ومرتاح البال» بل إن واحدة من أعظم وأجمل مقالات الدكتور يوسف أدريس كانت عن «خلو البال». «البال المرتاح» كان أمنية كل بني أدم والكل يصدق ما تقوله الأغنية الشهيرة لعبدالوهاب أيضا: إنسي الدنيا وريح بالك!! لقد عشت كل عمري وأنا أصدق كل هذه المقولات والعبارات عن «راحة البال» و«خلو البال» فلا أشغل نفسي بالقضايا المستحيلة من عينة البيضة قبل الفرخة أم الفرخة قبل الدجاجة والعدالة قبل الديمقراطية أم الديمقراطية قبل العدالة والحديد قبل الأسمنت أم الأسمنت قبل الحديد والأهلي قبل الزمالك أم الزمالك قبل الأهلي والحب قبل الزواج أم الزواج قبل الحب! لم تشغلني أبدا هذه القضايا المستحيلة التي تشغل البال وتؤرقه وتجعله كئيبا مكتئبا ساخطا لا يعجبه العجب!! وفجأة اكتشف العلماء والخبراء أن ذلك كله غير صحيح بالمرة وأن البال الرايق الفاضي - المرفوع من الخدمة - شيء غير صحي بالمرة! عنوان مثير ولافت للنظر نشرته الزميلة الكبيرة «الأهرام» في صفحتها الثانية الخميس الماضي، العنوان هو البال المشغول يقاوم الاكتئاب، وتقول التفاصيل: أظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة أرشيف الطب النفسي أن مرضي الاكتئاب الذين خضعوا لعلاج إبقاء الذهن منشغلا حققوا نفس نتائج من تناولوا أدوية مضادة للاكتئاب، ومعني ذلك أن العلاج بإبقاء الذهن منشغلا يعد فعالا في حالات الاكتئاب فضلا عن دوره في الوقاية من الانتكاس والعودة للمرض. وفي سياق الدراسة الجديدة فإن العلاج بانشغال الذهن يتضمن التأمل والتركيز علي مساعدة المرضي لمراقبة مشاعرهم وأفكارهم بطريقة تتيح لهم التفاعل معها بشكل مختلف بحسب الدراسة الصادرة من مركز الإدمان والصحة العقلية في تورنتو بكندا. ويقول أحد الخبراء إن هذا النوع من العلاج يشبه الذهاب إلي صالة الألعاب الرياضية وتمرين العضلات إلا أنه في علاج انشغال الذهن فإن الشخص يمرن دماغه ليساعده علي الفهم والتحكم بالمشاعر، ووجود هذا البديل للأدوية العقلية أمر بالغ الأهمية لأن ما يصل إلي نحو 40% من الأشخاص الذين يتعافون من الاكتئاب لا يلتزمون بتناول مضادات الاكتئاب المقررة لتفادي انتكاستهم رغم توصيات الأطباء. وأخيرا اعتبر المشرف علي الدراسة أن المشكلة الوحيدة في العلاج بانشغال الذهن هو عدم توافر الوقت اللازم للتأمل والتفكير، إذ ينبغي علي المريض أن يخصص نحو أربعين دقيقة يوميا للقيام بالتأملات والتفكير. انتهت تفاصيل الخبر اللذيذ الذي خلاصته باختصار أن يخصص كل واحد منا ويوميا أربعين دقيقة للتأمل والتفكير. وكان ينبغي علي الدراسة أن تحدد الموضوعات والقضايا التي يتأملها ويفكر فيها الواحد منا علي مدي أربعين دقيقة كل يوم.. وهل نوعية الموضوع واختياره تلعب دورا في هذا الأمر؟ بمعني لو أن مواطناً ظل يتأمل ويفكر - طوال 40 دقيقة - في مغزي ودلالة الفوز الكاسح لنواب الأغلبية وخسارة المعارضة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يتساوي ويتعادل مع مواطن آخر ظل يفكر ويتأمل - لمدة أربعين دقيقة في أحوال الأهلي الآن!! شيء مهم فات علي الدراسة أن تقوله لنا وهو أنسب الأوقات التي يمارس فيها الإنسان ذلك التأمل، هل في الصباح الباكر؟! أم يمارس التأمل وهو محشور مخنوق داخل الأتوبيس أو وهو محاصر في إشارة مرور تطول بالساعات فيساعده تأمله علي حل كل مشكلاته المستحيلة ولم ولن يجد لها حلا في الواقع؟! وأرجو ألا تنسي أن تربط الحزام وأنت تمارس تأملاتك، لأن ربط الحزام يجعل التأمل أكثر إيجابية وتركيزا مما لو تأملت وأنت لا تربط الحزام!! وبمناسبة التأمل والتأملات فقد لفت نظري خبر طريف عنوانه «التفكير في الأكل يقلل الوزن» وحسب ما نشرته الزميلة «الشروق» - السبت الماضي - قولها: أظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة «العلوم» أن الأشخاص الذين يتخيلون أنهم يأكلون أطعمة أو وجبات شهية يتناولون في الواقع كميات أقل من الناس الذين لم يمارسوا ذلك التخيل. .. واللي يعيش ياما يشوف واللي يتأمل ويفكر يشوف أكتر!!