أنه عامى الأول الذى يمر علىَّ عيد الأضحى وأنا أعيش فى بيت الزوجية ولأن أهلى بالطبع لم ينتظروا مجيئ عليهم وأنا محملة بالأكياس إلا أننى أردت أن أقوم بدور الضيفة العزيزة وعمل مفاجأة لأدخل عليهم فى العيد بأى شىء.. المهم لا أدخل بطولى مع العلم أنه حتى طولى لن يكفى لأننى متر ونصف!! بعد البحث المستمر ما بين علبة شوكولاتة أو دستة جاتوه قاطعتنى فكرة لامعة وهو أن أدخل على أهلى ب2 كيلو لحمة فهى مناسبة لجو العيد، وخاصة أن سعر الكيلو الآن يبدأ من 80 وطالع إذن ستكون زيارتى محترمة أمام حشد الأهل المتجمع فى بيت والدى ووالدتى ولكن 2 كيلو سيأخذ نصف مرتبى!! وعندما كنت أقوم بعمل حساباتى فى الذاكرة وأنا أسير فى أحد الشوارع نظرت يمينى فإذا بى أجد جموعاً من البشر أفزعتنى فظننت أن التجمع سببه ماتش الأهلى ولكن ما الذى أتى بالاستاد بجوار محطة المترو! وأقنعت نفسى بأنها خناقة كالمعتاد وسينتهى الأمر بأن يضحى أحد بالثانى وبالمرة ستكون أضحية والسلام، وأنا أراقب هذا التجمع وجدت يافطة مرتفعة كتب عليها يابلاش كيلو اللحمة ب38 جنيهاً فعلمت أننى بجوار شادر اللحمة فتحركت إلى الأمام مسافة 5 خطوات ثم تراجعت خطوتين ثم تقدمت برجل وتأخرت بالأخرى وعقلى يودينى ويجبنى ويقول لى: بدل ما أدفع 160 جنيهاً على 2 كيلو سأدفع أقل وسأحصل على 4 كيلو ثم أنها كلها لحمة ولن تفرق وجلست أقنع نفسى بالشراء.. فهى لحمة مثل التى تباع فى أى «هايبر»، ولكن الفرق أن الهايبر مكيف وبلا طوابير أو «زق» وأن الموضوع يحتاج إلى قليل من الصبر وطولة البال وأضرب عصفورين بحجر واحد، هاوفر وسأشترى أكثر من 2 كيلو وتشجعت ووقفت فى طابور السيدات لأن الشادر مقسم إلى طابور للرجال وآخر للسيدات «والجدع» من يلتزم بمكانه. فجأة وجدت الطابور الواحد ينقسم إلى اثنين، والاثنان ينقسمان إلى أربعة وذكرنى هذا المشهد بدرس التكاثر فى البكتريا عن طريق الانقسام - الانشطار الثنائى - حتى أصبح هناك 4 طوابير للسيدات كل طابور يتكدس فوقه العديد من السيدات حتى يخرجن عن الطابور الموجود فى الشادر إلى منتصف الشارع فيقف الطريق فيضطرون إلى الانشطار مرة أخرى ومع تكرار هذه العملية أصبحنا لا نعلم أين أول الطابور من آخره. ضاع ترتيب السيدات فأصبحن يتشاجرن بالكلام وبالزق «وبشد الشعر» لكل من تجاوزت وأخذت مكاناً غير مكانها وصرخت إحداهن حرام عليكوا والله أنا الأول أنا موجودة من الساعة 7 الصبح عشان أحجز فاندهشت وسألتها «تحجزى مكان.. ده شادر وليس قطاراً ثم أن كل الموجود فى الشادر سينوبه من اللحمة جانب!! فسمعت ضحكة رنانة هزت أرجاء الشادر وقالت لى: «أنتى منين ياحبيبتى شكلك مش من مصر مكنش حد غلب» توزيع اللحمة فى الشادر متوقف على الأسبقية بمعنى آخر «اللى يلحق» ولأن اللحمة تأتى على الساعة العاشرة فنقوم بحجز الأماكن من الساعة السابعة وإذا أتيت وقت حضور اللحمة لن ألحق أى كيلو.. فحمدت الله أننى وقفت قبل مجىء اللحمة حتى أحصل على ما أريد ووجدت هذا الشادر يعمل «بسيستم» - أى نظام - كما يقول الجزار على الرغم من انعدام النظام، ولشراء كيلو لحمة ب38 جنيهاً لابد أن تمر بثلاثة طوابير الأول لشراء تذكرة يكتب عليها عدد الكيلوات وبالانتهاء من هذه المرحلة تكون قد انتهيت من ثلث عملية الشراء وتلتحق بطابور «التقطيع» لتعطى التذكرة للجزار فيقوم بتقطيع الكيلوات المكتوبة فى التذكرة ويعطيها للمسئول عن وضعها فى أكياس لتقف فى طابور الاستلام وهو الطابور الأخير، بالطبع لن استطيع تحمل الوقوف لمدة 4 ساعات بدون تسلية فهو أمر ممل فبدأت بالتعرف على أم محمد، وأم منى وآية والحاج عبدالستار وبدأت أشعر أن أقدامى أصبحت مثل أكياس الأسمنت لا أستطيع رفعها من الألم وكأن أقدامى غرست فى الأرض ولن تتحرك ثانية وحتى أتناسى الألم قلت أتحدث مع الجزار فلفت انتباهى أن قطع اللحم ليست حمراء وإنما مشبعة بالدهن فسألته لو سمحت أريد اللحمة قطع حمراء بلا دهن؟ فأجابنى بنظرة حادة كادت تحرقنى ثم قال باشمئزاز «لما ييجى دورك يا أبلة» فصمت فترة ثم سألته: أريد من اللحمة كيلو بوفتيك وكيلو مفروم والباقى عادى فوجدته رفع الساطور ونزل به على اللحمة الملقاة على خشبة ليقطعها 5 قطع بضربة واحدة وهو يقول اللهم طولك ياروح، ثم عدت مرة أخرى لأسأله: ياريس هى دى آخر فخدة ولا هناك فخدة أخرى؟ فصرخ فى وجهى وقال: ماتسكتى يا آنسة «متخوتنيش» خلينى أشتغل ولو عايزة بوفتيك ومفروم روحى لمحل جزارة، إنتى هنا فى شادر يعنى احمدى ربنا أنك هتاكلى لحمة من أصله ولو اللحمة دى مش عجباكى سيبى نصيبك لغيرك فوجدت الجميع ينظر إلى على أنى «حتة لحمة وطرية» فقررت رد هيبتى التى راحت فى الشادر وقلت بعلو صوتى: لا ياريس مش هسيب نصيبى من اللحمة لأن لحمى مر ومحدش هيقدر عليه وقبل أن يأتى علىَّ الدور ب7 أفراد كانت اللحمة قد وزعت وطلعت من الشادر بلا لحمة وعمت الفوضى فى الشادر والجميع يستعمل سياسية «الزق» للخروج من الشادر حتى أننى لم أكلف نفسى عناء رفع رجلى لأنى خرجت بقوة الدفع وضاعت كل آمالى فى شراء اللحمة من الشادر وصرفت على علاج قدمى المتورمة ما يساوى ثمن كيلو ونصف واكتفيت بشراء كيلو لحمة واحد من الهايبر «لزوم زيارة أهلى» واكتشفت فعلا أن اللحمة لها ضريبة مالية أو صحية وأنه محدش بياكلها بالساهل.