بمناسبة ذكرى 30 يونيو.. جهود الأكاديمية الوطنية للتدريب فى NTA Podcast قريبا    التخطيط تشارك في ورشة بناء القدرات في مجال الإحصاءات ضمن أنشطة البرنامج القُطري لمصر    وزير الإسكان: تنفيذ قرارات غلق وتشميع وإزالة مخالفات بناء ب3 مدن    لبنان.. الطيران الحربي الإسرائيلي يخرق جدار الصوت فوق عدة مناطق    محللان كوريان شماليان: تحالف بوتين وكيم يونج أون تطور خطير في التحالفات العالمية    وزير الخارجية يفتتح النسخة الرابعة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين    عاجل| شؤون الأسرى: ارتفاع حصيلة الاعتقالات بالضفة لنحو 9490 معتقلا منذ 7 أكتوبر    الأحزاب الفرنسية تتحرك لعرقلة لوبان في الجولة الأخيرة من الانتخابات    كولر يتمسك بضم بديل أجنبي ل معلول    جهاد جريشة: هذا الثنائي الأقرب لرئاسة لجنة الحكام بعد رحيل بيريرا    عقار أسيوط المنهار.. النيابة تستدعي مسئولي الحي للتحقيق    تحذيرات من ارتفاع درجات الحرارة في مصر والتوقعات للأيام القادمة    دون إصابات.. إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية ببولاق الدكرور    فيلم ولاد رزق 3 يتخطى 200 مليون جنيه في 3 أسابيع.. واللعب مع العيال يحقق 31 مليونا    وزير الصحة يستقبل ممثلي شركة فايزر لمناقشة تعزيز سبل التعاون المشترك    "البحوث الإسلامية" يفتتح لجنة الفتوى الرئيسية بالمنوفية بعد تطويرها    اليوم.. مهرجان مشروعات التخرج بقسم الإذاعة بكلية الإعلام جامعة القاهرة    خطة الحكومة لتنفيذ توصيات الحوار الوطني.. أزمات عالقة في المحليات حلها يخدم المواطن    عقب تعيينهما بقرار جمهوري، تعرف على السيرة الذاتية لرئيسي مجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية الجديدين    بعد الإفراج عنه.. مدير مجمع الشفاء بغزة: الاحتلال عذبنا بالكلاب البوليسية    القناة 12 الإسرائيلية: تقديرات في الجيش باستمرار عملية رفح 4 أسابيع أخرى    كيف تعالج شركات الأسمدة أزمة توقف المصانع ذاتيا؟    إرتفاع جماعى لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات منتصف الأسبوع    رئيس وزراء البرتغال: أثني على شجاعة كريستيانو.. وركلة الترجيح أهم من الجزاء    شوبير يكشف مفاوضات الزمالك مع 3 صفقات من العيار الثقيل    الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة الداخلية في الدوري    جوميز يضع اللمسات النهائية على خطة الزمالك لمواجهة فاركو    ضياء السيد: لوائح الكرة المصرية لا تحترم.. والأزمات تضخمت هذا الموسم    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    وزير الإسكان يُعلن الانتهاء من تنفيذ مشروعات صرف صحي متكامل ل 16 قرية بالبحيرة    نائب وزير الإسكان يوقع بيان منحة المساعدة الفنية التحضيرية لإدارة الحمأة في مصر    تزامنًا مع أولى الجلسات.. اعترافات المحرض على ذبح طفل شبرا الخيمة    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالدقهلية    المستشار عبد الراضي صديق رئيس هيئة النيابة الإدارية الجديد في سطور    غرق شاب في شاطئ الفيروز غرب الإسكندرية    «الوزراء» يستعرض الممرات الخضراء حول العالم: منظومة متكاملة لخفض الانبعاث    «إكسترا نيوز»: مفاجآت ترفيهية في النسخة الثانية من مهرجان العلمين الجديدة    "أول فيلم عربي يصل لهذا الرقم" تركي آل الشيخ يكشف عن رقم قياسي جديد ل"ولاد رزق 3"    اعتزال مطرب المهرجانات علي قدورة    توقعات برج الجوزاء في شهر يوليو 2024 على كافة الأصعدة (تفاصيل)    حكم الحلف على فعل شيئا والتراجع عنه؟.. أمين الفتوى يجيب    المعمل المركزي لكلية العلوم بجامعة القناة يحصل على اعتماد المجلس الوطني    وزير الصحة يستقبل ممثلي شركة فايزر لمناقشة تعزيز التعاون المشترك    خبيرة تغذية: لا يفضل تناول المخبوزات بعد المغرب    تؤدي إلى الموت.. شركة أمريكية تسحب منتجها من السبانخ لتلوثه ببكتيريا    الصحة: مبادرة الكشف عن الأمراض الوراثية تفحص 19 مرضا بين حديثى الميلاد    محافظ بني سويف: البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب أصبح مشروعا قوميا    الإفتاء: تعمد ترك صلاة الفجر وتأخيرها عن وقتها من الكبائر    14 وفاة و6 ناجين.. ننشر أسماء ضحايا عقار أسيوط المنهار    أمين الفتوى: وثيقة التأمين على الحياة ليست حراما وتتوافق مع الشرع    وزارة العمل تعلن عن 120 وظيفة بشرم الشيخ ورأس سدر والطور    خالد داوود: جمال مبارك كان يعقد لقاءات في البيت الأبيض    الاحتلال الإسرائيلى يعلن قصف مجمعين عسكريين لحزب الله فى جنوب لبنان    تصعيد مفاجئ من نادي الزمالك ضد ثروت سويلم    أرملة عزت أبو عوف تحيى ذكري وفاته بكلمات مؤثرة    «الإفتاء» توضح حكم تغيير اتجاه القبلة عند الانتقال إلى سكن جديد    الأزهر يعلن صرف الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري اليوم    ناقد فني: شيرين تعاني من أزمة نفسية وخبر خطبتها "مفبرك"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنهم يكذبون بطريقة رائعة!
نشر في صباح الخير يوم 26 - 10 - 2010

بعض الأفلام تتسلل للذاكرة وتركن بداخلها طويلا، ويخيل لك أنك نسيتها تماما.. ولكن فجأة تتراءى لك من جديد وكأنها تجيب عن تساؤلات تحيرك ! من هذه الأفلام التى تراودنى أخيرا.. الفيلم اليوغسلافى «تحت الأرض»للمخرج العبقرى «أميركوستاريتا» والذى فاز بالجائزة الكبرى فى مهرجان «كان» عام 1995. لقد انقضى خمسة عشر عاما على هذا الفيلم الذى شاهدته فى مهرجان كان وقتها.. وكتبت عنه فى «صباح الخير»وفى كتاب «سينما المشاعر الجميلة»، ولكن أجد نفسى اليوم فى حالة تواصل مع رسالة ذلك الفيلم الذى يقول لنا.. إن الكل يكذب.. سواء رجال السياسة أو رجال العصابات.. البعض يكذب بفجاجة.. والبعض يكذب بطريقة رائعة ! ومن يكذب أفضل يعيش أطول على الساحة !
ونحن كأفراد بسطاء تعودنا على الكذب.. لأننا لم نعد نسمع غيره!.. وتعودنا أن نعيش تحت الأرض لأن هناك من يمنع الصعود إلى سطح الأرض.. إلى حيث النور والمعرفة.. والحقيقة!
ممنوعون من السؤال.. ممنوعون عن الحياة! فالذين استفادوا من قربهم من مركز الأحداث عن سطح الأرض لا يريدون أن يشاركهم أحد فى هذا الامتياز.. ويصرون على أن يكونوا أوصياء على الذين يعيشون على الهامش فى سراديب مغلقة تحت الأرض
لقد سمحنا لهم بهذا.. وارتضينا.. وتعودنا أن نكون بعيدين عن الأحداث والذين يصنعونها ! وهكذا نضيع ! وتضيع أيضا الحياة فوق الأرض !
هذه هى البساطة الرسالة التى أراد أن يبلغنا بها فيلم «تحت الأرض»الذى يبدأ بعبارة مكتوبة على الشاشة تقول : «فى يوم من الأيام كانت هناك دولة اسمها يوغسلافيا»، ثم تنطلق صادرة موسيقى الفجر وغناء شجى يفيض بالمرح والسخرية يقوم به بعض الرجال المصاحبين لزعيمهم اللص المحترف «ماركو»العائد سالما إلى مدينته وأهله حاملا معه المسروقات. والموسيقى والغناء يمزقان سكون ليل المدينة. وتنفتح النوافذ ويتصايح المستيقظون فى نشوة لعودة «ماركو» سالما.. وماركو هو زعيم العصابة.. ولا أحد يعترض لأنهم جميعا مستفيدون من خدماته.. وأكثرهم فرحا هو صديقه «بلاكى» شريكه فى عمليات السرقة والبلطجة.. والمكافأة الطبيعية لهما.. ليلة ساخنة مع النساء والشراب !
مع صباح يوم جديد.. وحارس شاب فى حديقة الحيوان بالمدينة يدفع أمامه عربة إفطار الحيوانات.. يلقى بالطعام داخل الأقفاص ولا يكف عن المرح والمداعبة.. وفجأة تظلم السماء بأسراب الطائرات الألمانية المقاتلة والتى تلقى بحمولتها من القنابل.. ويسود الذعر بين الحيوانات.. وتشتعل الحرائق.. وتتهدم أقفاص الحديقة.. ويموت الأسد جريحا.. وينطلق الفيل إلى الخارج.. ويصرخ الشامبنزى الصغير عندما يرى الدماء تغطى جسد أمه.. ويسرع إليها الحارس ليلتقطهما من بين الأنقاض.. ويخرج مذهولا مما حدث.. لنرى المدينة كلها وقد تحولت إلى أنقاض.. وحرائق.. وضحايا.. ومشردين.
إنها الحرب العالمية الثانية ونحن فى عام ,1941. وقنابل النازى تدق يوغسلافيا.. ولكن الحياة لابد أن تستمر. فهذا شعب يغنى ويعزف الموسيقى حتى فى لحظات الخطر.. ويفتح «ماركو» زعيم عصابة اللصوص، مخبأه تحت الأرض، والذى كان يجمع فيه مسروقاته.. ويدعو الناجين من أهل المدينة لكى يختبئوا فيه..
ومن هنا.. كانت بداية الحياة تحت الأرض. لقد اختاروا أن يحموا حياتهم من قصف القنابل فوق سطح الأرض.. فاختبأوا تحت الأرض ليمارسوا حياتهم تحت وصاية زعيم العصابة «ماركو»الذى كان يمدهم بالطعام.. ويكلفهم بالعمل فى صناعة الأسلحة بدعوى تقديمها لرجال المقاومة ضد النازى.. وهو الوحيد الذى أعطى لنفسه حرية الحركة والصعود إلى سطح الأرض بحجة أنه سينقل لهم أخبار ما يحدث على سطح الأرض !
وهكذا اقتنعوا وارتضوا بهذه السلامة.. وشكلوا حياتهم تحت الأرض.. العمل فى تصنيع الأسحلة.. واللهو والمرح فى أوقات الراحة.. يشجعهم «بلاكى»صديق زعيم العصابة، والذى لم يشك لحظة فيه.. واستسلم تماما لأوامره أن يظل تحت الأرض.. ولم يشعر بالغضب إلا عندما حاول زعيم العصابة أن يشاركه حب الممثلة بفرقة المدينة.. أما ما عدا ذلك فهو فى موقعه تحت الأرض.. ينتظر الخير بنهاية الحرب.. حتى يخرج هو والآخرون من مخبئهم.. هل انتظروا طويلا؟
انتظروا عشر سنوات !!
ولكن الحرب لم تنته.. هكذا أبلغهم زعيم العصابة.. مع أن الحرب انتهت بالفعل، بينما الآخرون مازالوا تحت الأرض.. يواصلون حياتهم فى غيبوبة كاملة.. فلم تصلهم أية معلومات عن نهاية الحرب وما جرى فى يوغسلافيا حيث تولى «تيتو» قيادة يوغسلافيا، وأصبح «بلاكى» زعيم العصابة أحد المقربين لتيتو وعضوا بارزا فى الحزب بدعوى دوره البطولى أثناء المقاومة!! واستفاد زعيم العصابة من موقعه الجديد واتسع نشاطه وأصبح له السطوة والهيلمان. وتأتى لحظة تمرد واكتشاف.. تدعو «بلاكى»صديق زعيم العصابة لكى يخرج إلى سطح الأرض.. فيكتشف أن هناك شخصا يشبهه تماما مقيدا بالسلاسل. وضابطا نازيا لحظة يحاول اغتصاب فتاته الممثلة بفرقة المدينة والتى أحبها.. ويثور «بلاكى»ويفرغ بندقيته فى صدر الضابط النازى.. ويتكهرب المكان كله.. فلم يكن ما رآه واقعا حقيقيا.. وإنما كان مشهدا من فيلم يجرى تصويره فى أيام الحرب والمقاومة.. وكان زعيم العصابة «ماركو» واقفا يشهد التصوير.. فهو مؤلف الفيلم وأحد منتجيه !!.. لقد دخل أيضا مجال صناعة السينما !
أين الحقيقة.. لا أحد يدرى..
ويموت «تيتو» ويأتى زعماء العالم للمشاركة فى تشييع جنازته «نرى جزءا تسجيليا عن هذه المراسم».. وبموت تيتو تتفكك يوغسلافيا.. وتبدأ الحرب الأهلية عام ,1991. وسكان تحت الأرض.. مازالوا يصنعون الأسلحة.. بينما يستطيع بعضهم فتح ثقب بالمخبأ تحت الأرض ويخرجون إلى سطح الأرض ليجدوا الأنقاض والخرائب بفعل الحرب الأهلية ويزداد تشتتهم ! وينتهى الفيلم.. وجميع أبطاله وشخصياته فوق قطعة من الأرض عائمة فوق سطح الماء.. يعزفون الموسيقى والغناء.. وفجأة تنشطر قطعة الأرض العائمة إلى نصفين.. يبتعدان عن بعضهما تدريجيا.. وهم مازالوا يغنون ويضحكون عى ما جرى لهم !!
إنها رمز لتفتيت يوغسلافيا.. ولكن مازالت الروح تصدح بالموسيقى والغناء حبا فى الحياة.. وأصداء عبارة ترددت كثيرا طوال الفيلم تقول : «أنت تكذب بطريقة رائعة»!! وكأنها تحذير لنا.. أن نحمى حياتنا من الذين يحاولون سرقتها بدعوى أن نظل دائما تحت الأرض لا تصلنا الحقيقة !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.