بعد غياب سنوات عن السينما يعود لنا صاحب أفلام «سواق الأتوبيس»، و«ناجى العلى» لنور الشريف، «ضد الحكومة» لأحمد زكى ، بفيلم «الكبار»، إنه السيناريست بشير الديك الذى حملت أفلامه بصمة كبيرة فى تاريخ السينما. معه التقينا لنعرف سر غيابه وعودته للسينما من خلال «الكبار» الذين أحاطوا بمجتمعنا وعبثوا به، والأسباب التى دفعت مخرج فيلمه اختيار هذا الموضوع رغم مرور سنوات على كتابته وسر ثقته فى محمد العدل الذى يقدم تجربته السينمائية الأولى ورأيه فى مدى تقبل الجمهور للسينما الجادة وأشياء أخرى نعرفها منه. لعلك سئلت كثيرًا هذا السؤال ولكن لماذا كل هذا الغياب عن السينما؟ - السينما السنوات الماضية كانت بعيدة ليس عنى أنا فحسب ولكن كانت بعيدة عنا كجيل، ولكنها بدأت فى السنوات الأخيرة تتغير، وتغيرت معها نوعية الأفلام وفكر صناعها وأصبحت الآن سينما ذات فكر وهدف وتحتمل أعمالنا وأفكارنا كجيل مثل داود عبدالسيد، محمد خان وخيرى بشارة، لذلك أعتقد أن التوقيت مناسب لعودتنا لتحسن المناخ العام فى الفترة الأخيرة، والدليل على ذلك أننا شاهدنا مؤخرًا أفلاما جيدة صناعها من الشباب وتقبلها الجمهور بشكل جيد. كتبت «الكبار» منذ 8 سنوات.. إذن كيف خرج للنور بعد هذه المدة؟ - الفيلم كان مكتوبا منذ حوالى 8 سنوات وقرأه محمد العدل المخرج وهو شاب موهوب جدًا رغم صغر سنه وبحكم إشرافى على مشروع تخرجه لمست هذه الموهبة فيه، وأعجبه السيناريو وبصراحة واندهشت من استيعابه الكامل لما هو مكتوب ولتفاصيل العمل من البداية وكان واعيا للأبعاد وعمق الفكرة والرسالة التى يحملها الفيلم. ولماذا تأخر تنفيذه كل هذه السنوات؟ - أنا كنت قد فقدت الأمل فى التعامل مع السينما فى الفترة السابقة، ولم أكن أسعى أن يخرج الفيلم فى مثل هذه الظروف فى منظومة فاسدة حيث تطغى أفلام كوميدية هدفها الضحك فقط بدون رسالة واضحة، إلى جانب هذا لم يكن أحد على استعداد لتنفيذ هذا المشروع والكل أراد كوميديانات بهدف التربح واتباع الموجة السائدة إلى أن قرأه محمد العدل وتحمس له، وأظن أن الوقت قد آن بالعودة لتقديم مثل هذه النوعية من الأفلام. المخرج من جيل جديد كيف كان التواصل بينكما، وكيف تقبلت تصوراته كمخرج على السيناريو؟ - أنا سعيد لأن محمد نموذج لهذا الجيل الذى استطعت الوصول إليه واستيعاب أفكارى وتركته يقوم بتجربته بالكامل وينفذ تصوره لدرجة أنه استعان بفريق عمل لم أكن أعرفه، ولكن كان هناك ثقة منى فى كل اختياراته، وهو قدم تجربته بحرية كاملة، أما بالنسبة لتصوراته، فقد اندهشت من استيعابه للحالة الخاصة التى وضعتها فى العمل، وطريقة الاستدعاء من الذاكرة التى يواجهها البطل فهو مطارد بالكوابيس طوال الوقت، وقد أدركها محمد رغم صعوبتها لأن التعبير عنها سينمائيًا ليس سهلاً، وكان له وجهة نظر خاصة باختصار الأحداث فى بعض المشاهد والاعتماد على الإيحاءات، وبشكل كبير كنا متفقين طوال الوقت. ماذا عن أبطال العمل هل كان توظيفهم كما تصورت، ومن فاجأك بأدائه؟ - كان جميعهم بالشكل الذى تخيلته «عمرو وزينة وخالد»، وأداؤهم أكثر من رائع والمخرج استوعب الشخصيات وعبر عنها بشكل جيد، وأعجبنى جدًا خالد الصاوى فهو عبر عن شخصية الحاج بشكل عبقرى وبأداء متميز جدًا. هل «الكبار» حولنا فعلاً ومؤثرون بهذا الشكل؟ - فى فيلمى أشير إلى واقع نشعر به ونعانى منه فى حياتنا ويطاردنا يوميًا، ويشكل حالات ونماذج تحيا بيننا والكبار بالفعل حولنا ويؤثرون فى المجتمع تأثيرا واضحا لن نستطيع أن نخفيه أو نهرب منه، وإنكار وجودهم ضعيف فهم منتشرون حولنا. فى «الكبار» تعاملت مع جيل جديد بداية من المخرج إلى الأبطال، بينما فى الثمانينيات تعاملت مع نجوم مثل «أحمد زكى ونور الشريف».. هل وجدت اختلافًا بين الجيلين؟ - لا يوجد فرق حقيقى بين الجيلين، ولكن الجيل الجديد به السيئ وبه الجيد والناضج، والناضج منه يذكرنى بالنجوم الكبار الذين تعاملت معهم كما ذكرتى.. ففى كل الأجيال معدن النجم وقيمته يعتمدان على ثقافته واهتماماته وهكذا يكون نجماً حقيقياً بعيدا عن أى حسابات أخرى، كالحسابات المادية التى قد تجعل الفنان يقدم تنازلات ويفقد موهبته وبريقه ويفقد الفرصة لأن يكون فناناً حقيقياً. تتناول فى جميع أفلامك قضايا الفساد والعديد من المشاكل الاجتماعية.. هل اختلفت تلك المشكلات الآن عما كانت عليه منذ سنوات؟ - بالتاكيد لأن الزمن اختلف وبالتالى اختلف الإيقاع وقضايا الفساد كانت ومازالت قائمة ومستمرة، لكنى أرى أن الفاسدين فى الماضى كانوا أطفالا مقارنة بما هم عليه الآن، فقد أصبحوا كباراً فعلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لذلك سيختلف تناولى لهذه القضايا الآن عما كانت عليه منذ سنوات، وأنا طوال سنوات عمرى مهموم بالمجتمع ومشاكله، وأحب أن أتعامل مع هذه المشاكل وأتناولها عن قرب وذلك ينعكس على فكرى وأعمالى التى أقدمها، وهدفى الأول هو الإنسان المقموع والتعبير عنه وأن نضع أيدينا على مشاكله. من وجهة نظرك هل مازالت هناك أزمة فى السينما؟ - بعد سنوات عديدة ظهرت مؤخرًا سينما جيدة وصناع للسينما بأفكار جيدة كثيرة، والأزمة الموجودة لن تختفى تمامًا، ولكن الواقع الآن أن هناك حالة توازن بين الاثنين ولن تنتهى حالة الجدل أبدًا. هل الجمهور مازال قادراً على استيعاب السينما الجيدة أم تأثر بأذواق المفسدين؟ - بالعكس تمامًا فالناس لديها استعداد جيد للاستيعاب ومتشوقة وتنتظر المزيد من السينما الجيدة صاحبة الفكرة والهدف، والجيل الجديد فى مقدمة المتشوقين لهذه النوعية من السينما. ماذا عن جيل الشباب، هل لديه تلك القدرة على الاستيعاب أم ينجرف خلف الموجة الجديدة؟ - هناك شاب فى العشرينيات من عمره جاء ليخبرنى برأيه فى الفيلم وقال لى: (ماتسيبناش تانى بقى) فهذا أسعدنى جدا أننى مازلت على اتصال بهذا الجيل، وأن هناك استعداداً لديهم لتقبل المزيد والاستيعاب لسينما مختلفة لذلك لا يجب أن نظلم هذا الجيل، وقد لاحظت فى هذه الفترة تحمس العديد من الشباب تجاه هذا البلد وقضاياها محاولين التعبير عنها بشتى الطرق ولم يعد هذا الجيل قليل الحيلة كما كان يقال.. بل أنا مندهش من مدى نضج وجمال هذا الجيل رغم كل السواد إلا أنهم بمثابة النور فى مجتمعنا. هل سيعيد بشير الديك التجربة السينمائية قريبا؟ - بإذن الله سيحدث قريبا ولكن ليس إلا فى وجود موضوع جيد وقيمة وبتوافرهما سيكون هناك عمل جديد.؟