كان زمان.. سيارات الرحلات الترفيهية المتجهة إلى منطقة شاطئ العين السخنة تذهب أولا إلى مدينة السويس ثم تتجه يمينا إلى طريق ضيق فى موازاة خليج السويس بجانبه شاطئ ممتد من الرمال، فى مكان منه توجد هذه العين السخنة التى تتدفق منها المياه الساخنة.. يدقون الخيام الكبيرة إذا كانوا سيمكثون يومين أو أكثر.. والخيام الصغيرة إذا كانت رحلة اليوم الواحد.. ولابد أن يتزود أصحاب تلك الرحلات بالطعام والشراب فالمنطقة كانت خالية من الخدمات.. لا يهم، يكفى الجو الدافئ شتاء.. والجاف صيفا..! للاستمتاع بالسباحة أو صيد الأسماك أو لمجرد الاستمتاع بالجو ومناظر الجبال فى الجهة الأخرى من الطريق الضيق، وفى منطقة منه يقع وادى الدوم حيث شجيرات كثيرة لثمرة الدوم التى يحب طعمها بعض الناس يطحنونه ويصنعون منه شرابا. صوت الرمال جاءنى ذلك التاريخ من صوت الرمال التى أجلس فوقها على شاطئ فندق من هذه الفنادق الكثيرة والمنتجعات والشاليهات التى أنشئت على طول منطقة شاطئ العين السخنة.. هذه المنطقة التى وصلنا إليها عن طريق جديد غير ذلك الطريق الرفيع القديم.. طريق واسع لاتجاهين معبد جيداً، يخترق جبالا.. أقامته القوات المسلحة، عمل عظيم قامت به فى السنين الماضية عندما فتحت تلك المنطقة الساحلية بعد فترة طويلة من حرب أكتوبر عام 1973. حدثتنى الرمال عن السنين الصعبة التى أغلقت فيها هذه المنطقة وكيف تبدلت أشكال الأقدام فوقها.. ودق قنابل الحرب بدلا من دق خيام النزهات، وكان اعتذار القوات المسلحة لتلك المنطقة التى أغلقوها لفترة طويلة.. إقامة هذا الطريق العظيم ليصل الناس إليها بسهولة وفى وقت معقول. الرجل اللغز قلبى دندن بلحن وكلمات «رايحين فى إيدنا سلاح.... راجعين حاملين رايات النصر».. تذكرت ذلك اليوم المجيد عندما سمعت خبر حرب أكتوبر 1973 من راديو فى كشك جرائد، قلت أنها بعض الغارات المستفزة التى تقوم بها الطائرات الإسرائيلية وتهاجم مواقع قواتنا المسلحة على الجانب الآخر من القناة ويتصدى لها دفاعنا فتفر هاربة.. فقد تعودنا على ذلك خلال سنين حرب الاستنزاف التى أبدعت فيها قواتنا المسلحة بعد نكسة 1967. اشتريت ما أريده من مجلات وواصلت سيرى فى الطريق.. لكن البيان الحربى الأول تبعه بيان ثان سمعته من راديوهات فى المحلات التف الناس حولها صامتين!! فأيقنت أنها حرب دائرة فأسرعت بالعودة إلى المنزل.. هى إذا حرب بدأت وعبرت قواتنا إلى الضفة المحتلة من قناة السويس.. تذكرت صيحة «جولدا مائير».. «فعلها السادات».. تلك الصيحة الغاضبة التى عرفناها فيما بعد عن الرجل اللغز الذى صور للإسرائيليين أنه لا يستطيع الدخول فى حرب بينما كان يعد لها. وفى كتابه «لغز السادات» للكاتب الباحث «رشاد كامل» الزميل العزيز تحدث عن الرئيس «أنور السادات» من خلال أبحاث وقراءات قام بها.. تحدث عنه مغامرا وهاربا ومناضلا ومقاتلا.. ومناورا ومخادعا.. شريرا وطيبا.. باختصار لم يحير الناس فى مجتمعنا شخصية مثلما حيرتهم شخصية الرئيس الراحل أنور السادات، فما بالك بامرأة خبيرة حرب وخداع مثل جولدا مائير؟! آخر ليلة فى الصيف لقد انتهزنا فرصة عودة الصيف بأمر الحكومة بإعادة التوقيت الصيفى بعد شهر رمضان المبارك ولمدة شهر وعلى الذين لم يصيفوا أن ينتهزوا الفرصة.. وهكذا ذهبنا إلى هذه المنطقة القريبة من القاهرة لنستمتع بشىء من مياه البحر، لكنى نسيت أن مياه البحر المتوسط تطغى على مياه البحر الأحمر فى هذه المنطقة على مدخل خليج السويس فلا نشاهد تماماً سحر مياه البحر الأحمر بألوانها البديعة. المهم أن الجو كان صافيا مبهجا ورائحة المياه منعشة وامتلأ الشاطئ بالناس الذين انتهزوا فرصة قرار الحكومة وجاءوا مثلنا ليستمتعوا ببضعة أيام من الصيف.. لكن بعد جو الصيف العائد فى هذه المنطقة أضاء البرق سماء الليل، وطغى صوت الرعد على صوت مرح الناس وهطلت الأمطار... لتنبهنا بانتهاء الصيف وأن الحكومة ستعيد التوقيت الشتوى الذى اتخذته استثناء لشهر رمضان.. وعلينا أن نودع الصيف. لم يطغ صوت الرعد على صوت مخزون التاريخ والذكريات فقد تذكرت رواية الروائى الأمريكى العالمى «أرسكين كالدويل».. آخر ليلة فى الصيف تذكرت الفكرة من روايته.. فيها يبين الكاتب أن الناس عادة لديها أمان لتحقيقها فى الصيف، وعند أول عاصفة ممطرة خريفية يحدث شىء فى عقولهم.. وهذه العاصفة عادة تأتى آخر ليلة فى الصيف.. ويكون الناس قد تعبوا من تأثير الحرارة المتراكمة طوال الصيف.. أو عدم تحقيق آمالهم للصيف كانت فى الرواية حادثة اغتصاب.. وقتل وعدم تحقيق لقصة حب. حقيقة.. فى أول الصيف تزدحم الأمانى والأحلام لكثير من الناس.. توعدنا ونوعدها وربما لظروف معاكسة لا نستطيع تحقيقها وعندما ينتهى الصيف تكون الأحلام والأمانى قد خمدت فيصاب الفرد بخيبة أمل.. أو يحدث شىء فى عقله يجعله مهاجما غاضبا أو كسولا محبطا.. تأثرت كثيرا برواية «أرسكين كالدويل» منذ قرأتها وعندما تذكرتها بعد انقلاب الجو فى تلك المنطقة.. دعوت فى صمت أن تمر الليلة على خير.. ولا نسمع صوت طلقة رصاص أو صريخ امرأة مغتصبة!!.. فى صباح اليوم التالى كان الجو رائعا.. لكن المصيفين الذين انتهزوا فرصة عودة الصيف مثلنا انتقل زحامهم من الشاطئ إلى بهو الفندق استعدادا للعودة إلى الديار.. فقد علموا كما علمنا أن ما حدث فى ليلة الأمس هو تحذير لأيام خريفية متقلبة.. قلت سارحة.. إنها آخر ليلة فى الصيف.. Every Body Go To the Beach أثناء عودتنا تذكرت هذا المثل الأمريكانى.. كل فرد يذهب إلى الشاطئ.. يستخدمونه للدلالة على أشياء كثيرة فى الحياة وأن لكل فرد الحق فى القيام بها أو عملها أو الاستفادة منها لنأخذ هذا المثل على دلالته الحرفية نجده معقولا بالنسبة للأمريكان على شواطئهم لأن كل فرد هناك يذهب إلى الشاطئ ويجد ما يريده لحياته هناك. يستطيع أن يؤجر حجرة فى فندق أو بيت أو يدق خيمة على الرمال.. مياه المحيطين شرقا وغربا للجميع يجد المطاعم والمقاهى وكل الخدمات على الشاطئ ليستمتع بإجازته لا فرق بين غنى أو متوسط الحال كل فرد يجد ما يريده حسب إمكانياته.. فالمثل بالمعنى الحرفى كل فرد يذهب إلى الشاطئ مقصود ومعمول به هناك. فى بلادنا بالرغم من طول شواطئها على البحر المتوسط أو البحر الأحمر وحتى هذه المنطقة الصغيرة على خليج السويس فليس كل فرد يستطيع أن يذهب إلى الشاطئ.. فقد أقيمت فوقه الفنادق والمنتجعات الخاصة لأصحابها.. وللقادرين.. وفهمت أنه يوجد بعض مناطق من شاطئ العين السخنة مفتوحة للجميع.. لكنها كما أعتقد بلا خدمات ولا مأوى لأكثر من يوم تماما كما شاهدت من قبل على شاطئ الساحل الشمالى الممتد إلى مدينة مرسى مطروح المطل على جمال البحر المتوسط فى هذه المنطقة لا يستطيع كل فرد أن يذهب إلى الشاطئ، فقد امتلأ بأشكال وألوان من البيوت المتشابهة وغير المتشابهة.. مناطق خاصة مغلقة لأصحابها.. فنادق لمن يقدر على أسعارها.. ومناطق قليلة بدون خدمات فلا يستطيع كل فرد من سكان مصر المحروسة أن يذهب إلى شواطئنا الجميلة!!