من حق أى مؤلف، أن يستهلم أحداثا بعينها من التاريخ، وأن يعيد تفسير تلك الوقائع، بحيث تلقى بظلالها على الواقع، أو تؤكد القضية التى يريد المؤلف الدفع بها إلى مساحات التحقق، لكن.. ليس من حق أى مؤلف تغيير وقائع التاريخ بما يتناسب مع هواه، أو بغية تحقيق دراما مستنسخة، ترتدى عمامة التاريخ، لمجرد العبور من بوابة الواقع الآنى، وهذا هو المأزق الذى وقع فيه المؤلف عبدالرحيم كمال، عندما تناول شخصية حقيقية، لعبت دورا سياسيا واجتماعيا مؤثرا، فى زمن المكائد المملوكية، حيث الموت الذى يأتى من وراء دائما لكن هذا الدور يتوارى تماما، أو يصبح مجرد ظلال باهتة على حوائط الدراما المفتعلة، والتى ترتدى جلباب أعمال قديمة. ومن هنا توقف نصف المسلسل تقريبا، عند حدود الصراع بين زوجتى الشيخ همام، والمقالب التى تدبرها كل واحدة منهما لتمتلك الشيخ الهرم، وهو الحدث الذى يقترب كثيرا من «الزوجة الثانية»، وكأن المسلسل قد أعاد استنساخ الفيلم مرة أخرى، ثم استدعاء حكاية حسن ونعيمة مرة أخرى، من خلال حكاية ليلة وجابر، والتى تنتهى بمحاولة والد ليلة قتل جابر تماما مثل الفيلم، ومن ثم كانت سقطة الشيخ إسماعيل، وخيانته لشيخ العرب، مجرد انتقام لبلاهته وشرفه المفتعل، وليس سقوطا إنسانيا، هذه الأحداث كانت المحور الأساسى للعمل، حتى جلسات شيخ العرب لسماع شكاوى الأهالى جاءت مكررة وصورة طبق الأصل، وإن كان المؤلف قد قدم دراما محكمة من خلال لغة أقرب إلى الشعر، نجح المخرج فى إعادة طرحها من خلال صورة درامية معبرة، تشى بدلالات الحدث. يحيى الفخرانى عبقرى الدراما العربية بإحساسه المرهف، وحضوره الطاغى وتجسيده للشخصية بحيث يجعلها شخصية حقيقية تخرج من عالم الدراما الخيالى إلى الواقع الحياتى، لا أحد سوف ينسى مشهد موت الشيخ سلام، ولا موت همام نفسه فى النهاية، وهذا الأداء المبهر والمدهش.. إن يحيى الفخرانى، هو أنتونى كوين المصرى، مفاجأة المسلسل فعلا.. مدحت تيخة الأقرب إلى المتصوفة، الذى أقنعنا بسلاسة أدائه، وابتسامته الطيبة، وأتمنى ألا يسجن نفسه داخل ذلك الإطار الذى سوف يضيق عليه مهما اتسع، المفاجأة الثانية كانت صابرين، الزوجة التى تدبر المقالب لضرتها، لحظات ضعفها وجبروتها وطيبتها فى نفس الوقت.. المحبة الجدعة.. شيخة العرب صابحة.