لا حضرتك ولا حضرتى ينقصنا المزيد من الهموم والمشاكل التى تحاصرك وتحاصرنى طوال 24 ساعة من خلال ما تنشره الصحافة - قومية وحزبية وخاصة - أو ما تبثه برامج الفضائيات ليلا وعبر ساعات طويلة من اللت والصراخ أيضاً. فى يوم وليلة أصبح كل من أمسك ورقة وقلماً صاحب رأى ورؤية بل ورؤى استراتيجية فى كل شىء!! وينطبق نفس الشىء على نجوم الفضائيات الذين أصبح عددهم ربما يتجاوز عدد المشاهدين! منذ أيام قليلة رأيت أحدهم على الهواء مباشرة وكان يتحدث بحماس شديد عن أزمة الأرز وارتفاع الأسعار، وبعد ساعة واحدة من حديثه طاردنى نفس النجم عبر فضائية أخرى يتحدث عن أزمة «جدو» وقانونية وشرعية انتقاله للأهلى!! وإذا كان «جدو» هو نجم الشباك فى الصحافة والفضائيات، فقد حلت محله حكاية المذيع الشاب «إيهاب صلاح» الذى قتل زوجته بمسدسه، وطارت الحكايات والشائعات لتمس أشخاصًا لا ذنب لهم فيما حدث، لكنها شهوة الكلام والفضائح عند الصحافة والفضائيات.. قصص وحكايات وأحكام تحكمها المصالح الضيقة! ثم تأتى حكاية سخيفة بلا حدود، وهى حكاية الست «كاميليا» زوجة رجل الدين المسيحى، التى غادرت بيت الزوجية دون إذن زوجها ربما غاضبة أو زعلانة أو لأى سبب من الأسباب وسواءً أكان السبب تافهاً أو جاداً فقد تسبب تصرفها الأحمق فى انطلاق شائعة أكثر حماقة وسخافة، قيل أنها اختطفت وقيل أنها أشهرت إسلامها.. و.. وكاد الأمر يتحول إلى مشكلة طائفية لا ذنب لأحد فيها.. ثم فجأة ظهرت «كاميليا» لتؤكد أن كل الشائعات التى حامت حول اختفائها لم تكن صحيحة بالمرة. مثل هذه السخافات والحماقات صارت هى البطل فوق صفحات الصحف وشاشات الفضائيات.. ولن ينول القارئ والمشاهد إلا الملل والقرف من كل هذه الأشياء، ورحم الله المفكر «قاسم أمين» - صاحب كتاب تحرير المرأة - الذى قال عبارة بليغة مؤداها أن مقاومة القبح بالقبح إضافة قبح إلى قبح موجود بالفعل!! لقد أخرجتنى من هذه الحالة السخيفة قراءتى لمواضيع رائعة فى العدد الثانى من مجلة «ذاكرة مصر المعاصرة»، وهى مجلة ربع سنوية تصدر عن مكتبة الإسكندرية بحماس لا حدود له من المثقف الكبير الدكتور «إسماعيل سراج الدين» ورئيس التحرير المثقف اللامع «د. خالد عزب»، المجلة بورقها وطباعتها تحفة فنية لا مثيل لها. لقد أعجبنى قول د. إسماعيل سراج الدين فى تقديمه للعدد حين قال: من العبث أن نقرأ التاريخ من وجهة نظر واحدة سواء مؤيدة أو معارضة للأحداث ومجريات الأمور، بل إن التاريخ له وجوه عديدة لابد من تناولها بكل مصداقية وحيادية بعيداً عن التشدد والتعصب الفكرى». ويكتب د. خالد عزب مقالاً مهماً يستحق القراءة عن «مستقبل التاريخ» ويلفت النظر قوله «من المصادر التاريخية الجديدة المواد الإذاعية والمواد التليفزيونية وأرشيف الإنترنت والصحافة والصور الفوتوغرافية والأفلام السينمائية والأفلام التسجيلية، إضافة إلى المصادر التقليدية كالكتب والدوريات والوثائق والعملات وطوابع البريد والآثار وغيرها». ولن تندم على قراءة موضوعات هذه المجلة، فالمتعة مؤكدة والفائدة أيضاً، أما رؤية الصور النادرة عن مصر والمصريين وتاريخ مصر فى الدورات الأوليمبية من عام 1912 إلى 1984 فهى مفاجأة، وتحكى سوزان عابد عن تاريخ الترمواى لأكتشف أنه دخل الإسكندرية قبل أن يدخل القاهرة وكان ذلك عام 1860 وكان يسير بواسطة الخيول، وهناك الدراسة المهمة الشيقة التى كتبها المثقف البارز الدكتور عماد أبوغازى عن الفنان محمود مختار، ومقال طريف عن مصطلحات من زمن فات ومنه تعرف أن مصطلح «أفندى» هو لقب فخرى مأخوذ من أصل الكلمة اليونانية العامية «أفنديس» دخل التركية مع التحريف وهو بمعنى «سيد» شاع استعماله منذ العصر العثمانى بين طبقة المثقفين للتشريف ثم أخذ فى الانتشار أكثر وأكثر بين طبقة المثقفين وأصبح لقب أفندى يميز الشخص المثقف المستنير». ولابد من تحية «خالد عزب أفندى» على هذه المجلة المحترمة. ومن التاريخ الحديث انتقل إلى تاريخ الفراعنة مع أفندى آخر هو الزميل والصديق العزيز «عبدالفتاح عنانى» فى أحدث كتبه «أطعمة الفراعنة غذاء وشفاء» (دار المعارف - سلسلة اقرأ الشهرية) يكتب «عنانى أفندى» عن أغذية العصر الحجرى لأنها تعد حتى الآن الطعام الصحى السليم للإنسان ويؤكد «المصرى القديم كانت صحته أفضل كان صحيح البدن، قوى الجسم لأن طعامه كان بسيطاً خالياً من الدهون، طازجاً غير معقد ولا مسبك ولا مقلى، كان يكثر من تناول الخضروات والفاكهة الطازجة والأسماك، ويتجنب الدهون والأكلات الدسمة، المصرى القديم كان يعشق السمك، حتى إن بردية «هاريس» سجلت أن كميات وفيرة من الأسماك كانت توزع كطعام فى معابد طيبة ومنف ولهذا كله تمتع الفراعنة بصحة جيدة». يكتب عنانى بحب وعلم ومعلومات موثقة عن «الفطير المشلتت والمش والعسل والفول المدمس والعدس والترمس والبسلة واللوبيا والحلبة، والفجل والجرجير والبصل الأخضر والخس والكرنب والموز والبطيخ والتين الشوكى والشمام والثوم طبيب الغلابة والبطاطا جالبة السعادة وطاردة الاكتئاب، أما كوز الذرة المشوى فهو كنز الشفاء». ويكتب عنانى أيضاً عن فن تأجيل الشيخوخة وذلك بألا يتناول الإنسان سوى أطعمة قليلة منخفضة السعرات أو بلغة الصحافة «ما قل ودل». ساعات ممتعة قضيتها مع «د. عزب أفندى» وعنانى أفندى فشكراً لهما!!