أربع ساعات قضيتها في إحدي دور الأيتام كانت قادرة علي تصحيح فكرتي عن دور الأيتام والجمعيات الخيرية فالحياة هنا مختلفة فهناك فتيات صغيرات - لم يتزوجن بعد - يقمن بدور الأم البديلة علي خير وجه فالتجربة مهمة وتستحق الرصد في السطور القادمة. عندما ذهبت إلي دار الأيتام أخذتني مديرة الدار إيمان القلش إلي المنزل الذي يعيش فيه الأطفال وقالت أعمل في مهنة المحاماة منذ 23 سنة ووصلت إلي الاستئناف، ولكن بعدما كبر أبنائي وحدثت لي ظروف خاصة لجأت منذ سنة ونصف لإدارة دار أيتام والمسألة متبادلة فهم يعوضوني وأنا أعوضهم وأردت أن أعمل خيرا مع أطفال أبرياء لإعدادهم لاستقبال دنيا صعبة تحتاج إلي جيل قادر علي تحمل أعبائها.. وأصبحت مديرة علي 4 مشرفات و12 طفلاً وفي بادئ الأمر دربت المشرفات وكنت وقتها أقيم معهن، ولكن بعدما تدربن بدأت أقيم بعض الأوقات معهن، وكل مشرفة مسئولة عن 3 أطفال وما يزيدني دهشة واستغراب هو قوة تحمل هؤلاء المشرفات اللاتي لا يتعدي أعمارهن ال24 عاماً ولم يسبق لهن الزواج ولكن فطرتهن جعلت كلاً منهن قادرة علي تحمل مسئولية أكثر من طفل وغريزة الأمومة غلبتهن وزادت من صبرهن وجعلتهن أمهات مثاليات علي الرغم من أنهن بديلات إضافة إلي أنها التجربة الأولي لهن في عالم تربية الأطفال. - أمهات بديلات وكانت أول من بادرت بالحديث معها لبني محمود محمد 23 سنة خريجة دراسات إسلامية وقالت: عندما أنهيت دراستي أردت أن أكمل باقي حياتي في العمل الخيري، وما أثارني ونال إعجابي هو الإشراف علي الأيتام في الدار واخترت هذا المجال لأكثر من سبب منها أنني أحب الأطفال وعندما أري هؤلاء الأطفال يكبرون ويشتد عودهم ويصبحون رجالاً قادرين علي تحمل المسئولية وأعباء الدنيا فسيكون ذلك هو انتصاري ونجاحي في إخراج جيل تربي علي حسن الخلق وبأسلوب قويم مثل أي أم تلد وتربي وتكبر وعندما تري ابنها قادرا علي تحمل المسئولية مدركا تمام الادراك الفرق بين الخطأ والصواب وبالفعل قد لا أكون أنا من عانت في ولادة أي طفل منهم ولكن ساهمت في تربيتهم لأنتظر حلاوة المعاناة في رؤيتي لهؤلاء الأطفال وهم يكبرون أمام أعيننا.. وعندها نظرت نظرة فهمتها لبني وقالت: أعلم أنك تسأليني عن حياتي لإقامتي التامة معهم نعم آخذ 4 أيام إجازة في الشهر أذهب فيها إلي أهلي الذين لم يعارضوني أبدا علي إقامتي مع هؤلاء الأطفال أما عن حياتي المستقبلية فهي في علم الغيب وليست إقامتي معهم تعني عدم زواجي كما يقول لي الكثيرون وأن هذا العمل سيعطل زواجي فأنا علي يقين بأنه عندما يريد الله سيكون ما يريد. وروت قائلة: في بادئ الأمر أخذتني مديرة الدار ودربتني علي كيفية الاهتمام بالأطفال فأنا أهتم بثلاثة أطفال وطبعا هذه مسئولية كبيرة، ولكن حبي للأطفال هون علي كثيراً فطبيعة كل إنسان أن يأتي عليه يوم وينزعج ولأني مثل كل البشر كأنه يراودني أحياناً الإحساس بعدم التحمل، ولكن لم أستخدم أبداً العنف مع الأطفال وإنما كنت أحاول أن أعاقبهم بشكل لائق مثل أن أمنعه لمدة 10 دقائق من اللعب بألعابه المفضلة أو أقوم بعمل طابور النقاب وهو عبارة عن طابور طويل «كالقطار» مكون من كل أولاد الدار و«نجري ونحن نقول ياعبدالله يانوتي «naughty» وقد يبدو أن الأمر مجرد لعبة، ولكن له تأثير كبير جداً مع الأطفال. فمديرة الدار هي من دربتني نفسياً علي تحمل واستيعاب الأطفال وكيفية الاهتمام بمظهرهم ونظافتهم الشخصية ومراجعة دروسهم بعد الرجوع من مدرستهم. وأكملت ياسمين 24 سنة ليسانس حقوق المنوفية قائلة: إذا كنت سأعمل في مهنة المحاماة لجلب الحقوق لكل الناس ومختلف الأعمار فلماذا لا أعمل في إعطاء الحقوق للأطفال وفي رعايتهم فهؤلاء الأطفال ليس لهم أي ذنب فيما وصلوا إليه فلماذا يكون المجتمع قاسياً معهم وهم ليسوا بمذنبين لذلك حركتني هذه المشاعر الإنسانية تجاه الأطفال الأيتام وابتعدت عن مهنة المحاماة وتفرغت لتربية أبناء ليسوا أبنائي ولم يكن الداعي هو عمل الخير فقط فعمل الخير له أنواع كثيرة وجوانب وأشكال مختلفة، ولكن حبي للأطفال وهم لا حول لهم ولا قوة ولا في أيديهم عمل أي شيء يغير ما حدث لهم فأردت أن أكون من ضمن المنقذات التي تمد يدا من الحب، والتعاون والمساعدة في تربية هؤلاء الأطفال أحسن تربية حتي لا يشعروا بالنقصان في شيء.. ويحسوا أنهم بالفعل في بيوت أهلهم الذين فقدوهم، فأنا مسئولة بالفعل عن «يحيي ومحمد وعبدالرحمن» وهي مسئولية ضخمة فمن تملك طفلين الآن تصرخ وتتعب في تربيتهم، ولكن لأننا نعمل خيرا يساعدنا الله ويجعلنا نصمد أمام أي شيء ويزيد من صبرنا وقوة تحملنا حتي نستطيع أن نتحمل مسئولية أكثر من طفل متقاربين في العمر وعلي الرغم من كبر حجم هذه المسئولية إلا أنها مسئولية ممتعة عندما أراهم يتعاملون مع الغير بشكل لائق ويشرفون من معهم إضافة إلي أن هذه المسئولية لا يقدر عليها الكثير وعندما يري الإنسان أنه قادر علي أن يكون أما بديلة لثلاثة أطفال دون تعب أو ملل فلماذا لا يفعل؟! أما سوما 23 سنة بكالوريوس تجارة المنوفية فقالت: أنا مسئولة عن أشقي طفلين وهما عبدالله وعبدالرحمن وأيضاً مسئولة عن «المطبخ» فأنا التي أقوم بإعداد الطعام دائما حسب الجدول الأسبوعي الذي وضعته صاحبة الدار وقبل أن تبادريني بسؤالك عن صعوبة التنسيق بين الأمرين أقول لك: أحب أن أسمع كلمة «تسلم أيدك» من الأطفال. وأكملت سوما قائلة: عندما أدخل المطبخ أتفق مع زميلاتي المشرفات علي الاهتمام والعناية بعبدالله وعبدالرحمن حتي أنتهي من إعداد الطعام، نعم الأمر صعب، ولكن حب الأطفال يغلب علي وهذا هو السبب الذي جعلني أقدم لأكون مشرفة ومربية للأطفال خاصة الأيتام الذين فقدوا حنان الأم وعطاء الأب ولدي قدرة علي معاملتهم بسياسة فأنا أتخيل أنهم أبنائي وأطبق عليهم كل شيء فحبي لهم من قلبي يصل إليهم بسهولة ويشعرون به فبالحب أستطيع أن أسيطر علي كل شيء وعندما يفعلون (شيء غلط) أمتنع عن الحديث معهم يبكون ويأتون إلي في حضني متعهدين علي عدم تكرار هذا الخطأ مرة ثانية. وأضافت: نحن نحاول أن نهيئ لهم جواً أسرياً فأنا والمشرفات نعاملهم علي أننا إخواتهم الكبار لنوحد رمز الأمومة في صاحبة الدار التي لن تتركهم أبداً، أما نحن - الأمهات البديلات فقد يحدث لنا ظروف تمنع مجيئنا ولا نريد أن نجرح مشاعرهم أو نلعب بأحاسيسهم وعواطفهم فكيف للأم أن تمشي وتترك أطفالها.. علي الرغم من أنني أسعد عندما يقولون لي كلمة ماما.؟