في خطوة مهمة ومبادرة مطلوبة دعا المجلس الأعلي للصحافة العديد من الكتاب والصحفيين من مختلف الصحف القومية والحزبية والخاصة لمناقشة معالجة الصحافة لحادث نجع حمادي، والذي راح ضحيته سبعة مواطنين أبرياء وتأتي مبادرة المجلس الأعلي للصحافة لمناقشة التناول الإعلامي للحادث في إطار تحديد الرؤية الوطنية، والوقوف ضد محاولات استثمار الحادث بأية صورة من الصور وسط حضور مكثف من عدد كبير من الصحفيين في جريدة ومجلة روزاليوسف ومجلة صباح الخير.. وصحف الأخبار، والجمهورية والمساء، ومجلة نصف الدنيا، وجريدة القاهرة، كما حضر أيضاً صحفيون من جريدة الأحرار، والجماهير، والرأي، وجريدة الشروق، والخميس، والموجز. - حوار عميق وقد بدأت الحلقة النقاشية برئاسة الكاتب الكبير صلاح منتصر وكيل المجلس الأعلي للصحافة متحدثاً عن ضرورة الاستمرارية في المعالجة الإعلامية للنزعة الطائفية التي قد تطل برأسها من جديد، وأكد علي ضرورة الالتزام بالضمير المهني منتقداً ترك المجتمع نهباً لهذه الظاهرة ومعتبراً ذلك مما يعد قيلولة للضمير وهو نوع من المشاركة المتعمدة في ترك المجتمع يعاني من هذه النزعات المرفوضة، ودعا صلاح منتصر إلي ضرورة احترام التعددية الدينية، ومحاربة مناخ الكراهية والتمييز والدفاع عن الفكر الحر. وقد أسهم في الحوار الكاتب الكبير نبيل زكي، ود فاروق أبو زيد رئيس لجنة تقارير الممارسة الصحفية بالمجلس الأعلي للصحافة، ود. رفعت السعيد، ود سامي عبدالعزيز حيث تمت المناقشات من خلال عدة جلسات ودارت حول الممارسات الصحفية الإيجابية، والسلبية في معالجة هذه القضية، والضوابط المتعلقة بميثاق الشرف الصحفي، والقيم الصحفية والأخلاقية المطلوب اتباعها في مثل هذه القضايا الحيوية - صحافتنا بخير وقد أكد د. فاروق أبو زيد أن تقرير لجنة الممارسة الصحفية أوضح أن غالبية الصحف المصرية ارتفعت في تناولها لحادث نجع حمادي إلي مستوي المسئولية الواجبة إلا أن بعض الصحف، وهي قليلة للغاية نشرت ونقلت عن بعض الفضائيات التي تجاوزت في استغلال الحادث كوسيلة للترويج والإثارة مما كانت نتيجته نشر وبث أخبار وتحليلات وحوارات غير دقيقة انعكست سلبياً علي مصالح الوطن القومية مما يعد انتهاكاً للدستور ولقانون الصحافة وميثاق الشرف الصحفي. وتحدث د. فاروق أبو زيد قائلاً: الممارسات الصحفية السلبية هي التي تعوق تطور الصحافة وتعوق تطور المهنة أيضاً وأشار إلي نشر بعض الصحف لأخبار غير مؤكدة تسيء إلي الوحدة الوطنية، وأخري استغلت الحادث سياسياً، كما انتقد الممارسات الصحفية التي تقوم بالاتهام بغير دليل وإصدار الأحكام علي من لم تثبت إدانتهم بعد، كما تحدث عن الأخبار المجهلة وهي ليست من مصادر موثوق منها وكلها تؤثر علي معيار الثقة والدقة وتؤثر علي مصداقية الصحف التي تقوم بهذه الممارسات - إنعاش ذاكرة الأمة أما الكاتب الكبير نبيل زكي فقد تحدث عن ضرورة التأكيد علي مفهوم الدولة المدنية واحترام سلطة القانون، وشرح مبدأ المواطنة، وهي المادة الأولي في الدستور التي تؤكد علي المساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون دون النظر إلي اختلافات الجنس أو اللون أو الديانة، وأن يكون من واجب الصحافة والإعلام التأكيد علي ذلك. وأشار نبيل زكي إلي إبراز كل ما يعزز التلاحم الوطني، والوقوف ضد كل دعوة للتعصب أو التفرقة لأن هذا من شأنه تخريب وحدة الوطن في الداخل ويهدد كيان الأمة، ودعا إلي مواجهة الجهالة، والدفاع عن الحياة في مواجهة التجهم والسواد بإنعاش ذاكرة الأمة، والاهتمام بالكتابة عن الثقافة والآداب والفنون والموسيقي، وطالب بسرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة. - فضائيات بير السلم أما د. رفعت السعيد فقد تحدث عن بعض الفضائيات التي استدارت لتواجه الوطن وتوجه نيرانها إلي صدره مشعلة مناخ الفتنة متسائلاً من أين يأتي تمويلها؟ ومن يحركها، وأطلق عليها اسم فضائيات بير السلم، وقال إنها أفسحت صدرها لفتاوي لا علاقة لها بصحيح الدين، وصحيح الوطنية - الفكر في مواجهة التطرف وقد أشار إلي ضرورة إبراز الكتابات الفكرية التي من شأنها نشر الوعي الفكري مثل كتاب العرب النصاري لحسين العودات لتجلو هذه الكتابات لقرائها ما كان يحدث في الزمن الأول من احترام للتعددية الدينية ونقلاً عن حسين العودات يقول: لقد كان نصاري شبه جزيرة العرب يمارسون جميع المهن التي يريدونها أيام الرسول صلي الله عليه وسلم بما في ذلك مهنة التعليم علي خطورتها فقد كان معظم المدرسين في المدينةالمنورة من النصاري، وفي ظل الدولة الإسلامية الأولي تولوا مناصب مهمة في قيادة الجيوش، وكانوا حكام مناطق فقد كان اسطفان بن يعقوب مشرفاً علي خزانة الخليفة في عهد معاوية وابن آثال كان طبيبه الخاص كما عينه علي ولاية حمص، وكان شاعره الأخطل من أبرز الشعراء -الوطن والإيمان وأشار السعيد إلي كتابات ومواقف حديثة مثل بطرس البستاني الذي أصدر مجلة الجنان ووضع لها شعاراً حب الوطن من الإيمان، وكان البستاني يقول: اتحدوا برغم الاختلاف في الدين، ألا تشربون كلكم من نصف الماء، ألا تتنفسون كلكم من نفس الهواء، كما أشار إلي أن رفاعة الطهطاوي من أوائل من رفعوا شعار حب الوطن من الإيمان. كما تحدث د رفعت السعيد عن كتاب فتح العرب لمصر للمفكر الغربي ألفريد بتلر والذي ينقل لنا عن يوحنا النقيوسي قوله إن عمرو بن العاص لم يضع يده علي شيء من أملاك الكنائس، ولم يرتكب ضد الأقباط شيئاً من النهب أو الغصب بل إنه حفظ الكنائس وحماها إلي آخر مدة حياته. ودعا السعيد إلي إعادة طبع ونشر مثل هذه الكتب الفكرية التي من شأنها رفع الوعي وإعلاء قيم التعددية واحترام الاختلاف. -الاجتماعيون قبل قوات الأمن وتحدث د. سامي عبدالعزيز عن ضرورة تحديد أبعاد المشكلة أولاً متسائلاً هل هناك مشكلة وحدة وطنية؟ وأجاب ليست هناك إجابة قاطعة، ثم تحدث عن ضرورة تحديد أبعاد القضية ووضع تصورات قابلة للتطبيق، وإعادة النظر في أساليب التعامل مع مثل هذه القضايا والمعالجة السياسية لها، ففي أحداث نجع حمادي تسابقت الأحزاب لتكون في موضع الحدث، ذهبوا من أجل التواجد السياسي، ولكن كيف تمت معالجة القضية؟، علينا أن نعرف من أين نبدأ؟، وهو ليس سؤالاً سهلاً لكنه أشار إلي أن هناك حالة وعي عميقة لدي الإعلاميين بخطورة القضية، وضرورة الوصول إلي حلول، فالمسئولية الاجتماعية قد ظهرت في المعالجة الصحفية لحدث نجع حمادي رغم اختلاف المرجعيات الثقافية، وكانت هناك محاولات جادة للالتزام بالدقة والموضوعية في بعض الكتابات إلا أن نقاط الضعف في بعض المعالجات الإعلامية تمثلت في غياب الجانب التحليلي لأبعاد الأزمة، واستغلال الأزمة في الدعاية المباشرة لبعض الأحزاب والمؤسسات، ودعا د.سامي عبدالعزيز إلي نبذ ثقافة الاستسهال في الكتابة التي تهدد الإعلام المصري. وتمني أن تتاح الفرصة لرجال البحث العلمي والاجتماعيين إلي النزول لمواقع الأحداث قبل أن نرسل قوات الأمن لفض الاشتباك كما كان ينادي بذلك الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين. - الممارسات السلبية وحرية الصحافة وقد تبلورت تعليقات الزملاء والزميلات الصحفيين الذين حضروا الجلسات الحوارية حول أن الملاحظات التي يرصدها المجلس الأعلي للصحافة علي الممارسات الصحفية قد لا تمنع الممارسات السلبية لأن تقارير لجنة الممارسات الصحفية غير ملزمة للصحف فأجاب الكاتب الكبير صلاح منتصر وكيل المجلس: إن الاهتمام الأول للمجلس أن يكون هناك أفق متسع لحرية الصحافة، وأن هذه الملاحظات والتقارير تكون فرصة للحوار والنقاش حول هذه الممارسات ولكنها لا تسعي إلي تقييد حرية الصحافة. وتحدث د فاروق أبو زيد فقال: أعتقد أن تقارير المجلس الأعلي للصحافة قد غيرت بعض المفاهيم وبعض الممارسات الصحفية ولكن هذا التغيير لن يتم بين يوم وليلة وقد كان عدد الملاحظات في بعض التقارير يصل إلي ألفين أو ثلاثة آلاف ملاحظة ولكنها الآن أقل بكثير، وفي رأيه أن أكبر تجاوز في الصحافة المصرية هو الخلط بين الخبر والرأي، وبين الإعلان والتحرير. والتقرير الذي أعدته عن المعالجة الصحفية لحادث نجع حمادي لجنة من أساتذة الإعلام مكونة من حوالي ثلاثين عضواً بالإضافة إلي ثمانية من رؤساء مجلس إدارات الصحف ورؤساء التحرير من ست صحف قومية وصحيفتين حزبيتين وتلتزم اللجنة في تقاريرها بما ينص عليه قانون الصحافة، وميثاق الشرف الصحفي الذي وضعته نقابة الصحفيين وأقره المجلس الأعلي للصحافة ويتسق مع ما وضعته المنظمات العالمية المهتمة بالإعلام. - المسئولية الوطنية وقد ورد في التقرير الخاص بمعالجة الصحف لحادث نجع حمادي إشارات للصحف التي أكدت علي الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن والتي قامت بوأد محاولات استثمار الحادث لغير مصالح الوطن، والصحف التي التزمت بالدقة والموضوعية والاستناد إلي مصادر رئيسية وموثوق بها، والتي اهتمت بتذكير الأجيال الشابة بالنماذج المشرفة من الكفاح المشترك لكافة أبناء الأمة. كما ذكر التقرير الممارسات السلبية لبعض الصحف وتتمثل في نشر أخبار غير موثقة تسيء إلي الوحدة الوطنية، وتشعل نار الإثارة والنعرات الطائفية، وتلك التي قامت باستغلال الحادث سياسياً، كما أشار التقرير إلي الإسراف في الإشارة إلي الهوية الدينية للمواطنين دون أن يكون ذلك ضرورياً من الناحية المهنية لإيضاح محتوي الخبر. وجاءت مجلة صباح الخير، ومجلة روزاليوسف وجريدة روزاليوسف جنباً إلي جنب مع الصحف المصرية المسئولة والتي عالجت أحداث نجع حمادي بقدر كبير من الإحساس بالمسئولية الوطنية في مواجهة النزعة الطائفية التي تطل برأسها. وكان بيان المجلس الاعلي للصحافة قد دعا إلي المحافظة علي وحدة مصر، وطنا حرا ستظل قوته في وحدته، ووحدته في قوته كما ذكر البيان أن الذين يتربصون لاستغلال هذا الحادث العابر من أطراف خارجية ويتصورن إمكانية استغلاله وتوظيفه لمحاربة وحدته الوطنية فإن علينا أن نواجههم ونرفض أي تدخلات أجنبية وكل ما يقال في هذا الصدد من برلمانات أجنبية وعلي وجه التحديد البرلمان الأوروبي. كما دعا البيان إلي تعميق ثقافة الحب، والقدرة علي التسامح والتعاون ورفض العنف والتفرقة وتنوير المجتمع بطريقة بناء دولة مدنية لا مجال فيها لفكر منحرف يخلط الدين بالسياسية. إنها وحدتنا، وطابع أمتنا، وطن نعشقه بالفطرة، بالقضاء والقدر، وطن سيظل بوحدته وقوته رمزاً للسلام والمحبة، وطن نقول له من أعماق قلوبنا لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً.