أن تقرر الفتاة الزواج هروبا من جحيم بيت أهلها ليس أمرا جديدا، لكنها للأسف وسيلة تلجأ إليها فتيات كثيرات للهروب من عنف أو قسوة أب أو سوء معاملة أم - بالزواج.. وللأسف تقبل الفتاة الزواج من شخص تحاول جاهدة أن تقنع نفسها به، وللأسف أيضا تكون غير مقتنعة به على الإطلاق. هذه هى مأساة أجيال من الفتيات.. يقررن بدء الحياة بطريقة خطأ وكأنهن يعاقبن أنفسهن متصورات أنهن بالزواج سينجون من هلاك ومن عذاب بيت الأهل. نسمة - 22 سنة - تقول: مخطوبة منذ أربعة أعوام، ومع ذلك فهى غير سعيدة - أو كما تقول - "عادى"!! فعندما سألتها عن مدى سعادتها بالخطوبة.. أجابتنى تلك الإجابة "غير العادية".. قالت: "عادى يعنى"!! وبعد فضفضة حدثتنى نسمة عن أنها قبلت الخطوبة كمخرج ومنفذ للخلاص من مشاكلها العائلية، خاصة مع والدها الذى يعاملها بقسوة ويضيق الخناق عليها ويحرمها من حريتها، ورغم أنها من المكافحات وتعمل منذ أن كانت طالبة فى المرحلة الثانوية، ورغم أنها تحاول جاهدة ألا تثقل عاتق والدها بمصروفاتها، فقررت العمل مبكرا ومع ذلك فهى لم تستطع كسب رضا وود والدها، وبالعكس ازدادت الأمور عنفا وغضبا فى المنزل، ومع أول عريس يتقدم لها كانت الموافقة، وكما تقول: لا أعلم إذا كانت موافقة محسوبة أم لا. فهو شاب محدود الامكانات، يريد أن يستقر، رغم استمرار الخطوبة لمدة أربع سنوات، إلا أننى اعتدت عليه فى حياتى، لكننى لا أستطيع القول بأنه فتى أحلامى أو أننى أحبه. لكن "باقول لنفسى.. أرحم من جحيم أبويا"!! ولا تنكر نسمة خوفها الشديد من إتمام الزيجة لأن عائلته شديدة القسوة أيضا، ووالدته وأخته تعاملانها بمنتهى السخف، رغم محاولاتها الجادة لكسب الرضا وعمل علاقة حميمة معهما. الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة لشيرين "ماجستير فى إدارة الأعمال"، وهو الشىء الذى أصابنى بذهول، فهى فتاة متحققة ذكية مثقفة محبة للعلم وطموحة ولكن هناك علاقة ما شائكة بينها وبين والدتها التى قررت أن تبقيها فى بيت جدها وجدتها منذ أن كانت فى المرحلة الإعدادية وذلك الشىء الذى لم تفهمه شيرين حتى وصلت لهذه السن (82) عاما، وهى لا تدرك سبب التفرقة فى المعاملة بينها وبين أخيها الأصغر الذى منحته الأم الكثير من التدليل، ولأن شيرين شخصية مستقلة وواعية رفضت الكثير ممن تقدموا لخطبتها لأنهم كانوا غير مناسبين لها، وهذا ما أوقعها فى سلسلة غيرمنتهية من الصراع والتشابك مع أمها، فى حين احتفظ الأب بالموقف السلبى المحايد، وعندما زادت فى السنوات الأخيرة ضغوط الأم بكل المعانى والجمل السلبية التى توجهها لابنتها والتى تتضمن هدما فى شخصيتها مما أشعر شيرين بالوجع الحقيقى، وأدخلها فى حالة اكتئاب لدرجة أنها قررت الخلاص من هذا الجحيم ومن شعورها المتزايد بالغضب وبالكراهية تجاه والدتها بأنها ستقبل الزواج من أى شخص تجد فيه الحد الأدنى من المواصفات حتى وإن لم تكن تحبه. المفارقة أن شيرين خطبت لشخص لم ينل موافقة ورضا الأم عنه، فإذا بالأم تواصل حملتها الغاضبة تجاه ابنتها. وكما تقول شيرين يبدو أن الجحيم مكتوب علىّ سواء كنت فى بيت أهلى أو فى بيت زوجى.. فالجحيم الحقيقى.. للأسف.. هى أمى!! نسبة الطلاق تتزايد فى مصر، حتى وصل عدد المطلقات إلى 5,2 مليون مطلقة، ورغم أنه من المفترض أن نسبة الوعى تزداد بين الفتيات إلا أن هناك حالة تردى فى الفكر تقرر الفتاة الهروب من بيت أهلها بالدخول فى أكبر وأهم قرار مصيرى وهو الزواج، فتقبل زيجة ترضى بها أو تقنع نفسها بها كوسيلة للهروب. أعرف أن البعض قد يتصور أننى أتحدث من منطق نظرى لا علاقة له بالواقع، ولكن أعرف أن الخيارين أصعب، خيار البقاء فى منزل العائلة التعيس، أو خيار قبول الزواج وتأسيس حياة قد تكون تعيسة أو قد تنتهى بالطلاق أيضا. ويبقى السؤال الذى أتمنى أن تفكر فيه البنات: - لماذا أعتبر أن هناك منقذا خارجيا هو الذى سينتشلنى من عذاباتى؟! لماذا لا تفكر الفتاة فى أنها هى القادرة على تنفيذ القرار الأصعب وهو أن تؤمن بأن سعادتها لن تأتيها "بالباراشوت" من السماء، ولكن السعادة قد تأتيها من التفتيش داخل ذاتها، قد تكون الفتاة تعيسة فى منزل أهلها بسبب الخلافات، فلماذا لا تفكر فى "الشغل على نفسها وتنمية ذاتها" وأن تجعل نقطة التركيز ليست علاقتها السيئة ولكن تجعل الارتكاز الأكبر على ذاتها، وأن توجد 5لنفسها مناطق سعادة بداخلها، تتمكن من ممارستها أينما وجدت سواء فى بيت أهلها أو فى بيت زوجها. هذا ليس حلا سهلا للفتيات المعذبات، لكن مجرد همس فى أذن كل فتاة تتصور أن الزواج خير منقذ من علاقة سيئة بالأهل، فلا تعالجى المشكلة بالوقوع فى قرار مصيرى خاطئ. حاولى أن تهدئى نار الخلاف والجحيم فى منزل أهلك، والعمل على إيجاد مساحة سعادة تحققينها لنفسك بنفسك قبل أن تفكرى فى أن الزواج بمن لا تحبينه وبمن لا يقنعك كزوج - هو الحل.. فالهروب لم يكن أبدا حلا.. لكنه مسكن مؤقت قصير المدى!!