أبو الغيط: نتطلع لدعم سلوفينيا للقضية الفلسطينية خلال عضويتها في مجلس الأمن    غارة إسرائيلية تستهدف بلدة طيردبا جنوبي لبنان    حزب الله اللبناني يستهدف قاعدة إسرائيلية بالصواريخ    قصف جنوب إسرائيل واشتعال قاعدة عسكرية للاحتلال    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء في الدوري الإسباني وكأس كاراباو بإنجلترا    خطر على القلب.. ماذا يحدث لجسمك عند تناول الموز على معدة غارفة    قطع المياه اليوم 4 ساعات عن 11 قرية بالمنوفية    وفاة إعلامي بماسبيرو.. و"الوطنية للإعلام" تتقدم بالعزاء لأسرته    فريق عمل السفارة الأمريكية يؤكد الحرص على دفع التعاون مع مصر    زيادة جديدة في أسعار سيارات جي إيه سي إمباو    محافظ الأقصر: «أي مواطن لديه مشكلة في التصالح يتوجه لمقابلتي فورًا»    الأردن والعراق يؤكدان ضرورة خفض التصعيد في المنطقة    محافظ الأقصر ل«البوابة نيوز»: المرحلة الثانية لمبادرة حياة كريمة تستهدف قرى البياضية والقرنة    حال خسارة السوبر.. ناقد رياضي: مؤمن سليمان مرشح لخلافة جوميز    حمادة طلبة: الزمالك قادر على تحقيق لقب السوبر الأفريقي.. والتدعيمات الجديدة ستضيف الكثير أمام الأهلي    فابريجاس يحقق فوزه الأول في الدوري الإيطالي    بعد اختفائه 25 يوما، العثور على رفات جثة شاب داخل بالوعة صرف صحي بالأقصر    إصابة 7 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بقنا    غلطة سائق.. النيابة تستعلم عن صحة 9 أشخاص أصيبوا في انقلاب سيارة بالصف    محافظ أسوان: لا توجد أي حالات جديدة مصابة بالنزلات المعوية    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور    وزير الاتصالات: التعاون مع الصين امتد ليشمل إنشاء مصانع لكابلات الألياف الضوئية والهواتف المحمولة    مستشار الرئيس يكشف طرق الوقاية من " فيروس أسوان" المعدي    المباراة 300 ل أنشيلوتي.. ريال مدريد يكسر قاعدة الشوط الأول ويفلت من عودة ألافيس    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    رياضة ½ الليل| الزمالك وقمصان يصلان السعودية.. «أمريكي» في الأهلي.. ومبابي يتألق في الخماسية    بعد الاستقرار على تأجيله.. تحديد موعد كأس السوبر المصري في الإمارات    رئيس البرازيل: حرب غزة تمتد بصورة خطرة إلى لبنان    السعودية وبلغاريا تبحثان تعزيز علاقات التعاون    السفير ماجد عبد الفتاح: تعديل موعد جلسة مجلس الأمن للخميس بمشاركة محتملة لماكرون وميقاتي    مياه المنوفية ترد على الشائعات: جميع المحطات بحالة جيدة ولا يوجد مشكلة تخص جودة المياه    مقتل عنصر إجرامي خطر خلال تبادل إطلاق النار مع الشرطة في قنا    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بمدينة 6 أكتوبر    لرفضه زواجه من شقيقته.. الجنايات تعاقب سائق وصديقه قتلوا شاب بالسلام    رئيس الإمارات يبحث التطورات بمجال التكنولوجيا الحديثة مع مسؤولين في واشنطن    وفاة الإعلامي أيمن يوسف.. وعمرو الفقي ينعيه    خلال لقائه مدير عام اليونسكو.. عبد العاطي يدعو لتسريع الخطوات التنفيذية لمبادرة التكيف المائي    حظك اليوم| الأربعاء 25 سبتمبر لمواليد برج الجدي    حظك اليوم| الأربعاء 25 سبتمبر لمواليد برج الحوت    حظك اليوم| الأربعاء 25 سبتمبر لمواليد برج الدلو    «بفعل فاعل».. أبوجبل يكشف لأول مرة سر فشل انتقاله إلى الأهلي    حدث بالفن| وفاة شقيق فنان ورسالة تركي آل الشيخ قبل السوبر الأفريقي واعتذار حسام حبيب    يقفز من جديد 120 جنيهًا.. مفاجأة أسعار الذهب اليوم الأربعاء «بيع وشراء» عيار 21 بالمصنعية    هل الصلاة بالتاتو أو الوشم باطلة؟ داعية يحسم الجدل (فيديو)    الكيلو ب7 جنيهات.. شعبة الخضروات تكشف مفاجأة سارة بشأن سعر الطماطم    محافظ شمال سيناء يلتقي مشايخ وعواقل نخل بوسط سيناء    «اللي يصاب بالبرد يقعد في بيته».. جمال شعبان يحذر من متحور كورونا الجديد    هل هناك جائحة جديدة من كورونا؟.. رئيس الرابطة الطبية الأوروبية يوضح    طريقة عمل الزلابية، لتحلية رخيصة وسريعة التحضير    آيتن عامر تعلق على أزمتها مع طليقها وكواليس فيلمها الجديد (فيديو)    رسائل نور للعالمين.. «الأوقاف» تطلق المطوية الثانية بمبادرة خلق عظيم    حقوق الإنسان التى تستهدفها مصر    وفد من الاتحاد الأوروبي يزور الأديرة والمعالم السياحية في وادي النطرون - صور    أمين عام هيئة كبار العلماء: تناول اللحوم المستنبتة من الحيوان لا يجوز إلا بهذه الشروط    خالد الجندي يوجه رسالة للمتشككين: "لا تَقْفُ ما ليس لكم به علم"    جامعة الأزهر: إدراج 43 عالمًا بقائمة ستانفورد تكريم لمسيرة البحث العلمي لعلمائنا    صوت الإشارة.. قصة ملهمة وبطل حقيقي |فيديو    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي التخصصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعز محمد محمود باشا السياسى لا.. الشارع!
نشر في صباح الخير يوم 29 - 11 - 2011

لا يوجد بيت مصرى واحد الآن لا يعرف اسم «شارع محمد محمود» وما جرى فيه!!
أحداث شارع «محمد محمود» بكل تداعياتها وألغازها وغموضها أصبحت هى الشغل الشاغل للفضائيات الإخبارية مصرية وعربية وأجنبية.
وفى زحام ذلك كله سقط سهوا أو عمدا اسم الرجل صاحب الشارع وبقى الشارع شاهدا على أحداث غريبة ومؤسفة!!
أترك الشارع بكل قصصه المحزنة، وأسئلته التى لا تجد إجابات لأكتب لكم ملامح سريعة وخاطفة من مشوار «محمد محمود» الصعيدى خريج جامعة أوكسفورد البريطانية ليحصل على دبلوم فى علم التاريخ الحديث حيث كان أول مصرى تخرج فى هذه الجامعة العريقة !
وبعد عودته من البعثة عين مفتشا بالمالية، ثم مساعد مفتش بوزارة الداخلية ثم مديرا للفيوم من نوفمبر 1906 إلى فبراير 1910، ثم محافظا للقنال من مارس 1910 إلى يناير 1914 ثم مديرا للبحيرة حتى أغسطس 1917!
وفى ذلك الوقت طلبت منه السلطات الإنجليزية القبض على زعماء الحزب الوطنى فى البحيرة ورفض تنفيذ الأمر، بل قام بحماية هؤلاء المطلوب القبض عليهم، فتمت إقالته من منصبه !
وقبل ذلك الموقف الوطنى للرجل كانت السلطات البريطانية قد انزعجت منه عندما كان محافظا للقنال فتدخل فى أمور شركة قناة السويس لحماية مصالح العمال المصريين فقرر زيادة رواتبهم وتحسين معاشهم والتقليل من ساعات العمل لهم، ومساواتهم بالموظفين الأجانب.
تصف وثائق وزارة الخارجية البريطانية «محمد محمود» بقولها :
«شخصية مؤثرة، ذكى، نشيط، مستبد، عاطفى، برم، عابس، غيور، سليم الطوية، قانط وهو بوجه عام شخص محبوب، متجاوب جدا مع الأحاسيس الشخصية، يتأثر بالصداقة والنفاق، ويستمع إلى المشورة الحازمة، على جانب من الشجاعة، ويقال عنه أنه طيب القلب، وهو لا يعتمد عليه تماما».
كانت هذه صفات الرجل لا الشارع !
اشترك «محمد محمود» فى تأليف الوفد المصرى، بل كان واحدا من الخمسة المؤسسين لحزب الوفد، ونفى مع سعد زغلول إلى مالطة سنة 1919 ثم اختلف مع سعد زغلول!
الكاتب الكبير الأستاذ «مصطفى أمين» كتب يقول:كان «محمد محمود» صديقا حميما لسعد زغلول قبل الثورة، وكان والده «محمود سليمان باشا» يشكو من أن «محمد محمود» يمضى فى بيت «سعد» أكثر مما يمضى فى داره، ويقول : يعنى لازم يشوف «سعد» قبل ما يشوف والده وزوجته وأولاده وإخوته.
وحدث خلاف الوفد سنة 1920 وانضم محمد محمود إلى فريق «عدلى يكن باشا» ضد سعد زغلول، وذهب «سعد» لوالد محمد محمود وقال له:
إنى أقبل حكمك بين ابنك وصديقك ؟!
وترقرقت الدموع فى عينى «محمود سليمان» وقال:
- لا أستطيع أن أحكم بينكما، ولا أن أنضم إلى أحدكما، ولكن لن أبقى فى القاهرة مادمتما مختلفين !
وفعلا سافر الرجل إلى بلدته «ساحل سليم» بالصعيد وبقى هناك إلى أن تصالح «سعد» و«محمد محمود» بعد خمس سنوات، ثم عاد للقاهرة !
وعندما صدر تصريح 28 فبراير سنة 1922 وصفه سعد زغلول بأنه «نكبة وطنية كبرى» كما وصف لجنة الثلاثين التى تقوم بإعداد الدستور بأنها «لجنة الأشقياء»، بينما وصف «محمد محمود» دستور اللجنة بقوله : «كان دستورها من أحسن ما خرج للناس».
وعندما جرت الانتخابات فى ظل الدستور الذى هاجمه سعد زغلول فقد اكتسح الوفد هذه الانتخابات بنسبة تزيد على 90%، وسقط رئيس الوزراء فى هذه الانتخابات وهو «يحيى إبراهيم باشا» !! فى انتخابات نزيهة وشفافة لم تشهد مصر مثيلا لها منذ عام 1924، كما نجح فى هذه الانتخابات أيضا «محمد محمود».
قبل أن يتولى «محمد محمود» رئاسة الوزارة فى يونيو 1928 كان قد تولى وزارة المواصلات «سنة 1926» ووزارة المالية «سنة 1927».
وبعيدا عن المناصب والمسئولية الوزارية كان «محمد محمود» متحدثا جيدا شديد الاحترام للدستور، وكان يردد دائما : «ندفع عن الدستور كل يد تحاول مسه بأذى».
وكان أول ما فعله «محمد محمود» عقب تأليف الوزارة تأجيل البرلمان لمدة شهر ثم أعقب التأجيل حل البرلمان بمجلسيه وإيقاف الحياة الدستورية ثلاث سنوات قابلة للتجديد!!
وعندما يسأله أحدهم : متى تعود الحياة النيابية؟! كان يقول ببساطة شديدة : أنا وحدى أقرر متى تعود الحياة النيابية إلى مصر؟!
ووسط ذهول ودهشة أنصاره وكبار مثقفى حزبه «الأحرار الدستوريين» أعاد محمد محمود العمل بقانون المطبوعات القديم الصادر سنة 1881 الذى يجيز تعطيل الصحف وإلغاءها إداريا، وهكذا تم إلغاء رخص حوالى مائة صحيفة، وحسب شهادة المؤرخ الكبير «عبدالرحمن الرافعى» فقد أنذرت وعطلت عدة صحف من صحف المعارضة، فعطلت جريدة البلاغ ومجلة روزاليوسف أربعة أشهر، وجريدة وادى النيل تعطيلا نهائيا، وأنذرت جريدة الأهرام، وجريدة لاباترى وجريدة كوكب الشرق، ثم عطلت نهائيا كوكب الشرق والوطن والأفكار وروزاليوسف.. إلخ
وفى مذكراتها تروى السيدة العظيمة روزاليوسف قصتها مع حكومة «محمد محمود باشا» فتقول : كان الملك فؤاد - بدافع من الإنجليز - قد أقال وزارة الوفد، وتولى المرحوم «محمد محمود» رئاسة الوزارة ثم لم يلبث أن أعلن تعطيل الدستور والحياة النيابية ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
واتخذت المجلة خطة الدفاع عن الدستور والهجوم العنيف على الوزارة، وصدر العدد 134 من روزاليوسف وفيه حملة على حق الملك فى إقالة الوزارة، وفيه صورة كاريكاتروية تمثل «محمد محمود» يدوس على الدستور وهو صاعد إلى مقعد الوزارة !
وبعد أن تم طبع نسخ المجلة كلها، دق التليفون ينبئنى بأن المطبعة محاصرة، وأن البوليس قد جاء ليصادر العدد، وأسرعت إلى المطبعة لأرى بعينى مأمور قسم عابدين وضباط البوليس السياسى واثنين من الكونستبلات الإنجليز يطيحون بأعداد المجلة المتراصة فى أعمدة طويلة يمنعونها من الخروج!
وبدا لى هذا الموقف غريبا وغير معقول، كيف يمكن أن تصادر الحكومة جهد إحدى المواطنات؟ كيف يمكن أن تمنع الحكومة مجلة من أن تبدى رأيها ؟!
كانت هذه التجربة من تجارب المصادرة تبدو لى غريبة مثيرة للأعصاب إلى أقصى حد.. وكانت مصادرة هذا العدد هى المناسبة التى عرفت فيها مصطفى النحاس «زعيم الوفد» لأول مرة!
وأسرعت إلى بيت الأمة بغير سابق موعد ولا استعداد، وهناك كان يجلس «مصطفى النحاس» و«مكرم عبيد» وحولهما بقية أعضاء الوفد الكبار والتف الجميع حولى يتأملوننى لأول مرة والدهشة ملء عيونهم، فهذه إذن هى السيدة التى تصدر مجلة سياسية، والتى تدافع عن الوفد وتهاجم خصومه وتتفوق فى ذلك على غيرها من صحف الوفد دون أن تعرف واحدا من الوفديين!! ولم أنتظر حتى تنتهى دهشتهم فقلت لمصطفى النحاس :
- يا باشا صادروا المجلة، وأنا عاوزة الإفراج عنها!
وقال لى النحاس : اقعدى يا بنتى.. إيه إللى حصل؟
ورويت القصة كلها.. وقدمت له نسخة كنت أحملها من العدد المصادر!
وقال مكرم عبيد فى لهجة خطابية : لك الفخار يا سيدتى !
وقد سارت هذه الكلمة بعد ذلك مثلا !
ولم يأمر النحاس طبعا بالإفراج عن العدد كما كنت أتوهم، ولكنه استدعى عددا من المحامين الشبان فى ذلك الوقت منهم «محمد صلاح الدين» و«صبرى أبو علم» و«سليمان غنام» وكلفهم برفع دعوى مستعجلة بطلب الإفراج، ولكن الدعوى رفضت، وعدت فرفعت دعوى مدنية طالبة التعويض، وحكمت لى المحكمة على الحكومة بمائتى جنيه تعويضا!!
وتبين بعد ذلك أن القاضى حسب ثمن بيع العدد عشرين ألف نسخة بسعر النسخة قرش صاغ فيكون المجموع 200 «مائتى» جنيه ولم يحسب إيراد الإعلانات أو الضرر الأدبى أو أى شىء آخر!! وتمضى السيدة «روزاليوسف» قائلة :
لم تثن هذه المصادرة «روزاليوسف» عن خطتها فقد تابعت حملتها العنيفة فى الدفاع عن الدستور والهجوم على الوزارة ولقيت رواجا كبيرا حتى أصبح الناس يتلهفون على يوم صدورها، وقابلت الحكومة هذا الإصرار بالعنف البالغ فصادرت المجلة مرات وعطلتها مرة أخرى، وكانت الوزارة لا تصادر المجلة إلا بعد أن يتم طبع جميع النسخ حتى تكون خسارتها المالية كبيرة ! وكنت أواجه هذا التحدى بإصرار، كلما عطلت الوزارة المجلة أصدرت مجلة أخرى باسم جديد.
وفى غمرة هذا الصراع العنيف أرادت الوزارة أن تجرب مع روزاليوسف سلاحا آخر، فزارنى يوما موظف كبير فى الداخلية يعرض على أموال الحكومة فى نظير تخفيف الحملة على محمد محمود وحكمه المطلق، ولكننى رفضت ثم تبين أن الموظف الكبير ظل يقبض مبلغا شهريا بدعوى أنه يوصله إلينا، وكان «محمد محمود» يعجب حين يعرف أن النقود تدفع فى حين أن المجلة ماضية فى عنفها حتى اكتشف أخيرا أن النقود تذهب إلى جيب الموظف الكبير فطرد شر طردة !!
وقد التقيت يوما بالمرحوم «محمد محمود» وهو رئيس للوزارة سنة 1939 قبل وفاته بعام واحد، فذكرنى بهذه القصة ضاحكا.
وفى الثانى من أكتوبر سنة 1929 استقالت حكومة «محمد محمود» باشا، وعادت إلى صفوف المعارضة، وعندما قام «إسماعيل صدقى باشا» بإلغاء دستور 1923 وعمل دستور 1930 هوجم بضراوة وشراسة، وكان على رأس هؤلاء «محمد محمود باشا» رئيس حزب الأحرار الدستوريين. كما شارك فى كل المؤتمرات التى قاومت وعارضت حكم صدقى باشا الديكتاتورى !
وسقط دستور صدقى باشا بالفعل !!
وبعد حوالى تسع سنوات يعود محمد محمود رئيسا للوزراء فى 30 ديسمبر 1937 ثم تستقيل الحكومة ثم يكلفه الملك بتشكيل الوزارة للمرة الثانية وتستمر حتى 24 يونيو 1938 ويكلفه الملك أيضا بتشكيل الحكومة التى استمرت حتى 18 أغسطس 1939 .
واللافت للانتباه أن «محمد محمود» قال فى كتابه إلى الملك فاروق بقبول تأليف الوزارة هذه العبارة: «وأوقن بأن خير البلاد معقود بأن يكون الدستور أساس الحكم».
وكان أول ما فعله رئيس الوزراء أنه أصدر مرسوما بتأجيل انعقاد البرلمان شهرا ثم تلاه مرسوم بحل مجلس النواب.
وجرت الانتخابات وحسب شهادة المعاصرين لها، فلم تكن فى جملتها انتخابات حرة ولا سليمة وبتعبير عبد الرحمن الرافعى وليس هذا الوضع من الدستور فى شىء.
وجاءت نتيجة الانتخابات مذهلة فقد فاز حزب رئيس الوزراء «ب 193» نائبا و«55» من المستقلين الموالين للحكومة أما حزب الوفد فلم يفز إلا باثنى عشر وفديا فقط بل خسر زعيما الوفد فى دائرتيهما وكانت خسارة مصطفى النحاس ومكرم عبيد مثار دهشة لا حدود لها.
فى تلك الأيام انشغل الرأى العام بمعركة طريفة كان بطلها الكاتب الكبير توفيق الحكيم عندما كتب مقالا فى مجلة آخر ساعة بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1938 عنوانه «أنا عدو المرأة والنظام النيابى لأن طبيعة الاثنين فى الغالب واحدة الثرثرة».
وكان مما قاله أيضا «أقول لكم فى صراحة أن هذه الديمقراطية كما تفهمونها وتزاولونها فى مصر هى أصلح أداة لتولية الحكم غير الصالح.
ويقرر محمد محمود باشا فصل توفيق الحكيم من وظيفته بوزارة المعارف واعترض كبار المثقفين والمفكرين من حزبه وانتهى الأمر بخصم نصف شهر من مرتبه وجاء القرار بتوقيع د.محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف والكاتب والمثقف الكبير.
وكان المثير فى مقال الحكيم الذى أغضب رئيس الحكومة وكل الأحزاب والهيئات وزعيمات المرأة وخاصة هدى شعرواى أنه اقترح تأليف حكومة من عشرة أسماء فقط أطلق عليها العشرة الطيبة المشهود لهم فى جميع المناسبات بالعمل الصامت وقلة الميل إلى الحزبية العمياء والخطب العصماء.
وسط الهجوم الكاسح على توفيق الحكيم خرج شقيق رئيس الوزراء نفسه وهو «حنفى محمود باشا» وكتب فى آخر ساعة «3 نوفمبر 1938» مقالا مهما بعنوان «غضب الديمقراطية» ختمه بقوله: لعل مما يقلق الديمقراطية عندنا ويثير غضبها هو كثرة عشاقها فكل حزب يتغنى بها ويدعى الذود عنها ويتظاهر بالتغانى فى هواها والتدله فى غرامها حتى تسابق الجميع فى المزايدة فأقلقتها كثرة المتصابين واحتشاد الطالبين فأصبحت تريد أن تعرف ما وراء هذا الكلام المعسول وما تكنه لها القلوب، ترى ماذا يكون شأنها؟ وأى فجيعة تصيبها لو تكشفت لها قلوب أولئك المحبين يوما فوجدت منقوشا عليها فلتحيا الديكتاتورية ويومئذ تعلن الديمقراطية إعجابها بصراحة شخصين أولهما توفيق الحكيم.
بعيدا عن السياسة كان محمد محمود باشا يروى الشعر ويقص القصص ويتحدث فى العلم والدين والسياسة كما يقول الشاعر الكبير «كامل الشناوى» وكان بيته بمثابة أكبر صالون أدبى فى عصره من روداه شاعر النيل حافظ إبراهيم ومحمود حسن إسماعيل وكامل الشناوى.
وأطلق عليه البعض وصف الزعيم النبيل فأثناء توليه منصب وزير المالية سنة 1927 وصله شيك مكافأة له بوصفه عضوا فى مجلس إدارة ترام الرمل لكنه رفض قبول المبلغ وقال: إنه لم يحضر جلسة واحدة من جلساته رغم أن العادة جرت على صرف المكافأة للوزير، لكنه أصر على الرفض طوال فترة توليه الوزارة.
وحسب ما تقول الدكتورة ماجدة محمد محمود فى كتابها المهم «المعتدلون فى السياسة المصرية دراسة فى دور محمد محمود باشا» رفض محمد محمود طوال حياته الاشتراك فى أية شركة من الشركات أو عضوية أى بنك لأنه رأى أن فى هذا الاشتغال ما قد يكون مثارا للشبهة والرجل الذى يحمل أعباء الحكم من وجهة نظره يجب أن يتنزه عن كل شبهة تثور فى الناس بالحق أو على غير الحق لذلك رفض طوال حياته أن يكون له عمل مالى غير ثروته الخاصة.
وحين عرضت على القضاء قضية القذف التى رفعها إسماعيل صدقى عندما كان رئيسا للوزراء عام 1932 ضد محمد محمود طلب محمد محمود تأجيلها قائلا: إن التهمة الموجهة إلى تقتضى أن أمس شخصية خصمى وكان صدقى مريضا لا يملك الدفاع عن نفسه فأجلوا القضية أو احكموا علىَّ بغير دفاع.
ولم يكن كل ما سبق سوى بعض ملامح عن رجل له ما له وعليه ما عليه.. نسينا الرجل وتذكرنا الشارع الذى يحمل اسمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.