«الفرافير» مسرحية كتبها الدكتور يوسف إدريس قبل نكسة 67. وشاعت الكلمة حتى صار الناس يطلقونها على أتباع كل مسئول كبير.. وهم يدورون حوله.. يضحكون حين يضحك.. ويغضبون حين يغضب.. يكتبون له الخطب فى المناسبات.. والبرقيات فى الأعياد.. يرفعون أيديهم موافقون موافقون فى البرلمان.. ويهتفون بالروح بالدم فى المسيرات.. وقد رقص أحدهم فى البرلمان فرحاً بعودة عبدالناصر.. بعد قرار التنحى. رغم موجة الحزن التى أعقبت نكسة 67. وجعلتنا نسأل أنفسنا.. كيف انتخبنا للبرلمان إنساناً لم يقرأ كتاباً يحرك عقله أو قصيدة تثرى وجدانه.. أو مسرحية تعلمه فن الحوار.. أو يستمع لموسيقى ترتقى بغرائزه.. حتى أصبح شعبولا وأبوالليف وسعد الصغير.. يشكلون عقله ووجدانه.. وتحولت مصر من تاج العلاء فى الفنون والمعارف.. إلى راقصة تثير الغرائز فى الملاهى الليلية. إن هدف كل ثورة هو خلق إنسان حر، يختلف عن الأغوات والخصيان الذين عاشوا فى قصور الملوك والسلاطين.. ووصفهم أبوالطيب المتنبى فى بيته الشهير وهو يهجو كافور الإخشيدى... صار الخصى أمير المؤمنين بها.. فالحر مستعبد والعبد معبود.. فلماذا تحول الإنسان فى ثورة يوليو من سيد يقرر مصيره إلى عبد مملوك فى قصور المماليك.. ومن مبدع للعلوم والفنون.. إلى خادم يطوف حول سيده فى حلقات الدراويش.. لماذا تحول إلى إنسان سلفى يعيش بجسده فى الحاضر.. وعقله يعيش فى الماضى.. كما أخبرنا الأديب الإسبانى «سرفانتس».. وهو يصور شخصية العربى.. وهو يبكى على تلال قصر الحمراء.. بعد ضياع الأندلس. ولماذا تحول الإنسان بعد تسعة أشهر من ثورة يناير.. إلى فرفور يذكرنا بمسرحية يوسف إدريس.. وهو يلطخ الجدران بالشعارات.. ويحرق الأبنية والسيارات.. ويرفع الأحذية بدلاً من الزهور.. وحبل المشنقة بدلاً من ميزان العدالة.. ولم يكن هذا حاله عند قيام الثورة.. لقد دعتنا ثورة يناير إلى أن نرفع رءوسنا.. لنرى الآفاق التى تنتظرنا.. فلماذا أصبحنا ننظر إلى الوراء وإلى تحت أقدامنا.. وقد سيطرت علينا غريزة الانتقام ونشر الفوضى والخراب.. بدلاً من البناء والحوار.. والسلام الذى بشرتنا به الثورة.. بشرتنا ثورة يناير بأنها «سلمية سلمية».. تعبر عن طبيعة شعبنا.. فخرجت جموع الشعب لتؤيدها.. والجيش لحمايتها.. وعندما كتب نجيب محفوظ رواية «الكرنك» بعد رحيل عبدالناصر.. وأدان فيها التعذيب فى دولة المخابرات... غفرنا لعبدالناصر خطاياه.. من انفراده وحده بالحكم بعد أن ألغى الأحزاب.. إلى التنكيل بخصومه فى السجون.. بعد أن عرفنا البطولات التى قام بها أبطال من رجال المخابرات مثل رأفت الهجان.. وعندما كتب توفيق الحكيم «عودة الوعى».. واعترف فيها أنه كان فى غياب عن الوعى.. أمام سحر زعامة عبدالناصر.. أدركنا أن زعامة عبدالناصر حققت لنا الاستقلال وتصفية الإقطاع وبناء السد العالى ونشر التعليم المجانى.. لأن هذه الزعامة كانت ضرورة لوحدة الشعب.. وراء قائد يخوض المعارك لتحرير الأرض.. وتطلعنا إلى ثورة ديمقراطية تحرر الإنسان.. حتى جاءت ثورة الشباب فى مطلع العام الحاضر.. تبشرنا بالسلام وبناء الإنسان الحر الذى يتطلع إلى المستقبل.. وليس الفرفور الذى يدور حول سادته من كبار المسئولين.. نحن نعيش فى مرحلة جديدة انتهى فيها عصر الزعماء.. وبدأ عصر الشعوب.. مرحلة تحتاج إلى جيل جديد من أصحاب الفكر المستنير والوجدان الراقى والمبدعين فى العلوم والفنون.. مرحلة نتجه فيها إلى الجامعة لنحرر العقل.. وإلى أجهزة الإعلام لنرتقى بالوجدان.. وإلى دار الكتب لنبسط معارف العصر.. ونوفر الكتاب إلى جانب الرغيف.. وإلى دار الأوبرا لننهل من الفن.. ونخرج من عباءة التقليد والجمود.. نحن فى حاجة إلى مليونية فى جامعة القاهرة... نجدد فيها ذكرى طه حسين وهو يحرر العقل.. ومصطفى مشرفة وهو يحقق النبوغ فى العلم.. وعبدالرحمن بدوى وهو يرتاد آفاق الفلسفة.. ومصطفى عبدالرازق وهو يجتهد فى ديننا الحنيف... حتى يعود إلينا الوعى الذى دعانا إليه توفيق الحكيم.. ويختفى من حياتنا فرافير يوسف إدريس.