نسينا فى زحمة الأحداث المتلاحقة وأخطرها وآخرها زحف السلفيين والتيارات الدينية على تصدر المشهد.. نسينا القيمة الأعظم التى يجب أن نلتف حولها جميعاً بمختلف التيارات والاتجاهات، وهذه القيمة هى بلادنا الغالية.. مصر.. التاريخ والحضارة والأصالة.. مصر التى يمتد تاريخها منذ آلاف السنين.. مصر التى لن يستطيع أى شخص مهما كانت قيمته أو تأثيره فى الشارع إلغاء دورها ووجهها الإبداعى الحضارى. تصوير شريف الليثى ربما ما سبق خير معبر عن معرض خبيئة الحضارة الذى احتضنه قصر الفنون بالأوبرا ويستمر حتى 13 أغسطس الجارى والذى يقدم خلاله 107 أعمال فنية يطالع فيها الجمهور فترة مهمة من ذاكرة مصر التاريخية والفنية وهذه الأعمال تمثل قيمة فنية وتاريخية كبيرة خاصة أنها لفنانين عظام أغلبهم مشهور وبعضهم مجهول، وهذه الأعمال عنوان جديد فى كتاب الحضارة المصرية رغم مرور السنين وتعاقب القرون ولاتطوى صفحاته مادامت مصر باقية، والأعمال المعروضة عبارة عن تصميمات ورسومات وخرائط لمجموعة من المشاهد الحقيقية التى سجلها هؤلاء الفنانون بإبداع حقيقى يسجل صفحات مهمة من تاريخ مصر الحديثة والمعاصرة، فهناك لوحات لخزان أسوان ومظاهرات ترحيب بضباط الجيش وتسجيل لمعارك حربية وبحرية وهناك لوحات للملك فاروق وهو يرفع العلم المصرى فى القلعة وتصميمات لأوانى من العصر القبطى، ورسم يسجل بروعة سقف صالة محمد على الكبير نقلاً عن قصر الجوهرة، واجتماع لملوك ورؤساء الدول العربية، وهناك لوحة معبرة عن مغادرة الملك فاروق بعد تخليه عن الحكم، ولوحات ترحيب شعبى بالجيش، وتصميمات رائعة لموكب الخليفة الفاطمى، واحتفال بأول العام الهجرى ولوحات أخرى لمجلس قيادة الثورة بقيادة محمد نجيب، ولوحات كثيرة عن صورة الحكم الملكى فى مصر بما فيها فترة حكم الخديو إسماعيل وصولاً لفترة حكم الملك فاروق، ومن أبرز الفنانين المشاركين فى أعمال المعرض الحسين فوزى ومحمد حسن وكامل مصطفى ومحمد عزت مصطفى وإدوارد زكى خليل وأحمد عثمان وإيزاك ونجيب فانوس، وسعيد الصدر وعبدالعزيز فهمى، وأحمد خالد درويش وعبدالفتاح عيد وإبراهيم قطرى.. وقد قام قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة بتوثيق تلك الأعمال - الكشف من خلال لجنة مختصة رأسها الناقد صبحى الشارونى. وتبدأ قصة هذا الكشف الفنى حسب د. أشرف رضا رئيس القطاع فى أبريل الماضى أثناء قيام فريق من الإدارة العامة لبحوث صيانة وترميم الأعمال الفنية بالقطاع بإخلاء جدران متحف الحضارة المصرية الذى أنشىء عام 1949 من الديورامات المثبتة داخل جدران المتحف حتى وصلوا إلى ديوراما «مجرى حوض النيل» الضاربة بعمق ثمانية أمتار داخل الحائط، وعند إزالتها كانت المفاجأة التى أذهلت الجميع وهى وجود باب سرى يؤدى إلى سرداب وعند فتحه تم اكتشاف خبيئة توارت لعشرات السنين مكونة من 222 عملاً فنياً متنوعة منها أعمال لكبار رواد الفن التشكيلى فى مصر وقد تم بذل مجهود كبير لترميم تلك الأعمال وعرضها للجمهور. وقال د. أشرف إن مجموعة اللوحات المكتشفة تكتسب أهميتها كونها تقدم لنا رصداً لفكرة تطور اللوحة من مرحلة الدراسة الأولية إلى وصولها للعمل النهائى، كما أنها - تلك اللوحات - تضيف رؤية أخرى لروادنا من الفنانين وربما تدفع لإعادة كتابة تطور الحركة التشكيلية. وفى النهاية أسجل إعجابى بهذه الأعمال التى فضلاً عن كونها أعمالاً إبداعية حقيقية فإنها تسجل مشاهد من تاريخ مصر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بشكل إبداعى بعيداً عن التسجيل ورصد الواقع، ونصيحة لكل محبى الفنون ومصر اذهبوا إلى رؤية هذه الأعمال لتعرفكم قيمة بلدكم ودورها الإبداعى النابض.